يدرك الأقباط أنهم يمرون بمرحلة تاريخية من عمر الوطن، يدركون أيضا أنهم سيتعرضون لمحن كثيرة، وسيواجهون مخاطر إرهابية لم يتعرضوا لها فى أى حقبة زمنية مضت. السؤال: هل ستستمر ثقة الأقباط فى الدولة مهما زادت وتيرة العنف وارتفعت فاتورته الوطنية؟! التاريخ يجيب: الأقباط لم يتخلوا أبدا عن الدولة ولا ينكر مواقفهم، والمراهنون على نفاد صبر الأقباط خاسرون بالثلاثة، لأن الأقباط لديهم عشق خاص لمفهوم الوطن حتى وإن طغى متطرفون على مفهوم المواطنة الذى يريدونه. صبر أيوب الذى يتعامل به الأقباط لا يعنى أن نتركهم يواجهون الأمر بمفردهم والحقيقة أنهم لا يواجهونه بمفردهم، وعلى الجميع إعلاء مبدأ المواطنة والاتفاق على «كلمة سواء» كلمة تجمعنا الآن وهى العلمانية، باعتبارها الحل السحرى والأمثل لجعل المواطنين سواسية أمام الدولة. «العلمانية» الرد القاطع على الألسنة التى تخرج لتقول إن الأقباط ليس من حقهم الاعتراض باعتبار أنهم كانوا سيعيشون أياما أكثر سوءاً إذا استمر حكم الإخوان، فغياب العلمانية هو الذى أوصل الإخوان للحكم وقوى شوكة الجماعات الدينية المتطرفة، والأهم أن بقاء تلك الجماعة فى سدة الحكم لم يكن سلبيا ومخيفا على الأقباط فقط، بل كان خطرا على كل مصرى مؤمن بمصريته ومنهم الأقباط بالطبع. الدولة الآن تبذل جهودا مضنية لحماية الأقباط وفى هذا الإطار تفرض إجراءات أمنية تغضب البعض نظرا لصرامتها، وهناك أيضا إجراءات أمنية مشددة لحماية الكنائس وبالطبع الإنسان الذى يسعى دوما للحرية يغضب من هذه الإجراءات، ومن حقه أن يعرف لماذا هذه الإجراءات؟ الأقباط فوجئوا الأسبوع الماضى بصدور قرارات من الكنائس الثلاثة الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية بإلغاء كل الرحلات الداخلية والخارجية والمؤتمرات لأجل غير مسمى. القرار بالطبع كان مبررا، وجاء خوفا على حياة الأقباط وذلك على خلفية القبض على عناصر إرهابية عثر معهم على خطط للهجوم على التجمعات المسيحية والكنائس، رغم أن القرار جاء حفاظا على أرواح الأقباط، إلا أنه قوبل باستياء شديد، خاصة أنه فى مرحلة سابقة منعت بعض الرحلات المتجهة إلى نويبع، والخوف الأكبر للأقباط هو تطور التحذيرات الأمنية عليهم والبعض ألمح إلى أن هناك تخوفا من شباب الأقباط أن يمنعوا من الصلاة فى بعض الكنائس. الواقع يقول إن الأمور لن تصل إلى هذه المرحلة أبدا، بل سترفع كل التحذيرات والمخاوف الأمنية، وفى هذا الإطار هناك هزة حدثت فى ثقة بعض الأقباط فى الدولة نتيجة أخطاء فردية والحل الآن لاستمرار هذه الثقة ذات الأواصر القوية هو.. «العلمانية». القس رفعت فكرى نائب رئيس سنودس النيل الإنجيلى قال: إن المسيحيين ليسوا كتلة واحدة وهناك عدد كبير يرى أن المسحيين مازال لديهم مطالب، بدليل أنه لا يوجد محافظ واحد مسيحى، وأن هناك مناصب فى وزارات لا يوجد بها مسيحيون وأن جلسات الصلح العرفية فيما يخص المسيحيين تؤكد غياب دولة القانون. وأضاف فكرى أن رئيس الجمهورية يسعى لتأكيد المساواة وزياراته للكاتدرائية لتأكيد المواطنة لكن يبدو أن الأصولية الإسلامية تعشش فى عقول عدد كبير من رجال الدولة. وأشار فكرى إلى أن الحل هو العلمانية التى من خلالها يتحتم على الدولة تكون محايدة تجاه جميع المواطنين وتجاه جميع الأديان والمعتقدات. كمال زاخر المفكر القبطى أكد أن الأقباط يثقون بالدولة لأنهم بطبيعتهم يميلون إلى بناء