يطل علينا المخرج «مروان حامد» فى ثالث أفلامه «الأصليين» - بعد «عمارة يعقوبيان» و«الفيل الأزرق» - بالكثير من الرمزيات والمزيد من الجدل!.. وكما قال لنا فإن صناعة فيلم ك«الأصليين» ليفتح كل هذا النقاش والجدل والتفكير سواء على مستوى الأفكار التى يطرحها أو مستوى اللغة السينمائية لكن المفارقة هى خوفه أن يمر إبداعه مرور الكرام أو أن يكون «فيلما ملوش طعم زيه زى الرز المسلوق» على حد قوله!. فى حوارنا معه تطرقنا لفيلم «18 يوم»، لنصبح أمام حالة غريبة - كغرابة «الأصليين» ذاته - من حيث وجود فيلم لمخرجه فى دور العرض وفى نفس الوقت ولنفس المخرج فيلم آخر قد تم تسريبه على الإنترنت!.. إلا أن هذا الأمر لا يشغله كثيرا، فهو مهتم أكثر برصد ردود الأفعال ودراستها، بل وبالمشروعات القادمة والتى آخرها سيكون «تراب الماس»، والذى سيبدأ تصويره أخيرا بعد العديد من الأزمات فى هذا العام. قبل الحديث عن «الأصليين».. كنا نود أن نعرف تعليقك على عرض فيلم «18 يوم» فجأة على الإنترنت؟! - ما الذى يمكننى قوله؟!.. الفيلم اتسرب ونزل وخلاص!.. ولا أرى أى مشكلة فى هذا، فقد قرأت تصريحا لرئيس الرقابة يقول فيه أنه لا توجد ورقة تقول أنه يجب منع الفيلم من العرض التجارى، والفيلم كان بالفعل قد حصل على تصريح من الرقابة.. وطريقة صنع الفيلم كانت بمشاركة عدة أطراف، فكان الفيلم مصنوعا بشكل أقرب إلى الهواية منه إلى الاحتراف.. من الآخر الفيلم مالوش صاحب، وعشان يتعمل التصريح من أول وجديد والتنازلات من جميع صناعه، فهذا يعنى أننا فى حاجة لتنازل من عشرة مخرجين شاركوا فى الفيلم، هذا بالإضافة للعديد من الأطراف الأخرى والجهات الإنتاجية.. إلخ.. والفيلم كان الغرض من صناعته بشكل أساسى أن يعرض على الإنترنت، وكان هذا الاتفاق منذ البداية، فقد تم تصوير كل فيلم من الأفلام فى يوم أو يومين تقريبا.. وسبب تأخر نزوله للعرض التجارى أنه قد حدثت مناقشات كثيرة حول مسألة ما إذا كان الفيلم من المفروض عرضه تجاريا أو العكس، وبعدها تم تسريبه، ولا أعرف من قام بهذا الأمر.. فى النهاية الفيلم تم عرضه فى العديد من المهرجانات، وكان من الممكن أن يتم تسريبه من أى بلد من البلدان التى تم عرض الفيلم فيها، يعنى كان مصيره هو التسريب فى يوم من الأيام. بعض النقاد مثل «ماجدة خير الله» كتبت عبر حسابها الشخصى عن تجربة فيلمك «1919» ضمن فيلم «18 يوم» باعتباره من أحلى أفلام التجربة، وأضافت: «هناك البعض ممن شارك فى الفيلم، وكأنهم أحبوا أن يمسكوا العصا من المنتصف، وكأنهم كانوا يودون أن يقولوا: لو الثورة نجحت أدينا كنا مؤمنين بيها، ولو فشلت أدينا مكناش من المؤيدين».. ما رأيك؟.. وهل لو كان الزمن قد عاد بك للوراء كنت ستشارك فى تجربة كهذه خاصة والحديث معظمه سلبى عن الثورة والثوار حاليا؟ - لازم نرجع لظروف صناعة الفيلم، فقد كانت الفكرة بسيطة، وهى عمل عشرة أفلام قصيرة ومجانية، والفيلم كله على بعضه ماتكلفش فلوس، وكل واحد عبر عن رأيه بحرية، والفيلم من وقت التفكير فيه لم يكن غرضه الربح المادى أو أن ينفذ بتكليف من أحد.. التجربة صنعت بشكل عفوى وودى جدا، وكل واحد صنع فيلمه وفقا لمشاعره الحقيقية تجاه الوضع وقتها، ولو هنالك أى ميزة للفيلم ستكون هذا التنوع فى الأفكار والمشاعر، وكل شخص يرى الثورة بطريقة وزاوية مختلفة، فهناك من رآها من ميدان التحرير، وآخر رآها من حظر التجول.. وهكذا.. وهو ماجعل التجربة غنية وثرية، لهذا فالفيلم مرتبط بمشاعر المخرجين بهذه اللحظة، ولا نستطيع أن نخرج الفيلم من هذا السياق. فى رأيك متى هو الوقت المناسب لإنتاج فيلم يعبرعن ثورة يناير بطريقة موضوعية بعيدا عن التأثر بلحظة آنية مثلا كما حدث فى «18 يوم»؟ - كل واحد وإحساسه وشعوره.. برأيى لا يوجد وقت محدد لصناعة فيلم عن الثورة، ولو أخذنا «18 يوم» كمثال فسنرى أنه كان صادقا جدا، وأهم ما يميزه أيضا أنه صنع كتجربة سينمائية، فأن تصنع عشرة أفلام ببلاش هى تجربة مهمة جدا للسينما، وخاصة للسينما المستقلة تحديدا. نعود لفيلم «الأصليين».. عند مشاهدتنا له انتابنا شعور غريب بأننا مثل «وينستون سميث» بطل رواية «1984» ل«جورج أورويل»، حيث إن «الأخ الكبير يراقبنا دائما وأبدا».. هل نستطيع القول بأنه من هذه النقطة يمكننا أن ننطلق لقراءة الفيلم؟ - نحن الآن فى عصر يجب أن نقرأه بشكل جيد، فنحن نعيش فى عصر التسريبات، وكل يوم نفاجأ بتسريب ما.. هنالك «الويكيليكس»، «سنودن»، وغيرها.. والفكرة أننا جمعنا كل هذه الأشياء فى الفيلم، فهى أشياء موجودة، وأصبحت جزءا من يومنا العادى، ولهذا السبب أحببنا أن نلفت الانتباه لخطورة هذه الأشياء، فكان دائما هناك سؤال يشغلنا: كل هذه المعلومات إلى أين ولمن تذهب؟.. ومن هنا انطلقنا للتفكير فى صناعة الفيلم. يجمع الفيلم بين الواقعية من ناحية مثل تفاصيل شخصية البطل« سمير» وبين الجنوح للخيال الشديد مثل ظهور شخصية «رشدى أباظة» .. فى أى منطقة تحديدا يقف «الأصليين»؟.. هل هو الواقع أم الخيال؟ - الفيلم مساحة الخيال فيه أكبر بكثير من الواقع، فعالم الفيلم هو عالم يخص الفيلم وليس العالم الواقعى الذى نعيش فيه، وهو عالم فيه مبالغة كبيرة، ولكن لا يوجد شيء يخرج دون أساس أو مغزى من الواقع، فالحدوتة فى النهاية يجب أن تقوم على أشياء نعيشها فى الواقع. مسلسل «هذا المساء» للمخرج «تامر محسن» فى رمضان الماضى تكلم عن التأثير التكنولوجى فى حيواتنا، ثم بعدها نجد فيلمك «الأصليين» يتحدث عن نفس الإشكالية.. لماذا برأيك فجأة تولد إحساس من السينمائيين بضرورة إنتاج أعمال فنية تتحدث عن هذا الأمر؟ - الموضوع تحدثت عنه السينما من قبل وأشارت إليه على مدار تاريخها، فمثلا فى السينما المصرية ستجد فيلمى «اللعب مع الكبار» و«كشف المستور»، وكلاهما تحدث عن فكرة المراقبة أيضا، ولكن الآن أصبحت هناك وقائع جديدة عن هذا الأمر، فكل يوم أصبحنا نسمع عن تسريب ما، بل ولأى شخصية سواء سياسية أو حتى عامة، وكل هذه الأشياء لا بد وأن تلفت انتباهنا كصناع سينما بشكل أكبر لخطورة هذا الأمر. «البطل».. «الوطن».. «روح الوطن».. وغيرها من التعبيرات التى كثيرا ما كانت تقال فى الفيلم.. يرى فريق أنها أصبحت تعبيرات جوفاء، خالية من المعنى من كثرة استخدامها لتصبح «كليشيه».. وفى نفس الوقت يرى فريق آخر - دعنا نصفه ب«الأمنى» أو من يحابى له - أنها من الضرورات، فى ظل الحديث عن المؤامرات والإرهاب وغيرها.. عند التفكير فى «الأصليين».. لأى فريق انحزت؟ - «الأصليين» هى جهة متخيلة، يعنى لو كنا نريد إيجاد معادل واقعى له، فكان من الأسهل لنا أن نجعله حقيقيا وليس جهة وهمية، ولكن لم يكن هذا غرضنا، فهذه الجهة موجودة فى خيال الفيلم وعالمه فقط، ولا يمكن أن يكون فى الحقيقة شخص مثل «رشدى أباظة - خالد الصاوى» المنتمى لهذه الجهة يظهر وهو يركب دراجة مثلا كما حدث فى أحد مشاهد الفيلم، فهى جهة من اختراعنا، وأى كلام ل«رشدى أباظة» كان غرضه إقناع «سمير - ماجد الكدوانى»، حتى وإن كان يستشهد بآيات قرآنية أو قصص وطنية، ف«رشدى أباظة» كان طول الوقت لديه مهمتان هما الترهيب والإقناع، فكان يحاول فرض السيطرة على «سمير» . لكنك حتى لو أردت تقديم العمل بشكل مباشر واقعى وليس فانتازى، فكنت ستواجه مشكلات مع الرقابة فى هذا الشأن؟ - أنا لم أفكر فى «الأصليين» بشكل واقعى، ومش عايز أعمل ده أصلا.. نحن لا نرى «الأصليين» كجهة.. هذا ليس هدفنا.. المسألة «فكر» أكثر من أى شيء آخر، ففكرة المراقب أو المنظم أو صاحب الرأى القاطع.. إلخ.. هى فكرة كانت وستظل موجودة، وهى فكرة تخص العالم كله وليس مصر فقط، فكنا نريد أن نتكلم عن الأفكار وألا نشير إلى جهة أو شخص ما. حديثك عن التسريبات يذكرنا بتجربة المخرج «أوليفر ستون» بفيلمه «سنودن» عام 2016، ويتناول نفس ما تناوله «الأصليين» بطريقة أخري.. لكن كل هذه الأشياء ستجد من يعارضها من أجهزة الأمن وغيرها، وسيكونون ضد هذه المبادئ بذريعة الحرب على الإرهاب أو حماية أمن الدولة؟ - أنا لا أرى أى تعارض بين الحرية وبين مكافحة الإرهاب كما يراه البعض.. يعنى إزاى عشان بنحارب فميبقاش فى حرية؟!.. الحرية المقصودة فى الفيلم هى حرية الإبداع، فمثلا شخصية «سمير» يمثل أغلب الطبقة المتوسطة وما فوق المتوسطة، وفى الفترة الأخيرة رأينا الكثير من الأشخاص الذين فقدوا وظائفهم بعد الثورة، فماذا سيفعل هؤلاء؟!.. لو لم يكن لديك القدرة على الخيال والبدء فى التفكير فى حياة جديدة ستصبح فى أزمة، أى أن هذا النوع من الحياة النمطية الروتينية بدون خلق شيء كارثى، فما يدفع الناس للأمام هو الخيال والإبداع، فالخيال ليس فقط لصناع الأفلام، والخيال لن يظهر لدى أى شخص إلا وإن كان لديه مساحة من الانطلاق..وهو ما أقصده فى «الأصليين»، فالسقف الموضوع عليك والذى يحد من خيالك غير مرتبط بجهة أو مؤسسة أو شخص معين، ف«الأصليين» موجودون فى كل حتة، وأرى كل هولاء أقوى من السلطات التى تضع سقفا على طموح وخيال الأطفال والشباب، فهى التى تختار لك كل شيء.. أنا أشعر بغضب الشباب الذين لديهم شعور بأنهم غير قادرين على الانطلاق والإبداع، فكل العالم يعطى الفرصة والمساحة الكبيرة للشباب للإبداع لأن لديهم الأفكار الجديدة. فى بداية الفيلم كتبت عبارة «الخيال أهم من المعرفة» كما قال «ألبرت أينشتاين»، وفى الفيلم أيضا تشرح «ثريا - منة شلبى» بإحدى محاضراتها أن افتقاد الحضارة المصرية القديمة للخيال أدى لانهيار هذه الحضارة.. كيف برأيك يمكن شرح هذا أو ايصاله لجمهور وشريحة كبيرة منه تفتقد للخيال أو للتفكير؟ - إيرادات اليوم فى العيد لكل الأفلام 10 ملايين جنيه، وإيراد السينما بعد العيد يقل كثيرا فى اليوم ليصل ل 2 مليون جنيه، بالتالى أى فيلم حصته قد هبطت جدا بعد العيد، فهى حسبة اقتصادية بحتة، والإيراد اليومى لفيلم «الأصليين» كان متوقعا له أن يكون أعلى فى العيد من فترة ما بعد العيد، وقد كان، فالفيلم استطاع أن يغطى %50 من إنتاجه فى أيام العيد.. أما الجمهور فآراؤه متباينة ومتفاوتة حول الفيلم، فهناك من أحبه جدا وهناك العكس تماما، وهناك من يريد مشاهدته للمرة الثانية ليفهمه أكثر، وهناك من وصله الفيلم وآخرون العكس.. ورأيى أن هذا شيء إيجابى جدا، فأن تصنع فيلما يثير هذا النقاش والجدل والتفكير سواء على مستوى الأفكار التى يطرحها الفيلم أو على مستوى لغة الفيلم السينمائية شيء جميل.. وكنت سأحزن جدا لو كان الفيلم قد مر مرور الكرام، وماحدش اتكلم عنه، أى أن يكون فيلما ملوش طعم زيه زى الرز المسلوق، وأعود وأؤكد أننا كنا نعى تماما كصناع للفيلم ما الذى نقدمه، ولم ننتظر أن تكون الدنيا وردية حال عرضه، فقط كان عندنا جرأة فى التناول و رسالة لمشاهد يحب مشاهدة مثل هذا النوع من الأفلام. كانت الحضارة المصرية القديمة تدعو لإعمال العقل والخيال معا.. هل ابتعاد المصريين عن أصولهم الفرعونية وانحيازهم للأصول الدينية برأيك أحد الأسباب فيما وصلنا إليه للأسف فى الوقت الحاضر؟ - أثناء التحضير للفيلم سافرنا وزرنا العديد من المعابد..وأثناء البحث أكثر انتبهت إلى أن الناس فى مصر تتعامل مع الآثار الفرعونية على أنها مجرد آثار أو سياحة فقط، فلا يوجد بحث حقيقى وراء كل العلوم التى تركتها هذه الحضارة، أو محاولة لفهم أسلوب حياة القدماء المصريين، فى حين أن العالم كله مهتم بهذا الموضوع، وينفق أموالا كثيرة على الاكتشافات الأثرية بمصر، وقد كان لدينا استشاريان اثنان متخصصان بعلم المصريات بالفيلم، وكان أحدهما هولندى الجنسية وليس مصريا، فالحضارة المصرية أثرت فى العالم كله، وفى الخارج مهتمون بالبحث حتى الآن عن كيف وصل المصريون لهذا القرب من الكمال، سواء فى الحياة الاجتماعية أو الإبداعية.. وبعيدا عن الانحياز للأصول الدينية، فيجب أن نهتم بالبحث والعلم، فيجب أن نبحث أكثر فى حضارة المصريين القدماء. هذا التعاون الثانى بينك وبين الكاتب والسيناريست «أحمد مراد» بعد فيلمكما الأول «الفيل الأزرق».. برأيك ما الذى كان ينقص «الأصليين» ليصبح مثل «الفيل الأزرق» والذى شهد صدى أقوى على المستويين النقدى والجماهيري؟ - لم يكن لينقصنا شيء، فقد قررنا أننا لن نقدم فيلما مثل «الفيل الأزرق»، فنحن لم نكن نبحث عن «فيل أزرق» آخر فى «الأصليين»!.. أرى أنه من المهم أن يخوض صناع السينما تجارب مختلفة، فكل تجربة لها جرأتها والطابع الخاص بها. كان ظهورك فى رمضان الماضى من خلال الإعلانات.. فى الوقت الذى كان فيه والدك «وحيد حامد» يصنع «الجماعة 2».. ألم تشعر بالغيرة؟ - أرى أن المسلسلات شيء شاق وصعب جدا، سواء من حيث طريقة إنتاجها أو تنفيذها، والكم المطلوب من العمل اليومى فى ظل ضيق الوقت شيء قاسٍ، وأرى أن مخرجى المسلسلات الذين يقدمون أعمالا مهمة هم أبطال بدون شك، ويعملون فى ظروف غير آدمية، ومسألة إخراجى لمسلسل هى مسألة تحتاج إلى أن أجد عملا مناسبا وظروفا إنتاجية لائقة، ولا يوجد مشروع مسلسل محدد حتى الآن لأبدأ فيه. فيلم «تراب الماس» وأزماته.. هل انتهت؟.. ومتى سيخرج للنور؟.. وماذا عن مشروع فيلم «الحشاشين»؟ - «تراب الماس» أزماته انتهت، وسنبدأ تصويره خلال هذا العام.. أما «الحشاشين» فهو مشروع طموح، ولكنه مؤجل إلى أن يظهر منتج له.