مجلس جامعة كولومبيا يصوت على قرار للتحقيق مع الإدارة بعد استدعاء الشرطة لطلبة متضامنين مع غزة    قوات الاحتلال تطلق النار على سيارة خلال اقتحام مدينة طولكرم    الجيش الأمريكي: الحوثيون ألقوا صواريخ باليستية على سفينتين بالبحر الأحمر وأصابوا إحداهما    أحمد فهمي يحتفي بصعود الأهلي لنهائي إفريقيا    الأرصاد تحذر المصريين من طقس اليوم: الأمطار الرعدية والسيول تضرب هذه المناطق    4 أيام متواصلة.. تعرف على عطلة شم النسيم وعيد العمال والإجازات الرسمية حتى نهاية 2024    اليوم.. جلسة محاكمة مرتضى منصور بتهمة سب وقذف عمرو أديب    للحماية من حرارة الصيف.. 5 نصائح مهمة من وزارة الصحة    تحذير دولي من خطورة الإصابة بالملاريا.. بلغت أعلى مستوياتها    نتيجة انتخابات نادي القضاة بالمنيا.. عبد الجابر رئيسًا    "اتهاجمت أكثر مما أخفى الكرات ضد الزمالك".. خالد بيبو يرد على الانتقادات    كولر: مازيمبي لم يشكل أي خطورة علينا.. وسنحتفل اليوم بالتأهل    د. محمد كمال الجيزاوى يكتب: الطلاب الوافدون وأبناؤنا فى الخارج    د. هشام عبدالحكم يكتب: جامعة وصحة ومحليات    «المركزية الأمريكية»: الحوثيون أطلقوا 3 صواريخ باليستية على سفينتين في البحر الأحمر    واشنطن تعلن عن مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 6 مليارات دولار    لدورة جديدة.. فوز الدكتور أحمد فاضل نقيبًا لأطباء الأسنان بكفر الشيخ    حقيقة انفصال أحمد السقا ومها الصغير.. بوست على الفيسبوك أثار الجدل    رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 27 إبريل بعد الانخفاض الآخير بالبنوك    وزير الرياضة يُهنئ الأهلي لصعوده لنهائي دوري أبطال أفريقيا للمرة ال17 في تاريخه    قبل مواجهة دريمز.. إداراة الزمالك تطمئن على اللاعبين في غانا    دوري أبطال إفريقيا| الأهلي يعزز رقمه الإفريقي.. ويعادل رقمًا قياسيًّا لريال مدريد    محمد هلب: السيارات الكهربائية بمثابة مشروع قومى لمصر    شعبة البن تفجر مفاجأة مدوية عن أسعاره المثيرة للجدل    والد ضحية شبرا يروي تفاصيل مرعبة عن الج ريمة البشعة    رسالة هامة من الداخلية لأصحاب السيارات المتروكة في الشوارع    بعد حادث طفل شبرا الخيمة.. ما الفرق بين الدارك ويب والديب ويب؟    أستاذ علاقات دولية: الجهد المصري خلق مساحة مشتركة بين حماس وإسرائيل.. فيديو    عمل نفتخر به.. حسن الرداد يكشف تفاصيل مسلسل «محارب»    دينا فؤاد: الفنان نور الشريف تابعني كمذيعة على "الحرة" وقال "وشها حلو"    بشرى في العرض الخاص لفيلم "أنف وثلاث عيون" بمهرجان مالمو للسينما العربية    يسرا اللوزي تكشف سبب بكائها في آخر حلقة بمسلسل صلة رحم.. فيديو    3 وظائف شاغرة.. القومي للمرأة يعلن عن فرص عمل جديدة    الدكتور أحمد نبيل نقيبا لأطباء الأسنان ببني سويف    تنفع غدا أو عشا .. طريقة عمل كفتة البطاطس    الأمن العام يضبط المتهم بقتل مزارع في أسيوط    العراق.. تفاصيل مقتل تيك توكر شهيرة بالرصاص أمام منزلها    عاصفة ترابية وأمطار رعدية.. بيان مهم بشأن الطقس اليوم السبت: «توخوا الحذر»    الرجوب يطالب مصر بالدعوة لإجراء حوار فلسطيني بين حماس وفتح    موعد مباراة الأهلي المقبلة بعد التأهل لنهائي دوري أبطال أفريقيا    الترجي يحجز المقعد الأخير من أفريقيا.. الفرق المتأهلة إلى كأس العالم للأندية 