الجنون هو النتيجة الحتمية إن كنت تبحث عن السعادة هل أنت من هؤلاء ولو كانت السعادة سلعة يمكن شراؤها بكم تشتري؟ بالفعل العالم من حولك يسعى بكل طاقته فى اتجاه السعادة ومن هنا علينا أن نقف على حافة الجنون وننتظر السقوط. يختلف مفهوم السعادة من شخص إلى آخر ويتباين فى المجتمعات والثقافات المتعددة وإلى وقتنا هذا لم يصل أحد إلى مفهوم السعادة الكل يسأل نفسه عنها ليل نهار ويتحرك فى دوائره بحثا عنها ربما ليجد ما يعتبره السعادة فى علاقته بالحبيب مثلا أو بجمع المال؟! شغل الكاتبة ومخرجة الأفلام الوثائقية «روث ويبمان» هذا الأمر لدرجة أنها تفرغت لكتابة كتاب يناقش فكرة السعادة فى أمريكا، وبالفعل صدر كتابها يوم الثلاثاء الماضى تحت عنوان «أمريكا المريضة كيف يحولها البحث عن السعادة إلى أمة لديها انهيار عصبى» وهو لدار نشر «سانت مارتن» يحوى اكتشافات الكاتبة فى حوالى 256 صفحة، المدهش هو ما أكدته دراستها أن أمريكا تنفق مليارات الدولارات لصناعة السعادة! تروى «روث» رحلتها الصحفية فى «مجمع السعادة الصناعى» وكيف تبيع الحكومة الأمريكية الوهم لشعبها من خلال إقناعهم بأهمية دروس اليوجا والتأمل والترويج الدائم لكتب المساعدة الذاتية وفوائد السفر وتذوق السعادة فى قطعة شيكولاتة أو فى رشفة قهوة! تجد الكاتبة نفسها فى حيرة متزايدة أمام الهوس الأمريكى وطرق بحثه عن السعادة لدرجة أنها أفرزت مؤسسات يعمل بها مستشارون وخبراء يحاولون إنتاج السعادة لعملائهم وعلى الرغم من ذلك تبينت «روث» فى بحوثها أن الولاياتالمتحدةالأمريكية هى واحدة من أقل الدول قناعة ورضا شعورا بالسعادة رغم أنها أكثر الشعوب إنفاقا للوقت والمال فى البحث عن السعادة من أى دولة أخرى على وجه الأرض! فصناعة السعادة فى الولاياتالمتحدة توضح كيف تبيع الحكومة والشركات الكبرى الوهم، وكما يرى خبير الاقتصاد السياسى وليام ديفيز أن صناعة السعادة هى دليل أساسى لاقتصاد السوق فى الحياة العصرية، وأن مصطلح البحث عن السعادة هو ما يجعل المواطن يفعل ما يجب فعله والذى يصب فى مصلحة الشركات والحكومات، صناعة السعادة تندرج تحت بند الاقتصاد السياسى فهى خدعة الحكومات، فالسعادة الآن أصبحت من أشهر وأغلى السلع داخل قلعة الإدارة الاقتصادية العالمية. اخترقت «روث» كل المجالات تقريبا لتقترب أكثر من الحقيقة فى صحراء «نيفادا» المقام عليها «مدينة السعادة» الرحلة التى اختزلت فى بضعة سطور فى كتابها لتؤكد أن هذه المدينة واحدة من أعلى المناطق فى معدلات الانتحار بأمريكا! الكتاب يقدم تحذيرا صريحا للشعوب وفى مقدمتهم الشعب الأمريكى حول الكيفية التى يتم بها التلاعب بسلاح السعادة من قبل الحكومات وأرباب العمل ويكشف الجوانب الخفية فى سلوك تفكير رجال الأعمال الذين يحاولون بيع السعادة بكل الطرق والوسائل فى إطار أعمال «بيزنس» يصل حجمه فى أمريكا إلى 11 مليار دولار ما يوازى إيرادات صناعة السينما فى هوليوود! الغريب أن صناعة السعادة لم تكن وليدة اليوم بل إنها هى أكثر السلع الاستهلاكية منذ الثورة الصناعية وتعد المتغير الرئيسى فى العلاقات المتغيرة بين المنتج والمستهلك ولعب الإعلان دورا مهما فى هذه اللحظة حيث أفرز قواعد ترويجية خاصة لبيع السعادة فى صورة منتج والأمثلة كثيرة فى هذا الإطار مثل بيع الوحدات السكنية التى ترى البحر «الكومباوند» وكيف ستعيش فى حالة سعادة غير تقليدية فيلهث الجميع لكسب المال حتى يحصل عليها ليعيش سعيدا لكنه لا يدرى أنه وقع فريسة للشركات والحكومات ليعمل كعبد وهو ما يؤكد أن البحث عن السعادة يوصل الإنسان إلى الانهيار العصبى وليس إلى السعادة كما يزعم رجال الأعمال. وبالتالى فإن رحلة البحث عن السعادة تزيدك بؤسا ومرضا نفسيا فى حين تزيد الشركات والحكومات ثراء وقوة ووفقا للكاتبة فإن فكرة وسائل التواصل الاجتماعى خاصة «فيس بوك» كانت نوعا من أنواع البحث عن السعادة حيث كان الهاجس الأول الذى جعل مارك ينشئ الموقع هو محاولته للحصول على السعادة بعد قصة حب فاشلة! ولكنه فى رحلة بحثه عن السعادة فشل فى أن يصل إليها ولم يغنه «الفيس بوك» عن حبيبته! لكنه لفت انتباه رجال الأعمال للفكرة التى ستدر عليهم المال الوفير والتى ستجذب جميع الشعوب اللاهثة وراء السعادة وفى النهاية انخرط مارك مع رجال الأعمال فى البيزنس وترك من آمن بفكرته ليهوى إلى الاكتئاب والأمراض النفسية بسبب إدمان مستخدميه الحياة فى العالم الافتراضى بعيدا عن الواقع ومن ثم بعيدا عن السعادة! يحاول الجميع الآن تحرير حياته من وسائل الإعلام الاجتماعى والصور التى يلتقطها البعض ليبدوا أكثر سعادة من أى شخص آخر والخروج من هذا الوهم بالسعادة. ولكن ما يخصنا نحن هنا ويجعلنا نشعر بالغرابة هو آخر استطلاع الذى أكد أن دولا مثل فلسطين وليبيا والصومال والعراق ومانيمار تسبق مصر فى شعور شعوبها بالسعادة، حيث وصلت إلى المرتبة 130 من أصل 150 دولة.