يستحق أى مهرجان سينمائى يقام على أرض مصر كل الحفاوة والتقدير والاحترام، ومهرجان الإسكندرية السينمائى لدول البحر الأبيض المتوسط ضمن أجندة مصرالسينمائية، ولأنه يقام فى عروس البحر المتوسط هذه المحافظة العريقة التى شهدت ثانى دور عرض على مستوى العالم والبقعة الساحرة من أرض مصر التى كانت مصدرًا لإلهام المبدعين ومصنعا لإنتاج المشاهير فى الفنون والآداب. مهرجان دول البحر المتوسط كالعادة شهد غيابًا غير مبرر لكبار نجوم الفن المصري، واقتصر الحضور على باقة من الفنانين الغيورين على السينما المصرية العريقة، أما نجوم الملايين مثل أحمد السقا وأحمد عز ومحمد هنيدى وأحمد حلمى ومنى زكي، إلى جانب نجوم مصر الكبار مثل محمود عبدالعزيز وحسين فهمى كل هؤلاء وغيرهم انصرفوا عنه رغم أن مجرد حضورهم فيه يسجل واجبًا ليس سينمائيًا فقط بل قوميًا أيضًا فى هذا التوقيت الحساس الذى يحتاج إلى تضافر كل أبناء الوطن لتوصيل رسائل إلى دول العالم بأن مصر كانت وستظل بلد الأمن والأمان والتوحيد والوحدة وأنها تخوض حرب ضد الإرهاب الذى كان أحد العناوين الكبيرة فى المهرجان، ورغم قسوة الضربات التى تتلقاها من أعداء الوطن والحياة من الداخل والخارج واستثمار أن الدورة شهدت ضيوفًا من أنحاء العالم سواء من أعضاء لجان التحكيم، وصناع الأفلام وجميعهم انبهروا بسحر الإسكندرية وعراقة مصر وشعبها الكريم. أما ما يستحق التقدير فهو الحب الكبير من نجوم الوطن العربى الشقيق فى مقدمتهم نجوم سوريا ولبنان والجزائر وتونس والمغرب ومشاركتهم الجادة فى فعاليات المهرجان سواء بالمشاركة بأعمال لهم أو التفاعل الصادق فى فعاليات المهرجان وندواته وتكريماته وأقسامه ويكفى الإشارة هنا إلى أن النجم العربى السورى الشهير دريد لحام لم يترك نشاطًا فى المهرجان إلا وشارك فيه مغمورًا بالحب ومعه سولاف فواخرجى والفنانان قدما نموذجا فى المشاركة الإيجابية فى كل الفعاليات، فى حين أهمل نجوم مصر المهرجان بغرابة شديدة رغم أنه الفاعلية الوحيدة التى قاومت الظروف والمحن التى تعرضت لها مصر واستمر رغم فقر التمويل، وهذا ما يحسب لإدارة المهرجان ممثلة فى رئيسه الأمير أباظة ومجلس إدارة جمعية الكتاب والنقاد، وهم محمد قناوى مدير المهرجان وأسامة عبدالفتاح نائب رئيس المهرجان والنقاد ناهد صلاح ومحمد يوسف وقدرى الحجار وميرفت عمر ود. رانيا يحيي، والأخطاء القليلة التى طغت على السطح لم تمح الإيجابيات وفى مقدمتها انعقاده فى توقيته الطبيعى وموعده الرسمى دون انقطاع، وهذا يحسب لهم. الدورة ال31 شهدت العديد من اللقطات الجميلة أيضاً فى مقدمتها أنها حملت اسم الفنان العملاق محمود ياسين إلى جانب تكريم أسماء النجم العربى دريد لحام والمخرج الكبير محمد عبدالعزيز والمنتج والسيناريست فاروق صبرى إلى جانب الفنانة المميزة سوسن بدر، واتسمت ندوات التكريم بالحب والتقدير لما قدموه من إبداعات عبر مشوارهم الفني.. ندوات تكريم هؤلاء سجلت شهادات متنوعة على تميزهم وبصماتهم فى الشريط السينمائى ولم تخل من تفاصيل رحلة العطاء