لم يكن من محاسن الصدف أن يتم القبض على نبيل بدر نائب رئيس جهاز القاهرة الجديدة صباح أمس من داخل مكتبه بتهمة تقاضى رشوة لتهسل استيلاء سيدة أعمال على 3 قطع من أراضى المدينة، بعد أقل من 72 ساعة على تصريحات الرئيس الغاضبة ضد مافيا الأراضى، فقد كان بدر واحدا من مسئولى الحكومة المعنيين - ضمن غيره من قيادات وزارة الإسكان والزراعة- بتنفيذ توجيهات الرئيس فى إزالة التعديات واسترداد حقوق الدولة المغتصبة، وهنا تكمن الخطورة. بدر وكثير من أمثاله داخل أجهزة الدولة تورطوا فى عمليات إهدار المال العام وتوزيع أراضى الدولة على المتربحين والمحاسيب وأصحاب النفوذ مرات بالرشوة ومرات بالأمر المباشر، ولابد من مراجعة سجلات هؤلاء غير النظيفة أولا من أجل ضمان نجاح حملة استرداد أراضى الدولة ومستحقاتها من المتعدين والمخالفين. فى هذا السباق قام رجال الرقابة الإدارية صباح الخميس الماضى بمقابلة رئيس الجهاز مصطفى فهمى، وقابلوه لعدة دقائق دون أن يشعر أحد، ثم خرجوا من عنده متوجهين إلى مكتب المتهم نبيل بدر، حيث فوجئ بهم على رأس مكتبه فى هدوء تام، ثم طلبوا منه أن يرتدى جاكيت البدلة ويتحرك معهم دون أن ينطق بكلمة، وهو ما أذعن له دون توجيه أى أسئلة بعد التعرف إلى هويتهم، فاصطحبوه إلى مقر هيئة الرقابة الإدارية، وأجروا معه تحقيقا مطولا وواجهوه بتسجيلات تثبت اتفاقه على تقاضى رشوة من السيدة هنادى أنور الشربينى صاحبة شركة دايموند للاستيراد والتصدير مقابل تمكينها من الاستيلاء على ثلاث قطع فى القاهرة الجديدة، فى مراكز خدمات التجمع الخامس والنرجس وجنوب الأكاديمية، حصلت عليها بقرار تخصيص من وزير الإسكان إبراهيم سليمان فى 2004، ثم صدر لها قرار سحب بسبب تسقيع الأرض ثم ظهور شركاء من الباطن لها وإبلاغهم الجهاز عن تعرضهم لعملية نصب، حيث استولت منهم هنادى على مبالغ طائلة مقابل عقد شراكة على الأرض التى لم تكن تملكها أصلا وطالبوا بإلغاء التخصيص باسمها. فى وقت سابق قررت اللجنة العقارية الرئيسية إلغاء التخصيص بالفعل فى العام الماضى، لترد هنادى الشربينى بتقديم شكوى ضد الجهاز لدى لجنة فض المنازعات، والتى يمثل الجهاز فيها نبيل بدر، لذا سارعت هنادى بعرض الرشوة على بدر مقابل تغيير موقف الجهاز والقول بأن العقد الذى أبرمته مع شركائها كان بخصوص المشروع وليس الأرض، ما يمكنها من الاحتفاظ بالأرض دون وجه حق، فى نفس الوقت كانت الرقابة الإدارية لهما بالمرصاد وتمكنت من تسجيل اتفاق الرشوة بالصوت والصورة. هذه ليست الواقعة الأولى للفساد داخل جهاز القاهرة الجديدة، حيث يسبقها - ولا يزال- سلسلة من جرائم استغلال النفوذ فى التربح والمتاجرة بأراضى الدولة وتمكين مافيا واسعة من التلاعب بقرارات التخصيص الصادرة من سنوات سابقة، للاحتفاظ بما ليس من حقهم، فى مطلع 2015 تم اكتشاف مهزلة داخل الجهاز نفسه، حيث جرت عملية نصب مثيرة للسخرية على رئيس الجهاز