وقعت قوى المعارضة السودانية بشقيها المدنى والعسكرى فى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا الأسبوع الأول من هذا الشهر اتفاقاً سياسياً، أسمته ب«نداء السودان»، أكدت فيه التزامها بالحل الشامل لقضايا البلاد، ورفضها استمرار دولة الحزب الواحد والعمل على تفكيك النظام الحاكم وإقامة نظام ديمقراطى، وإيقاف الحروب فى مناطق دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق. ودعا نداء السودان إلى تشكيل حكومة قومية انتقالية للاضطلاع بمهام الفترة الانتقالية وتنفيذ برامج عمل متفق عليها وعقد مؤتمر دستورى جامع فى نهاية الفترة الانتقالية وكتابة الدستور الدائم عبر آليات تضمن مشاركة واسعة وشاملة. وجاء رد فعل الحكومة عنيفاً، باعتقال قيادات المعارضة الموقعة على (نداء السودان)، حيث قام جهاز الأمن والمخابرات الوطنى السودانى باعتقال رئيس تحالف قوى الإجماع الوطنى فاروق أبوعيسى والقانونى المعروف أمين مكى مدنى والدكتور فرح إبراهيم العقار رئيس منظمة السلام والمهندس محمد الدود نائب رئيس منظمة السلام، السبت الماضى، فور وصولهم الخرطوم، على خلفية توقيعهم على اتفاق «نداء السودان» بأديس أبابا، ووقعت على النداء فصائل من المعارضة المدنية وبعض الحركات المسلحة وتحالف لمنظمات المجتمع المدنى، وهى أربعة كيانات سياسية ومدنية وعسكرية ذات قاعدة مقدرة فى المجتمع السودانى، مثلت بعضاً مما صار يُطلق عليه اصطلاحاً «قوى الهامش» و«قوى المركز» وشملت حزب الأمة القومى، الجبهة الثورية السودانية (تحالف الحركات المسلحة)، تحالف قوى الإجماع الوطنى (الأحزاب المدنية فى الداخل) ومبادرة المجتمع المدنى السودانى. ويتوقع المراقبون اعتقال المزيد من القيادات السياسية، خاصة أن النداء يدعو إلى التغيير وقيام نظام ديمقراطى ويضع شروطاً لما أسماه الرئيس البشير «الحوار الوطنى»، وينادى بتأسيس دولة المواطنة وإقامة نظام ديمقراطى تعددى وإيقاف الحروب الدائرة فى مناطق مختلفة من البلاد. وأعلن زعيم حزب الأمة القومى الصادق المهدى (أبرز القيادات الموقعة على نداء السودان) أن الجميع اتفق على ضرورة تفكيك النظام لتحقيق «السلام العادل والديمقراطى الشامل»، مشيرا إلى اتفاق المعارضة على مظلة محددة الأهداف. ودعا الإمام الصادق المهدى رئيس حزب الأمة القومى، إلى تشكيل ما أسماه بهيئة التنسيق بين القوى الموقعة على «نداء السودان» وذكر المهدى فى الموتمر الصحفى بأديس أبابا عقب الإعلان أنهم بصدد التقدم بمذكرة إلى رئيس الآلية الأفريقية ثامبو أمبيكى، تمثل رأى الشعب السودانى. المعارضة السودانية المتنوعة من ناحيتها استقبلت خبر التوقيع على «نداء السودان» بمواقف مختلفة بين من يرى فيه خطوة موفقة تأتى لضرورة إنقاذ البلاد وما تبقى من وحدتها، وبين من يقول بأنه لم يتحدث صراحة عن إسقاط النظام وأنه جعل الباب موارباً للدخول فى حوار مع النظام بغرض تفكيك دولة الحزب الواحد وبناء دولة المواطنة. ووصف فاروق أبو عيسى رئيس تحالف قوى الإجماع الوطنى «نداء السودان» عقب التوقيع عليه «باللحظة التاريخية وأن وحدة المعارضة