رغم تظاهر إيران خارجيا بأنها دولة قوية ومتماسكة ومتقدمة تكنولوجيا وعسكريا ونوويا، فإنها داخليا تعانى من أزمات اجتماعية وإنسانية كثيرة. «إيران تبدو دولة غامضة بالنسبة لكثير من الناس فى أنحاء العالم، لأن ما يعرفونه ويسمعونه عنها يكون غالبا من خلال الصحافة والإعلام الموجه أو من خلال الأعمال الفنية من خلال مسلسل «Homeland» وفيلم «Argo» مدينة قاتمة رجالها إرهابيون ونساؤها ملتحفات بالسواد وحياة بالغة الرتابة والكآبة». المجتمع الإيرانى المحافظ، الذى يميل إلى الانفتاح، أصبح لديه على اختلاف طبقاته وتوجهاته عقدة من النظام، وكل ما يقوله هذا النظام وإن كان معقولا يتصرفون بعكسه، وكل ما يرفضه النظام يفعلونه نكاية به، فقد ضاقوا ذرعا من تنميط أساليب عيشهم. وصارت لديه خاصة الشباب لائحة مطالب طويلة تستحق الثورة والتغيير بعد ما وجدوه من تناقض كبير بين ما قامت عليه الجمهورية الإسلامية من أحلام وأفكار، وبين ما وصلت إليه فعليا. الصورة التى تظهر بها إيران فى وسائل الإعلام العالمية كمركز للإرهاب والتشدد ومحور الشر تثير غضب الشباب الإيراني، فظهرت أشكال جديدة للاعتراض والاحتجاج المنظّم، يُعرف هناك باسم الثورة السلمية، بحيث يختار المحتجون التعبير عن الرفض بطريقة مسالمة وعصرية، تركّز على الابتكار بعيدًا عن الغضب، سواء بنشر صور صادمة أو بالقيام بأفعال ضد التقاليد وكسر خطوط القوانين ال15 الغريبة، منها تجريم مواقع الإنترنت وجراحات التجميل أو التعبير عن الفرح بالنسبة للفتيان بإسدال شعورهن الطويلة من نوافذ السيارة. حالة الكبت وفرض الشعائر الدينية بالقوة أو الترهيب، أو كما يسميها بعض الإيرانيين «إدخال الناس إلى الجنة بالعصا»، ولدت ظاهرة «الحياة تحت الأرض»، والتى حرصت على بناء أنماط حياتها مستفيدة فى بعض الأحيان من غطاء رجال الشرطة الفاسدين إن كان بالمشاركة أو بالرشوة المالية. فانتشرت الحفلات الخاصة التى وصلت أشكال السهر فيها إلى أبعد مما يمكن تخيله فى جمهورية إسلامية». ولهذا يعشق الإيرانيون الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، ربما لأنها بابهم الوحيد المنفتح على العالم. فقد أتاحت لهم إيصال صوتهم إلى العالم وتغيير صورتهم بمعنى أنه لم يعد يقتصر على رجل دين معمم أو جندى فى الحرس الثورى فقط، لكنها أظهرت جانبا مختلفا من الشعب الإيراني، إيرانيون يحبون لعبة الجولف والتزحلق على الجليد والتمتع بالأزياء وإقامة الحفلات. من أشهر الصفحات التى تظهر جانبا خفيا من حياه الإيرانيين تحت اسم «أطفال طهران الأغنياء»، أو «The Rich Kids of Tehran» على إنستجرام والذى لا يمكن مشاهدته الآن إلا بعد تسجيل المتابعة للصفحة، توثق الصفحة من خلال الصور حياة الترف والحرية التى يعيشها بعض الشباب من الأثرياء فى طهران، حيث نرى صورا فى فيللاتهم الخاصة الواقعة بأحياء الأغنياء فى شمال طهران، وسياراتهم الفاخرة والساعات التى تقدر بالملايين من الدولارات، كما يعرضون حفلاتهم وصورا لهم بملابس البحر أو ملابس عصرية على أحدث صيحات الموضة البنات دون غطاء للشعر، وصدور مكشوفة وتنانير قصيرة وشعور مصبوغة بألوان فاتحة؛ والشبان فى صور تبدو أقرب إلى صور ممثلى السينما الهوليوودية وهم يستعرضون أجسادهم، ويؤكد القائمون على الصفحة أن هؤلاء الأثرياء ينتمون لعائلاتٍ ثرية وكانت ثرية لعقود هم أبناء تجار ورجال أعمال، وبعضهم الآخر