حينما قدم وفد لبنانى رفيع المستوى إلى الإسكندرية عام 1976 وكان يضم وقتها كمال جنبلاط، رئيس الحركة الوطنية، ومحسن دلول وزير الدفاع اللبنانى الأسبق، لمقابلة السادات فى استراحته، وعرض مشكلة الحرب الأهلية والصراع الدائر هناك، همس موسى صبرى فى أذن الرئيس: «نحن لا نعرف أحداً فى لبنان غير فيروز». يومها كان السادات ينوى أن يعرف القيادات اللبنانية على الصحفيين المصريين، كصبرى ومعه على ومصطفى أمين، لتبنى قضية الحرب الأهلية، ويكفيهم شر الذهاب إلى دمشق ومقابلة حافظ الأسد، بل يستكتب بعضهم فى الصحف المصرية، كما حدث مع كمال شاتيلا، أحد زعماء القومية العربية فى لبنان، واستكتبه فى «الأهرام». أما عن «أم زياد» فكانت قد أقامت حفلا قبل ذلك التاريخ بأيام فى حديقة الأندلس بالقاهرة، وكان أشبه بثورة فنية - ثقافية، قادتها «جارة القمر» مع فرقتها، وغنت فيها: «مصر عادت شمسك الذهب». رجال كثيرون التفوا حولها.. ورجال كثيرون طمعوا فى أن تكتب لهم شهادة ميلاد فنية ببصمة صوتها لتدخلهم إلى عالم الشهرة من أوسع أبوابها.. ورجال كثيرون وقعوا فى غرامها الذى لم يفز به غير عاصى الرحباني، حين توجت شموع كنيسة سيدة البشارة للروم الأرثوذكس فى الأشرفية أكاليل زواجهما عام 1955. أول رجل عرفته فيروز، ويعتبر من تبناها فنيا كان الموسيقار محمد فليفل، مؤسس معهد الموسيقى الوطنى فى لبنان، أو الملازم فليفل وقتها، وكان يطلقون عليه الأستاذ، قدمتها له مديرة المدرسة التى كانت تدرس فيها فيروز وهى لا تزال ابنة ال11 عاما، وأعجب فليفل بأدائها وصوتها واستقطبها لغناء أناشيد وطنية فى بادئ الأمر، ثم أقنع والدها وديع حداد الذى كان يرفض أن تذهب ابنته إلى معهد الموسيقى الوطني، بالالتحاق به، ثم قدمها بعد ذلك إلى وديع صبرا ملحن النشيد الوطنى اللبنانى. ثانى رجل فى حياة جارة القمر كان حليم الرومي، والذى حظيت فيروز بانتباهه أثناء امتحان قبولها فى الإذاعة، حين غنت وراءه وهو يعزف على العود أغنية «يا زهرة فى خيالى» لفريد الأطرش. وللرومى الفضل الأكبر فى بزوغ نجم فيروز، فهو أول من لحن لها أغنية تؤديها فى الإذاعة «تركت قلبى وطاوعت حبك» عام 1950إضافة أن الرومى غير اسمها من نهاد وديع حداد إلى فيروز، فبعدما بدأت شهرتها تدب فى كيان الوسط الفني، اقترح عليها أن تغير اسمها، وعرض عليها اسمين: «شهرزاد، وفيروز»، فاختارت هى فيروز، لكن السيدة أنكرت الرجل وفضله! ففى أول لقاء صحفى فى مسيرة فيروز الفنية أمام الإعلام العربي، فى مقابلة أجرتها مجلة «الشرق الأدنى» معها، سألتها المحاورة أنعام الصغير: «ما هو اسمك يا آنسة؟.. ولماذا اخترت فيروز اسما فنيا لك؟.. فأجابتها فيروز: اسمى نهاد حداد، ولم أكن أنا التى اختارت اسم فيروز، ولكن عندما بدأت الغناء اقترحوا على هذا الاسم، ولم أمانع لأنه اسم جميل». متجاهلة بذلك الرد اسم الرجل صاحب الفضل والاسم. بعدها وقفت القامات العالية على الصفين منشدين لها: «لما بدا يتسنى»، منهم يوسف شاهين وأنسى الحاج، وسعيد عقل، وزكى ناصيف الذى كتب ولحن لها «أهواك بلا أمل». إلا أن الرجل الخفى فى حياة «جارة القمر»، والحكاية الأغرب فى مسيرة فيروز الفنية، تلك التى تنفرد «روزاليوسف» بنشر تفاصيلها، وهى العلاقة السرية التى جمعتها بصلاح نصر، مدير جهاز المخابرات العامة الأسبق، والذى حوى سجله المخابراتى الكثير من الفضائح مع الفنانات، تلك القضية التى سميت اعلاميا باسم «انحراف جهاز المخابرات»، ومحاولة صلاح نصر تجنيدها لصالح العمل معه. فما تفاصيل تلك القصة التى مُنعت فيروز بسببها من دخول مصر؟ تبدأ القضية المثيرة حينما نشرت مجلة الصياد اللبنانية فى عددها الصادر فى فبراير 1961 خبرا يفيد بمنع الإذاعة اللبنانية تقديم أغنية لفيروز، وجاء نصه: «منعت الإذاعة اللبنانية تقديم أغنية فيروز الجديدة «مشوار» التى كتب كلماتها الشاعر سعيد عقل، ولحنها الأخوان رحبانى. قالت الإذاعة إن المنع يعود إلى وجود كلمات لا تتفق ومخطط الإذاعة العام الذى يحرم تقديم الكلمات النابية، أو التى يشتم منها أنها تسيء إلى التوجيه والأخلاق». وكانت الأبيات أو الكلمات التى اعترضت عليها الإذاعة، ووصفتها بالنابية تلك التى تحمل ايحاءات وإيماءت جنسية واضحة: «.. وقالوا اشلحلى ورد عا تختى وشباكنا بيعلا، وشو عرّفه أيا تختى أنا وايا تخت أختي؟.. بيلفقوا أخبار ومشوار يا عيونى مرق مشوار، وقالوا غمرنى مرتين وشد، شوف الكذب لوين، مرة منيح اتنين، ولا ردتو إيدى ولاهو ارتد، شو بيفضحوا أسرار». كانت الأغنية صيدا ثمينا لفيروز من قبل رجال صلاح نصر المتواجدين فى بيروت، والذين كانوا يتولون بيع شرائط الفنانات الجنسية، وشرائط الشاذات جنسيا التى تم تصويرها فى عملية «إسقاط الممثلات» لتوفير العملة الصعبة للبلاد، والتى قامت تحت إشرافه، وقسم المندوبين «بالمجموعة 98» والتى كانت تقوم ب«عمليات السيطرة - الكونترول»، وخيل لهم أن بإمكان فيروز صاحبة الصيت والانتشار العربى أن تكون «كونترول» لشخصيات سياسية عربية ثقيلة الحجم. ويبدو أن الأمر لم يسر فى الاتجاه الذى خطط له صلاح نصر ورجاله. ففشل رجال نصر فى اصطياد فيروز وتجنيدها. الأمر الذى أثار حفيظة نصر، فقام بإعداد تقارير كيدية ضد فيروز بأنها بجنسيتها اللبنانية وديانتها المسيحية تقف عائقا أمام مشروع الزعيم عبدالناصر القومى فى العالم العربي، وتم على أثر تلك التقارير منع فيروز من دخول مصر، إلى أن توسط لها رجاء النقاش، رئيس تحرير مجلة الكواكب، مكذبا تلك التقارير الكيدية أمام محمد محمد فائق، مستشار عبدالناصر، والمسئول عن الشئون الأفريقية، والذى وضح لناصر حقيقة الأمر، وبدوره قام أمين هويدى وزير الإرشاد القومى (الإعلام حاليا) بإرسال دعوته لفيروز عام 1966 للمجيء إلى القاهرة. وجاءت فيروز إلى مصر واستقبلتها مجلة الكواكب بصورة غلاف كاملة وبعنوان «أهلا فيروز»، وبكلمات رئيس تحريرها رجاء النقاش: «فيروز والأخوان رحبانى يمثلون زهرة بديعة أصيلة من زهور الفن العربى المعاصر. زهرة خالدة، ثمرها دائم، وعطرها أصيل، وأوراقها ربيعية لا تعرف الاصفرار، ولا تعرف الذبول. وكم سعدت قلوب العرب فى كل مكان بصوت فيروز وألحان الرحباني، فأهلا بفيروز فى القاهرة، وأهلا بها فى قلوبنا». ومات رجاء النقاش فى العام 2008 قبل أن يفصح، وقبل أن تقوم ثورة 25 يناير، وتنكشف معها كل الملفات والأسرار. نص أغنية«مشوار» «.. وقالوا اشلحلى ورد عا تختى وشباكنا بيعلا، وشو عرّفه أيا تختى أنا وايا تخت أختي؟.. بيلفقوا أخبار ومشوار يا عيونى مرق مشوار، وقالوا غمرنى مرتين وشد، شوف الكذب لوين، مرة منيح اتنين، ولا ردتو إيدى ولاهو ارتد، شو بيفضحوا أسرار».