هل تزدرى الكنيسة الأرثوذكسية المرأة المسيحية؟ مناسبة السؤال الصادم، تلك القضية التى انفجرت مع نهاية 2016 والمتوقع أن تصبح الأهم والأكثر صخبا فى 2017، والتى تخص منع المرأة من دخول الكنيسة لأداء «سر التناول المقدس» إذا كانت فى فترة الحيض أو النفاس، ضمن طقوس العبادات المسيحية كإنسان «غير طاهر»، هذه القضية الشائكة كثر فيها الجدال فى الفترة الأخيرة مع إصدار الأنبا بفنوتيوس مطران سمالوط، كتابه «المرأة فى المسيحية.. قضايا مثيرة للجدل»، والذى يعتبر بمثابة بحث موثق عن قضايا جدلية جاء فى مقدمتها حق المرأة فى التناول المقدس خلال فترة «الحيض» أو «النفاس». الكتاب كان بمثابة قنبلة انفجرت بين الأقباط، لاختراقه المساحة المحرمة الخاصة بنظرة المسيحية للمرأة، رغم أنه لم يكن أول كتاب يطرح إشكالية ممارسة المرأة المسيحية لطقس التناول أثناء فترة الحيض، فقد سبقه القس يوئيل المقارى، راهب دير أنبا مقار فى منتصف 2016، بكتاب «المرأة والتناول» الذى أشار فيه إلى أن إفرازات جسد المرأة هى قانون الطبيعة بالنسبة للجسد وليست دنسا فى حد ذاته، كما أنه لا علاقة للتناول بهذا الأمر الذى ميز به الرب جسد المرأة، لكن الأمر أثار حفيظة من يرون المرأة غير طاهرة «نجسة»- الوصف للقس- عدة أيام من الشهر. رأى القس يوئيل استند على أن ذلك طقس كنسى مأخوذ من العهد القديم، وهو ما أثار ضده انتقادات لاذعة، فالأنبا أغاثون أسقف مغاغة ورئيس رابطة الكلية الإكليريكية، اعتبر أنه لا مشكلة مع كل من يتعامل مع قضية منع المرأة من التناول أثناء الحيض على أنها مستمدة من العهد القديم، أى أنها جزء من الشريعة المسيحية، فالرب هو الذى كتبه ومن ثم لا يمكن أن ينقلب عليه أحد. نفس الضجة وربما أكبر تعرض لها كتاب للأنبا بفنوتيوس «المرأة فى المسيحية»، بدأها الأنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة، ببيان شديد اللهجة وصف فيه الكتاب بالبدعة، قابله بيان من المجمع المقدس أكد فيه على التمسك بالتقاليد الكنسية، وأن ما يخالف ذلك آراء شخصية لا تعبر عن رأى الكنيسة. كمال زاخر، مؤسس التيار المسيحى العلمانى اعتبر بيان المجمع المقدس مجرد موقف شخصى من المطران لا يصلح أو يكفى للتصدى لقامة كبيرة فى الكنيسة رأت أن المرأة الحائض من حقها التناول على عكس الشائع، فالأمر مجرد محاكاة للمجمع الفاتيكانى الثانى، الذى اتخذت فيه الكنيسة الكاثوليكية قرارات مهمة ومصيرية فى الستينيات. القضية -حسب زاخر- ليست سوى جزء من الصراع المكتوب بين جناحى الكنيسة، وهى محاولة لنقل الصراعات عبر أفكار مختلفة، فالأنبا «بفنوتيوس»، والراهب يوئيل المقارى وغيرهما من شباب الكنيسة المثقف متأثر بثورة الأب «متى المسكين»، والذى قدم قراءة جديدة فى قضايا خلافية. الأنبا بفنوتيوس، أشار فى كتابه الصادم، إلى سيادة وتكريس فكرة أن المرأة «ناقصة»، وهذا يعبر عن خلل فى المفهوم المسيحى لدى التيار المحافظ، الذى يمنع المرأة من التناول لأسباب معينة، فالمسيح جاء بمفهوم الخلاص للإنسان دون التمييز بين رجل وامرأة. معركة «طهارة المرأة» أثناء التناول لم تقف فقط عند إصدار الكتاب والرد عليه، فقد قرر الأنبا «سرابيون» مطران لوس أنجلوس الرد على الكتاب وأمر بتعميم عظته المكتوبة وتوزيعها على جميع كنائس الإبراشية بالولايات المتحدة لتقرأ على شعب كنيسته ضمن عظات الصلاة. وجاء فى العظة المكتوبة، أن التعاليم المسيحية تقر بعدم «نجاسة» أى إنسان إلا بارتكابه الخطية وعليه فإن المرأة طاهرة حتى أثناء الدورة الشهرية. مطران لوس أنجلوس، أقر فى عظته