ترحيب خاص من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحظى به زيارة البابا فرنسيس إلى مصر وجاء هذا الترحيب على لسان البابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، حيث قال: (نرحب باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وكل الهيئات القبطية بالبابا فرنسيس الذى يزور مصر أواخر الشهر الجارى بناء على دعوات كثيرة فى مقدمتها دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى وهى زيارة مباركة نرجو لها النجاح، ويرجع تاريخ الزيارات بين الفاتيكان والكنيسة القبطية إلى الزيارة الأولى بين الكنيستين فى مايو 1973 والتى قام بها البابا شنودة الثالث وردها البابا يوحنا بولس الثانى بابا الفاتيكان فى عام 2000 بعد 27 عاما. وقد حرص البابا تواضروس أن تكون الفاتيكان هى أول زيارة خارجية له عقب اعتلائه الكرسى البابوى وزارها فى 10 مايو 2013 وفى نفس توقيت تاريخ زيارة البابا شنودة وكانت بعد شهرين من تنصيب البابا فرانسيس لتأتى زيارة البابا فرنسيس إلى مصر رداً على تلك الزيارة، وعلى الرغم من أن هناك خلافًا عقائديًا بين الكنيستين يرجع إلى الانشقاق الذى حدث فى مجمع نيقيه عام 325م إلا أن القرن الماضى شهد العديد من الحوارات اللاهوتية لمحاولة التقارب والوحدة، تلك المحاولات التى شهدت انفراجة كبيرة فى عهد البابا تواضروس الثانى والبابا فرنسيس، حيث قبلت الكنيسة القبطية معمودية الكاثوليك تمهيداً لإعلان الوحدة بين الكنيستين، ولكن من غير المتوقع أن تشهد زيارة البابا فرنسيس للكاتدرائية المرقسية بالعباسية أى حوارات لاهوتية ولكن اللقاء بينه وبين البابا تواضروس سيتم فيه بحث بعض القضايا العامة والدولية خاصة توحيد الجهود فى المكافحة الناعمة للإرهاب ومساعى السلام التى يمكن أن تبذلها الكنيستان فى القضايا المختلفة خاصة القضية السورية والقضية الفلسطينية، وتتجه الأنظار نحو «مؤتمر السلام» الذى سوف يعقد فى القاهرة ويحضره البابا فرنسيس أثناء زيارته بالمشاركة مع رؤساء الطوائف المسيحية فى مصر والعالم وسوف يصلى البابا قداساً كبيراً فى استاد القاهرة بمشاركة رموز الطائفة الكاثوليكية فى مصر. والبابا رجل طيب، هادئ صاحب رسالة سلام ومحبة، ابتسامته واسعة تتصدر المشاهد الإعلامية، أحبه الجميع من الأديان المختلفة، مسلمون رفض أن يلصق الإرهاب بدينهم، وهندوس وبوذيون تقبل إنسانيتهم واعتبرهم أخوة. يحظى باحترام العرب بعد اعترافه لأول مرة بدولة فلسطين، وباحترام خاص من المصريين بعد أن أصر على زيارته التاريخية للقاهرة رغم أحداث التفجيرات الأخيرة فى الإسكندرية وطنطا ليقول للإرهاب لا. لتعكس تصريحاته عن مدى الثقة التى تتمتع بها مصر فى عيون قادة العالم، فالبابا فرنسيس ليس رجل دين فحسب ولكنه رئيس دولة الفاتيكان التى تحظى بالتأثير المباشر على الكثير من الدول الأوربية الكاثوليكية لتأتى زيارة البابا دون أى تغيير فى البرنامج المخطط لها يومى 28، 29 من الشهر الجارى وتأتى تلك الزيارة إلى مصر فى الذكرى السبعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ورداً لزيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الفاتيكان عام 2014. الزيارة لها أهمية خاصة على الصعيدين الدينى والسياسى فالبابا منذ اعتلائه كرسى القديس بطرس الرسول فى مارس 2013 وهو يولى عناية خاصة بمساعى السلام فى كل أرجاء العالم خاصة منطقة الشرق الأوسط ويجول العالم كله باحثاً عن الفقراء. التقارب مع الأديان العلاقات بين الأزهر والفاتيكان قد شهدت انفراجة كبيرة فى عهد البابا فرنسيس بعد أن كادت أن تتوقف فى عهد سلفه البابا بنديكت السادس وسوف تشهد زيارة البابا إلى مصر لقاءً مرتقبًا بينه وبين شيخ الأزهر، حيث يتمتع البابا بعلاقات خاصة مع كل المنظمات الإسلامية منذ أن كان كاردينال فى بيونس أيرس ومشهود له بجهود كبيرة فى التقريب بين الكنيسة الكاثوليكية وكل المنظمات الإسلامية فى العالم، بل إنه كان وراء تحسن العلاقات الإنسانية بين