مواقفهم اعتمادا على ثقتهم بها وهذا منذ القدم وذلك لأن هذا من سيكولوجية الأقليات والتى تقوم على أن الدولة هى التى تفرض الحماية لهم. ويفرق زاخر فى حديثه بين الدولة والحكومات مشيرا إلى أن الحكومات هى الجهة التنفيذية المنوط بها ترجمة القوانين وتفعيلها. فكنا قبل 52 نجد الأقباط يتجهون للتعليم وعدم الاعتماد على الوظيفة وبالتالى ظهروا فى المهن الحرة والأعمال الخاصة ولم يكن لديهم فكرة الصراع على المناصب ولذلك نبغوا فى التخصص وكانوا متواجدين بالبنوك والبريد والسكة الحديد. وأوضح زاخر أن مختلف الأنظمة والحكومات لم تتحرك ولم تواجه الأحداث الطائفية إلا بالمواءمات والتوازنات ولازالت توافق على بقاء الأحزاب الدينية. وأكد زاخر أن الأخطر الآن أنهم يعملون على فصل الأقباط عن 30 يونيو وذلك لأن معادلة 30 يونيو كان الأقباط أحد أهم عناصرها لأنهم كانوا يدافعون عن وجودهم. وأن الأقباط أمام امتحان عسير فهل سيصمدون، موضحا أن الأقباط ليسوا خارج السياق البشرى ولديهم قدرة على التحمل ولذلك لابد أن تبتعد الحكومات عن التعامل التقليدى فى هذا الملف لأن المناخ أصبح مختلفا، موضحا أن الامتحان يشمل الأقباط والدولة. الكاتب مدحت بشاى أكد أن هناك عدم ثقة من الأقباط فى الدولة لأن هناك مواقف كثيرة لا يوجد رد قوى عليها منها موقف سيدة الكرم ولذلك فإن الأقباط لا يشعرون بأن هناك مواجهة للفكر ولازالت المواجهة أمنية وهى ليست الحل. وأضاف بشاى: مادام هناك صمت أمام قانون ازدراء الأديان وتجديد الخطاب الدينى وتنقية المناهج التعليمية سيظل هناك عدم ثقة فى الدولة فى مواجهة التطرف. وأضاف: لابد أن تكون المواطنة موجودة فى كل شيء وليس بعد وقوع الكارثة وإراقة الدماء حتى لا تأخذ شكل المجاملة. وأوضح بشاى أن المواطنة إحساس لا يختلف عن الأمن والأمان ولا نقول أن الحلول النهائية للتعامل مع كل ما من شأنه تفعيل المواطنة سهل وميسور وتقتضى إصدار قرارات وزارية أو حتى جمهورية، لكى يستقيم الأمر ونشهد وطنا واحدا مستقرا لكل مواطنيه دون تفرقة. وهناك علاج عاجل وموضعى لمشكلة تغييب مفاهيم المواطنة فى مصر وهناك تقرير لجنة مجلس الشعب برئاسة د. جمال العطيفى عام 1972 يمكن أن يكون البداية بتفعيل ما جاء به والذى قام به بعد ما سمى بالفتنة الطائفية، والذى تم تغييبه ولم يعد من يومها. والعلاج الشامل للقضية مرتبط بقضية الإصلاح «التغيير» لأحوال الوطن ككل، إذ يحتاج لأن تتحول مصر شعبا ودولة إلى كيان حديث، وتودع عصورها الوسطى، لتدخل عالم الألفية الثالثة بقيمه ومفاهيمه. أما المفكر سليمان شفيق فأكد أن الدولة كلمة كبيرة ويجب أن نتذكر أنه فى ليلة عيد الميلاد كان الرئيس عبدالفتاح السيسى فى الكاتدرائية للتهنئة وهو أول رئيس يفعل ذلك ويقول إنه بيت من بيوت الله. وتطرق الكاتب سليمان شفيق أيضا إلى حوادث اختفاء القبطيات القاصرات وهى قضية لها علاقة بالشرف وهناك تقصير يحدث من بعض أجهزة الدولة بالإضافة إلى تراث قديم يمنع وجود الأقباط فى المناصب المهمة. ورغم هذا فليس كل الأقباط يشعرون بعدم الثقة، بل هناك كبار السن وأصحاب الخبرة يعطون الفرصة للدولة وذلك لأن البديل هو الإرهاب وبالتالى هى معركة وطنية ومعركة وجود. وأوضح شفيق أنه يعتقد أن الأقباط سيواجهون مشكلة تتمثل فى عزوف الشباب القبطى عن الانتخابات الرئاسية ولذلك يجب أن يكون هناك إصلاح سياسى حقيقى قبل هذا التاريخ.