بأن المرأة ليست ممنوعة فى جميع ظروفها من باقى الممارسات الروحية مثل الصلاة الفردية وقراءة الكتاب المقدس والخدمة وحضور الكنيسة، لكنه وجد مبرراً يوزع على الجميع بأن التقوى والحرص اللائق من الكنيسة على تناول الأسرار المقدسة فإن الالتزام بالطقس الكنسى يقيد الرجل والمرأة فى حالة الإفرازات الجسدية بكل أنواعها، وعليه فيظل منع المرأة من التناول قائماً لحين إشعار آخر. الدورة الشهرية، الحمل والرضاعة شكلت عائقًا أمام المرأة، فى ممارسة بعض طقوس العبادة، فدائمًا ما كانت مساحة المرأة مجالاً فضائيًا تسبح فيه الأقاويل والرؤى المتناقضة المنسوبة للدين، ففرضت عليها محرمات إضافية من قبل رجال الكنيسة، وتعددت إشكاليتها خاصة بعد إطلاق عدد من البيانات التابعة لكنائس قبطية تهدد بالامتناع عن إتمام مراسم الزواج فى حال ارتداء العروس أو الحضور زيًا «غير محتشم». الأنبا بيشوى السكرتير السابق للمجمع المقدس، وأستاذ علم اللاهوت بالكلية الإكليريكية، طالب المرأة المسيحية بالاحتشام والاقتداء بمثيلاتهن من المسلمات المحجبات، مما أثار حفيظة الكثيرين رجالاً ونساء ودفع بعضهم لتنظيم وقفة احتجاجية مطالبين باحترام المرأة المسيحية والاعتذار لها. فى أغسطس 2014 رفع عدد من حضور العظة الأسبوعية للبابا تواضروس شعارات «لا للفتاوى السلفية داخل الكنيسة» وذلك عقب تداول منشور بكنائس دمياط، مستندا لتعليمات الأنبا بيشوى. المنشور أمر بمنع وضع المكياج وارتداء البنطلون والبلوزة أثناء التقدم لسر التناول، للإناث فوق سن 11 سنة، وهو ما يعكس نظرة دونية للمرأة، فعليها أن تستقبل القرارات والمحرمات بسكوت خانع. البيان لم يحدد- وليس فى مقدوره أن يحدد- معايير الاحتشام كما أنه أسهل من منعها من التناول وغيرها من المحرمات التى تمس صورتها ككائن كامل نقى أن يتم منعها من تأدية جميع طقوس الكنيسة. لكن ماذا إذا خضعت المرأة المسيحية لمثل هذه الاجتهادات وجلست فى منزلها كدمية أو خادمة، لتأخذ وضع المشاهد فقط، كيف يمكن أن تظهر «الأم تريزا» مرة أخرى.. وكم من الأم تريزا ستدفن فى موقعها؟ تخيل.. إذا لم تخرج «جونشى بوياخيو» الشهيرة بالأم تريزا من الدير بعد 17 سنة رهبنة وتجعل مهمتها الأولى العناية بكل هؤلاء من ضحايا الأوبئة والمجاعات. والأهم من كل ذلك لجعلهم يشعرون بأنهم محبوبون ومحترمون كبشر، وقدرتها خلال الاجتياح الإسرائيلى للبنان 1982 أن توقف إطلاق النار حتى يتمكن رجال الدفاع المدنى من إنقاذ 37 طفلا بين جريح ومريض كانوا محاصرين فى أحد المستشفيات، لكنها لم تستسلم ولا اتخذت وضع المشاهد، قررت أن تساعد بأقصى ما تستطيع، وهو ما منحها لقب «أم القرن» دون منافسة تذكر. كتاب «المرأة فى المسيحية» رغم اشتماله على نقاط اتفاق مع أفكار الكنيسة، مثل تحريم الإجهاض، وتجريم ختان الإناث، فقد اعترض رجال الكنيسة على الكتاب ووصفوه بالبدعة لأنه أشار بقوة إلى قضية حق المرأة فى التناول خلال فترة الحيض أو النفاس، الأمر الذى تحرمه الأرثوذكسية وتبيحه الكاثوليكية. رجال الدين والكنيسة اعتبروا أنه لا يحق للنساء تخطى الكنيسة كمكان مقدس أثناء فترة الحيض وبعد الولادة ب40 يومًا- النفاس - لعدم طهارتهن، لكنهم لم يلاحظوا أن معظم ضحايا انفجار الكنيسة البطرسية من النساء والأطفال فقط بلغ عددهم ما يزيد على 23 من النساء اللاتى توافدن على الكنيسة لأداء صلوات الأحد، وكان السبب أن الانفجار وقع فى قاعة مخصصة النساء بالكنيسة البطرسية، بمجمع كاتدرائية العباسية، هنا تساوت المرأة مع الرجل فى التضحية والأكيد أنها تفوقت عليه.