يمثل الفكر الوهابى بؤرة التطرف والإرهاب فى العالم لما يحمله من أفكار متطرفة منها أنه يؤمن بأن العالم أجمع كافر طالما أنه لا يؤمن بأفكاره، ويحرم كل شيء حسب أهوائه، ودائمًا ما يقدم الأزهر ضمن آرائه أن الفكر السلفى الوهابى المتشدد ليس من الإسلام، إلا أن الجميع فوجئ مؤخرًا بتصريح شيخ الأزهر فى ألمانيا بأن الإرهاب لا يمكن أن يكون وهابيًا، رغم أنه فى مؤتمر أهل السنة والجماعة كان قد أخرج السلفيين من مفهوم أهل السنة والجماعة قبل أن يتراجع عن هذا فيما بعد. منذ ظهور الفكر الوهابى فى الجزيرة العربية بدأت موجات العنف والإرهاب تتصاعد. السلفيون مرة خارج أهل السنة والجماعة، ومرة أخرى من أهل السنة والجماعة وفى مرة ثالثة يصف شيخ الأزهر السلفيين الجدد بأنهم خوارج العصر وأنهم نجسوا مذهب الحنابلة. حسب التوصيف السابق لشيخ الأزهر فإن الوهابيين بكل تصنيفاتهم من خوارج العصر وأيضًا ممن نجسوا مذهب ابن حنبل. العام الماضى حدد مؤتمر «مَنْ أهل السنة والجماعة؟» الذى انعقد فى مدينة جروزنى عاصمة الشيشان، بحضور أكثر من 200 عالم ومفتٍ من مختلف الدول العربية والإسلامية والغربية، أهل السنة والجماعة وأنهم يُطلق على أتباع إمام أهل السنّة أبى الحسن الأشعرى، وأتباع إمام الهدى أبى منصور الماتريدى، وأهل الحديث، ولم يخرج عن عباءة هذا المذهب فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والمعتدلون من فقهاء الحنابلة، وهذا المفهوم بهذا العموم الذى يشمل علماء المسلمين وأئمتهم من المتكلمين والفقهاء والمحدثين وأهل التصوف والإرشاد، وأهل النحو واللغة أكده قدماء الأشاعرة أنفسهم منذ البواكير الأولى لظهور هذا المصطلح بعد وفاة الإمام الأشعرى، ثم هو ما استقر عليه الأمر عند جمهرة علماء الأمة عبر القرون التالية، وهذا هو الواقع الذى عاشته الأمة لأكثر من ألف عام، حيث عاش الجميع فى وحدة جامعة استوعبت التعدد والاختلاف المحمود، ونبذت الفرقة والخلاف المذموم. وحدد المؤتمر أهل السنة والجماعة هم الأشاعرة والماتريدية فى الاعتقاد وأهل المذاهب الأربعة فى الفقه، وأهل التصوف.. وقد أثار مؤتمر «أهل السنة والجماعة» غضب السلفيين الوهابيين الذين اعتبروه مؤامرة روسية عليهم. ورغم حضور شيخ الأزهر للمؤتمر وتصريحه السابق بأن السلفيين الجدد هم من نجسوا مذهب الحنابلة عاد وتراجع عما حدث فى مؤتمر الشيشان، وتراجعت المشيخة، فى بيان لها، بعد هذا الهجوم، عن توصيات مؤتمر «مَن هم أهل السنة؟». تراجع شيخ الأزهر مرة أخرى عن تصريحاته، ومؤخرًا صرح فى ألمانيا أنه لا يمكن أن تكون الأفكار الوهابية تحض على الإرهاب وأنها لا يمكن أن تكون سبب إفراز الإرهاب الأسود الذى نعيشه حاليًا. وأضاف الطيب خلال حواره مع الراديو والتليفزيون الألمانى «ZDF» على هامش زيارته للعاصمة الألمانية برلين، للمشاركة فى احتفالية حركة الإصلاح الدينى فى أوروبا، التى تقيمها الكنيسة البروتستانتية بمناسبة مرور 500 عام على تأسيسها ردًا على سؤال حول تحميل الفكر الوهابى مسئولية الإرهاب المنتشر فى العالم، قال شيخ الأزهر: «لا أعلم هذا» ولا يمكن أن يكون هذا الفكر أو ذاك سببًا لما يعانيه العالم من قتل وتخريب.. مشيرًا إلى أن هناك من المذاهب ما يميل إلى الاحتياط، وأخرى تميل إلى الوسطية، وثالثة تميل إلى السهولة والتمييع. مضيفًا أن هذه المذاهب موجودة من قديم الزمان ولم تقم حروب، ولم نشاهد مثل هذا الإرهاب الأسود. وتابع: «لا أظن أن الإرهاب بهذه الصورة المتوحشة، والتدريب العجيب يرجع إلى مذهب متشدد فى مكان معين أو غيره، لكن ربما تستخدم بعض التفسيرات الخاطئة للنصوص لتنفيذ خطة معينة لمنطقتنا هذه، وتريد لها أن تبقى فى وضع سياسى واقتصادى بل وجغرافى معين».. ولفت إلى أن هناك أموالًا طائلة وقنوات تفتح النار على المسلمين صباحًا ومساءً، ومعلوم من يقفون