مؤلف شاب يتمتع بأفكار طازجة محقونة بالحيوية والنشاط، ينفذ بها إلى عمق العلاقات الإنسانية يقترب منها بشدة ويفككها ويبحث فى أغوارها، يقوم بتشريح الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بعمق شديد، يعرى المجتمع الذى يعتقد وهما أنه مستور ومثالى بكل جراءة.. أفكار المؤلف محمد عبدالمعطى تحمس لها المخرج «هانى خليفة» ودفعته للعودة بعد فترة انقطاع 12 عاما هجر فيها السينما بحثا عن نص وورق يقنعانه ويثيران شغفه بأن يحرك عدسة كاميرته من جديد بعد إخراجه لفيلم سهر الليالى. عبدالمعطى مؤلف فيلم «سكر مر» الذى يقدم عشر حكايات مختلفة مع هبوط وصعود فى تطور العلاقات العاطفية التى تجمع هذه الحكايات فى ظل خلفية سياسية من عمر 5 سنوات من حياة مصر مليئة بالثورة والاضطرابات السياسية والاجتماعية فى عمل فنى يحمل قضية ومضمونا وسط تيارات متلاحقة من الأعمال المسفة والسينما التجارية التى تخاطب غرائز المراهقين والباحثين عن التسلية. «روزاليوسف» حاورت المؤلف الشاب فى محاولة للاقتراب من عالمه وأيضا كواليس فيلمه. ∎ «سكر مر».. كيف جاءت الفكرة وما الوقت الذى استغرقته فى إعدادها وميلادها فى عمل سينمائى؟ - الفكرة بدأت منذ سنتين، وأنا أعمل بطريقة مختلفة، الفكرة تأتى فى عقلى وأتركها تتخمر حتى أستطيع تجميع كل خيوطها، حتى أصل إلى الحدوتة التى أريد أن أقولها، وكيف ستقدم بطريقة جذابة للجمهور، وهذا استغرق عامين تخللتهما فترات الكتابة حتى انتهيت من الإسكريبت، وذهبت به إلى شركة الإنتاج وقرأه المخرج هانى خليفة، والحقيقة أنه رد ثانى يوم من قراءته، وصرح لأول مرة أنه قال «لو حد تانى أخرج هذا الفيلم هضايق»، فهانى يبحث دائما عن شىء مختلف، فهو يبحث خلال ال12 عاما الماضية عن شىء يقدمه، إلى أن جمعنا ببعض «سكر مر». ∎ هل يعنى ذلك أنك لم تكن تضع المخرج هانى خليفة فى ذهنك لإخراج قصتك من قبل؟ - فى الحقيقة أول مرة تعرفت على هانى خليفة عندما تسلم وقرأ الإسكريبت من شركة الإنتاج، وهذا كان أول لقاء يجمعنى به، ولكن بعد التصوير ووقت التحضير للفيلم، أجزم أن العلاقة بيننا تحولت إلى صداقة حقيقية فهو رجل لديه مبادئ بجد، واعتبره أخا كبيرا أهتم جدا للحصول على رأيه فى كثير من الأمور، لكن لست من المؤلفين الذين وهم يكتبون القصة يضعون فى ذهنهم المخرج والشخصيات، فالإسكريبت حدوتة محكية، أنا أشتغل فقط على شخصياتى ليس لدى علاقة بمن يمثلها أو يخرجها، لأنها ليست من اختصاصاتى كمؤلف. ∎ ولكن كيف تقيم تجربتك كمؤلف مع مخرج عاد للسينما بعد 12 عاما أى أنه شخص لايرضى بسهولة بما يقدم له؟ - سمعت كثيرا عن هانى خليفة بأنه مخرج صعب جدا فى التعامل، ولكن عندما عملنا مع بعض، وجدت أنه رجل لا يوجد أسهل منه فى التعامل، هو رجل بسيط للغاية ومحترف ولايتمسك ب وجهة نظره إطلاقا، هناك مخرجون يقومون بتعديلات كثيرة حتى يصلوا به لما يعجبهم، ولكن «خليفة» لم يفعل، قرأ الإسكريبت وأعجبه، والتعديلات التى حدثت لا تذكر فهى طفيفة للغاية، والإسكريبت الذى كتبته هو الذى تم تصويره لم يحذف منه مشهد، وهو من الأعمال القليلة التى يمكن أن أقول إنها خرجت من يد المؤلف للتصوير ثم المونتاج مثلما رآه الجمهور، حتى إذا رغب أحد الممثلين فى تعديل كلمة أو نطقها بطريقة معينة كان يطلب المخرج منه أن يلجأ للمؤلف بمنتهى الاحترافية. ∎ ما الرسالة التى تريد إطلاقها فى فيلم «سكر مر»؟ - أكثر من رسالة أردت توصيلها، أن المجتمع فى مصر يمر منذ أربع سنوات باضرابات سياسية شديدة، وتغيير رؤساء وثورتين، وأحداث مختلفة، وأردت أن أقول إن هذه الاضرابات أثرت بشكل كبير جدا على العلاقات بين الناس، خاصة العلاقات العاطفية والإنسانية، وهذا حقيقى، فالناس تغيرت بشكل غير مباشر من هذه الأحداث والاضطرابات، وثانى رسالة هى «نحن لا نعلم بكرة فى إيه»، ولا هنبقى فين ولا مع مين، ليس عيباً فى العلاقة ولا تغيراً فى العلاقة، ولكن تغير فى الشخصيات نفسها، وأريد أن أقول أيضا للأسر المنزعجة من تأخر سن الزواج ولن أسميها «عنوسة» ولكن فكرة الزواج المؤجلة لدى شباب كثيرين، والنسب العالية من الطلاق لها أسبابها، وهى أننا كجيل شباب تغير وأنه من داخله مختلف، وله عالمه وأسبابه، فأردت بالفيلم أن نقترب من الشباب وأفكارهم وطبيعة علاقاتهم العاطفية، وكيف ينظرون للزواج. ∎ انتهت العلاقات العاطفية التى جمعت أبطال الفيلم فى النهاية.. بالطلاق.. هل نفهم من ذلك أنك ضد مؤسسة الزواج وأنك تراها فاشلة وتشجع العلاقات خارج هذه المؤسسة؟ - على الإطلاق، مؤسسة الزواج مؤسسة راقية، وهى تطور طبيعى فى حياة الإنسان، لكن للأسف نحن الذين نتعامل معه بطريقة خاطئة، ولدينا توقعات عالية جدا من الزواج ليست موجودة، فنحن لم نعد نتحمل حاجة، وطول الوقت ننظر لنصف الكوب الفارغ، وهذا نتيجته الطبيعية النسب العالية للطلاق. ∎ ظهر فى إحدى العلاقات العاطفية فى الفيلم رفض (كريم فهمى - على) استكمال خطبته على (شيرى عادل - ملك) لأنها ارتدت الحجاب ورفضه لاستمراره فى علاقه مع فتاة متدينة.. ما موقفك الشخصى من الحجاب وتبريرك الدرامى لعدم استكمال هذه العلاقة؟ - إطلاقا، رأيى فى الحجاب أنه حرية شخصية ودينية تعود للفتاة التى تريد أن تتحجب وليس من حق أحد أن يتحكم أو يرفض أو يوافق على فتاة تريد أن ترتدى الحجاب أو شكله، فأنا إنسان مسلم بصلى ووالدتى «محجبة»، وليس لدى أزمة مع من ترتديه، وبالنسبة لى فالحجاب حرية شخصية تامة والمظهر حرية شخصية للإنسان، والدين قبل المظهر، ولكن «على بسيونى» الذى يلعب شخصيته كريم فهمى رأى الموضوع من زاوية أخرى فهو رجل شاف الحياة متأخر، فهو يعشق المظاهر جدا، وبالنسبة له المظهر والفلوس أهم بكثير من تدين الفتاة خطيبته أو من معتقداتها الدينية، لذا فشخصية على هى التى رأت ذلك ولست أنا، وفى الحقيقة أنا رأيت مثل هذه الشخصيات والنماذج فى الواقع والحياة، فهناك رجل يحب أن «يتمنظر بمراته» للأسف، فهناك رجال يرغبون فى أن يذهبوا بزوجاتهم فى كل مكان ليقول من يشاهدها «واو»، فهذه نماذج موجودة لا يمكن أن نغفلها أو ننكرها. ∎ لماذا لم نر أبعاداً ومقدمات توحى بهذا التحول الخطير من شخص عابث مستهتر إلى ملتحٍ متزمت؟ - لأن هناك شخصيات ونماذج من الشباب بهذا «الإكستريم» والتحول الشديد من اليمين إلى الشمال والعكس فجأة، وهذا شباب موجود بكثرة فى المجتمع يفعل كل شىء خطأ ثم تنقلب حياته رأسا على عقب من موقف كوفاة أحد أصدقائه أثناء قيادته للسيارة أو لأى سبب، ويتحول إلى شخص ملتح يذهب للجامع ويقوم بتقصير الجلباب أو البنطلون، وهكذا شخصية «حسام» شعر بتأنيب شديد لضميره لحظة سماعه للأذان، لأنه وقتها كان بيعمل كل شىء خطأ (فهو يمارس الجنس مع رفيقته ويشرب الخمر - حسب المشهد)، وبما أنه شخصية إكستريم جدا، انقلب وفجأة من كل ما يفعله للنقيض تماما، وأصبح متدينا للغاية. وهذا بكل تأكيد شىء خطأ لأن كل الأمور يجب أن تكون خطوات وليس الانقلاب على النقيض فى لحظات، حتى يكون هناك اقتناع تام بما يفعله الشخص، فمثلا فى نماذج محيطة يراها الجميع من يرى فجأة شاباً أطلق «لحيته»، ولا تفهم كيف يفعل ذلك دون وجود أية مقدمات روحانية قام بها من صلاة والتزام، وإلى ذلك حتى يصل إلى التغيير الخارجى بلحية وذقن، فكيف لا تفعل السنة الروحانية الداخلية لتلجأ إلى تغيرات شكلية.. وهو ماحدث مع شخصية «حسام» نجد أنها حدثت لها هزة نفسية، جعلته يتزوج مرتين على زوجته، ثم انتهى به الحال فى نفس «الكباريه» وهو لايعرف نفسه أصلا، وهو مشهد رائع أخرجه هانى خليفة، فظهرت شخصية حسام بهذه الطريقة فى المشهد وهو يتمزق من داخله، فهو حقيقى لم يعد يعرف من هو ذلك الشخص المتدين أم ذلك الشخص الذى يشرب الخمر ويرقص فى الملاهى الليلية مع الراقصات. ∎ تطرقت لأزمة طلاق المسيحيين من خلال شخصية ناهد السباعى وعمر السعيد.. ولم تتطرق لأبعاد الأزمة؟! - أزمة الطلاق لدى المسيحيين أعتقد أنها تحتاج الكثير من القصص والمسلسلات، ولكن فى الفيلم وما أتخيله لهذه العلاقة أنها ستظل بذلك الشكل الذى انتهى به الفيلم فبعد اعترافه بأنه ارتكب الزنى حتى يتم الطلاق، ثم عودتهما للمشاجرة معا، فهذه العلاقة ستظل على هذا الحال، فكلا الطرفين فيها ليس متأكداً بثقة أن قراره صحيح، ولا عارفين يكلموا مع بعض ولا عارفين ينهوا العلاقة، لديهم حالة ملل وعدم ثقة فى استمرارية العلاقة، لم يكن مقصودا أن أناقش قضية طلاق الأقباط والأحوال الشخصية بهذا العمق لأنها قضية كبيرة وتحتاج إلى مسلسلات لمناقشتها. ∎ الأحداث السياسية التى كانت تظهر فى خلفية الأحداث سواء فى مقاطع فيديو أو أخبار فى الصحف أو عبر المواقع هل هدفها الوحيد ربط المشاهد بتسلسل زمنى ودرامى لأحداث الفيلم والشخصيات أم لها رسائل أخرى؟ - هذا حقيقى، كانت تستهدف إبراز انعكاس الأحداث السياسية على الشخصيات وحياتهم وعلاقاتهم ببعض، وبمناسبة الحديث عن الأحداث السياسية وارتباطاتها الزمنية، أؤكد أنه كان صعبا جدا أن يقدم هذا الفيلم إلا من خلال مخرج مثل هانى خليفة، لأن لديه اهتماما شديدا ودقيقا بالتفاصيل فى خمس سنوات، فالخطأ كان واردا حتى إن الأغانى الأجنبية التى كانت تظهر فى الفيلم كانت مضبوطة بسنوات ظهورها فى الحقيقة حتى لا نقع فى أى خطأ. وأيضا هناك رسالة أخرى يبعثها تسلسل الأحداث السياسية، وهى أنه خلال هذه الفترة المليئة بالاضرابات والأحداث السياسية كانت هناك حياة بمصر وهناك ناس كانت تحب وتتجوز. ∎ هل تزعجك الكتابات التى تقارن بين «سهر الليالى» و«سكر مر»؟ - أنا أنظر لهذه الكتابات بأنها رأت الموضوع بشكل سطحى جدا، لايوجد وجه للمقارنة بين الفيلمين، فأفلام العلاقات تتم عادة بين رجل وامرأة تحكى عنcoupls فهى تيمة سينمائية معروفة فى كل سينما العالم، ولا أرى عيبا أن هانى خليفة قدم فيلمه من نفس النوع وهذا الذى أوجد الربط، لأن أعظم مخرجى العالم مثل مودى آلان يبدع فى منطقة معينة، وبعضهم يتخصص فى أفلام اجتماعية وأخرى خيال علمى، فهذه ميزة وليست عيبا، ولكن فى رأيى أن الكتابة التى تقارن بين الفيلمين تتناول الفيلم بشكل سطحى جدا ولا أركز مع مثل هذه الكتابات. ∎ اسم الفيلم «سكر مر» هل كان واضحا لك منذ انتهاء الإسكريبت أم تم الاختيار مع المخرج؟ - لا، منذ البداية وكنا متفقين على اسم الفيلم، لأن الموضوع فى حاجة حلوة ولكن فيها مرارة، وأعتقد أن من دخل الفيلم شعر بهذه المرارة، فالاسم هو إحساس سيشعر به المشاهد بعد الانتهاء من الفيلم، فكل شىء على قدر حلاوته، فى نهايته تظهر المرارة بشكل قاس. ∎ ما تعليقكك على أزمة الفيلم مع جهاز الرقابة على المصنفات الفنية؟ - لا تعليق، لا أعرف ما الذى يوجد بالفيلم حتى تعترض عليه الرقابة، كل من دخل الفيلم يستطيع أن يتأكد أنه ليس فيه شىء تخجل منه الأسرة حتى تصمم الرقابة فى البداية على وضع لافتة «للكبار فقط»، فليس فيه ما يخدش حياء أحد، ولا يوجد بالفيلم أى مشاهد غير لائقة أو ألفاظ خارجة، فهى أزمة غير مبررة على الإطلاق. ∎ ولكن هناك كلمتين «اعترضت الرقابة عليهما فى الفيلم»؟ - الكلمتان كانتا موجودتين فى السينما فى الفترة الأخيرة ولم تعترض عليهما. ∎ ولكن المخرج قال «إن الرقابة شوهت الفيلم»؟ - لأن كلا الكلمتين تم حذفهما وجعلهما mut فى الفيلم الشخصيات تنطقهما ولكن لايسمعهما المشاهد. ∎ ألم تر أن نزول «سكر مر» فى العيد ظلم له خاصة فى ظل موسم له جمهور معين يبحث عن عمل كوميدى ويضع الفيلم فى منافسة ظالمة مع شد أجزاء وأولاد رزق؟ - هذه أمور تتعلق بالتوزيع والإنتاج، وأعتقد أن كل فيلم له جمهوره، مع اختلاف حجمهم، ولا أقدر أن أقول إنه لو نزل بعد العيد أو خارجه كان هيحصل إيه، ولكن كل ما أعلمه أن فيلمنا له جمهوره الذى يحب مشاهدة هذه النوعية من الأفلام، وفيلمنا «سكر مر» خارج المنافسة تماما، ولا يوجد نوع فيلم فى العيد ينافسه، المنافسة تحدث مع فيلمين من نفس النوع سواء كوميديا أو أكشن، ولكن «سكر مر» خارج ذلك التصنيف، ومنذ البداية لم ننظر لذلك، كل ما كان يهمنا تقديم عمل قيم جدا، ويعيش فى تاريخ السينما ويقدم للجمهور سينما بجد.∎