ساهمت الأحداث السياسية فى الساحة الفرنسية، فى توطيد علاقة فرانسوا أولاند وفاليرى تريفوليه الصحفية الشابة التى كانت تغطى نشاط حزبه الاشتراكى، مما أعطى انطباعا لدى الكثيرين من زملائها والمحيطين من العاملين بالحزب بأن هناك علاقة عاطفية تجمعهما لدرجة الجنون، وكانت أولى العواصف من هذه الشائعات صداما مع زوجة أولاند الأولى وأم أولاده «سيجولان رويال» التى تحتل موقعا مميزا بالحزب، وأصبح العداء عنيفا بينهما حتى أن فاليرى تعتقد أن هذا العداء سبب انجذابها إلى فرانسوا. ولفت نظرها أن العاطفة التى تجيش بها مشاعرها يمكن أن تكون واقعا، وبرغم أن فاليرى قاومت مشاعرها واندماجها مع فرانسوا حرصا منها على أسرتها وأولادها الثلاثة من الزوج المخلص لها والذى كانت تطلعه أولا بأول على كل شىء، غير أن تيار الحب الجارف استطاع أن يمتلكها فى النهاية ويحاصرها فى كل لقاء مع فرانسوا برغم رفضها أى مظاهر للتقارب معه إلا فى حدود نشاطه السياسى، حتى جاء موعد الانتخابات الرئاسية، فكان اللقاء المتكرر أحد عوامل الانجذاب والارتباط، بينما كان فرانسوا يتلاعب بعوطفها إلا أنه كان يتظاهر بغير ذلك أحيانا. تقول فاليرى تريفوليه فى مذكراتها بعنوان «شكرا على هذه الأوقات»: وكنت مكلفة بمتابعة الانتخابات مع أحد المصورين الصحفيين فى «الكوريز» وفى مساء يوم السبت تعشى أولاند معنا، إلا أنه كان عليه العودة مسرعا من أجل حضور سهرة راقصة مع المسنات ثم قرر أن يأتى معنا فى السيارة بدلا من سائقه، إلا أن مصورى لم يكن يريد قيادة السيارة لأنه أراد أن يكون أول من يترجل من السيارة ليقوم بتصوير بعض الأشياء وعادة ما أقود أنا السيارة وأولاند هو من يجلس بجانبى إلا أن ما حدث فى تلك المرة هو انكسار كعب حذائى، فتولى أولاند القيادة بينما كنت ألصق كعب حذائى بيدى، وبالفعل ذهبنا للحفل وشاهدت فى هذا المساء أولاند يراقص سيدة يزيد عمرها على 80 عاما بدون رغبة منه ولكنها كانت بين ذراعيه سعيدة. كانت السنون التى تولى فيها «جوسبان» رئاسة الوزراء مميزة جدا، مناقشات سياسية بدون نهاية واجتماعية لا حصر لها، وأصبحت العادة بالنسبة لى فى أواخر شهر يوليو هى تناولى الغداء مع أولاند لكى أتلقى منه معلومات أو يخبرنى بمشاريع عودته، وفى عام 2000 دعانى أولاند فى حدائق منزل أمريكا اللاتينية، كنت أعتقد أن وزير الداخلية حينها، «جون بيار» سوف يستقيل من منصبه، بسبب الخلافات التى نشبت بينه وبين رئيس الوزراء. أولاند الذى كان يشغل وقتها منصب السكرتير الأول للحزب الاشتراكى كان غير مقتنع بكل تلك الأحداث، وامتنع عن إعلامى بأى بيانات، إلا أنه قال لى سبب ذلك فيما بعد. وعندما كنا فى المطعم نتحدث ونضحك، رأيت فجأة «سيجولان رويال» تأتى نحونا فى الوقت الذى كان فيه أولاند يلتف وظهره لمدخل المطعم، عندها قلت له: إنها قادمة، إلا أنه لم يصدقنى واعتقد أننى أقول له مجرد مزحة على سبيل الدعابة، وفجأة جلست سيجولان على المنضدة التى نحن عليها، وهى فى منتهى البرود، قالت: «أرجو ألا أزعجكم، ولا مانع من جلوسى»، لم يكن أولاند فى مقدوره أن ينطق كلمة واحدة على الأقل، وأجبتها بارتباك المفاجأة، نتكلم عن سياسة فرنسا، فردت بلهجة غير لائقة: «لا تعبثى معى أنا أعرف كل شىء» وبدورى قلت: «إطلاقاً، هذا حقيقى، وفى العموم لم نفعل شيئاً خاطئاً، نحن لسنا فى فندق على ما أظن، أنا أثق أن الخيانة هى ما تزعج فرانسوا»، وفجأة اتجهت سيجولان ناحيته وقالت له: «لم تصطحبنى إلى مثل تلك الأماكن أبداً» وإذ فجأة تصاعدت حدة الصوت، إلا أن فرانسوا يكون دائما هادئاً فى هذه الأحوال خاصة فى هذا المشهد المحرج، وبالفعل قبل انفجار أى فضيحة، رحل فرانسوا متمتماً بثلاث كلمات «تعرفين لا يكون ذلك دائماً» كان لا بد من اتخاذ مثل هذا الموقف السريع لإنقاذ الموقف، شكرنى فرانسوا ورحل، ووجدت نفسى وحيدة أتخبط على منضدة فى المطعم، وحالتى كانت بشعة للغاية، مع الملاحظة بأن هذا الموقف اعتبرته الحساب الذى لم أنته أبداً من دفعه، أتساءل الآن: هل هذه مجرد شكوك مجنونة؟ أثق أن واقع الشائعات له دور أساسى فيها، اليوم أنا أعرف شعور سيجولان رويال، فقد شعرت بالخطر من ناحيتى، الذى لم أشعر به حيال نفسى وقتها. اقتربت الحملة الانتخابية، ونحن نكمل وجهة نظرنا بطريقة احترافية، وكنت أقترح على أولاند أن يساعدنى فى كتابة ملخص الحملة، بل وكنا نتقابل بشكل منتظم حيث كان يطلعنى على مايدور فى الحياة السياسية الظاهرة، إلا أننى فى هذا الوقت قررت أن أرفض وأضع بعض المسافات بيننا، أحب حضوره وهو أيضا يحب حضورى، بيننا توافق غير طبيعى، كنا نرى بعضاً قليلاً تلك الفترة، إلا أننا كنا نتحدث فى التليفون لفترات طويلة، أنا قريبة جداً من الحملة الانتخابية الرئاسية ل «ليونيل جوسبان»، كان المرشحون للرئاسة سببا فى تكوين علاقات جميلة مع أصدقائى، من ضمنهم «باتريس بيانكون» الذى سوف يصطحبنى لقصر الإليزيه فيما بعد، وأولاند الذى كان يرغب أن نعيش لحظات الإثارة التى ترافق المرشح الأكثر حظاً فى الانتخابات الرئاسية، وكان يعقد الكثير من الاجتماعات والمقابلات وكان يتبعه قليل من الصحفيين. تم القضاء على ليونيل جوسبان من الجولة الأولى للانتخابات فى 21 أبريل وبعد ذلك جون مارى حاول التأهل للمكان، إلا أن «جاك شيراك» هو من تأهل فى مساء هذا اليوم، حاولت أن أخفى أسلحتى ودموعى، موجة من البكاء والإحباط، والمحتشدون من حولى من المسلحين باليأس والإحباط المبعثر فى هذا المكان، خرجنا كلنا نحن الصحفيين لنحتسى شرابا جانبيا، وبعد منتصف الليل أولاند أحيا السهرة وجعلنا نضحك جميعا، فلسفة كامنة فى الحياة أن نواجه المأساة بالفكاهة، كان أولاند وكأنه مستبصر بقراءة الأحداث وفجأة توقف الضحك، فسيجولان رويال زوجة أولاند وصلت للتو وأصبح هو رجل آخر، واضطر للرحيل معها على عجل. كنا أنا وأولاند فى مكتبه، وجدته يقترب منى كثيرا، لدرجة أنه كاد أن يلتصق بى فقمت بترتيب نفسى وغيرت مكانى، ظل يقوم بهذا مرارا وتكرارا وهو يذكرنى دائما بهذا المشهد الجنونى وفى تلك الفترة بدأت دائرة الشائعات عن وجود علاقة بيننا، لم أكن أقلق، فجميع الأشخاص يعرفون حياتى وأطفالى وزوجى فى الجريدة، بالإضافة إلى أن علاقتى بفرانسوا قديمة، ولا يوجد أى تغيير ولم ألحظ وقتها المجال «الكهرومغناطيسى» الذى ينشط بيننا عندما نكون سويا، وفى حضور كل منا مع الآخر، وفى الخارج بعيدا عن بعضنا البعض لا يحدث شىء، إلا أننى كنت عمياء والصداقة الحميمة كانت حبا فى اللاوعى يتلون ويوضح أنها بحق صداقة صريحة هل هذا ممكن؟.. ولكنها صلات وعلاقات حميمة بين رجل وامرأة لهما طبيعة بشرية، وهذا ممكن وليس مستحيلا فالقلوب لها حوار آخر كانت مرحلة الصدام بدأت من أجل حب وليد، وفى وقت لاحق جاءت سيجولان لمقابلتى فى صالة الجمعية، وقالت: أريد أن أراك فرددت: «بالتأكيد». وفى يوم المقابلة فى مكتبها بالجمعية، استقبلتنى ببرود شديد، وقالت: «أنت تعرفين جيداً لم أردت مقابلتك»، فرددت: «عندى فكرة بسيطة»، فقالت: «إذن أنت على معرفة بالشائعة»، فأجبتها: «نعم، بالطبع، وبالنسبة للشائعات يوجد منها الكثير لا يجب أن نعطيها أى أهمية»، وهنا بدت على سيجولان ملامح الدهشة من ثقتى بنفسى، ولأننى مؤمنة بما أقول، ويبدو أنها فوجئت قليلاً، وسألتنى عن كيفية الدفاع ضد تلك المعلومات الخاطئة، ومن هنا اقترحت عليها تنظيم عشاء لأربعة أشخاص، أنا وزوجى، وفرانسوا وهى معه، وذلك يكون فى مكان ظاهر للجميع، ولم ترفض الفكرة. وفى اليوم التالى للعشاء ذهبت للهند لمدة ثلاثة أيام لتغطية رحلة رسمية لجان بيير شيفينما، والذى أصبح رئيسا للوزراء، وعند عودتى أعلمنى زوجى بأنه استقبل مكالمة من سيجولان رويال طلبت فيها أن تقابله، وأغفلت دورى، فذهبت للجريدة، وعليه طلبتها وقلت لها: بماذا تلعبين؟ وأنت المرأة الأكثر شعبية وشهرة، وليس أنا، وأنت تأخذين المخاطرة لمجرد الشائعة وهى اعتراف بالتصديق عليها، وليس أنا، هل هذا يسعدك وأنت تعرفين أنه رجل ساحر؟! ومن هنا شعرت أن فكرة قصة عاطفية بدأت مع فرانسوا غريبة، ظهور سيجولان رويال التى تشك وتخشى من هذا الحب، استطاعت دون شك أن تجعل المستحيل ممكنا أمام عينى وخيالى، ولكننى لم أعرف بعد ذلك أن كل هذا يشوش ذهنى ومشاعرى معا، وفى اللحظة التى أكتب هذه السطور سيجولان رويال دخلت حكومة (مانويل فالس) والذى كان وزير البيئة. افتكرت فجأة مجموعة قنوات من المعلومات، وهى حصلت على هذه الحافظة منذ 22 عاما فى حكومة بيير، وضعت هى فى هذا العام ابنتيها الصغريين، وكنت أنا حاملا فى ابنى الأول، وفى تلك الفترة طلبت منى جريدة (بارى ماتش) عمل تحقيق صحفى معها وعن الولادة الجديدة لها، كما كنت أعلم أيضاً أن فرانسوا أولاند ضد الصحافة فى هذا الوقت، وعليه أكدت للجريدة أنه سوف يرفض بكل تأكيد إجراء هذا التحقيق فى هذا الوقت، عندما عدت إلى منزلى، وجدت الهاتف يرن، إنه رئيس التحرير وهو غاضب جداً منى، وقال لى إننى غير مهتمة فى الحصول على هذا التحقيق، لأنه علم أن سيجولان رويال، سمحت لكاميرات التلفاز التابعة للقناة الأولى بأن تدخل إلى غرفة الولادة، فوجئت وقلت: إن الفكرة تعود لى، وأنا لا أصدق، سوف أدعو المسئول عن تلك المستشفى الذى وافق على ذلك بدون ترشيحى رغم أن فكرة الصور كانت من اقتراحى واقترحت على سيجولان فكرة الصور فى المستشفى، كما وافقت على هذا الاقتراح بدلاً من عمل لقاء حول البيئة للصحافة، إلا أن ما حدث هو التقاط الصور وإنجاز النص الصحفى بدون إخطارى بهذا، أنا لم أتدخل فى علاقتها الحميمة مع فرانسوا، لكى لا أسرق والد أطفالها كما كتبت هى ذلك عنى فيما بعد، وفى إعادة كتابة تاريخنا أنا وأولاند فى وقت لاحق كان من المستحيل أن أفعل شيئاً مثل هذا الأمر وأنا أنتظر ولادة أول أطفالى وكان عندى إحساس بأنها لم تكن سعيدة بذلك. تتابعت السنوات ووضعت ابنى الثانى، وبعد هذا تزوجت مرة ثانية وأنجبت ابنى الثالث من الرجل الثانى، وكنت فى مرحلة بناء حياتى الخاصة، وكذلك حياتى المهنية، فرانسوا أولاند لم يكن جزءاً من أحلامى، كما قمت بتغيير اسمى الثانى، فأردت أن ينادينى الجميع باسم «تريفوليه»، وقررت ألا أتخلى عن الصحافة، حتى الصفحات الصفراء فى «بارى ماتش» الخاصة بالسياسة لبعض من الناس. كنا نتغدى أنا وأولاند من وقت لآخر معاً، أو مع صحفيين آخرين وبالرغم من رحيلى إلا أننى لا أعيش خارج باريس مع عائلتى، ليس من النادر أو غير المألوف أن أكون صديقة عبر الإنترنت وأنا وهو دائما على دردشة طوال الطريق حتى كان الوقت متأخراً جداً، خاصة بينما وأنا وهو لدينا موضوعات نتكلم فيها ليست قصيرة. الأخبار تزيد مع اقتراب الانتخابات الإقليمية فى عام ,2004 أولاند ربح جميع الانتخابات الإقليمية، بل وتم الإشارة إليه على أنه «رجل العام»، أمشى معه أميالاً أثناء الحملة الانتخابية. وفى أول سطر ستكون المرة الأولى التى أكدت فيه مقالاً إيجابياً عنه، وتذكرت الملحوظات التى قالها رئيس تحرير «بارى ماتش » عنه، والذى قال: «الآن لا يوجد إلا أولاند». لتبدأ قصة علاقتنا الخاصة وتنتهى بالإليزيه سيدة للقصر.∎