يعانى الشعب القطرى من غياب الشفافية فيما يتعلق بحسابات المال العام، ومن حجب المعلومات لأن الميزانية العامة التقديرية لا تنشر كاملة، لدرجة أن مجلس الشورى لا يحق له سوى الاطلاع على باب المصروفات الرأسمالية التقديرية فى الميزانية العامة، أما الحساب الختامى للميزانية فيعد سرًا من الأسرار لا يجوز الاطلاع عليه، ولا على تقرير ديوان المحاسبة، التابع للسلطة التنفيذية، والذى لا تشمل صلاحياته مراجعة بعض أوجه الإيرادات والمصروفات العامة، لأنها لا تقع تحت سلطة مجلس الوزراء. ولا يعرف المواطنون القطريون أى شىء عن الصفقات العالمية الضخمة لقطر، ولا يعلمون إذا كانت لصالح المال العام، أم هى استثمارات خاصة، وكذلك يغيب عنهم كل ما يتعلق بحسابات الاحتياطى العام للدولة وأوجه الاستثمارات. وتخفى حكومة قطر حجم الدين العام والديون المضمونة للدولة التى تقدر بعشرات المليارات من الدولارات. وأشارت تقارير المعهد الدولى للمالية (IIF) التابع لصندوق النقد الدولى إلى عدم احتساب جزء كبير من عائدات النفط والغاز ضمن دخل النفط والغاز المورد للميزانية العامة. وتحولت الكثير من الأملاك العامة، خصوصًا الأراضى التى تم تطويرها أو نزعت ملكيتها، وفق قانون المنفعة العامة إلى أملاك خاصة بأسعار رمزية غير تنافسية وعطايا وهبات ومنح، بنيت عليها فنادق ومنشآت ومجمعات سكنية وتجارية، ومدن ذات ملكية خاصة، وذلك بسبب الغموض وغياب الشفافية اللذين يتعلقان بهذه الأملاك العامة. ∎ 40 مليار دولار وتنفذ الحكومة القطرية حاليًا مشروع السكك الحديدية والمترو، بتكلفة 40 مليار دولار، دون أن تطرحه للنقاش العام، رغم ضخامته وإسقاطاته على الخلل السكانى، حيث بنيت تقديراته على وجود أكثر من خمسة ملايين نسمة فى قطر، وهو رقم يزيد حجم السكان 200٪ خلال عشر سنوات، وهو أمر مخيف من وجهة نظر الخلل السكانى، ويتجاوز ضعف تقديرات استراتيجية قطر للسكان فى الفترة نفسها. ويختفى المجتمع المدنى فى قطر بكل مسئولياته، المنوطة به، فى مشاركة الدولة أعباءها، وذلك لأن السلطة الحاكمة هى فقط التى تنشئ الجمعيات والمؤسسات الخاصة ذات النفع العام، وتغدق عليها من المال العام، دون وجود رقابة على أوجه الصرف. ويأمل القطريون تحقيق الفصل بين الشأن والمال العام والخاص، حتى تتم إزالة العقبة التى تعيق الإصلاح المالى، ويتطلب ذلك أن تغطى رعاية الوزارات جميع الأنشطة العامة والخاصة والخيرية والتعاونية، خصوصًا أن قطر بها وزراء للنفط والتعليم دون وزارات! ولذلك لا يوجد من يرعى المصلحة العامة فى الوزارتين، ويترك الأمر لشركات النفط ومؤسسات التعليم والإعلام والثقافة، التى لا تقع تحت سلطة المجلس الأعلى للتعليم أو الهيئة العامة للإعلام أو وزارة الثقافة، دون رقابة على أنشطتها أو تدقيق للمال العام الذى يتم الصرف منه دون حساب، ومثال ذلك المدينة التعليمية، وشبكة الجزيرة الفضائية، والخطوط الجوية القطرية. وتتزايد فى قطر أمثلة الخلل الإنتاجى فى الاعتماد المطلق والمتزايد على ريع صادرات الثروة الطبيعية من النفط الخام «الزيت والغاز الطبيعى»، لأن مصدر جميع أوجه الدخل الرئيسية فى قطر هو الريع الاقتصادى، الناتج من ارتفاع سعر النفط عشرات المرات بالنسبة لتكاليف إنتاجه. وكانت قطر بالغت فى التزامها بصادرات الغاز الطبيعى المسال «77 مليون طن سنويًا» لتكون أكبر المصدرين فى العالم، دون مراعاة لاقتصاديات واستخدامات الغاز الطبيعى الأخرى، والالتزامات المترتبة على تصدير الغاز الطبيعى المسال (LNG) فى الوقت الحاضر، وبذلك تزايد الاعتماد على ريع النفط والغاز، وأصبح ريعهما هو المصدر للناتج المحلى الإجمالى ولإيرادات الميزانية العامة، وشجع تدفق الثروة النفطية الناضبة على هدر وتسرب من خارج الميزانية العامة، بالإضافة إلى الاستثمارات الخارجية والداخلية التى لا توجد دراسات جدوى اقتصادية ووطنية لها. وصاحب هذا الخلل الإنتاجى المستمر خلط بين المال العام والمال الخاص، وغياب الشفافية لدرجة اعتبار دخل وإيرادات النفط والغاز والميزانية العامة والاحتياطى العام سرًا لا يعرفه المواطنون القطريون. ولا تنشر قطر الحسابات الختامية للميزانية العامة التى تتضمن جميع أوجه الدخل والنفقات العامة، ولا تنشر أيضًا تقارير ديوان المحاسبة. واكتسبت قطر بذلك صفة الدولة الريعية ذات السلطة الفردية المطلقة، حيث فشلت فيها سياسات تنويع الدخل، وتراجعت فيها حرمة المال العام، وتضخم فيها استهلاك عائدات الثروة النفطية، على حساب استثمارها لصالح الجيل الحالى، والأجيال القادمة، وأصبحت قطر تعانى من خلل إنتاجى اقتصادى مزمن، لا ينصلح أمرها إلا بإخضاع صادرات الزيت والغاز الطبيعى لاعتبارات التنمية، وربط تصديرهما بنمو القدرة الاستيعابية المنتجة لاقتصاد البلد المصدر، لبناء قاعدة اقتصادية تكون بديلة للاعتماد على صادرات النفط الخام. ويتطلب إصلاح الخلل الإنتاجى الاقتصادى توريد جميع عائدات الدولة من النفط والغاز إلى الميزانية العامة وفقًا للقانون القطرى، والتحول تدريجيًا من سياسة توجيه عائدات النفط لتمويل النفقات الجارية والتحويلية للدولة إلى توجيهها للاستثمار والاحتفاظ بعائدات النفط فى أصول إنتاجية متجددة، باعتبار أن عائدات النفط احتياطى للأجيال القادمة.∎