وطن تسوده «المحبة» لا يمكن أن يكون للمتطرفين تأثير فيه، فالمحبة لا تسقط أبدًا كما قال السيد المسيح، ومن هنا لا قلق على مجتمع يستهدفه المتطرفون. منذ فض اعتصامى رابعة والنهضة، اتجه عنف المتطرفين إلى استهداف الأقباط وبصفة خاصة فى صعيد مصر، وكانت المنيا أكثر من عانى من عنف المتطرفين، ومع الاعتداءات الكثيرة على الكنائس وحرق دور العبادة، يظل المسيحيون مؤمنين بوطنهم متمسكين به، ويتجسد ذلك فى قول البابا تواضروس الثانى «وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن»، لتكون جملة تقطع على الإرهابيين الطريق أن أقباط مصر متمسكون بوطنهم. الكنيسة تعاملت مع الموقف بمسئولية، فبدأ تعاملها مع الأزمة بإسناد ملف ما يحدث فى المنيا إلى الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا، الذى تولى العديد من الملفات منها ملف دير وادى الريان الذى تم حله، وأيضًا أزمة سيدة الكرم التى تولاها وأكد التمسك بالقانون فى حل الأزمة، كما أسند إليه البابا تواضروس تحرير مجلة الكرازة الناطقة باسم الكنيسة الأرثوذكسية. مؤخرًا أُغلقت كنيسة فى المنيا فأصدر الأنبا مكاريوس بيانًا عن ذلك، يقول فيه إن كل المحاولات لم تفلح لإعادة فتح الكنيسة، بدعوى اعتراض بعض أهالى القرية، وأنه يجب مراعاة مشاعرهم، متسائلاً: ماذا عن مشاعر الأقباط الذين أغلقت كنائسهم؟ مضيفًا: نحاول أن نجد أماكن لإقامة الشعائر الدينية فالدستور يكفل حق العبادة. وأكد الأنبا مكاريوس أنهم يدركون أن الرئيس السيسى يتطلع إلى تحقيق العدل والمساواة وتوطين السلم والاستقرار فى أركان البلاد، إلا أنه شكا من بعض المضايقات وبعض التصرفات التى تضيق على الأقباط. مضيفًا، لدينا ما يزيد على 15 مكانًا مغلقًا بأمر أجهزة الأمن. فى قرية كدوان بالمنيا التى شهدت الأزمة الأخيرة، استغل متطرفون قيام أقباط بالصلاة فى منزل أحدهم وأبلغ الأمن أن الكنيسة غير مرخصة فحدثت الأزمة. بعد ذلك فوجئ الأقباط بمنعهم فى قرية الفرن من الصلاة فى المكان الذى تعودوا على الصلاة فيه، وبالطبع غضب الجميع من ذلك وكان تعليق الأمن على ذلك بأنه كان درءًا للفتنة. المصريون تحكمهم المحبة، لذلك فى عيد السيدة العذراء الذى أقيم الأسبوع الماضى أقام أقباط قرية الفرن صلاتهم فى الشارع ولم يعترض أحد. الكاتب والمفكر سليمان شفيق قال ل«روزاليوسف»: إن المنيا بها أماكن كثيرة فى مقدمتها الكدوان والفرن بها أعداد كبيرة من الأقباط، ومن ثم أصبح هناك حاجة ماسة لإقامة دور عبادة. وأضاف: من الطبيعى أن يصلى الأقباط فى بيت أحدهم إلى أن يتحول إلى كنيسة، وهذا العرف الذى يسير ويعرفه الجميع، وذلك بالاتفاق مع الأمن، لكن منذ إقرار قانون بناء الكنائس أصبح هذا الفعل يُعاقب عليه القانون، وهو الأمر الذى حذرنا منه كثيرًا قبل إقرار القانون. وأوضح شفيق أنهم خلال شهر ونصف الشهر ناقشوا مع الأمن كل الحلول المتاحة فيما يخص قرية الفرن تحديدًا، وكل الحلول رُفضت حتى وصلنا إلى ما نحن فيه، والأهالى قاموا بالصلاة فى الشارع فى صحبة وحماية المسلمين وكنت شاهدًا على ذلك. وتابع: التهديدات موجودة فى كل المحافظات وليست فى المنيا وحدها، لذلك لابد أن يرفع الأمن يده عن الموضوع برمته، مشيرًا إلى أن ضحايا الأمن أكثر من الأقباط الذين يأتون فى المرتبة الثالثة بعد الشرطة والجيش وندرك ذلك جيدًا. وأوضح أن عدد الأقباط فى المنيا 2 مليون من جميع الطوائف، %70 منهم يتمركزون فى أبوقرقاص، وجميع الأقباط هناك تخدمهم 632 كنيسة من كل الطوائف، وبالتالى سنجد أن العديد من القرى يصل عدد الأقباط فيها ما بين 500 و 1500 بلا كنيسة واحدة. وعن كثرة الأحداث فى المنيا قال شفيق: إن %75 من الأقباط يتمركزون فى الصعيد ما بين محافظتى المنيا وأسيوط مقابل %13 فى الدلتا والإسكندرية ووجه بحرى و%12 فى القاهرة، وبالتالى يتضح أن الغالبية العظمى من الأقباط المتمركزين فى المنيا من ذوى الدخول المتوسطة وهى محافظة غير طاردة للسكان وهى أول محافظة ظهرت فيها الجماعات الإسلامية وكانت أعلى نسبة تصويت للإخوان، و80 % من الكنائس التى دمرت فى 2013 كانت هناك، وكذلك سنجد أن أغلب زعماء الجماعات منها أيضًا كل هذه الإشارات توضح طبيعة سكان المحافظة. ويكمل شفيق: الأقباط يمثلون نحو 35 % من سكان المحافظة يمتلكون نحو 31 % من ثرواتها ويمثلون 40 % من الطبقة المتوسطة. وعن دور نواب مجلس الشعب فى هذه القضية يعلق شفيق قائلا: «اذكروا محاسن موتاكم» وأين هم أساسًا من كل قضايا الوطن وليس المنيا فقط. وأضاف: الفارق بين المنيا وأسيوط هو الإدارة الأمنية لهذا الملف خاصة من قبل الأمن الوطني، مشيرًا إلى أن هناك كوادر حقيقية تدير هذا الملف بأسيوط، ولذلك لا نجد مشاكل تذكر كما هى موجودة فى المنيا. أما عن لجنة توفيق أوضاع الكنائس التى شكلتها الحكومة إبان إقرار قانون دور الكنائس فيوضح أن دور هذه اللجنة مقصور على الكنائس الموجودة بالفعل، أما ما يحدث بالقرى فلا علاقة لها به، والوضع قبل القانون كان يجرم كل من يعتدى على المصلين الذين يختارون البيوت حسب احتياجهم، أما الآن فهو يجرم المصلين ويقف مع المعتدين، وهناك حوالى 40 طلب ترخيص لبناء كنائس بالمنيا منها طلبات تراخيص مقدمة من أكثر من 40 عامًا ولا يوجد أى رد عليهم حتى هذه اللحظة!.