من القمة إلى القاع تراجع التعليق على مباريات كرة القدم، قديمًا كنا نتغنى ب«لزمات» المعلقين، فصنعنا من مقولة محمود بكر «عدالة السماء نزلت على ستاد باليرمو»، والتى قالها فى كأس العالم 1990 أنشودة، ورددنا وراء أحمد شوبير جملة «حازم محمد يحيى الحرية إمام يصعد بمنتخب مصر، فى مباراة كوت ديفوار الشهيرة 1998، ولشوبير أيضًا فى نفس البطولة الكلمة الشهيرة «يا سلام يا حازم يا سلام يا حسام»، ولمدحت شلبى بيبو وبشير، ولميمى الشربينى «اللاعب المخضرم صاحب القميص رقم 19، والمولود فى شهر الموهوبين و90 دقيقة أشغال كروية شاقة وغيره كثير، والآن أقصى طموحنا معلق يقلد عصام الشوالى أو رءوف خليف دون سقطة أخلاقية، رحل محمود بكر وبعده حمادة إمام، ومرض ميمى الشربينى واتجه شوبير ومدحت شلبى إلى تقديم البرامج الرياضية وأصبحت ساحة التعليق مستباحة، للمقلدين. الأمر لم يتوقف عند حد الركاكة والتقليد الأعمى لمعلقى الشمال الأفريقى بل وصل إلى حد السقطات الأخلاقية والتلفظ على الهواء، وتأثر المعلقين بانتماءاتهم للأندية وكل منهم يتطاول بالتورية على النادى الآخر، وكثرت الإحالات للتحقيق وفى النهاية لا يبقى الوضع على ما هو عليه فقط بل نسير من سيئ أسوأ. توقف التطوير وضاعت معايير الاختبار ودخلت المحسوبيات، فأصبح طبيعيًا أن يكون أقصى طموحاتنا أن نفرح بمعلق يقلد التونسى الشهير عصام الشوالى. يُمكن التماس العذر إذا غابت الموهبة التى تمتع بها مشاهير المعلقين من بكر وإمام وشوبير وشلبى ولطيف وغيرهم، لكن الجهل والتقليد والتعليق بالانتماءات لا يمكن أن يغفره الجمهور. عمر عبدالخالق، رئيس إذاعة الشباب والرياضة الأسبق وعضو لجنة اختبار المعلقين الرياضيين وتقييم الأداء الإعلامى للبرامج الرياضية بالإذاعة والتليفزيون قال: إن الإذاعة طوال تاريخها تقدم معلقين بارعين ومنهم حاتم بطيشة وعلى محمد على وأحمد فؤاد، والآن جميعهم أصبحوا فى قنوات بى إن سبورت الرياضية، التى تحظى بميزانية ضخمة تجعلها رقم واحد فى السوق العربية للإعلام الرياضى، فى المقابل رواتب المعلقين فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون ضعيفة وهذا هو السبب فى ضعف الإقبال على هذه المهنة، ورغم ذلك يوجد حاليًا لجنة منعقدة لفرز معلقين من أصل 500 متقدم تم تصفيتهم إلى مائة ووسط هذا العدد لا أتوقع أن يبرز سوى ثلاثة منهم فقط. وأضاف عبدالخالق: على مدار عقود تراجع مستوى المعلقين لعدم سعيهم لتطوير مهاراتهم اللغوية وأيضًا لابد أن يتمتع المعلق بأكثر من لغة فمعلقى الشمال الأفريقى يتحدثون ثلاث لغات على الأقل، والقنوات العربية لديها معايير دقيقة يتم بناءً عليها عملية الانتقاء، وعلى سبيل المثال المعلق الجزائرى حفيظ دراجى كان مدير إدارة البرامج الرياضية بالتليفزيون الجزائرى وعصام الشوالى ورءوف خليف كانا مميزين فى التليفزيون التونسى بالإضافة إلى تقاضيهم رواتب مميزة فى القنوات العربية، وأتمنى عودة المعايير الانتقائية التى كنّا نجرى الاختبارات بناءً عليها، والأهم أنه يجب ألا يتقدم للاختبارات إلا الموهوبون، وأن يكون المعلق قد مارس اللعبة لقدرته على الإلمام بقوانين اللعبة. وعن كيفية إعادة التعليق المصرى إلى سابق عهده قال عبدالخالق «أولا لا بد من رفع المقابل المادى ورواتب المعلقين، والذى لا يعرفه الكثيرون أن طارق العشرى وأسامة نبيه كانا معلقين