أيام قليلة تفصلنا عن بداية فصل جديد فى تاريخ الشعب المصرى عقب 365 يوماً من العمل والجهد المتواصل، سيتوقف عندها التاريخ طويلاً ليتحدث عن شعب أنجز مشروعاً بهذا الحجم خلال عام واحد، ودون أن تقترض بلاده دولارا واحدا من الخارج، شعب تحدى كل المعوقات وما يعانيه من أزمات اقتصادية واستطاع أن يجمع أكثر من ستين مليار جنيه لبدء حفر مشروع قناة السويس الجديدة فى ثمانية أيام فقط. القصة لا تعود هذه المرة إلى مهندس فرنسى أراد مجداَ شخصياً، ولا إلى خديوى يرسل الآلاف بالسخرة لحفر قناة فى 10 سنوات، فقدت مصر خلالها الآلاف من أرواح أبنائها الذين رووا بدمائهم ذلك الممر المائى، المشهد يختلف كثيرا الآن، فمن حكاية حفر مرتبطة فى أذهاننا بدماء أجداد سالت خلال سنوات مليئة بالظلم والاستعباد الى إلياذة فى حب الوطن قوامها عزيمة وإصرار شعب أراد بقناته الجديدة الانطلاق نحو المستقبل وتحقيق المستحيل فى وقت قياسى. عندما أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسى قبل عام إطلاق مشروع قناة السويس الجديدة كمشروع قومى عملاق برأس مال مصرى خالص وبدون أى رءوس أموال أجنبية كانت المرة الأولى التى يترجم فيها المصريون خوفهم على بلدهم وإحساسهم العالى بالمسئولية تجاهها بشكل عملى، وعلى الرغم من تشكيك المغرضين بالداخل والخارج - قرر الشعب المصرى أن يكون هو الممول الأوحد للمشروع والمسئول عن حفر قناته الجديدة بأمواله وسواعده وعرقه ودماء أبنائه، لتكون شريان خير ثانيًا بجوار القناة الأم، وتكون طريقًا ثانيًا لربط العالم تجارياً. وبالفعل حقق الشعب ما يصبو إليه فى 8 أيام فقط ما اعتبره المصرفيون سبقًا لم يحدث من قبل، بشراء شهادات استثمار قيمتها 61 مليار جنيه، أى التكلفة المعلنة لإتمام المشروع، ومليار جنيه أخرى زيادة فوق المبلغ المطلوب. كانت نقطة البدء فى السادس من أغسطس 2014،حينما وقع الرئيس عبدالفتاح السيسى على وثيقة أمر بدء حفر قناة السويس الجديدة، خلال مشاركته فى حفل تدشين مشروع تنمية محور قناة السويس. ونصت الوثيقة على (باسم الله الرحمن الرحيم، وباسم شعب مصر العظيم، وفاءً بالعهد والوعد واستمرار مسيرة العطاء، نأذن نحن عبدالفتاح السيسى، رئيس جمهورية مصر العربية، ببدء حفر قناة السويس الجديدة، لتكون شريان خير لمصر ولشعبها العظيم وللعالم أجمع.. حفظ الله مصر وشعبها الأصيل.. وتحيا مصر). ثم أعقب الرئيس السيسى حديثه بكلمات أراد من خلال توجيهها أن يؤكد للعالم أجمع بأن الشعب المصرى قادر على التحدى والإعجاز، بل الإنجاز بالانتهاء من مشروع قومى عملاق فى وقت قياسى، كهدف معنوى قوى يضاف إلى جملة الأهداف السياسية والاقتصادية التى تعيد إلى مصر ريادتها مرة أخرى. فقال: «إن شاء الله نكون زى النهاردة السنة الجاية بنفتتح القناة الجديدة)، ثم قام بتفجير الساتر الترابى بمشاركة عدد كبير من الحضور، معلنا إشارة البدء فى حفر القناة الجديدة، كى يضاعف من دخل قناة السويس «الأم». وبمجرد إصدار الرئيس السيسى فى اليوم الأول من شهر سبتمبر ,2014 قرارًا جمهوريًا بشأن شهادات استثمار وتنمية قناة السويس الذى نص فى مادته الأولى على ما يلى (تعهد هيئة قناة السويس بضمان وزارة المالية إلى كل من البنك الأهلى المصرى، وبنك مصر، وبنك القاهرة، وبنك قناة السويس، بإصدار شهادات استثمار متعددة الفئات تستغل حصيلتها فى تمويل تطوير وتنمية قناة السويس وتحدد فئات الشهادات وعوائدها وشروطها بالاتفاق بين الهيئة والبنوك