بعد أحد عشر عاما من «الفتور» تتخذ العلاقات السعودية - العراقية منحى يكسر الجليد عبر زيارة السيد «مقتدى الصدر» لل«رياض» بدعوة رسمية أثمرت عن حزمة قرارات ينتظر تفعيلها قريبا بدأت بمنحة سعودية قدرها عشرة ملايين دولار للحكومة العراقية لمساعدة النازحين العراقيين. زيارة «الصدر» تكتسب أهمية كبرى إذ تأتى عقب نجاح العمليات العسكرية الأخيرة لتحرير مدن العراق من الوجود الداعشي، سيما عقب تسريبات حكومية عالية المستوى عن مشاركة «سرايا السلام» - أحد ألوية الجناح العسكرى للتيار الصدرى الشيعى المتمركزة فى وسط وجنوب العراق - فى الاشتباكات ولعب دور بارز فى عمليات التحرير برغم إعلان التيار الصدرى إحجامه سابقا عن المشاركة على المستوى السياسى الرسمى. الزيارة ينتظر تفعيلها عبر إنشاء قنصلية سعودية فى «النجف»، وإنشاء خط جوى يربط المملكة بالعراق، وتعزيز عمليات الإغاثة الإنسانية، ودعم سبل تشغيل الشباب، وتعمير مناطق وسط وجنوب العراق عبر ضخ عمليات الاستثمار العربى فيها، وهو ما أثار ردود أفعال واسعة سيما فى الأوساط الإيرانية، حيث يرى محللون أن السعودية تستعد لخلق نفوذ قوى لها فى العراق سيما قبيل انتخابات «بغداد» المقبلة التى يبدو أن «الرياض» تستعد لها منذ الآن، القلق الإيرانى امتد ليشمل الحليفة «قطر» كذلك إذ لم تستبعد «طهران» أن يكون هذا التقارب السعودى السنى - الشيعى المفاجئ ضمن ملف تقويض الدور القطرى فى مناطق الصراع الإقليمى الحالي، ليس فى العراق فقط وإنما فى اليمن أيضا. على الصعيد الداخلى فى بغداد كان السيد «مقتدى الصدر» قد تبنى فى الآونة الأخيرة نهجا مناوئا ل «طهران» إقليميا، سيما عقب أحداث تفجير مرقدى الإمامين «العسكري» فى «سامراء» التى نفذها مجهولون بمجرد تسريب أنباء عن زيارة «الصدر» للمدينة المنورة عام 2006 بدعوة من الملك السابق «عبدالله بن عبدالعزيز». يرى محللون كذلك أن التقارب السنى - الشيعى لن يعود بالفائدة على العراق وحده، وإنما ستستفيد منه السعودية كذلك لاحتواء ما وُصف ب «الاحتقان الطائفي» فى بعض مناطق المملكة منها «الأحساء»، حيث إن الترحيب بزعامة شيعية كبرى لها ثقلها ك«الصدر» مع وفده من الأئمة والطلبة والباحثين الشيعة، ناهيك عن دعوتهم رسميا هو رسالة للداخل السعودى سيكون لها أثر كبير فى إسكات الأصوات الداعية للتوتر. على صعيد مواز، فمن المؤكد أن ابتعاد التيار الديموقراطى الموالى للميليشيا الإسلامية الباحثة عن السلطة فى الشرق الأوسط من المشهد وخروجه من «البيت الأبيض» لصالح الجمهوريين هو فى حد ذاته مؤشر تهدئة يحمل دلالات إقليمية عدة تدعو إلى التفاؤل فى أغلب الأحيان، فالبعض يرى أن «تقويض احتدام الصراع السنى - الشيعي» فى ظل غياب القوى الأمريكية التى تؤججه هو بمثابة المسمار الأخير فى نعش الدواعش، فإدارة «ترامب» - كما يتبين - تجنح إلى تحجيم «جوع التكفيريين الإرهابيين» للسلطة، ما يعنى أن أمام دول الشرق الأوسط التى ذاقت ويلات الصراعات الطائفية والمذهبية العقد الماضى - أمامها - فرصة حقيقية للسعى نحو تهدئة إقليمية لو جدَّت النوايا.