وأسرار ربما لم يعلنوها من قبل، إلى جانب مشاهد إنسانية غلفت رحلة الكفاح للوصول إلى قلوب الجمهور، لعل أبرزها ما قاله «عمرو» نجل الفنان الكبير عن لمحات من محمود ياسين الأب، بتواضعه وسلوكه الرفيع، وأكمل منظومة عطائه زوجته الفنانة شهيرة وكالعادة لم تخل ندوة تكريم دريد لحام من مواقف وآراء فنية وسياسية مهمة عن الأوضاع فى سوريا والإرهاب الذى يواجهه العالم العربي. ودور مصر فى مقاومته. أيضًا شهدت ندوة الكاتب فاروق صبرى التى أدارها الناقد سيد محمود فصولاً من الأسرار النادرة والمواقف التى تستحق الدراسة والتأمل ومثلها ندوة الفنانة سوسن بدر التى أدارها الزميل طارق الشناوي، الندوات شهدها عدد من أكبر صناع السينما فى مقدمتهم المخرج الكبير على عبدالخالق والمصور الكبير رمسيس مرزوق والمخرج محمد النجار وعمر عبدالعزيز والكاتب الكبير محفوظ عبدالرحمن والفنانة القديرة سميرة عبدالعزيز. من أبرز المشاهد الملفتة للاهتمام هذا الحب الجارف من صناع السينما العربية للإبداع المصرى الخالد، ففى الفيلم اللبنانى «ترويقة» للمخرجة الشابة فرح زين الهاشم وبطولة ناتاشا وليد تقدم بجراءة شهادة أغنية «لسه فاكر» لسيدة الغناء أم كثوم التى تعتبرها هى دستور الغناء والانفعالات الإنسانية النبيلة فى العالم العربى أم كلثوم كانت أيضًا كلمة السر فى الفيلم العراقى الرائع «صمت الرائع» بأغنيتها «رق الحبيب» وسط قسوة كلمة الطاغية صدام حسين، وإحدى مآسى فترة حكمه، أما الشهادة الثالثة لكوكب الشرق فخرجت من سولاف فواخرجى فى رائعتها الإخراجية الأولى «رسائل الكرز» الذى قام ببطولته دانا ماردينى ومحمود نصر والممثل الكبير غسان مسعود عندما قدمت إحدى روائع ثومة وسط الأحداث الصادمة التى قدمتها فى فيلمها الذى يحصى أواجع الأمة فى أعوام 46، 67، 73 و2013 وحكاية شعب يقاوم الغناء وضربات القوى الصهيونية. أما الفيلم الضجة فهو «المرسى أبوالعباس» للمخرج الشاب عمرو منصور الذى اتهم بالترويج للتطبيع مع إسرائيل وقام ببطولته منتجه عاطف عبداللطيف وسليمان عيد والممثلة الواعدة منار.. الفيلم يتحدث عن رحلة البحث عن الهوية من خلال بطله الذى يكشتف أنه ليس من نسل «المرسى أبو العباس» كما تربى ونشأ وعرفه كل أهالى الإسكندرية، وأن جذوره فى المغرب وعندما يسافر هناك يكتشف حقيقة صادمة بأن أصله يهودى ويترك المخرج النهاية مفتوحة ما بين استقراره بالمغرب، حيث الجذور أو العودة لمصر.. واتهم الفيلم بأنه ينادى بالتطبيع مع إسرائيل رغم رفض صناعه هذا الاتهام.. والمفاجأة هى الثورة العارمة جاءت من د.عادل يحيى عميد معهد السينما ونائب رئيس أكاديمية الفنون ضد الفيلم باعتبار أنه يوجه رسالة خبيثة وخطيرة وعاتب على إدارة المهرجان بمشاركته، وللفيلم الضجة وقفة أخرى عن تمويله وأسباب إنتاجه بعد تسريب معلومات عن بطله ومنتجه وأنه تزوج من يهودية منذ فترة وأن فيلمه ممول من الخارج وأن إسرائيل بنفذوها وجبروتها لم تستطيع خلال ال50 عامًا الماضية توصيل هذه الرسالة التى وصلت من خلال فيلم فى حاجة إلى تأمل وبحث.