وقتها علاء عبدالعزيز من أعضاء تلك المافيا عن طريق رقم «برايفت». فوجئ رئيس الجهاز باتصال من رقم محجوب «برايفت» يكيل له اللوم والتوبيخ قائلا «انت قاعد بتعمل إيه عندك.. مش شايف شغلك ليه.. سايبين البلد تضرب تقلب ومش بتخلصوا مصالح المواطنين.. باحذرك شوف شغلك ودى آخر مرة هاكلمك» ثم أغلق الهاتف، وقبل أن يفيق رئيس الجهاز من الصدمة، أخبرته السكرتيرة بوجود ضيوف مهمين، وقبل أن يسأل عن هويتهم اقتحموا مكتبه، وكانوا أربعة رجال أشداء وأحدهم مسلح والآخر يحمل جهازا لاسلكيا، ولم يكن بحاجة لتخمين علاقة المكالمة بالزوار المهمين، وقد وفروا عليه التخمين حيث قالوا إنهم جاءوا على خلفية الاتصال من «الرجل الكبير قبل دقائق»، ليرد عبدالعزيز «اتفضل يافندم.. انت تؤمر». كانت خلاصة هذه التمثيلية تمكين أحد الضيوف من توقيع عقد تنازل عن قطعة أرض تابعة للجهاز داخل مكتب رئيس الجهاز وبشهادته مقابل عشرة ملايين جنيه تم إخراجها من حقيبة ووضعها على مكتب عبدالعزيز لتسليمها إلى الطرف الأول (المتنازل)، ليكتشف رئيس الجهاز بعد شهرين أنه كان ضحية عملية نصب، وأن الأرض مملوكة لشخص آخر تماما، فيسارع بإبلاغ مباحث الأموال العامة. مخالفات جهاز القاهرة الجديدة لا تتوقف، ويكفى جولة واحدة فى منطقة الجولف والمناطق الأخرى لنكتشف التجاوزات التى تجرى على هناك، حيث يجرى الآن، عملية تغيير ملامح مناطق كاملة، بعد هدم الفيللات وإنشاء عمارات سكنية مكانها بالمخالفة للقانون وشروط البناء وقرارات التخصيص، ويتولى هذه العملية الثنائى أكرم وسلطان وهما اثنان من أعتى المقاولين الذين يديرون عملية التربح من فيللات الجولف حاليا، بعد تنازل أصحابها عنها، البعض منهم لهروبهم خارج البلاد من أحكام قضائية والبعض لانتقالهم إلى قصور فى مناطق أخرى والرغبة فى المتاجرة بما استولوا عليه من الدولة بتراب الفلوس فى زمن حسنى مبارك. ورصدت عدسات «روزاليوسف» كثيرا من هذه المخالفات التى تجرى فى عز الظهر بمساعدة مهندسى وقيادات الجهاز زملاء المقبوض عليه نبيل بدر، فقد بيعت فيللا المطرب محمد فؤاد ويجرى إقامة عمارتين عليها ولاحظنا وضع سواتر من الصاج الأزرق أمام أعمال البناء للتمويه على عمليات بناء الشقق فى البدروم، بالمخالفة الصارخة لشروط البناء فى المنطقة، حيث كان تصميم الفيللات لا يتجاوز دورين أرضى وأول، أما الآن فتعلو العمارات إلى خمسة أدوار، ولا يعقل أن يتم هذا دون علم مسئولى الجهاز ودون رضاهم الشخصى. أعمال هدم وبناء وتوسعة وتخصيص غير مشروع كلها تجرى على قدم وساق فى داخل جمهورية القاهرة الجديدة للمخالفات، تضاف إلى قائمة المخالفات الطويلة التى سجلها تقرير للجهاز المركزى للمحاسبات ضد كبار المتعدين والمخالفين من وزراء ومسئولين. ورصد التقرير قيام وزير العدل السابق أحمد الزند ببناء دور رابع فى فيلته على القطعة رقم 18 بالمجاورة 5 فى التجمع الأول والتى حصل عليها