أوراق المقبلين على الزواج وتجهيزها أصبحت فى غاية السهولة، ليس لأن المسئولين عن استخراجها يراعون خدمة المواطن، لكن كالعادة: كل شىء جاهز «من تحت الترابيزة» دون مراعاة للقوانين، فالشهادات الصحية المطلوبة ضمن أوراق الزواج أصبحت «مضروبة» رغم أهميتها فى الكشف عن العديد من الأمراض التى يتلقاها المجتمع فى أبناء المستقبل من عيوب خلقية وأمراض أخرى نتيجة إهمال الكشف الطبى. موظفو وزارة الصحة حولوها إلى إجراء روتينى، والمأذونون حولوها إلى بيزنس مربح لتصل سعر الشهادة إلى 450 جنيهًا، وتصبح هدية دليفرى من المأذون جاهزة مع عقد الزواج. «روزاليوسف» ذهبت فى جولة ميدانية داخل مكاتب أحد المأذونين للتعرف على بيزنس الشهادات الصحية المضروبة للزوجين، فكان لقاؤنا الأول فى منطقة صفط اللبن للقاء المأذون الشرعى الوحيد للمنطقة الشيخ وحيد العطفى، وتميز المأذون بأنه كاجوال ويتابع كل الحاضرين أولا على «الواتس أب» لتحديد موعد القدوم إلى مكتبه فى منطقة العشرين. بدأ الشيخ وحيد العطفى حديثه، بأن كل شيء متاح فى مكتبه الصغير فيستطيع إخراج أى ورقة أيًا كانت ضخامتها وصعوبتها للزواج فهو يمتلك الآلية نظراً إلى أنه يعمل فى المهنة منذ سنوات طويلة ولديه الخبرة الكافية، مشيراً إلى أن أسهل ورقة يستطيع إخراجها من مكتبه كهدية للعروسين هى ورقة الكشف الطبى وبأقل التكاليف. وسارع العطفى بفتح درج مكتبه ليخرج أوراقًا متنوعة لإتمام الصفقة فى أقل وقت وقال: «أكيد أنا المأذون اللى هعقد الزواج فكله موجود عندى، والتكاليف700 جنيه لعقد الزواج و100 جنيه بدل انتقال». ولم يكتف المأذون بشرح التفاصيل المطلوبة، بل أخذ يشرح تفاصيل قايمة الزواج، مشيراً إلى أنه يحصل على كل ألف جنيه فى المؤخر على 200 جنيه، وأى مؤخر للعروس لا يقل عن 15 ألف جنيه كضمان لها. الشيخ محمود مأذون فى منطقة المرج، قال إن الشهادة الصحية متاحة لدى أى مأذون بشكل شرعى يوفرها بدون أى كشف طبى للزوجين فى مقابل مادى فقط، ولم يمنعها أحد من المسئولين فى وجه أى مأذون أو تم الاعتراض فالأمر سارٍ منذ سنوات ومرحب به، خاصة أن الجميع يعتبرها حرية شخصية ويرفض إجراء الكشف الطبى، والشهادة الصحية متاحة هنا ب200 جنيه فقط والاستلام بعد أسبوع واحد من تسليم صور الزوجين فقط دون أى أوراق أخرى. وأشار الشيخ محمود إلى أن وزارة الصحة نفسها ليس لديها اعتراض والهيئة المسئولة عن المأذونين فى مصر تتيح لنا استخراج الشهادة فلماذا نتوقف عنها؟، فإذا كان الأمر خطأ فلابد أن يتم تصحيح الأمر من البداية وعمل توعية للمواطنين عن الأمر فهو ليس ذنباً نتحمله بمفردنا فهو رزق لن نتوقف عن العمل فيه، لأننا إذا رفضناه فسوف تستحوذ عليه المكاتب الصحية بمبالغ مادية دون أى إجراء صحى. فى الوحدة الصحية التابعة لمحافظة الجيزة ذهبنا لنتابع حال الشهادة الصحية هناك، وبمجرد سؤالنا عنها اقتربت منا إحدى السعاة تدعى فاطمة وقالت: إيه المطلوب؟ قلنا لها شهادة صحية للزواج قالت 300 جنيه والاستلام بعد ساعتين وصورتين للزوج والزوجة فقط، وبسؤالها أننا بالفعل نريد إتمام الكشف الطبى أكدت أن الأمر روتينى وغير معترف به فلماذا يتم الاهتمام به وإرباك العروسة والعريس والخوف من الأمراض؟