2025    رغم قرارات حكومة الانقلاب.. أسعار السلع تواصل ارتفاعها في الأسواق    محمد جبران رئيسا للمجلس المركزي للاتحاد الدولي لنقابات العمال العرب    في سهرة كاملة العدد.. الأوبرا تحتفل بعيد تحرير سيناء (صور)    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية التعاملات السبت 27 إبريل 2024    مقتل 4 عمّال يمنيين بقصف على حقل للغاز في كردستان العراق    "أسوشيتدبرس": أبرز الجامعات الأمريكية المشاركة في الاحتجاجات ضد حرب غزة    استئصال ورم سرطاني لمصابين من غزة بمستشفى سيدي غازي بكفر الشيخ    قلاش عن ورقة الدكتور غنيم: خلاصة فكره وحرية الرأي والتعبير هي درة العقد    تعرف علي موعد صرف راتب حساب المواطن لشهر مايو 1445    حظك اليوم برج العقرب السبت 27-4-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    تهاني شم النسيم 2024: إبداع في التعبير عن المحبة والفرح    أعراض وعلامات ارتجاج المخ، ومتى يجب زيارة الطبيب؟    "ذكرها صراحة أكثر من 30 مرة".. المفتي يتحدث عن تشريف مصر في القرآن (فيديو)    «أرض الفيروز» تستقبل قافلة دعوية مشتركة من «الأزهر والأوقاف والإفتاء»    تعرف على فضل أدعية السفر في حياة المسلم    تعرف على فوائد أدعية الرزق في حياة المسلم    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لقاء سرى بين ناصر وجولدا مائير

هذه قصة حدثت سنة 1955 وبقيت طى الكتمان، على مدى العقود السابقة.. ملخصها أن الإدارة الأمريكية رأت أن المواجهة العسكرية بين مصر والاحتلال الإسرائيلى أصبحت قاب قوسين أو أدني، فدبرت للقاء يجمع الرئيس الراحل جمال عبدالناصر بجولدا مائير.. لكن اللقاء لم يحدث، بل إن الرئيس أكثر من ذلك «لطع» مائير على متن زورق بحرى كانت تنتظره فيه، فأمضت ليلتها وهى تحتسى الخمر، حتى ثملت وكادت تسقط مغشيًا عليها.
تلك هى الخطوط العريضة للحكاية.. لكن التفاصيل الدقيقة تحمل الدهشة من كيفية تصرف الزعيم الذى لم «يلطع» جولدا وحدها، وإنما لطع الإدارة الأمريكية وتل أبيب معها على «قفاهما»، معلنًا أنه لا تفاوض مع العدو بغير عودة الحقوق الفلسطينية.. فإلى التفاصيل.
عقب جولات وساطة أمريكية مكوكية، تحدد الموعد صباح الأول من أبريل عام 1956 وانتظرت جولدا مائير مُمثلة الحكومة الإسرائيلية قدوم الرئيس المصرى حتى العصر على يخت مدنى فى حماية الأسطول الأمريكى فى البحر الأبيض.
وكانت جولدا سهرت الليلة السابقة وأعدت حوارا لكى تجذب اهتمام عبدالناصر، وقررت أن تسرد قصة حياتها عندما هاجرت عام 1921 على متن سفينة استغرقت رحلتها 44 يومًا، حتى وصلت إلى ساحل مدينة يافا الفلسطينية لكن الفلسطينيين منعوا المُستوطنين من النزول على أراضيهم.
عندئذ هربت السفينة إلى الإسكندرية فدنست أقدام «جولدا» رمالها، ثم سافرت بالقطار المصرى إلى مدينة تل الربيع «تل أبيب» حاليا التى وصلتها فى يوم شديد الحرارة بشهر يوليو عام 1921.
لكن عبدالناصر سخر من الجميع كعادته وخذل خيالها ولم يتحرك إلى نُقطة اللقاء السرية واختفى عن الشاشة الأمريكية والإسرائيلية فشعرت مائير بضياع أول موعد من ذلك النوع فى حياتها بالإهانة القاسية فتمادت فى تناول أقداح شامبانيا كانت بحوزتها حتى إن طاقم جهاز الاستخبارات الإسرائيلية الذى صاحبها لتأمين اللقاء وجد مشقة بالغة فى السيطرة على رئيسة الوزراء الثملة المخدوعة.