صنع ثروته بنفسه من خلال العمل الجاد، «ما لا ترونه وتسمعونه هو كيف يقوم آباء هؤلاء الشباب الإيرانيون الأثرياء بمساعدة الناس فى إيران وتوفير الوظائف لهم، وهو ما يفترض أن تقوم به دولة الملالي، وتوفير مصدر للدخل بالاقتصاد الإيرانى من خلال التصدير والاستيراد، فهم أصحاب مصانع ورجال أعمال يساعدون إيران». تبدو حياة الشباب الإيرانيين الأغنياء فى هذا الموقع يعيشون بحرية كنوع من التحدى والاحتجاج، نراهم مستلقين بجانب أحواض السباحة الخاصة، فى حفلات صاخبة، وتظهر زجاجات الشمبانيا، على الموقع أيضا بعض الصور لمجموعة من الشابات الجميلات وهن يرتدين البيكينى ويقمن بتدخين الشيشة بجانب أحواض السباحة، ويتخذن وضعيات التصوير فى قصورٍ تبلغ قيمتها ملايين الدولارات. والحقيقة أن حركات التمرد على القوانين خاصة فرض الشادور و«الروساري» وهو الإيشارب الخفيف قد بدأت فعليا أولا على مواقع التواصل الاجتماعي، حسب مجلة مدام فيجارو الفرنسية والتى كانت بداية تلك الثورة الاجتماعية، عندما أنشأت الصحفية الإيرانية «مسيح على نجاد» صفحة على فيسبوك، تحت عنوان My Stealthy Freedom أو «حريتى المسروقة» عام 2014، لإظهار نساء إيرانيات بلا غطاء شعر، تعبيرًا عن رفضها الحجاب الإسلامى القسرى الذى ترتديه الإيرانيات. أرادت نجاد إتاحة فرصة لإيرانيات، يرغبن فى تسجيل آرائهن مع نشر صورة لهن بلا غطاء رأس. وقد أرسلت للموقع ملايين الصور الذى تبنت فيه الصحفية مع مجموعة من الناشطات السياسيات داخل وخارج إيران شعار حق المرأة الإيرانية فى اختيار ما ترتدى وإلغاء شرطة الأخلاق التى وصل بها الأمر إلى إلقاء رذاذ من ماء النار على وجوه غير الملتزمات بالزى الدينى مؤكدات أننا لسنا ضد أى زي، لكننا ضد الإجبار على ارتدائه. وتضيف إحدى المشاركات إن المنهج الذى يتبعه النظام الحالي، «غير مقبول لأى شخص، رسالتى هى الحرية لكل البشرية، فلأى فرد عاقل الحرية المطلقة فى الطريقة التى يرتدى بها ثيابه ويعبّر عن نفسه، وأتمنّى أن تصبح هذه الحرية حقيقة فى بلدى يوما ما».. رجال بالشادور وانتشرت مؤخرا فى إيران ظاهرة جديدة، هى تغطية الرجال رءوسهم اعتراضًا على الحجاب الإجبارى الذى ترتديه الإيرانيات بفرض من الشرطة الدينية أو «الحسبة»، مع التقاط صورهم بمشاركة نساء قريبات لهم، كاشفات رءوسهن، ونشر الصور الملتقطة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فى محاولة لعكس الأدوار التقليدية بين المرأة والرجل فى إيران. وذكرت جريدة «الإندبندنت» البريطانية أن الرجال باتوا يعرضون صورًا لهم بالحجاب، لإظهار التعاطف مع زوجاتهم والنساء فى المجتمع الإيراني، حيث تواجه المرأة عقوبات تصل إلى الغرامة أو السجن إذا تخلّت عن لبس الحجاب فى الأماكن العامة. يقول أحد المشاركين فى الحملة: «نساؤنا مجبرات على ارتداء الحجاب الشرعى منذ أكثر من 30 سنة، فى حين ارتديت حجابى الاحتجاجى لحظات بسيطة فقط. وهذا أقل ما يمكن للرجال فعله لإظهار دعمهم لحرية المرأة، خصوصا فيما يتعلق بقوانين النظام الإسلامى الذى يحكم إيران، ويشدد على أن شرف الرجل يعتمد على حجاب زوجته»، كما ارتدى البعض ثيابًا نسائية للمساهمة فى التعبير عن الاستياء إزاء الحجاب الذى فرضته الحكومة الإيرانية أوّل مرة بشكل صارم، فى أعقاب الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979. فى مواقع أخرى نرى شبابًا وشابات بالزى