المسلمين والمسيحيين فى الأرجنتين. العلاقات مع الكنائس من المعروف أن هناك عداء تاريخيًا وعقائديًا بين الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية استمر لفترة طويلة، لكن مع مجيء البابا فرنسيس إلى الفاتيكان وفى بادرة غير متوقعة قام البابا بزيارة لكنيسة بروتستانتية فى إيطاليا عام 2015 طالبا الصفح من أتباعها، حيث زار كنيسة للبروتستانت الفالديين على هامش زيارته إلى مدينة تورينو شمال غربى إيطاليا على الرغم من عدم اعتراف الكنيسة الكاثوليكية بالكنيسة البروتستانتية، وفى كلمة ألقاها أمام رجال دين وجَمع من أتباع المذهب البروتستانتى قال: «بالنيابة عن الكنيسة الكاثوليكية أطلب الصفح عن المواقف والسلوك التى تبنيناها ضدكم على مر التاريخ والتى لم تكن تتسم لا بالروح المسيحية ولا حتى الإنسانية» طالبا الصفح منهم لتبدأ صفحة جديدة بين الكنيستين. العلاقة مع مصر هناك تطابق شديد فى وجهات النظر فى القضايا السياسية بين البابا والإدارة المصرية، فعلى صعيد الأزمة السورية فإن البابا يتعاطف بشكل كبير مع معاناة الشعب السورى خاصة المهجرين، حيث إنه ناشد جميع مرؤوسيه من الكرادلة والأساقفة والبطاركة الكاثوليك فى العالم كله باستقبال العائلات السورية التى تشتتت فى كل بقاع الأرض، وفى بادرة تحسب له قام بإيواء بعض العائلات السورية فى المقر البابوى فى الفاتيكان، أما بالنسبة للقضية الفلسطينية فلقد كان أول قرارات البابا عندما تولى مهامه البابوية إصدار قرار يعترف فيه الفاتيكان بالدولة الفلسطينية ويقر التبادل الدبلوماسى بين البلدين، وخروجاً عن البروتوكول البابوى الذى يمنع البابا من عناق زائريه فلقد استقبل البابا الرئيس محمود عباس وعانقه عناقاً حارًا يظهر تعاطف البابا مع القضية الفلسطينية مؤكداً على أحقية الفلسطينيين فى إقامة دولة مستقلة لهم وإنهاء الصراع العربى الإسرائيلى داعماً إقامة دولتين وهو الموقف الذى أثنت عليه وثمنته جامعة الدول العربية. أما فيما يتعلق بمكافحة الإرهاب الذى يصفه البابا ب«الجنون القاتل» للإرهاب الأصولى حيث إنه لا يمكن لأحد أن يقتل أبدًا باسم الله فيقول «إننا ندرك وللأسف أن الاختيار الدينى فى يومنا هذا يمكن أن يكون عوضًا عن الانفتاح على الآخرين ويُمكن أن يُستخدم أحيانًا كذريعة للانغلاق والتهميش والعنف خاصة الإرهاب الذى يحمل صبغة أصولية والذى حصد الكثير من الضحايا فى مختلف أنحاء العالم، إنها أعمال جبانة تستخدم الأطفال لتقتل كما حصل فى نيجيريا، تستهدف من يصلّى كما حصل فى الكاتدرائية القبطية فى القاهرة، إن الإرهاب جنون قاتل يسيء استخدام اسم الله من أجل نشر الموت». الإسلام والعنف حملة شرسة يشنها بعض المتطرفين الكاثوليك فى العالم على البابا فرنسيس لأنه يرفض أن يلصق بالدين الإسلامى الحوادث الإرهابية التى تقوم بها داعش والجماعات الإسلامية المتطرفة وهو ما دفع البعض بتوجيه اتهام له بأنه بعدم إقراره أن الدين الإسلامى وراء أعمال العنف والإرهاب يخلق غطاء شرعيا للإرهاب، وكان رد البابا على تلك الاتهامات صادماً وحاسماً وحازماً للجميع حيث رفض البابا فرنسيس الربط بين الإسلام والإرهاب مؤكدًا أنه يمكن للكاثوليك كما للمسلمين أن يكونوا عنيفين، محذرًا أوروبا من اتهام الإسلام بالإرهاب لأنهم بذلك يحرضون قسما من شبابهم نحو الإرهاب واستهداف المسلمين وقال: «ليس صحيحًا أو حقيقيًا أن الإسلام هو الإرهاب، لا أعتقد أنه من الصواب الربط بين الإسلام والعنف ففى كل يوم حين أقرأ الصحف أرى أعمال عنف فى إيطاليا، شخص يقتل صديقته وآخر يقتل حماته وهؤلاء كاثوليك معمدون فإذا تحدثنا عن أعمال عنف إسلامية يتعين علينا أيضا أن نتحدث عن أعمال عنف مسيحية، ففى كل الديانات تقريبًا هناك دومًا مجموعة صغيرة من الأصوليين وهم موجودون عندنا أيضا، إن الدين ليس الدافع الحقيقى وراء العنف فالقتل يمكن أن يتم بواسطة اللسان تمامًا كما بواسطة السكين» وحذر البابا من صعود التيارات الشعوبية التى تنشر العنصرية والعداء للآخر.