وعادت مائير تترنح إلى تل أبيب تحت جنح ظلام ليلة الأول من شهر أبريل عام 1956 وذهبت مُباشرة إلى مقر وزارة الدفاع الإسرائيلية وعندما دخلت على رئيس الوزراء كانت تسب وتلعن فى الرئيس المصرى وعيناها مغرورقتين بالدمع.
كانت العجوز الصهيونية تحلم بدخول التاريخ كأول مُمثل رسمى عن الدولة الإسرائيلية يُقابل الرئيس المصرى ويعقد معه سلاماً شاملاً بعدما اصطفاها من بين كافة السياسيين لتلك المُهمة.
وعندما شاهد بن جوريون مبعوثته السرية تدخل عليه سكيرة تترنح بينما أخفق مُرافقوها فى السيطرة عليها وكان العجوز قد علم قبيل وصولها بساعات بفشل الوساطة الأمريكية همس فى أذن وزير خارجيته «موشيه شاريت»: «إياك ومراجعة سيدة سكيرة خُدعت للتو فى أول موعد فى حياتها».
موشيه شاريت أدرك معنى عبارة العجوز، لذلك لم يُراجع جولدا مائير تلك الليلة ونصحها مع رئيس الوزراء والدفاع فى ذات التوقيت بالذهاب لتستريح فعادت السكيرة لتسُب ناصر مُتهمة إياه بعدم اللياقة العربية والرعونة والجرأة السياسية.
وطبقا للوثائق الإسرائيلية والأمريكية فإن جولدا رجعت إلى تل أبيب تجُر أذيال الخيبة بعدما ضاع أول وآخر موعد فى حياتها مع رجل مصري.
ومن ساعتها قررت جولدا مائير احتلال سيناء وحلمت بأنها على أبواب القاهرة تنتقم من الرجل الذى أهانها مِثلما لم يفعل غيره بكُل حياتها بل سجلت تفاصيل الحُلم بالمُسودة الأولى من مُذكراتها التى نوَّت نشرها على العامة.. لكن سُلطات هيئة الرقابة العسكرية الإسرائيلية منعت الفقرة بالكامل من المُذكرات لأنها كانت ستكشف تفاصيل غير مُخصصة للنشر بشأن عملية سرية للغاية.
بعد هذه الواقعة بأشهر تولت «مائير» حقيبة الخارجية وبعد خمسة أشهر من دخولها الحكومة وافقت على الاشتراك مع جيوش فرنسا وبريطانيا فى التاسع والعشرين من أكتوبر عام 1956 فى مؤامرة العدوان الثُلاثى على مصر.
وعندما أفشلت القرارات الدولية حلمها من أجل احتلال شبه جزيرة سيناء بسبب قرار وقف القتال والانسحاب أقسمت على العودة مرة أخري.
الأرشيف الأمريكي
صفحات سرية للغاية من ملف عملية بالغة الحساسية قبع فى غياهب الأرشيف الأمريكى الحكومى لستين عاماً حاملاً خاتم حظر النشر لدواعى حماية أسرار الأمن القومى للدولة العبرية.. ويتردد فى كواليس مكاتب الحكومة بمدينة القدس حالياً أن الحظر الأمريكى صدر بالأساس عقب الحرج الشديد الذى تسبب فيه عبدالناصر لحكومة «بن جوريون» الثانية بعدما عانت من إخفاقات دولية مُستمرة كان مُعظمها بسبب مصر.
صفحات الملف صفراء بسبب عوامل الزمن وحفظها داخل أرشيف سرى خضع لحُكم حظر النشر بعد أيام قليلة للغاية من تحريرها أول شهر أبريل عام 1956 بينما كُتب على وجهه كارت الكود الرسمى باسم العمليةOperation Gamma.
وحسب الملف فإن العملية كانت أمريكية فى الأصل وقيدت تحت بند سرى للغاية توسطت فيها واشنطن بين الرئيس المصرى والصهاينة.
اللافت أنه بالرغم من تلك الحقيقة حملت نُسخة الملف الإسرائيلى ذات التصنيف الحكومى «السرى للغاية» ونفس اسم الكود الأمريكى الذى وضعه Allen Welsh Dullesالمُدير الخامس بتاريخ وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكيةCIA.
