رأس المال بطبعه جبان، وطبيعى أن يتأثر بالأحداث السياسية والاضطرابات، لكن تبقى المواثيق والمعاهدات حاكمة، فى هذا الإطار تبرز العلاقات الاقتصادية مع قطر فى ظل قرارات التأديب العربية المفروضة على الدوحة وأولها قطع العلاقات الدبلوماسية. حجم الاستثمارات القطرية خلال السنوات العشر الأخيرة عاش حالة بين الصعود والهبوط ودائمًا يتأثر بالأحداث السياسية، بدليل أن أعلى صعود للاستثمارات القطرية فى مصر كان فى فترة حكم جماعة الإخوان لمصر، وذلك يرجع إلى العلاقة الوثيقة بينهما والدعم الذى قدمته الدوحة - ولاتزال - لجماعة الإخوان. مصر أكثر الدول احترامًا لتعاملاتها وتعاقداتها الدولية، وتحمى الاستثمارات القطرية، ومصر أيضًا أكثر دولة تقدم أعلى عائد على الاستثمار، ومن ثمّ فهى تدرك أولويات الحفاظ على الاستثمارات مهما كانت الخلافات السياسية، حتى فى حالة قطع العلاقات رسميًا. الاستثمارات القطرية فى مصر طبيعى أن تكون آمنة، فى ظل التزام مصر بما أوصت به القمة العربية فى عمان 1982 بضرورة تحييد العلاقات العربية الاقتصادية عن أى تطورات على الصعيد السياسى وهذا ما تفعله مصر بالفعل. الاستثمارات القطرية شهدت نشاطا ملحوظا مع وصول الإخوان للحكم، لكن مع سقوط نظام الإخوان عادت الاستثمارات للتراجع مرة أخرى وإن شهدت ارتفاعًا فى العامين السابقين. الآن ظهرت التساؤلات .. ما مصير الاستثمارات القطرية فى مصر فى ظل أزمة طاحنة يعانى منها الاقتصاد المصري؟ خاصة أن البيانات الرسمية أكدت أن الاستثمارات القطرية تقدر بنحو 1.105 مليار دولار وذلك عن الفترة من 1970 حتى أوائل 2017. ورغم أن الاستثمارات القطرية تراجعت فى آخر عامين، بعد تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى حكم مصر لتصل إلى 94.4 مليون دولار فى العام المالى 2015/2014 إلا أنها عادت وارتفعت إلى 194.8 مليون دولار فى العام المالى 2015/2016. البنك المركزى قال فى بيان رسمى إن الاستثمارات القطرية فى مصر تراجعت خلال الربع الأول من العام المالى 2016-2017 من 123.5 مليون دولار إلى 10.9 مليون دولار فى الربع الثانى من العام المالى الجارى، بانخفاض 91.2 % على أساس ربع سنوى. كما كشفت دراسة أخرى صادرة عن الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى يناير الماضى، عن أن صافى الاستثمارات القطرية المباشرة فى مصر طبقًا للدول المستثمرة من جميع أنحاء العالم خلال 2015 ومقارنتها بمثيلتها فى 2014 تراجعت إلى 94.4 مليون دولار مقابل 109.1 مليون دولار بنسبة انخفاض قدرها 13.5 %. ووفقا للخريطة الاستثمارية لدول العالم فى مصر والتى تصدرها الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة المصرية بصفة دورية، فإن قطر تحتل المركز التاسع بين الدول المستثمرة بعدد 210 شركات. ويمثل قطاع الخدمات الذى يستحوذ على نحو 80 % من إجمالى الاستثمارات القطرية فى مصر، أكثر القطاعات جذبًا للاستثمار القطرى، يليه قطاع الصناعة ثم يحتل قطاع الزراعة المرتبة الأخيرة من حجم الاستثمارات المتدفقة إلى مصر. ومن