إذا زاد العرض انخفض السعر.. تلك هى القاعدة الاقتصادية الثابتة التى تقف وراء قرار تعويم الجنيه، وهى قاعدة يعرفها الاقتصاديون بمصطلح قانون العرض والطلب، الذى يمثل حجر الأساس فى الأنظمة الرأسمالية الحرة. وعلى هذا الأساس فإن «التعويم» يمثل ضرورة ملحة، إذا أرادت مصر إعادة بناء اقتصادها، غير أن التعويم له مخاطر، فإذا كانت التيارات المائية «أو بالأحرى الاقتصادية» قوية، فإن العملة ستغرق. ووفقًا لبيان البنك المركزى بشأن قرار تحرير سعر الصرف، فإن مصر ستتبنى «التعويم الموجه»، وهو نظام يتيح للبنك إدارة عملية التعويم لدرء المخاوف الناجمة عنه، بما يقلل من جموح العملة الأجنبية. وقالت مجلة «فوربس الأمريكية» إن المشكلات التى تعوق الإدارة الصحيحة للتعويم تتمثل فى عدم امتلاك البنك المركزى لاحتياطى من العملة الأمريكية بما يجعل السوق تتحكم فى السعر، نظرًا لامتلاكها أرصدة أكبر، ولذلك فإن التعويم الموجه يمثل السبيل الوحيد لانتشال الجنيه من الغرق. وبحسب بورصة ناسداك فإن الاقتصاديين يعتقدون فى معظم الحالات، أن أسعار الصرف العائمة هى الأفضل من الأسعار الثابتة، والتعويم يؤدى إلى ضبط الصرف تلقائيا، وتمكين البلد من تجاوز الصدمات والكبوات الاقتصادية، واستباق إمكانية وجود أزمة فى ميزان المدفوعات. وتوكد مجلة «جلوبال أيكونومي» أن معظم العملات فى العالم عائمة، وتشمل العملات الأكثر تداولا ومنها الدولار الأمريكى، اليورو، والكرون النرويجى والين اليابانى والجنيه الاسترلينى، والدولار الاسترالى، ومع ذلك، فغالبا ما تشارك البنوك المركزية فى الأسواق فى محاولة للتأثير على قيمة أسعار الصرف العائمة. وبحسب التقرير فقد بدأت معظم الاقتصادات الكبرى بالعالم فى استخدام نظام تحرير العملة أو التعويم الحر بعد أن كانت تعمل بنظام «بريتون وودز» للعملات الثابتة منذ عام 1946 إلى أوائل السبعينيات، وفى عام 1971 انهار الدولار حين توقفت الولاياتالمتحدة رسميا عن تحويل الدولارات المتداولة فى العالم إلى الذهب، بمقتضى الاتفاقية التى جعلت كل أوقية من الذهب تعادل 35 دولارًا والأوقية تساوى 29.75 جرام، وبالتالى قام الرئيس الأمريكى الراحل ريتشارد نيكسون بوقف التزام أمريكا بتحويل احتياطيات الدولار إلى ذهب وبعد اتفاق سميثونيان عام 1973 وحذت معظم العملات فى العالم حذو الولاياتالمتحدة ومع ذلك، فإن بعض البلدان، مثل معظم دول الخليج، استمرت عملتها ثابتة وارتبط ذلك فى الآونة الأخيرة بتباطؤ معدلات النمو. وفى حالة تعويم الجنيه المصرى مقابل الدولار، فإن التقارير الاقتصادية تؤكد أنه إذا كان الطلب على الدولار أكبر من العرض فسيتهاوى الجنيه المصرى، وسترتفع الأسعار نظرًا لاعتماد مصر على استيراد مواد رئيسية مهمة. وهذا الجدل القائم بين الاختيار بين الثابت والعائم بحسب نموذج «مونديل فليمنج» يمكن أن تحسمه قدرة الحكومة نفسها على اتخاذ إجراءات اقتصادية تساهم فى توفير العملات الأجنبية، واستقطاب المستثمرين الأجانب، ومن ثم ترك السوق «يوفق أوضاعه بنفسه». والحجة