وردت بيانات ملف Operation Gammaتعلى طريقة وأسلوب الوثائق الأمريكية المُصنفة تحت بند «سرى للغاية» والمُستندات الدبلوماسية تحت بنود التصنيف السريDiplomatic Cablesحيث يبدأ الملف بالتعريف بشخصية البطل الفعلى الرسمى للملف ومن ثم دور شخصيات العملية كُل منهم حسب قيمة المُهمة التى نفذها.
أبطال الملف الحصرى حسب المهام الرسمية طبقاً لمعلومات الملف الأمريكى الحصرى ومهام كُل منهم، تمثلوا فى الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وإلى جواره مُدير جهاز معلوماته «زكريا محيى الدين» وكان المؤسس الحقيقى لجهاز الاستخبارات العامة المصرية وأول مدير للجهاز بين عام 1954 وعام 1956.
ومن الجانب الإسرائيلى رئيس الوزراء دافيد بن جوريون وبجانبه فى السر «موشيه شاريت» وزير الخارجية الأول فى تاريخ دولة إسرائيل.
ويتضح للمرة الأولى أن أهم الأسباب السياسية التى أطاحت بشاريت من مناصبه السياسية أولاً فشل الاستخبارات الإسرائيلية وسقوط شبكة عُملاء وضُباط «خلية القاهرة» بالإسكندرية بتاريخ 23 يوليو عام 1954 ثم بسبب الإهانة التى وجهها ناصر إلى جولدا مائير.
أما عن الجانب الأمريكى فقد أدار العملية الرئيس الأمريكى الثالث والأربعين الجمهورى آيزنهاور وكان إلى جواره ُمدير وكالة CIAالتى تأسست بتاريخ 18 سبتمبر عام 1947 الذى تولى مهمة تأمين السرية لضمان إقناع الرئيس المصرى بالتفاوض السرى المُباشر تحت الرعاية الأمريكية مع إسرائيل.
وكان روبرت برنارد آندرسون البطل الفعلى والحقيقى والمُنفذ على الأرض لخطة Operation Gammaالذى أدار الحوار مع عبدالناصر فى مكتبه بالقاهرة ورئيس الحكومة الإسرائيلية فى مقره الصيفى بتل أبيب باسم الإدارة والبيت الأبيض الأمريكى الذى اتخذ من مدينة روما الإيطالية محطة للتمويه.
التفاصيل الحصرية
أقلقت العمليات الفدائية المصرية المُسلحة ضد إسرائيل الإدارة الأمريكية فى رئاسة آيزنهاور وانتهت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIAتإلى تقارير حذرت من احتمالات نشوب حرب وشيكة بين مصر وإسرائيل الأمر الذى يهدد مصالح أمريكا فى المنطقة.
وكان عبدالناصر قد تسلم قبل ذلك بشكلٍ مُفاجئ خطاباً رسمياً وقعه رئيس الوزراء ووزير الخارجية الإسرائيلية موشيه شاريت بتاريخ 12 ديسمبر عام 1954 ثم تبادل الاثنان خطاباً سرياً آخر بتاريخ 31 ديسمبر عام 1954 فرأى الرئيس آيزنهاور أنه لا توجد مُشكلة أساسية لدى الرئيس المصرى لإجراء مُفاوضات مُباشرة مع حكومة تل أبيب تنتهى باتفاقية سلام دائمة.
واستدعى الرئيس الأمريكى مُدير وكالة المعلومات CIA وكلفه بسرعة استخدام قنوات السفارة الأمريكية بالقاهرة للاتصال بالرئيس المصرى كى يستعد لاستقبال كاتم أسرار البيت الأبيض روبرت آندرسون.
اتصل السفير الأمريكي الذى وصل للقاهرة مُبكراً بالرئيس ورفض الإفصاح عن سبب طلبه العاجل لزيارته فحدد مكتب الرئاسة المصرية صباح الأول من يناير عام 1956 حيث قابل عبدالناصر فى زيارة مُثيرة استغرقت ثلاث دقائق لا غير أفصح فيها السفير عن اسم المُفاوض المُقرر وصوله إلى القاهرة للقاء شخصى مُغلق مع الرئيس المصري.
وسأل الرئيس عن سر التعجل فى اللقاء فأكد السفير الأمريكى أن الموضوع بالفعل يستحق ما فعله لكنه ليس مخولاً بالاطلاع على نوعية المُهمة التى كُلف بها.