الأربعة المجتمعة وتودع حصيلة الشهادات فى حساب الهيئة لدى البنك المركزى المصرى، ويتم الخصم على هذا الحساب فى حالات الاسترداد وصرف العائد والاستحقاق. لم ينقطع إقبال المصريين شباباً وشيوخاً، رجالاً ونساءً وطلاباً على البنوك رغم إغلاق أبوابها بعد تحصيل المبلغ المطلوب وزيادة وسط فرحة عامرة وإحساس بالفخر بأن المصرى يمول ولأول مرة بقوت يومه بناء هذا المشروع القومى، الذى سيغير الخريطة الجغرافية والاقتصادية للعالم وسيضاعف من دخل قناة السويس إلى نحو 259 مليار دولار. وكما كان أروع خطاب للرئيس جمال عبدالناصر عندما أخبر شعبه أن تأميم قناة السويس يتم الآن، كانت أروع رسالة غير مكتوبة تلقاها الرئيس عبدالفتاح السيسى بأن يبلغه شعبه: نعم أننا نقبل التحدى بل أكثر من ذلك فثمانية أيام كفاية تماما لتحقيق أكثر مما هو مطلوب فنحن شعب يعشق التحدى ولا نعرف المستحيل. وعلى الرغم من أزمة انقطاع الكهرباء فى اليوم الأول من فتح باب شراء شهادات الاستثمار للمشروع - الأزمة التى أغرقت القاهرة الكبرى وعددًا من المحافظات، والمناطق الحيوية، المترو ومدينة الإنتاج الإعلامى ومصانع السادس من أكتوبر، التى صارت فى ظلام دامس، وصاحب ذلك انقطاع المياه وتأثر شبكة الاتصالات وتكدس الركاب فى محطات مترو الأنفاق الذى توقفت بعض خطوطه عن العمل لساعات، وغير ذلك من أزمات: «نحن المصريين نهرع إلى البنوك بكثافة، لشراء شهادات استثمارات فى مشروعنا الجديد، شبابا ورجالا ونساءً وشيوخا، نقف فى طوابير أمام البنوك مما اضطرها لإغلاق أبوابها فى منتصف الليل لاستيعاب أعدادنا التى تقدر بالملايين، ولتبلغ حصيلة بيع شهادات استثمار قناة السويس الجديدة فى اليوم الأول فقط 6 مليارات جنيه، أى 10٪ من إجمالى تكلفة المشروع الجديد المقدرة ب 60 مليار جنيه ثم فى اليوم التالى 5,8 مليار جنيه، واليوم الثالث 5,5 مليار جنيه حتى الساعة السادسة من مساء اليوم لنصل بذلك إلى 20 مليار جنيه، كرقم غير مسبوق لم يسبق أن حقق الجهاز المصرفى المصرى مثله من قبل». ما جعل هشام رامز محافظ البنك المركزى يعترف بأنه إذا ما سمح باستمرار فتح أبواب البنوك أمام المواطنين للاكتتاب فى شهادات قناة السويس الجديدة ليوم تاسع لوصلت المبالغ ل75 مليار جنيه. وإلى جانب الرسالة الجماعية المهداة من المصريين إلى الرئيس كانت هناك رسائل فردية متنوعة تدور فى نفس المضمار ليسجل أصحابها مواقف رائعة منذ لحظة الإعلان عن الحلم الجديد وحتى تحويله إلى واقع أذهل العالم، فبداية من الأسر المصرية من الطبقة المتوسطة وإقبالها منقطع النظير لشراء شهادات الاستثمار بجميع فئاتها المصدره بها وهى ,10 و,100 و1000 جنيه، وأصحاب المعاشات الذين كرسوا أنفسهم للقيام بحملة دعاية فى جميع المحافظات لشراء شهادات استثمار قناة السويس، والشباب الذى عكف على الترويج الإلكترونى له إلى حائزى الدولار الذين تخلصوا منه من أجل المشاركة فى المشروع التاريخى لقناة السويس، رغم اكتنازهم له فى الماضى خوفاً من حدوث أى مشاكل، وللاستفادة من فروق العائد بين الجنيه والدولار مرورا بأحد المواطنين الذى رفض الحصول على أمواله 5,3 مليون جنيه عندما أغلق الباب أمامه لشراء شهادات قناة السويس، وأصر على شراء الشهادات فى اليوم الأخير. وأخيرا العمال الذين تحملوا الكثير خلال عام الحفر، وقرروا ألا يحصلوا على أى أيام إجازات أو راحات حتى تم تنفيذ المشروع وافتتاحه فى الموعد الذى حدده، ليكون هدية مصر والمصريين للعالم.∎