وراءها، لكننا لا نقول أنها مسئولة عن هذه الحروب، لكن ينبغى أن نبحث عن سبب هذا الإرهاب خارج إطار الأديان. وحسب دراسة أجراها أزهريون قالوا إن الحركات الإسلامية الوهابية، فكراً وحركة، تمثل العدو الأخطر على المسلمين والعالم، وأنها لا تقل سوءًا عن الكيان الصهيونى، لما تبثه من أفكار وسلوكيات تحض على العنف والإرهاب والكراهية وسهولة التكفير ضد كل من يخالفهم فى الرأى، وتشوه بسلوكها الشائن المقاومة الإسلامية فى فلسطين والعراق، وأنه من الواجب شرعاً مقاومة هذا الفكر وأتباعه بكافة السبل المتاحة.. جاء ذلك فى الندوة الإسلامية المتخصصة والموسعة التى عقدت بالأمس فى القاهرة تحت عنوان «الوهابية: خطر على الإسلام والعالم»، وشارك فى تلك الدراسة بالأبحاث والنقاش كل من: «د. عبدالرحمن السبكى من علماء الأزهر الشريف، د. أحمد السايح أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بالأزهر الشريف، المستشار أحمد عبده ماهر من كبار العلماء المتخصصين فى الحركات الإسلامية فى مصر، أ/ عبد الفتاح عساكر المفكر الإسلامى المعروف، د/ عبد الله السعداوى المفكر والمعارض القومى الحجازى، د. أحمد شوقى الفنجرى المفكر الإسلامى المعروف، د/ على عبد الجواد الخبير فى دراسات الحركات الإسلامية»، وخلصت الندوة إلى جملة من التوصيات والنتائج، أولها أن الوهابية كدعوة وفكر تقوم على نفى الآخر، وأنه لولا المال السعودى لما انتشرت الوهابية ولولا النفاق الأمريكى لأمكن مقاومتها والقضاء عليها. وأكدوا أن الوهابية لها موقف سلبى من المرأة والعلم، والموسيقى وجميع الفنون، بل من أصحاب المذاهب الإسلامية الأخرى (كالشيعة والأشاعرة وغيرهم). الوهابية التى قال عنها شيخ الأزهر أنها ليس لها علاقة بالإرهاب تكفر المجتمعات وتدعو إلى الهجرة منها وتؤمن بانتشار الإسلام بحد السيف. فالوهابية فى أصلها انطلقت من قاعدة أن كل ما هو خارج إطارها كفر؛ لتوجد لنفسها مبررات الدعوة والانتشار العنيف، ويوضح هذا المسار التاريخى بأن «الوهابية قامت على أساس أن كل ما هو موجود منذ وفاة ابن تيمية حتى ظهور الشيخ محمد بن عبد الوهاب ليس من عقيدة التوحيد». وتؤمن الوهابية بأن العقيدة الصحيحة التى جاء بها ابن تيمية انتهت بعد وفاته، وعاش المسلمون ستة قرون فى جهل وضياع إلى أن ظهر محمد بن عبد الوهاب وأحيا هذه الدعوة، وكأنما هو الإحياء الإسلامى الثانى أو انبعاث الإسلام الثانى على يديه؛ ولذلك النصوص التى كتبها ابن عبد الوهاب سواء فى رسائله العقائدية أو فى رسائله إلى الجوار أو حتى إلى الأبعدين كانت دائما تنطوى على تكفير الآخر وتبرز له كيف يكون على صواب وحق ويجب أن يصحح عقيدته. فقد قامت الوهابية على ثلاثة أضلع، هى «تكفير المجتمعات، والهجرة منها بمعنى أن ينفصل المؤمنون بالعقيدة الوهابية عن غير المؤمنين بها، وأن يشكلوا دار هجرة خاصة بهم، أى مجتمع مضاد كما يقال، بحيث إن هذا المجتمع المضاد يتأهب ويتهيأ لمرحلة يكون قادرا فيها على الجهاد، والضلع الثالث هو إعلان الجهاد على هذا المجتمع». وتثبت الوقائع التاريخية أن الوهابية لا تنتشر بصورة سلمية، بل بإجبار المجتمعات وإرغامها على اعتناق الوهابية، بمعنى أنها دعوة لا تنتشر إلا بحد السيف. السلفية ما هى إلا تكفير للمجتمع بأثره وحسب آراء أزهرية فإنها فئة متشددة، تكفر كل شيء وتحرمه على الخلق، وأكبر دليل على تطرفهم أنهم يفرضون النقاب على المرأة باعتباره فرضا، رغم اتفاق الأئمة الأربعة أن النقاب ليس فرضا، لكنهم يصرون على تشددهم غير المبرر. وترى الدكتورة آمنة نصير، أستاذ العقيدة والفلسفة والعميدة السابقة لكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر، أن الفكر السلفى جاء إلينا مغلفا بثقافة شبه الجزيرة العربية وبكل تراثها الفقهى والفكرى المتشدد المتوارث عن محمد بن عبد الوهاب.