بعدها بأقل من 24 ساعة وصل روبرت آندرسون إلى مطار القاهرة الدولى واتجه مُباشرة إلى مكتب الرئيس بضاحية مصر الجديدة شمال شرق القاهرة دون انتظاره السفير الأمريكى كالمُتبع فى الظروف الدبلوماسية العادية.
وقبلها استفاض زكريا مُحيى الدين فى عرض المعلومات عن الزائر الأمريكى للرئيس، موضحًا أن الضيف كان مسئولا عن تطوير استراتيجيات الدفاع البحرى الأمريكى وأسس لسلاح بحرية سريعة وقابلة للتأقلم مع كافة الظروف الدولية كما قضى خلال فترته على قضية العُنصرية البيضاء تجاه السود بداخل البحرية الأمريكية لذلك حصل على «ميدالية الحُرية».
اللافت أن السيد زكريا مُحيى الدين كتب فى بداية شهر يناير عام 1956 مُلخصاً عن الضيف المُتوقع لفت نظر الرئيس أن ضيفه رُبما يكون هاماً لمصر بالمُستقبل القريب والغريب بالفعل أن التوقعات صدقت بالفعل فقد تولى الرجل منصب وزير المالية والخزانة في29 يوليو عام 1957 وظل شاغله حتى 20 يناير عام 1961.
واهتم الرئيس بمعلومة بالغة الأهمية كشفها محيى الدين، فقد قال له: إن آندرسون هو حافظ أسرار الرئيس الأمريكي، ومن بين المعلومات أيضًا أنه عمل فى بداية حياته العملية كمدرس بالمدارس العُليا (الثانوية) قبل أن يُقرر الالتحاق بجامعة تكساس.
من تلك المعلومة أدرك الرئيس جمال عبد الناصر مدخل ضيفه إلى السياسة الحكومية والأنشطة الاجتماعية القانونية فى ولاية تكساس التى أشار مُحيى الدين أنه تولى فيها منصب مُساعد المُدعى العام فى الفترة من عام 1933 حتى عام 1934 عندما أصبح مفوض الضرائب العام للولاية.
لذلك مِثلما ذكرت الملفات المصرية أعلن الرئيس جمال عبدالناصر إلى زكريا مُحيى الدين أنه سيلهو بذلك الرجل لأنه تمترس فى ترويض أساتذته بأسلوب تضخيم الأنا وأكد أنه سيستدعى شخصية الأستاذ من داخله أثناء اللقاء لكى يروضها وقد فعل على أرض الواقع ما قصده.
استقبل الرئيس المُفاوض السرى المبعوث الشخصى للرئيس الأمريكى ولم يعرف من رجال الرئيس المصرى بتفاصيل شخصية الضيف سوى زكريا مُحيى الدين حيث راعى الرئيس السرية التامة.
فى خلال الدقائق الأولى أبلغ الضيف بأن مُهمته سرية للغاية ويُفضل عدم إتاحة المعلومات للنشر وطبقاً لما سجلته الملفات المصرية فقد علق الرئيس عبد الناصر باللغة العربية ناحية مُحيى الدين الذى حضر كُل الجلسات وكان الرئيس مُمتعضاً وأجاب بالعامية على طلبه: «عارفين يا سيدنا وبعدين؟».
العرض الإسرائيلي
ثم عرض الضيف ملفاً شمل خطاباً رسمياً مُعتمداً كبادرة حُسن نوايا وقعه رئيس الحكومة الإسرائيلية دافيد بن جوريون وعليه توقيعات لجنة عُليا من حكومته عرضت فيه دولة إسرائيل التنازل لمصر عن ربع مساحة صحراء النقب المُجاورة للحدود المصرية فى مُقابل أن توافق القاهرة على وقف كافة أشكال العداء والتفاوض على اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل تضمن على المدي البعيد رُبما إلى الأبد حفظ الاستقرار والسلام داخل منطقة الشرق الأوسط.
بعدها طالع الرئيس بنود العرض متضمنًا تحديد علامات الحدود الدولية بشكل نهائى وأن إسرائيل ستُسلم مصر قطاع غزة بالكامل مع جزء من مدينة أشدود التى أصبحت أكبر الموانئ المدنية التجارية الإسرائيلية جنوب تل أبيب، مع منح السيطرة على مضايق خليج العقبة ومدينة أم الرشراش التى احتلتها إسرائيل بحرب عام 1948 بشرط أن تُعامل القاهرة تل أبيب كدولة صديقة.