هدف عزيز لنا جميعاً»، نهدف من ورائه إلى توحيد الشعب السودانى لتصفية النظام وتحقيق الديمقراطية وسيادة حكم القانون، وقال أبو عيسى الذى تحدث لوسائل الإعلام بأديس أبابا قبل اعتقاله إن نداء السودان يؤكد على وحدة البلاد، وتعهد أبو عيسى بالعمل على جعل الإعلان مفتوحاً لبقية القوى السياسية المعارضة. الحكومة من ناحيتها وقبل أن يجف حبر توقيع الإعلان الجديد، قام الإعلام الموالى لها بحملة ضارية تصل حد وصف الموقعين على «نداء السودان» بالخيانة والعمالة لجهات أجنبية لم يسمها، ورفضت السلطات الإعلان وقابلته بالدعوة إلى تعبئة ميليشيات الدفاع الشعبى الموالية لتنظيم (الموتمر الوطنى الحاكم - إخوان مسلمين)، واعتقال الموقعين عقب عودتهم، واتهم نائب الرئيس حسبو عبدالرحمن الموقعين بالعمالة لجهات أجنبية لم يسمها، وأصدر أوامره لولاة الولايات (المحافظين) بفتح معسكرات الدفاع الشعبى وإعلان التعبئة والاستنفار، ووصف مساعد رئيس الجمهورية إبراهيم غندور، الإعلان بأنه «حلف غير مقدس» وسيرفض من الشعب السودانى. وترفض الجبهة الوطنية العريضة التى تشمل تنظيمات سياسية وكيانات شبابية أى اتجاه للتفاوض مع النظام، ويرى خالد عبد الله القيادى بالجبهة الوطنية العريضة فرع القاهرة أن «نداء السودان» لم ينص صراحة على الدعوة للعمل على إسقاط النظام وعدم التحاور، حيث جعل الباب موارباً للتفاوض مع النظام العقائدى والعقدى بغرض تفكيك دولة الحزب وبناء دولة المواطنة، وهذا الأمر يبدو مستحيلاً لمن يعرف نظام الجبهة الإسلامية القومية ومناهج وطرائق تفكير الإخوان المسلمين المتحكمين فى السلطة فى السودان منذ العام .1989 ويرى المحلل السياسى والناشط الحقوقى «علاء الدين بومدين» أن الإعلان ترك الباب موارباً بهدف إمكانية ضم كيانات أخرى له، وهذا يساعد دعم انسلاخ عناصر ومجموعات أخرى من الإسلاميين، ومن حزب البشير نفسه، وذلك حسب شروط ومواءمات معينة، بما يصب فى النهاية فى مجرى عملية التغيير وخفض تكلفته البشرية والمادية والمعنوية. ويرى بومدين الذى تحدث ل«روزاليوسف» أن الإعلان حدد هدفه المركزى فى «الإعلان السياسى لتأسيس دولة المواطنة والديمقراطية» و«تفكيك نظام دولة الحزب الواحد لصالح دولة الوطن والمواطنة المتساوية»، كما ضُبطت خيارات التغيير وحددت بدقة وهى «الانتفاضة الشعبية» أو العمل «للحل السياسى الشامل»، الذى يؤدى إلى تفكيك دولة الحزب الواحد. وأن كل ذلك يتسق وقرار مجلس السلم والأمن الأفريقى رقم 456 حول الحل الشامل للأزمة السودانية، كما لم يغفل الإعلان حسب «بومدين» الوضع الاقتصادى المتردى بالدعوة إلى إجراء تغييرات هيكلية فى قطاعات الاقتصاد المختلفة، مع إلغاء جميع القوانين والتشريعات المقيدة للحريات وحقوق الإنسان، وفقاً ل «الشرعية الدولية والقانون الدولى الإنسانى».
ويبقى السؤال المهم: ماذا بعد توحد المعارضة السودانية بشقيها المدنى والعسكرى، وبعد فشل جولات التفاوض السلمية فى كل المنابر للوصول إلى حل سلمى لأزمات السودان السياسية، وهل يكون الحل فى الانتفاضة الشعبية أم عبر الوساطات الخارجية.∎