ليس ممكنًا النظر إلى حريق ستوديو النحاس، بمعزل عن كلام المديرة العامة لمنظمة اليونيسكو إيرينا بوكوفا: «إن الحرائق المتعمدة للكتب فى المتاحف والجامعات والمكتبات وأصول الأفلام تمثل خطوة فى التطهير الثقافى الذى يرتكب من قبل الجماعات المتطرفة». ليس معقولاً ولا عقلانيا اجتزاء تلك الحادثة من سياق تاريخى يشمل حوادث مماثلة بدأت بحريق الأوبرا عام 1971.. فمنذ ذاك الحين، ولعنة النار لا تكف عن ملاحقتنا، والمؤسف حقاً أن ما يتحول إلى رماد لا يقدر بثمن، فالخسائر لا تقف أبداً عند الخسائر المادية، وهى إن كانت فادحة، إلا أنها لا تمثل شيئاً أمام الخسارة الحضارية والثقافية. كان حريق الأوبرا القديمة فى 28 أكتوبر 1971 بعد عام من حكم السادات، ناقوس خطر وبداية لحقبة انفتاح «سداح مداح» لا يقيم وزناً للثقافة، والدليل أن الأوبرا التى احترقت بالكامل لم يعاد بناؤها مجدداًَ، وتحول موقعها إلى «جراج سيارات»، ولم تبن دار أوبرا بديلة فى القاهرة إلا عام 1988 بمنحة من حكومة اليابان، لكن فى مقر جديد على نيل الجزيرة. هل كان الحريق بفعل فاعل؟ وبعد مرور أربعين عاماً على الحريق، قدم المخرج كمال عبدالعزيز فيلما وثائقياً، أصر على عنونته ب«حرق الأوبرا» لا «حريق الأوبرا» وكأنه باختياره لهذا العنوان يشير إلى أن الحريق قد تم عمداً، وليس كحادث قدرى عارض، واستعرض الفيلم آراء مثقفين قالوا إن بناء جراج سيارات مكان المبنى التاريخى مؤشر واضح للتغيير الذى حدث فى الثقافة المصرية».. «إبراهيم باشا يقف من يومها حزينا بعد أن فقد خلفيته الجليلة و«فرنسا كان لديها سجن هو الباستيل.. هدموه وبنوا بدلا عنه دارا للأوبرا ونحن فعلنا العكس هدمنا الأوبرا وبنينا بدلا منها جراج». وكما هو معتاد، فإن أصابع الاتهام أشارت وقتها إلى الماس الكهربائى، بالرغم من أن قبل حادث الحريق بشهرين كان هناك تجديد بالكامل لشبكة الكهرباء بالمبنى، وقد أبلغ البعض عن سرقة محتويات المبنى مثل النجفة الكبيرة وبعض الأثاث. كلمات المثقفين فى الفيلم تحمل إشارة ضمنية إلى أن احتقار نظام السادات للثقافة والفن، وإطلاقه العنان للتيارات المتطرفة هو السبب الرئيسى فى حريق الأوبرا. وفى عام 2005 ذهب 50 مبدعا مصريا لحضور عرض مسرحى بعنوان «من منا»، وكان مأخوذاً عن قصة «حديقة الحيوان» لفرقة نادى طامية بالفيوم، بقاعة الفنون التشكيلية الملحقة بقصر ثقافة بنى سويف، لتنتهى مع هذا العرض حياتهم، بسبب سقوط «شمعة» من خلفية ديكور العرض فأحدثت حريقا فى القاعة بأكملها حسب تقرير لجنة تقصى الحقائق، التى تشكلت بعد الحادث. ولم يتمكن عمال الإطفاء وقتها، والذين وصلوا بعد الحريق بحوالى ساعة من إخماده، والسبب أنهم لم يجدوا مياهاً لضخها فى خراطيم عربة الإطفاء، حالهم مثل حال رجال الإسعاف الذين وصلوا بعدها بساعات رغم تلقيهم الاستغاثات من سكان المنطقة والمسئولين عن المسرح فور وقوع الحريق، ليذهب المصابون الذين نجحوا فى الخروج من الحريق إلى المستشفيات مستقلين سيارات أجرة وسيرا على الأقدام. تقرير اللجنة أشار أيضاً إلى أن الراحل حسن عبده مدير المهرجان، كان قد اتصل بإدارة الدفاع المدنى لتأمين المكان قبل العرض، فأرسلت رجل إطفاء بأسطوانة محمولة وجلس فى نهاية القاعة، وبعدها تقدم فاروق حسنى وزير الثقافة باستقالته، إلا أن المخلوع لم يقبلها. وحتى يومنا هذا، لا أحد يعرف حقيقة ما حدث وما الجهة المذنبة؟ فى يوم الثلاثاء 28 سبتمبر 2008 نشب حريق فى المسرح القومى بالعتبة، أدى إلى تدمير المسرح بالكامل، وأصيب ضابط شرطة ومجندون وعامل بالمسرح باختناقات وجروح.. ولم يسفر الحريق عن خسائر فى الأرواح، وأرجعت مصادر أمنية أسبابه إلى ماس كهربائى أيضا.. وبدأ الحريق بستارة المسرح الكبير، ثم امتد إلى أجزاء كبيرة من المسرح، طالت غرف الملابس، ومخازن الديكور، ومخازن ملابس الفنانين، وأنقذت العناية الإلهية المئات من الفنانين والجمهور من كارثة محققة، لا سيما أن العروض الفنية للمسرح تبدأ بعد الإفطار، فى إطار احتفالات وزارة الثقافة بليالى رمضان. المتحف الإسلامى المواجه لمبنى مديرية أمن القاهرة، تم تدميره بالكامل، بسبب الانفجار الذى استهدف مبنى مديرية أمن القاهرة، وهناك محاولات من قبل خبراء الترميم لجمع الآثار لمحاولة ترميمها. كما أن كل المقتنيات والمؤلفات منذ عام 1798 حتى اليوم أتلفت تماماً جراء حريق المجمع العلمى المصرى، وكان المبنى يضم 200 ألف كتاب، واحتراق هذا المبنى العريق بهذا الشكل يعنى أن جزءاً كبيراً من تاريخ مصر انتهي. الكلمات السابقة التى تنطق ألماً وحزناً وغيظاً، قالها محمد الشرنوبى أمين عام المجمع، وجاءت كما قال من إلقاء زجاجات المولوتوف، على المبنى الذى يضم مؤلفات هائلة هى كنوز لتاريخ مصر مثل كتاب «وصف مصر» فى مخطوطته الأصلية. وقال الخبراء وقتها إنه لكى نخرج مما تعرضنا له من كارثة علينا الإسراع بتشريع قانون يقوم بالتأمين والحفظ بتصوير الوثائق والمستندات بالميكروفيلم وإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. لكن الاقتراح ذهب أدراج الرياح. تلك كانت مقدمات أدت فى النهاية إلى حريق ستوديو النحاس الذى بدأت نيابة العمرانية، برئاسة المستشار محمد أبوزينة تحقيقات موسعة فيه.. ورجحت التحريات بأن السبب ماس كهربائي. وقال الدكتور محسن التونى عميد معهد السينما: إن الحريق شب بطول 20 متراً، نتيجة اشتعال الأخشاب والخيش، وتم إخماده، ولم يصل إلى المعدات أو الآلات. وقال الدكتور خالد عبدالجليل مستشار وزير الثقافة لشئون السينما: إن الحريق التهم ديكور الحارة الشعبية، الموجودة به وتمثلت الخسائر فى الأخشاب والخيش المصنوع منها الحارة التى كان مقرراً إزالتها. وأضاف أن معمل الاستوديو ومقتنياته لم تتأثر على الإطلاق بما فيها أرشيف الأفلام المصرية الذى لم يمس أثناء الحريق. وأكد اللواء هشام فرج وكيل وزارة الثقافة للأمن أن الأفلام والمعدات التى تحوى كنوز السينما الموجودة بالمعهد لم تتأثر، وأشار إلى أن استوديو النحاس يعد ضمن مجموعة الأصول التى صدر قرار بنقل تبعيتها لوزارة الثقافة منذ عام، حيث كانت الأصول تتبع شركة مصر للصوت والضوء ومازال التسليم مستمراً بين الوزارة والشركة ولم تنته بعد.