«بماذا يحلم المصريون» ذاك سؤال طرحه بحث لمركز البحوث الاجتماعية والجنائية وشمل 2000 مواطن يمثلون مختلف الشرائح الاجتماعية والاقتصادية والجغرافية. وتبدو الإجابة على السؤال سهلة مع احتفالات مصر ب «القناة الحلم». بدأ البحث بسؤال استهلالى حول ما إذا كان المصريون يحلمون بالغد أم لا؟ وأكدت إجاباتهم أن 98.5 ٪ أجابوا بنعم، الأمر الذى يعكس درجة عالية من التوجه للمستقبل، ومع ذلك تستوقفنا النسبة المتبقية وهى 1.5 ٪ (بواقع 44 مواطنًا) أجابوا بالسلب، أى أنهم لا يحلمون بالغد، ويعلق الباحث بالقول على الذين لا يحلمون بالغد، قائلا إنه لا توجد دلالة فى الخصائص الاجتماعية لهذه الفئة عن باقى العينة، فمن الملاحظ بالنسبة لمتغير السن يتحقق تمثيل جميع الفئات العمرية، وكذلك الأمر بالنسبة للنوع، وتشير النتائج إلى أن 29.5 ٪ يقعون فى الفئة العمرية من 60 سنة فأكثر، وقد يكون عدم التطلع إلى المستقبل منطقيا مع تقدم المرحلة العمرية. وعلى الرغم من قلة العدد، فإن الأمر يظل مثيرا للتساؤل، كما تبين أن 9.5 ٪، أى 35 مواطنًا من المتزوجين، وصل بعضهم إلى مستوى التعليم الجامعى 36.4 ٪ أى 16 مواطنًا، وهذا ما يدعو إلى التمعن فى التفكير، كما تبين أنه من بين الذين لا حلم لهم (25 ٪) أى 11 مواطنًا من الأميين، ومنهم ربات بيوت (27 ٪ أى 12 سيدة)، كما أنهم يصنفون أنفسهم من بين الطبقة الوسطى (65 ٪ بواقع 29 مواطنًا). تكشف النتائج عن الارتباط بين الحلم الذاتى والحلم العام فى أذهان المصريين، حيث تبين أن حلم الغنى والثراء وكذلك حلم أن تكون مصر قوية فى درجة واحدة، حيث نفس النسبة للكل وهى 16.8 ٪. والحلم يعنى بالنسبة للمصريين: الأمل فى المستقبل (55 ٪)، والرغبة فى التغيير للأفضل (39.2 ٪)، ثم الرغبة فى التخطيط للمستقبل (20.8 ٪) وجميعها أحلام إيجابية، كما تشير النتائج إلى أن 80.2 ٪ يقررون بأنهم متفائلون عند التغيير فى الغد. ما هى أحلام المواطن التى تتحرك فى دائرته الشخصية والتى ترتبط بمجال العمل؟ ارتبط أعلى نسبة فى الاستجابات بالرضا عن العمل 25.5 ٪، ثم الترقى فى العمل وزيادة المرتب وامتلاك مهارات تؤهل إلى الترقي، مما يؤكد على رغبة المواطن فى مواكبة متغيرات العصر. كيف ترتبط الصورة المستقبلية الإيجابية بالرغبة فى التخلص من عادات سيئة؟ لوحظ فى مقدمتها الرغبة فى التخلص من التدخين (21.5 ٪)، ومن عدم المواظبة على الصلاة (19 ٪)، والسهر ومشاهدة التليفزيون والإسراف فى الاستهلاك، الأمر الذى يشير إلى رغبة المواطن المصرى فى حياة أفضل والعيش بأسلوب صحى يتغلب فيه على العادات السيئة التى يعتبرها مضيعة للوقت. وعلى النقيض، فهو يأمل فى تخصيص مزيد من الوقت للعبادة (63.5 ٪)، ولصلة الرحم (٪34.7)، وكذلك الترفيه والرياضة والأنشطة الترويحية. وجاء فى مقدمة الأدوار التى يتطلع إليها الإنسان المصري: المساعدة على حل المشكلات (٪66.8)، ومساعدة الضعفاء (13.8 ٪)، ثم دور الداعية الديني، أما الذين لا يجدون لأنفسهم أى دور مع الناس فبلغت نسبتهم 20 ٪. وبخصوص حلم الذات للمنصب، فتمثلت نسبة مرتفعة تصل إلى 77 ٪ لا تحلم بأى منصب، وهذا لا يعنى أن هذه النسب بدون حلم، فكثير من المفكرين والعلماء والفنانين لا يرغبون فى مناصب بعينها. أما من يحلمون بالمناصب، فلقد ارتبطت أحلامهم بمناصب إدارية عليا أو وزارية (1.6 ٪) أو بعضوية مجلس الشعب أو الشورى وبلغت نسبتهم (3.1 ٪)، ومنهم من حلم برئاسة الجمهورية، وإن كانت الاستجابات ضئيلة بلغت 1.5 ٪، ومع ذلك فهى تعكس منطلقًا لطموح الفرد. وعن الدوافع لتولى تلك المناصب، جاء المعيار الاجتماعى الذى ظهر فى الرغبة فى خدمة الناس 44 ٪، وخدمة البلد 23 ٪. أما العنصر الذاتى فى الرغبة فى تحقيق المناصب، فبرز فى الحصول على التقدير والمكانة اللائقة