عن طريق التنازل من صاحب التخصيص المستشار ناجى أبو شعيشع، بالمخالفة لترخيص البناء رقم 5222 لسنة 2007 وذلك بصب سقف البدروم بمنسوب يخالف المنسوب المعيارى وتحويل غرفة السطح إلى وحدة سكنية والاستيلاء على قرابة 400 متر خارج المساحة المقررة.. والطريف أنه جرى إلغاء تخصيص هذه القطعة مرتين فى سنوات مبارك الأخيرة، إلا أن الزند أقدم على بناء دورين جديدين بالمخالفة للرسوم والترخيص، دون أن يتدخل أحد فى الجهاز لمنعه. وعلى قائمة المخالفين إسماعيل حسن محافظ البنك المركزى الأسبق وأنجاله ياسر ومصطفى وأحمد الذين يرفضون دفع قيمة المخالفات والغرامات حتى اليوم عن أعمال البناء المخالفة للقطع التى خصصت لهم، ثم أحمد لقمة رجل الأعمال الإخوانى الذى منحه إبراهيم سليمان 67 ألف متر متجاورة فى قطعة واحدة داخل الجولف، بالمخالفة للقانون الذى لا يسمح بتخصيص أكثر من قطعة واحدة لغرض بناء مسكن للأسرة الكاملة لا تزيد مساحتها على ألف متر، علما بأن التخصيص الذى مضى عليه أكثر 15 عاما لم يجر استغلاله، حيث لاتزال أعمدة الخرسانة الهيكلية تتمدد على كل هذه المساحة دون اعتراض من مسئولى الجهاز على عدم تنفيذ بنود العقد، وقيام لقمة بتسقيع الأرض طوال هذه السنوات، وقد كان التخصيص بسعر 150 جنيهاً فى حين أن سعر المتر حاليا 20 ألف جنيه، أى أن لقمة الذى لم يدفع أكثر من 13 مليون جنيه يملك الآن أرضا تزيد قيمتها على مليار جنيه،. الفريق سامى عنان إذ يمتلك قصرا داخل منتجع الجولف على مساحة خمسة آلاف متر مربع، وتحايل ببناء دور مسحوب من «التراس» فوقه دور آخر بغرف السطح المخالفة، كما يمتلك قصرا ضخما فى منطقة سيدى كرير والفيلتين 29 جوهرة و3 بمنطقة 22 فى مارينا وفيللا 2 ياقوتة فى بالمنطقة 21 وفيللا بالمنطقة 26 وأخرى فى قرية تيباروز بالساحل الشمالى أيضا. وفى القاهرة الجديدة حصل سمير نجل سامى عنان على 17 ألف متر على شارع التسعين كانت مخصصة لمجمع مدارس، بسعر 250 جنيها للمتر، ثم عرضها للبيع قبل أربع سنوات مقابل 4500 جنيه للمتر، الذى قفز اليوم إلى 20 ألف جنيه. والفريق عنان حصل على الكثير من أراضى الدولة التى حولته إلى أحد الأثرياء، حيث حصل على عقد تخصيص 100 فدان فى منطقة الوادى الفارغ بطريق الإسكندرية الصحراوى مقابل 8 آلاف جنيه بالتقسيط كما حصلت زوجته على عقد بتخصيص مساحة مماثلة فى نفس المنطقة إلى جواره. القبض على نبيل بدر يؤكد صيحات تحذيرنا المستمرة من مافيا التلاعب بأراضى الدولة، ولن يكون الأخير، فها هو تقرير الجهاز المركزى للمحاسبات يتهم جهاز القاهرة الجديدة نصا بعدم القيام بدوره فى اتخاذ أى إجراءات قانونية من شأنها حفظ حق الدولة وتحصيل غرامات التأخير والأقساط المستحقة عن تخصيص قطع سكنية أو أراضى خدمات، والأهم عدم التحرك لمنع هجمات المخالفين بعمليات الهدم والبناء الجديدة التى تكاد تحول واحدة من أرقى المدن إلى مدينة عشوائية.