الأساسية لتعويم سعر الصرف هى أنه يتيح للسياسات النقدية أن تحافظ على سعر الصرف عند مستواه المعلن، ونظام أسعار الصرف العائمة يجعل صانعى السياسة النقدية أحرارًا لتحقيق أهداف أخرى مثل استقرار العمل أو الأسعار الداخلية، وفى حالات الانخفاض الشديد فإن البنك المركزى يتدخل لتحقيق استقرار العملة وهكذا، فإن نظم أسعار صرف العملات العائمة تصبح أفضل من الناحية الفنية، ومن هنا تأتى إدارة البنك المركزى حيث لابد أن تتخذ شكل شراء أو بيع حصص كبيرة من أجل توفير دعم الأسعار، وخاصة أنه فى حالة بعض العملات الوطنية، قد تكون هناك عقوبات قانونية للتداول خارج هذه الحدود. لكن اقتصاديين عالميين يرون أن التعويم قد يسبب مشاكل خطيرة، لاسيما فى الاقتصادات التى تعانى الهشاشة المالية، لهذا السبب نجد أن الدول الناشئة تواجه مخاوف كبيرة بسبب التعويم ومنها معدل الفائدة وتحركات الاحتياطى. وفى ظل النظام العائم، فإن الاقتصادات الصغيرة غالبا ما تكون عرضة لتقلبات سعر الصرف نظرا لتدفق أعداد كبيرة وتدفق الأموال الفائضة الناجمة عن تخفيف القيود النقدية، إلا أن عدد الدول التى أقدمت على التعويم زادت بنسبة كبيرة منذ التسعينيات، حتى إن المزيد من البلدان الناشئة تتبنى نظام تعويم سعر الصرف المدار فى محاولة لحماية عملاتها من زيادة التقلبات فى أسواق الصرف الأجنبى الناجمة عن تدابير التيسير النقدى من الدول المتقدمة. ووفقا لدراسة لصندوق النقد الدولى فإنه فى عام 2013، اعتمدت 82 دولة أى 43% من جميع البلدان التعويم مقابل 35 فى عام 2009 وهذا يعنى زيادة الدول التى تستخدم هذا النظام من آلية الصرف العائمة. ورغم كونها قلعة الشيوعية فإن الصين تبنت آلية التعويم المدار، ووجدت الدراسة أن 65 من البلدان والمناطق، بما فى ذلك الدول الصناعية مثل اليابانوالولاياتالمتحدة والعديد من الدول الأوروبية، اعتمدت أنظمة العملة العائمة المدارة، وفى عام 2012 تحولت جورجيا، وبابوا غينيا الجديدة والعديد من البلدان الأخرى لنظام العملة العائمة وقامت الأرجنتين وهى من أنجح الدول الحديثة باستخدام نظام التعويم حيث إنها أجرت تدخلات ثقيلة فى السنوات الأخيرة. وترى صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن خطوة مصر فى تعويم الجنية ستؤدى إلى تحسين القدرة التنافسية المصرية، ودعم الصادرات والسياحة، وجذب الاستثمارات الأجنبية، إلا أن بعض المحللين يحذرون من هذه الخطوة لو تمت بشكل خاطئ ستؤدى إلى زيادة التضخم. ووفقا للتقرير فقد أضرت سنوات من الاضطراب السياسى وزيادة فى معدلات الإرهاب المصادر الرئيسية للعملة الأجنبية هى السياحة والاستثمار الأجنبى المباشر فى مصر ولذلك اضطرت البلاد إلى تقنين الدولارات التى كان عليها أن تدفع للضروريات مثل القمح والأدوية لدرجة أن الشركات المحلية اضطرت للتعامل مع السوق السوداء لتلبية الاحتياجات الملحة للعملة الأجنبية. ورحب صندوق النقد الدولى بالتعويم وقال إنه سيساعد على تعزيز النمو وخلق فرص العمل وسيكون الوضع الخارجى لمصر أقوى.