وتكشف الوثائق الأمريكية التى سجلها آندرسون عقب عودته من كُل مُهمة بين القاهرة وتل أبيب أن الرئيس ترك العرض الإسرائيلى الرسمى ولم يُبد أية ردود وإمعانًا فى تجاهل العرض سأل الزائر الأمريكى عن أسرته، وما نحو ذلك من مسائل خارج سياق العرض، ففهم السياسى الأمريكى الرسالة وقال: «سيدى الرئيس إن الرئيس آيزنهاور أجبر بن جوريون على هذه التسوية، ولم نعرف مدى قبولك بها»، فضحك عبدالناصر وزكريا محيى الدين ثم قال: «العرض الإسرائيلى لا قيمة له عندى ولا يُساوى الورقة التى كُتب عليها لأنه وقع تحت ضغط وليس حُباً فى السلام ولن تلتزم إسرائيل كعادتها بحرف منه».
وسعى آندرسون إلى إقناع الرئيس الراحل بأن إسرائيل جادة فى عرضها، فقال له: «أنا أستقبلك انطلاقًا من مبدأ الاستماع».. فتعجب الزائر الأمريكى من المصطلح لكن عبدالناصر قال له: «إن إسرائيل تقول إنها خائفة مني، والخائف لا يوقع معاهدة سلام».
وانتهت المقابلة بأن عبدالناصر دعا المفاوض الأمريكى إلى أن يأتى مع زوجته للاحتفال بعيد زواجهما ال21 فى مصر.. بعد أن أكد له أنه يرفض التسرع فى تقدير الموقف الإسرائيلي.
وتشير الملفات الأمريكية إلى أن آندرسون تنقل فى الفترة من أوائل شهر يناير حتى نهاية شهر مارس عام 1956 عشرة مرات بين القاهرة وتل أبيب ومدينة روما الإيطالية التى اتخذها كنُقطة انطلاق وهمية للتمويه على مُهمته السرية للغاية.
وكان الرئيس عبدالناصر قد أصر خلال المُفاوضات أو كما أسماها هو «جلسات الاستماع» على حتمية الحصول على اعتراف إسرائيلى رسمى موقع بضمان حق العودة الفلسطينية لمن طُرد وشُرد من عام 1948حتى عام 1956.
وفى المُقابل أصرت الحكومة الإسرائيلية على مبدأ الحل الثُنائى مع مصر على أن تتسلم القاهرة الأرض المُتنازل عنها داخل صحراء النقب مع قطاع غزة وأجزاء من جنوب تل أبيب أعلن بن جوريون قابليته للتفاوض عليها ثم تقوم مصر بعمليات توزيع الفلسطينيين بمعرفتها الكاملة فى داخلها.
وخلال جولته الثامنة قبل نهاية شهر مارس عام 1956 نجح روبرت آندرسون فى الحصول على وعدٍ شفاهى من عبدالناصر بقبول فكرة اللقاء مع أى مُمثل رسمى رفيع عن دولة إسرائيل لكنه رفض الجلوس على مائدة حديث واحدة مع دافيد بن جوريون بالذات.. وأبلغ المُفاوض الأمريكى أن إسرائيل إذا اشترطت اسم العجوز فعليه أن يعتبر أمر التفاوض معه كأن لم يكن.
فى تلك الأثناء اعتقد آندرسون أنه على أبواب التاريخ بعدما نجح فى تحريك موقف الرئيس المصرى وكانت الإدارة الأمريكية مُستعدة لتنفيذ كافة طلبات الإدارة المصرية بشرط الجلوس لبحث عملية سلام شاملة وعقب التنسيق من القاهرة مع البيت الأبيض طار آندرسون عبر إيطاليا إلى تل أبيب لطرح التطور الجديد فتقبل العجوز بن جوريون القرار المصري.
فكر بن جوريون أن يوفد إلى اللقاء رجُل سِره «موشيه ديان» الذى شغل وقتها منصب رئيس هيئة الأركان الإسرائيلية خلال الفترة من 6 ديسمبر عام 1953 إلى 29 يناير عام 1958 لكن آندرسون اقترح عليه اختيار عُنصر نسائى للمُهمة.
وعندما استفسر رئيس الحكومة الإسرائيلية عن السبب أبلغه أنه لمس احتراما بالغا من الرئيس المصرى تجاه السيدات وأن خلف الشخصية المُهيمنة رجُل صاحب أخلاق رفيعة فأخذ دافيد بن جوريون بالنصيحة واختار كاتمة أسراره وتلميذته جولدا مائير.