، مشيرة إلى أن هناك العشرات يحضرون يومياً من الفتيات ليحصلوا على الشهادة بنفس الطريقة، وأن حال المركز هنا مثل حال جميع المراكز الصحية فى القاهرة والمحافظات. من جانبه أكد إسلام عامر نقيب المأذونين أن الشهادات الصحية التى تطلب من المواطنين المقبلين على الزواج لا يوجد منها عائد واحد يعود بالفائدة عليهم، فتلك شهادة صادرة من وزارة الصحة لا يوجد لتكلفتها على المواطنين أى مبرر، من الموازنة العامة أى إهدار مال عام، فتلك الشهادة طباعتها تكلف الدولة مبالغ طائلة وتمنح للمواطنين مجاناً، وأضاف: لا يجوز لأى فرد الحصول على أموال مقابل تقديم الشهادة للمواطنين، فى بداية الأمر كان تكلفتها على المواطنين مبلغ عشرة جنيهات، كانت تعود تلك العشرة جنيهات لحساب المنشأة المصدرة لتلك الشهادة، فعلى سبيل المثال لو استخرجت الشهادة من المستشفى الحكومى تعود قيمة الشهادة التى يدفعها المواطن للمستشفى، وكانت تنفق قيمة تلك الشهادات على تحسين مرافق تلك الجهة المصدرة للشهادة، وبعد صدور الكتاب الدورى الأول وتحويلها لشهادات مطبوعة من الحكومة فى 1 - 9 - 2010 بأمر من وزير الصحة حاتم الجبلى، أصبحت تكلفة الشهادة الواحدة على الدولة ثمانين جنيهاً وتزداد تكلفتها بمعدل عشرة بالمائة سنوياً، حيث تحتوى على علامة مائية يصعب تزويرها، وفى ذلك الأمر مخالفة قانونية جسيمة حيث لا يجوز تحصيل أو فرض أو زيادة رسوم بالدولة إلا من خلال قانون وليس أمرًا وزاريًا كما حدث، موضحا أنه قد تقدم بدعوى إلى لجنة فض المنازعات بمحافظة القليوبية، وصدرت توصية بإلغاء قرار وزير الصحة، والشهادة الصحية منظومة فاسدة بأكملها وليس لها قيمة، فالشاب حينما يطلب منه دفع ثمانمائة جنيه لإتمام تحليل الزواج لن يتزوج، وسيلجأ للزواج العرفى نتيجة عدم قدرته على دفع ذلك المبلغ، الشهادات الصحية يتعامل معها بأنها لا قيمة لها، وسأذكر مثالاً، مدينة طوخ بها مركز طبى ومستشفى حكومى ووحدات صحية، فعينة الدم التى تؤخذ من المواطن يتم التخلص منها دون تحليلها توفيراً للنفقات، ويتم إمضاء الشهادات بالاتفاق فيما بينهم نتيجة إحساسهم بأن تلك الشهادات لا قيمة لها. بينما ذكرت الدكتورة آمنة نصير نائبة برلمان أن الشهادات الطبية التى يتم استخراجها قبل الزواج، والتى كان الهدف منها تجنب إنجاب أطفال مشوهين، أصبحت الآن تستخرجها الجهات الصحية من خلال المواطنين أو المأذون بمقابل مادى دون عمل أى كشوفات على المقبلين على الزواج، نتيجة سوء الضمير والمتاجرة مع المواطنين بأن 90 % من هذه الشهادات مزورة، لذلك أصدرت مبادرة لمحاربة الشهادات الصحية للمتزوجين، وأكدت أن التحايل على هذه الشهادة يعتبر غياب ضمير وتدليسًا على هذا المطلب الرئيسى الصحى لسلامة الزوجين عند الاقتران والزواج، فهذا لصالح العروسين ولصالح أولاد المستقبل، متسائلة: لماذا لا نسعى لحماية البيت من انتقال الأمراض من خلال الزواج؟، ومجيبة: لكن للأسف الشعب المصرى لا يترك شيئا يسير فى نطاقه الصحيح، فنلتف ونصنع كل الخبث للتحايل على هذه القوانين رغم أنها لو صارت فى مسارها الصحيح لأصبح ذلك فى صالح الأسرة الناشئة، ومضيفة: اللجنة الصحية بالبرلمان تسعى لتشديد العقاب على من يفعل ذلك الفعل المشين، كما فعلنا فى قضية ختان الإناث التى أصبحت عقوبتها خمس سنوات سجنا، والعقوبة ستكون على المأذون والأسرة والعرسين والوحدة الصحية التابعة للعرسان، بجانب وزارة العدل التى فقدت الرقابة على هذا الأمر من خلال المأذونين والمحاكم، ولكن وزارة العدل مشغولة بقوانينها الخاصة، وليس لمصلحة المواطن، وسوف أقوم بتقديم مقترح بوجود التفاف وتدليس وأكاذيب وطرق ملتوية حول وجوب الشهادة الصحية لعقد القران.