إسلام البحيرى.. اسم أثار ضجة كبيرة فى الآونة الأخيرة بآرائه التى فتح بها أبواب الجدل على مصراعيه، فتم نعته بكثير من السباب والألفاظ والأوصاف أقلها بأنه «الكاذب والحقير والحاقد» بل وصل الأمر إلى حد تكفيره من البعض واتهمه البعض الآخر بأنه ذو هوية مسيحية يتخفى فى دور داعية لهدم الدين الإسلامى. عقول مريضة هاجت وماجت لمجرد أن إنساناً تجرأ للتفكر والاجتهاد ومناقشة بعض ما جاء من تفاسير متطرفة فى كتب «صحيح البخارى ومسلم» معتمداً على أنهم بشر ويمكن أن يتم مناقشة تفاسير كتبهم الدينية وكتب التراث الإسلامي وطالب بمناظرة مع من يختلف معه. ورغم أن الأزهر يردد دائما كلمات ومفاهيم عن سماحة الإسلام إلا أن أحدا فيه لا يجرؤ حتى الآن على مناقشة فكرة تنقيح الفكر الدينى بكتب التراث وهو من صميم عمله ودوره التنويرى الأصيل، فما كان من وكيل الأزهرإلا أن صرح فى إحدى المداخلات بأن إسلام البحيرى لا يستحق الرد عليه. والحقيقية أننى لم أكن أتابع الدكتور إسلام من قبل.. وكثيرا ما كنت أحول مؤشر التليفزيون عن برنامجه بسبب الإضاءة الخافتة والكآبة التى تحيط ببرنامجه وهدوئه الشديد، ولكن بعد الضجة التي أحدثها ،خاصة ما بين كثير من الفتيات المثقفات كان لا بد أن أفهم وبدأت في متابعة برنامجه.. واقتنعت فعلاً بما سبق أن أدلى به فى أحد حواراته الصحفية بأنه ليس شيخاً ولا داعية ولكني وجدته مفكراً وباحثا مجتهداً فى الدين الإسلامى يقوم بتفسير النصوص بطريق عصرية لتصل لكل إنسان ببساطة ودون تعقيد أو تطرف، نصوص نزع فيها مفاهيم العنف والقتل وقهر المرأة. واضح أن جريمة د. إسلام هي اقتحامه لتابوهات لم يجرؤ غيره على اقتحامها - ومن أقدم عليها ممن سبقوه كفروه وحبسوه وأهدروا دمه - ولهذا انهالت عليه كل أنواع السباب والاتهامات. لماذا انزعج هؤلاء الدعاة؟ هل قيامه بالتشكيك مثلاً فى سن زواج السيدة عائشة - التي ادعت بعض كتب التراث - أنها تزوجت فى سن التاسعة من رسولنا الكريم «محمد» «صلى الله عليه وسلم» يعد شركاً بالله؟ وهل الأمر يستحق أن يدفع البعض بالرد بالأسانيد البشرية ويتهم د. البحيرى بمحاولة هدم الدين الإسلامى؟ لماذا لم ينتفض هؤلاء الدعاة عندما قام مدرس تربية دينية بحلق شعر طفلة فى الثامنة من عمرها لأنها لا ترتدى الحجاب؟ ولماذا لم ينتفضوا عندما شاهدوا حوادث القتل والاغتصاب والتحرش الجنسى ترتكب علناً فى المدارس والشوارع التى أصبحت ظاهرة تؤرق المجتمع رغم انتشار التزمت الدينى الشكلى والظاهرى؟ ولماذا لم ينتفضوا عندما قامت الدنيا ولم تقعد عندما أصدر رئيس الوزراء قراراً بمنع عرض فيلم إباحى حتى تمت إجازته بحكم قضائى تحت شعار حرية الإبداع؟ الرئيس السيسى أول من طالب بثورة دينية وتنقيح للفكر الدينى وحتى الآن لم يستجب أحد من شيوخنا الأجلاء، وبصراحة هؤلاء هم من يحتاجون للمصالحة مع أنفسهم قبل أن يطالبوا غيرهم بالمصالحة مع الله.∎