فى تلك الأثناء كتب موشيه شاريت كما تعود إلى الرئيس المصرى البرقية التالية ونص تبادل الخطابات السرية بين الرئيس جمال عبد الناصر ووزير الخارجية موشيه شاريت معروض فى الوقت الراهن علانية لدى متحف الأرشيف الحكومى الإسرائيلى لأغراض البحث ضمن الملف الرسمى رقم «ح ص / 2454/2» حيث قال للرئيس عبد الناصر «الكثير منا يحترم الأيدلوجية الفكرية الجريئة للرئيس عبدالناصر بل نُبجل التزامك بعملك ونتمنى لسيادتك النجاح التام فى تحقيق استقلال أرض النيل من كُل القوى الأجنبية المُحتلة وعُملائها وفى عملية الارتقاء بالشعب المصرى لمرحلة تطوير المُجتمع ورفاهية الشعب فى النهاية».
تفاصيل الاتفاق
حمل آندرسون خطاب شاريت إلى القاهرة وفى اللقاء مع الرئيس أبلغه موافقة تل أبيب وطلب منه تحديد الموعد الذى يُناسبه للقاء المُمثل الإسرائيلى ما عدا بن جوريون مِثلما اشترط.. فحدد الرئيس المصرى موعد الأول من شهر إبريل عام 1956 للمُقابلة واتفق على إجراء اللقاء تحت حماية الأسطول الأمريكى فى عرض البحر الأبيض المتوسط فى داخل المنطقة المائية الفاصلة بين الحدود البحرية المصرية الواقعة بعد مدينة غزة الفلسطينية شمالاً وأول الحدود البحرية الإسرائيلية جنوباً.
وطلب الرئيس جمال عبد الناصر من المُفاوض السرى الأمريكى الترتيب مع زكريا مُحيى الدين لتفاصيل اللقاء فنسق المبعوث الأمريكى بداية اللقاء والموقع بالتحديد على الخرائط والتعهد السيادى الأمريكى الرسمى بحماية الرئيس ومكان اللقاء على يخت إسرائيلى مدنى غير مُحدد المعالم.
وطلب زكريا مُحيى الدين من المُفاوض الأمريكى إبلاغ القاهرة قبل 24 ساعة من موعد اللقاء باسم وبيانات الشخصية التى سيُقابلها الرئيس المصرى بالأول من إبريل عام 1956 على متن اليخت المدنى الإسرائيلى فوافق ونقل الطلب إلى تل أبيب فوافق رئيس الحكومة الإسرائيلية بلا مُعارضة.
بتاريخ الثلاثين من مارس عام 1956 نقلت حكومة إسرائيل عن طريق المُفاوض الأمريكى إلى القاهرة اسم جولدا مائير وكان لدى مصر الملف كاملا عنها لأنها عملت لأعوام كمُلحق سياسى ودبلوماسى لإسرائيل بالعاصمة السوفيتية موسكو.
وجد عبد الناصر الملف وقد شابه الغموض بشأن علاقاتها الغرامية مع الكثير من الرجال وطلب زكريا مُحى الدين أن يُفسِر له الأمر حتى لا تُعلن مائير بالمُستقبل مثلاً أنها أحبت الرئيس المصرى وكان الموضوع مادة للسخرية فى صباح ذلك اليوم من ربيع 1956.
وأكد مُحيى الدين أن لديها اضطرابًا فى علاقاتها مع الرجال وكانت جولدا مائير قد بدأت حياتها فى فلسطين بمهنة (تربية الفراخ) وبيعها وقد تزوجت قبل هجرتها لفلسطين.. واضطرت بعدما التحقت بالعمل السياسى السرى عام 1928 للانتقال إلى مدينة تل أبيب وكان زوجها يزورها مثل الغريب مرة بالأسبوع فتدهورت علاقتهما الزوجية ثم افترقا علانية دون طلاق عام 1943 وبعدها توفى عام 1951.
ومن وقتها تعددت العلاقات الغرامية لها ومن المُثير أن أرشيف الدولة الإسرائيلية أثبت معلومات زكريا مُحيى الدين فى مارس عام 1956 ولديه الآن مجموعة كبيرة من الخطابات الغرامية التى تبادلتها مائير مع عُشاقها أبرزهم رجل السياسة الإسرائيلية «دافيد ريمز».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.