الأسبوع الماضى نشرنا شهادات كتّاب حول العالم عن أغرب وأطرف مكتبة. هنا ننشر رسالة أرسلتها لنا الكاتبة التونسية إيناس العباسى عن ثلاث مكتبات مثيرة جداً من الداخل. بفضل فيزا «الشينجين» السحريّة تمكّنت من زيارة ثلاث مكتبات مدهشة فى صائفة واحدة. أولها مكتبة «ترينتي» فى دُوبلن https://www.tcd.ie/library وتقع فى حرم جامعة «ترينتي» العريقة. عند الدخول للمكتبة ورؤية رفوفها المكتظة بالكتب والممتدة على مساحات الجدران التى تجاوزت الثمانية أمتار من العلو، تجمّدت مكانى. الصمت الذى تُوقعه حركة خفيفة ليد تتصفّح أوراق كتاب أو جريدة، قطعه الدليل واصفا المكتبة التى تُعتبر من أقدم مكتبات العالم، بأنها قبلة سياحيّة ورمزٌ وطنى بالنسبة للأيرلنديين. تحتوى المكتبة على مخطوطات نادرة جدا بعضها يعود للقرن الخامس ومخطوطات أخرى مصريّة تَكرّم نابليون بونابرت بإهدائها للمكتبة. لا يمكن معاينة الكتب والمخطوطات النادرة دون إذن من الجامعة التى تُدير المكتبة. الأغلفة من الرقّة والهشاشة بحيث لن تتحمّل تقليب الأيادى. فقط الباحثون المُغرمون بالإبحار فى تلافيف التاريخ يحق لهم الحصول على إذن بدراستها. ورغم ذلك وُضعت مجموعة من هذه المخطوطات تحت قبب زجاجية كى نتمكّن من مُشاهدتها. المكتبة الثانية، المكتبة الوطنية فى كوبنهاجن أو كما يُطلق عليها «الماسة السوداء» انبهرت بتصميمها المعاصر والغريب. فبلونها المائل للسواد بسبب زجاجها المُظلّل، مصمَّمة من البلور السميك وكان موقعها جميلا فقد كانت مبنية على حافة بُحيرة. يفتخر المثقفون الدنماركيون بها. صُمِّمت بحجر الجرانيت الأسود الذى جُلب من زيمبابوى وصقل بين البرتغال وإيطاليا، وما يميّز هذا البنيان تغيّر لونه حسب حالة الطقس وحسب التوقيت. وتحتوى المكتبة على مئات الآلاف من الكتب والمخطوطات، من بينها مخطوطات ومراسلات الكاتب الدنماركى الشهير هانز كريستيان أندرسون. وقد رتبت ووضعت هذه الكتب الثمينة على امتداد 450 قاعة تحميها 800 بوابة مهيأة بنظام أمنى عال لحماية اختراقها. وإذن كيف يمكن الاطلاع على كتاب ما؟ هناك نظام رقمى لكل هذه الكتب والمخطوطات وفى حال الرغبة فى الحصول على نسخة ورقية يجب تقديم طلب وانتظار تقديمه. «الماسة السوداء» مكان غريب وفريد تُعقد فيه الندوات والنقاشات وتُشرب فيه الأنخاب عكس الفكرة المعتادة التى كنت أتخيّلها عن المكتبات الضخمة كتصوّر بورخيسيّ شبيه بمتاهة مبنية من جُدران الكتب، مكان للاحتفال بالكتب والحياة والموسيقى. المكتبة الثالثة فى باريس، مكتبة «شكسبير أند كو» المتخصصة فى الكتب باللغة الإنجليزية. تبدو مثل بيت قديم من طابقين تم تحويله لمكتبة. فى الداخل لا يوجد فراغ. الكتب فى كل مكان فى كل فجوة وكل رفّ. على السلالم التى تقود للطابق الأوّل وخلف أبواب الغُرف، الغرف تتنافس فيها الكتب، داخل الغرف غرف أخرى أصغر مثل التى كنا نشاهدها فى الكرتون. كتب وراء الأبواب وتحت المقاعد وفى كل مكان. الإضاءة كانت رائعة تلفّنا فى وقت ليليّ وتُنسينا ضجة الشارع فى الخارج. إيناس العباسي كاتبة ومترجمة تونسية