أهم الشركات القطرية التى تعمل فى السوق المصرية الآن وتواجه مشاكل شركة «الديار القطرية» الذراع العقارية لحكومة قطر ممثلة فى جهاز قطر للاستثمار، فرغم كونها واحدة من كبرى الشركات العاملة فى التنمية العقارية على المستوى الإقليمى، إلا أن الأوضاع السياسية دفعت الشركة إلى اختيار طريق الخلافات مع الحكومة المصرية، لعدم التزامها بنصوص العقود التى وقعتها مع الحكومة. المشروع الأبرز ل«ديار القطرية»، فى مصر هو «بوابة الشرق» فى شرق القاهرة، والبالغ مساحته 2020 فدانًا، كما فازت شركة «بروة» القطرية بأرض المشروع فى مزاد عام 2007 بشراء 1980 فدانًا مقابل 6.1 مليار جنيه بواقع 733.5 جنيه للمتر، واشترت أرضا إضافية ليصل إجمالى الأرض إلى 2020 فدانا، قبل أن تنتقل ملكيته إلى شركة الديار التابعة لجهاز قطر للاستثمار فى عام 2012 والتوصل إلى اتفاق مع الحكومة وقت حكم الإخوان لمد أجل تنفيذ المشروع 6 سنوات إضافية. ومثلت الشركة أحد الأذرع القوية لحكومة قطر فى دعمها لمصر إبان حكم الإخوان، وتوارت بعدها الاستثمارات القطرية فى مصر. ومشروع «بوابة الشرق» أو «سيتى جيت» يواجه أيضًا مشاكل كبيرة بسبب عدم التزام الشركة بالجدول الزمنى للتنفيذ، إذ لم تتعد نسبة الإنشاءات فى المشروع 2 % من المساحة الإجمالية، إضافة إلى مخالفات قامت بها الشركة عند نقل ملكية المشروع دون إخطار المسئولين فى مصر. خبراء اقتصاد أكدوا ل«روزاليوسف»، أن الاقتصاد المصرى لن يتأثر بقطع العلاقات مع قطر، فمقاطعة الدول العربية لمصر فى 1979 على خلفية اتفاقية السلام مع إسرائيل زادت حجم التجارة وقتها رغم المقاطعة، علما بأن السوق القطرية متوسطة وأن أعداد العمالة المصرية الموجودة فى قطر تتخطى ال700 ألف عامل يمثلون - حسب قولهم- عمود الاقتصاد القطرى، وتربطهم عقود وارتباطات تجارية بين الشركات لذلك سوف يكون من الصعب الاستغناء عنهم على المدى القصير ولكن من الممكن وضع خطة إحلال وتجديد على المدى البعيد». محرم هلال رئيس مجلس الأعمال المصرى القطرى السابق، قال: إن التبادل التجارى ليس له علاقة بالخلافات السياسية، فالعلاقات الاقتصادية مستمرة والدليل على ذلك أن مصر ترتبط مع قطر بالعديد من الاتفاقيات المشتركة منها اتفاقية التبادل التجارى والتعاون الاقتصادى الموقعة فى يناير 1990 كما تم توقيع اتفاقية إنشاء مجلس رجال الأعمال «المصري-القطرى» فى مايو 1996 واتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات فى ديسمبر 1999 وبالتالى لن تؤثر الخلافات السياسية على حجم التبادل التجارى والاقتصادى بين البلدين. محمد سعد الدين عضو مجلس الأعمال المصرى القطرى قال: إن العلاقات بين مصر وقطر متوترة منذ فترة والمجلس نشاطه «مجمد» منذ 3 سنوات تقريبًا، حيث شهد فى بداية إنشائه عام 2012 نشاطًا مكثفًا وتبادلا تجاريا ضخما مع فترة وجود الإخوان فى الحكم وكانت قطر تربطها علاقات جيدة برؤوس الحكم فى مصر فى ذلك الوقت، لكن سرعان ما تغيرت العلاقة بعد سقوط الأخوان وتولى الرئيس عبد الفتاح السيسى للحكم، فتوقف نشاط