فى اتحاد الإذاعة والتليفزيون ولم يكملا لقلة المقابل المادى، ولو احترمنا المهنة المعلق وقدرناها طبيعى سنكتشف مواهب الأعوام المقبلة». وأشار عبدالخالق إلى أن هناك معايير لابد أن تتوفر فى المعلق المتقدم للجان الاختبار بالإذاعة، منها أن يتمتع باللباقة والقدرة على مواصلة الحديث والتعليق على كل أحداث المباراة لمدة ساعة ونصف الساعة وأحيانًا ما قبل وبعد المباراة فى المباريات المهمة والنهائيات مع مراعاة عدم الخروج عن النص والحيادية الكاملة، داخل كابينة التعليق، بالإضافة إلى ضرورة أن يكون على دراية بمعلومات عن تاريخ وأهم الأحداث، ومن المهم أن تكون مخارج الألفاظ سليمة سواء بعيدًا عن اللدغة أو النطق السليم لأسماء اللاعبين الأجانب أفارقة أو أوربيين أو محترفين. أحمد عبده المعلق بشبكة «بى إن سبورت» قال: إن مصر كانت الرائدة فى مجال التعليق الرياضى بصفة عامة، لكن ينطبق على هذا المجال ما انطبق على المجالات الأخرى التى دُمرت بسبب الواسطة والمحسوبية، وهناك جرائم تحدث منها أن يتدخل وزير أو رئيس وزراء ويختار اسما بعينه للتعليق على مباراة للأهلى أو الزمالك، والمشكلة الثانية أن بعض المعلقين القدامى يحاربون الأصوات الجديدة، لينفردوا بالساحة، لكن المعلق المصرى مطلوب بلكنته المصرية الجميلة ولدينا معلقون مميزون، لكنهم لا يعملون فى القنوات المصرية، لكنهم لا يتمتعون أيضًا بما يتمتع به المعلق الخليجى من دعم كبير من صحافة بلده ومن مسئوليها، وإصلاح المنظومة فى مصر يتوقف على إعطاء الفرصة للمبدعين وعدم قتل موهبتهم بسبب عواجيز الفرح وفتح المجال للجميع والبعد عن الواسطة والمحسوبية ولابد للإعلام أن يدعم المميزين. فاروق جعفر مدرب الزمالك وطلائع الجيش الأسبق قال: إنه لابد من الالتفات إلى هذا الأمر، بعد أن فقدنا الكثير من المواهب ومستاءون من عدم وجود شخصية للمعلقين المصريين الجدد، وهذا سبب اختفائهم السريع مثل المطرب الشعبى الشهير بإيشا الشوالى، والذى تعاقدت معه قناة الحياة وبعد ردود أفعال سلبية حول أسلوب المعلق الذى اعتمد على تقليد عصام الشوالى حرفيًا فى حين أن الشمال الأفريقى لغويًا أعلى منا. كما أكد جعفر على ضرورة إنشاء مدارس لتخريج جيل من المعلقين يحفظ ماء وجه الإعلام الرياضى المصرى خصوصًا أن الجيل الحالى من الشباب أصبح يتوجه لمعلقين بالاسم مما يعد دليلاً دامغًا على أهمية عنصر التعليق كأحد عناصر الجذب فى متابعة الساحرة المستديرة، ويمكن فى سنة واحدة يكون لدينا على الأقل 5 معلقين، ولابد أن يكون هناك مدرسة لتدريب وتأهيل كل من لديهم موهبة فى التعليق. حازم إمام لاعب المنتخب والزمالك السابق قال «أتعجب ممن يقلدون المعلقين العرب، والأمر كارثى فلابد أن يحتفظ كل شخص بلونه، خصوصًا فى ظل هذا الانفتاح فى عالم الستالايت، وقديمًا شاهدنا على القناة الثانية متعة التعليق وكان لدينا حرية التنقل بين القنوات والاستمتاع بمشاهدة خدمة إعلامية رياضية متميزة من مضمون كروى للدوريات أوروبية وبتعليق عربى مميز، والأغرب أن المواهب تراجعت ولا يمكن تفسير ذلك، وفقدنا الإلهام بعدما أُعجب المعلقون الشباب بمعلقى الشمال الأفريقى، فاقتبسوا منهم ألفاظًا لا يمكن أن ينطقها مثلهم وبالتالى الأمر يكون مضحكًا ومؤسفًا فى الوقت نفسه، فى النهاية أنصح المعلقين المصريين أو من يجد فى نفسه الموهبة التقدم لاختبارات الإذاعة.