بين الناس وهو تحقيق مكانة اجتماعية (35.1 ٪). وبالاستفسار عن الدور الإيجابى الذى يقوم به الفرد لتحقيق هدفه، جاء فى مقدمته توسيع دائرة العلاقات 45.3 ٪، ثم التعليم واستكمال الدراسة فى المرحلة الثانية، الأمر الذى يؤكد أهمية التعليم فى تحقيق المكانة الاجتماعية لا تغيب عن رؤية المصريين المستقبلية. وبالانتقال إلى التساؤل عن الخدمات التى يحلم بها المصريون فى المستقبل لارتباطها بتوفير حياة كريمة محترمة، جاء فى مقدمتها الحلم بتوفير مياه نظيفة، ومجارى عمومية، ثم الحلم بتوفير الغاز العمومي، وتوفير مواصلات مريحة، ثم توفير الكهرباء، وهى جميعها خدمات أساسية لحياة كريمة، وتوفيرها يقع على عاتق المسئولين الرسميين لارتباطها بخطط التنمية فى المجتمع. وفى نهاية مجموعة تساؤلات الحلم الشخصي، طرح سؤال عن الأمل فى تغيير مصر للأحسن فى المستقبل، ويرتبط الأمل بوجود شعور بالتفاؤل يعضده بعض المؤشرات الموضوعية لتحقيق ذلك الأمل. وأشارت النتائج إلى وجود حوالى 70 ٪ لديهم أمل كبير فى التغيير للأفضل، يضاف إليهم 21 ٪ لديهم أمل، ولكن ضعيف فى التغيير، أى أن المصريين- بوجه عام- لا يفقدون الأمل فى التغيير إلى الأفضل فى المستقبل. وأسبابهم فى ذلك ترد إلى إدراكهم بوجود تحسن فى الاقتصاد بنسبة 43.6 ٪، أضف إلى ذلك ملاحظة التطور الديمقراطى بنسبة 30.9 ٪، إضافة إلى 11.5 ٪ ترى أن مشكلة الإسكان فى طريقها إلى الحل. أما من كانت استجابتهم هى عدم وجود أمل فى التغيير فكانت أسبابهم تدور حول مشكلات الاقتصاد وانعكاساته على حياتهم، خاصة ارتفاع الأسعار بنسبة ٪53.2، وارتفاع معدلات البطالة 47.1 ٪، يليها تراجع الاقتصاد، وارتفاع معدلات الفقر. جاءت البطالة- على سبيل المثال- بنسبة 61.5 ٪، والغلاء بنسبة 52.2 ٪، والفقر بنسبة 35 ٪، وفى هذا الخصوص كشفت النتائج عن وجود فجوة كبيرة بين ما تتمناه الحكومة من سياسة اقتصادية قائمة على اقتصاد السوق بالأساس منذ عام 1991، وبين ما يحلم به المواطنون من دور تدخلى فعال للحكومة فى الاقتصاد، إذ جاء تحديد الأسعار من جانب الحكومة فى مقدمة السياسات أو الإجراءات التى اقترحها أفراد العينة لتحسين الاقتصاد، وذلك بنسبة 61 ٪، فى حين أن ترك الأسعار للعرض والطلب جاء بنسبة 3.9 ٪. وجود قدر كبير من عدم الرضا من جانب المواطنين إزاء أداء مؤسسات الدولة والقوى السياسية بها، إذ جاء الحلم بأن تكون الحكومة أكثر اهتماما بمشاكل الناس بنسبة 52.1 ٪، وأن تكون هناك ثقة أكبر بينها وبين الشعب بنسبة 42.8 ٪. وأشارت النتائج إلى أن حلم المصريين لمصر هو فى الأساس حلم اقتصادي، يليه الحلم السياسى والأمني، وهى أحلام منصبة أساسًا على داخل الوطن بما فى ذلك تحيقى النظافة، ولا تتجه إلى الخارج. وبالسؤال عن الوسائل التى تحقق تلك الأحلام، جاء فى مقدمتها التعليم، الأمر الذى يؤكد على شعور المصريين بأهمية التعليم وبأنه قاطرة التقدم. تلى ذلك الوسيلة الثانية وهى الاقتصاد القوي، باعتباره الدعامة الأساسية لتحقيق قوة مصر، ثم الجدية فى العمل والإنتاج، وامتلاك التكنولوجيا الحديثة، وعدم التفرقة بين الناس، والتوزيع العادل للدخل القومي. يختتم الباحث دراسته بالقول إن النتائج التى توصلنا إليها فى مجملها وثيقة مهمة موجهة إلى جهتين أساسيتين يكمل كل منهما الآخر: فهى موجهة أولا إلى المسئولين الحكوميين وصناع القرار ومتخذيه، لعلهم يسترشدون بها فى بلورة برامجهم، وفى صنع خطط الإصلاح والتنمية واستراتيجيات العمل المستقبلي. وهى موجهة- ثانيًا - إلى كل مواطن مصري، كى يكون على وعى فيما يفكر فيه المصريون بشكل عام، وحتى يكون أكثر قدرة على مناقشة هذه الأحلام مع الذين يشاركونه إياها، سواء من أجل تحقيق إجماع وطنى حولها، أو من أجل نقلها إلى حيز الواقع والتطبيق العملي.