الأوروبى يقودون سياراتهم. تقول بطلة قيادة الدراجات النارية، الإيرانية «بهناز شَفعي»، عبر صفحتها على الإنستجرام إنها تحاول صنع جبهة ضغط لإلغاء حظر قيادة المرأة للدراجات النارية فى بلادها. وأكّدت شفعى أنها تبذل حالياً جهوداً كبيرة لإزالة جميع العقبات التى تحول دون ممارسة المرأة الإيرانية للرياضة فى البلاد، وهو ما قوبل بالرفض وحد التهديد بالقتل عدة مرات. نَفَس فى رمضان الماضى تم عرض فيلم تاريخى بعنوان «نَفَس» وتم تداوله على الإنترنت، يحكى عن إيران قبل ثورة الملالى عام 1979 تظهر فيه النساء عاريات الشعر سعيدات، يتجولن بحرية ويرتدين أحدث صيحات موضة السبعينيات القصير والضيق وقصات الشعر التى تشبه نجمات السينما العالمية، وقد اعترف المخرج أنه قد اضطر إلى الاستعانة بممثلات من أرمينيا وتصوير هذه المشاهد فى أرمينيا بعد رفض الرقابة حتى لبس باروكة أو إيشارب خفيف. وكنوع من الاحتجاج والتمرد على النظام الإيرانى يلجأ الإيرانيون بجنون إلى الجراحات التجميلية والتى كانت محرمة بفتوى من المرشد السابق آية الله الخميني، عيادات التجميل استخدمت دعاية دينية مضادة، إذ يكثر استخدام أحاديث مثل «إن الله جميل يحب الجمال» على أبواب العيادات! حتى صدرت فتوى بتحليلها بعد أن استفتى أحد الكوادر الدينية الخمينى من أجل جراحة لابنته. لكن رغم هذه الفتوى فإن الإعلام الرسمى فى بداية الانتشار الجنونى للظاهرة شعر بقلق على ميراث الثورة، حتى إن التليفزيون الإيرانى أصدر قرارًا بمنع الممثلين والمذيعين الذين قاموا بإجراء جراحات تجميلية من الظهور على الشاشات. وفيما تنظر وسائل الإعلام الغربية إلى هذا الحراك والتمرد بعين الذهول، ترى طهران فى ذلك خطرا، يستوجب رقابة أكثر، فكان القرار بحجب التطبيق وتشديد الرقابة على الإنترنت! فالسلطات الإيرانية تعلم أن أكثر من ثلثى سكان البلاد هم تحت سن ال35 عاما. ورغم المناهج الدراسية الخاصة وسياسة الانغلاق، فإنهم يعلمون أن تقبل الشباب التأثير عليهم بمبادئ الثورة يتم بنسب متفاوتة حسب النشأة ودرجة التعليم والطبقة الاجتماعية. ومع كثرة هذه المواقع الشبابية المتمردة وهذا التململ الداخلى المكثف من قبل الشباب بدأ القلق من قبل المشايخ وتطبيق أحد أكثر سياسات حجب المواقع صرامة فى العالم، الأمر الذى دفع منظمة «مراسلون بلا حدود» لأن تطلق على إيران لقب «عدو الإنترنت». وجاء فى بيان للحرس الإيرانى «أن هناك مخططا لإفساد الشباب فى إيران وتحريضهم ضد النظام، وأن معظم مرتادى مواقع التواصل الاجتماعي- الذين يقدر عددهم بعشرين مليونا- هم عملاء لأمريكا ولإسرائيل». مؤسسة «فريدم هاوس» كانت قد صنفت إيران ضمن قائمة الدول الأكثر قمعا لحرية الإنترنت والإعلام، نظرا لحجبها مواقع التواصل الاجتماعى وكثيرا من المواقع الإلكترونية واعتقال نشطاء الإنترنت. وقالت المؤسسة الدولية التى ترصد حرية الإعلام والإنترنت فى العالم من مقرها بواشنطن، فى تقريرها السنوى للعام 2016«إن إيران احتلت المرتبة 87 ضمن الدول «غير الحرة» وصنفت ضمن أكثر ثلاث دول فى قمع حرية الإنترنت بعد الصين وسوريا. إن الإيرانيين خاصة الشباب يبحثون عن الاتصال الطبيعى مع العالم، عن حياة أقل قمعا وأكثر إنسانية مما يضطر أكثر من نصف مليون إيرانى بالتقدم سنويا لقرعة البطاقة الخضراء التى تجريها الولاياتالمتحدةالأمريكية، «عدو» الإيرانيين، حسب اللغة الرسمية للدولة!