المجلس حتى أصبحت الاجتماعات التبادلية بين الطرفين قليلة وانخفضت حركة تبادل الوفود التجارية المشاركة فى الأسواق والمعارض المقامة بين مصر وقطر. واتفق معه على عيسى رئيس جمعية رجال الأعمال المصرية، وعضو المجلس التصديرى للحاصلات الزراعية مؤكدًا أن مجلس الأعمال المصرى القطرى منذ تأسيسه لا يتبع جمعية رجال الاعمال، علمًا بان عددًا كبيرًا من مجالس الأعمال قد أنشئت تحت مظلة جمعية رجال الأعمال، وتمارس أنشطتها من خلال الجمعية ،مثل مجلس الأعمال المصرى الكندى، ومجلس الأعمال المصرى الاسترالى النيوزيلندى، ومجلس الأعمال المصرى اليونانى، ومجلس الأعمال المصرى الكورى. وأضاف أن السوق القطرية لا تعتبر من الأسواق الكبيرة للحاصلات الزراعية المصرية، ومن السهل تعويضها بل فتح المجال للدخول فى أسواق أخرى أكبر منها، خاصة أننا نصدر لقطر البرتقال والبصل والبطاطس، فصادرات مصر من الحاصلات الزراعية تصل إلى 2.2 مليار دولار سنويا والسوق القطرية تمثل نحو 5 % فقط منها. بينما أكد الدكتور عادل العزبى رئيس شعبة اتحاد الغرف أن المستثمرين الحقيقيين لم يغادروا مصر فهم أصحاب استثمارات حقيقية تشتمل على أراضٍ ومبانٍ ومعدات ودراسات وأسواق تصديرية وأسواق محلية أما المستثمرون الذين عادة ما يغادرون فهم من يعملون بالبورصة. السفير جمال بيومى أمين عام اتحاد المستثمرين العرب أكد أن الاستثمارات القطرية فى مصر ضعيفة، وأوضح أن بريطانيا تتصدر قائمة الدول المستثمرة فى مصر، وتأتى الدول العربية مجتمعة فى المركز الثالث بعد الاتحاد الأوروبى، لافتا إلى أن آفة المستثمرين العرب تتمثل فى التركيز على الخدمات، ببناء فنادق ومنتجعات سياحية، وتبلغ نسبة استثماراتهم فيها 80 % وتستحوذ الصناعة على 8 % فقط من الاستثمارات العربية، و2 % للزراعة. مؤكدا أن حجم أصول جهاز قطر للاستثمار فى العالم بنحو 450 مليار دولار، فى مجالات متنوعة، أبرزها المحافظ الاستثمارية والمصرفية والعقار والقطاع السياحى والقطاع الزراعى وغيرها من الأنشطة الاقتصادية فى قطر ومختلف دول العالم. وتوقع عدم تأثر العلاقات التجارية والاقتصادية المصرية بقطر بقطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر مستشهدًا بانعقاد القمة العربية فى عمان 1982 والتى أوصت بتحييد العلاقات الاقتصادية العربية من أى تأثيرات أو تطورات سلبية فى العلاقات السياسية المشتركة. د. رشاد عبده الخبير الاقتصادى ورئيس المنتدى المصرى للدراسات السياسية والاقتصادية قال: إن مصر لن تخسر من قرار قطع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر خاصة أن حجم الاستثمارات القطرية فى مصر محدود وغير مؤثر، لأن مجالات استثماراتها محدودة والعكس صحيح أيضا فيما يتعلق بالاستثمارات المصرية فى قطر، منبهًا أيضًا إلى أن العلاقات الاقتصادية غير مرتبطة بالخلاف السياسى، لأنه لا توجد دولة فى العالم تقطع علاقات تجارية بسبب خلاف سياسى. وأشار إلى أنه لا يوجد مستثمرون قطريون يريدون تصفية استثماراتهم فى مصر، ومصر لا ترغب فى وقف صادراتها إلى الدوحة.