عنوان كتاب مهم صدر فى بيروت منذ أسابيع عالجت فيه مجموعة تطلق على نفسها: «قطريون من أجل الإصلاح» عددا من أوجه الخلل المسكوت عنها فى بلدهم، الكتاب صرخة جادة وعلمية من مجموعة وطنية من المهمومين بقضايا وطنهم الذين يجمعهم شعور قوى بضرورة رفع «صوت جماعى للإصلاح فى قطر» بعد أن غابت طرق التعبير والحوار فى الهامش الرسمى المتاح، وعلى رأس هؤلاء المفكر القطرى المعروف على خليفة الكوارى الذى يستضيف مجموعة لقاءات شهرية منذ مارس 2011 أثمرت عن مجموعة أوراق وبحوث نشرت ضمن أعمال الكتاب. غطت فصول الكتاب موضوعات مختلفة، منها الجوانب الدستورية والسلطة القضائية وحكم القانون والمسألة السكانية والمجتمع والثقافة والإعلام والتعليم والهوية وتراجع دور اللغة العربية فى الإدارة والتعليم واستخدامات الغاز الطبيعى وصادرات الغاز والبيئة وغيرها، كما يحتوى الكتاب على قراءة نقدية رصينة لاستراتيجية قطر الوطنية والحاجة للإصلاح فى ضوء أوجه الخلل فى دستور 2004. وقد لخص الدكتور الكوارى فى مقدمة الكتاب عقبات الإصلاح فى أربع نقاط، أولاها حجب المعلومات ذات العلاقة بالشأن العام ولا سيما فى القضايا المهمة كالسكان والتجنيس والمال العام، وثانيتها غياب الشفافية تجاه القرارات المصيرية لحاضر البلد ومستقبله كما فى الاتفاقيات الأمنية ونظام التأمين الصحى والتعليم، وثالثتها ضيق هامش حرية التعبير عن الرأى وغياب مؤسسات المجتمع المدنى المستقلة التى تهتم بالشأن العام وبحقوق المواطن وحقوق المهنيين والعمال وواجباتهم، أما العقبة الرابعة فهى الخلط بين العام والخاص وقصور نظام الإدارة العامة. ويقدم الكتاب أجندة وطنية للإصلاح، أعتقد أنه يجب أخذها فى الحسبان فى أى استراتيجية للإصلاح، تتضمن أهم قضايا الإصلاح المتصلة بأوجه الخلل المزمنة، التى حددها الكوارى فى أربع قضايا، القضية الأولى هى تفاقم الخلل السكانى دون وجود أفق لإصلاحه، فنسبة المواطنين من إجمالى السكان تدنت من 40% عام 1970 إلى 12% فقط عام 2010، ويدق الكتاب ناقوس الخطر ويرى أن استمرار هذا الخلل يهدد «باقتلاع المجتمع القطرى وطمس هويته وثقافته وإخراج لغته العربية من التداول وتقويض دور المواطنين». أما الخلل الثانى، فهو الخلل الإنتاجى/الاقتصادى نظرا للاعتماد المُطلق والمُتزايد على ريع صادرات ثروات طبيعية ناضبة (النفط والغاز)، ويشير الكاتب إلى أن المشكلة الكبرى هى غياب سياسة نفطية وطنية تخضع بموجبها صادرات النفط لاعتبارات التنمية، والخلط بين المال العام والمال الخاص، وغياب الشفافية، إذ لا توجد حسابات ختامية للميزانية ولا حسابات مُدققة للاحتياطى العام ولا تقارير محاسبية. أما الخلل الثالث فهو غياب الديمقراطية واختلال علاقة السلطة بالمجتمع، إذ توجد «سلطة أكثر من مطلقة ومجتمع أقل من عاجز» نتيجة احتكار السلطة وغياب المشاركة وعدم احترام المواطنة وعدم وجود محكمة دستورية وتعطل العمل بالمواد الدستورية الخاصة بالديمقراطية، ويشير الكاتب إلى أن هذا الخلل كان يحتم وضع التنمية السياسية على رأس الأولويات فى رؤية قطر الوطنية. أما الخلل الرابع فهو الخلل الأمنى وعجز الدول الست عن الدفاع عن نفسها عسكريا واعتمادها على الحماية الأجنبية والتحالف مع دول عظمى، ويرى الكاتب أن الحل الوحيد يتمثل فى إقامة «كيان اتحادى ديمقراطى بين منظومة دول مجلس التعاون يتوفر له الحد الأدنى من القدرة على بناء منظومة دفاعية وتبنى سياسة خارجية فاعلة، كما تتوفر له شروط التنمية الحميدة المستدامة». الشعوب العربية دخلت عصرا جديدا بعد أن تخلت عن صمتها وعرفت طريقها نحو نيل حقوقها، وفى الخليج يواصل نفر من الناس نداءات الإصلاح الحقيقى، والأمل، بعد الله عز وجل، هو فى استجابة الحكام لأصوات التغيير وفهم سنن الكون فى التغيير، فالتاريخ لن يعود إلى الوراء والتغيير مسألة وقت.