ما جرى فجر الأربعاء الماضى أمام سواحل دمياط يعد تحولا نوعيا وتغييرا تكتيكيا فى شكل العمليات الإرهابية وانتقالا إلى مسرح عمليات جديد لم يكن متوقعا، كاشفا حجم المؤامرة والمخاطر العظمى التى تستهدف الدولة المصرية، فالحدث جلل ولا يقبل التسفيه أو التهوين. فى الوقت ذاته يجب ألا نغفل أن انتقال العمليات الإرهابية إلى البحر هو نتاج نجاح الجيش المصرى فى سيناء وأن هذا التحول الطارئ فيها تم بعد إغلاق الشريط الحدودى مع رفح ومطاردة الفئران حتى عمق دارهم. ∎∎ كعادة لنش الدورية التابع للقوات البحرية فى قيامه بنوبة الخدمة الخاصة به بالمرور على المياه الإقليمية المصرية لمراقبتها وتأمينها ضد أى محاولات للتهريب أو مس السيادة البحرية وكان على متنه قوة برئاسة ملازم أول بحرى كان أن تلقى إشارة استغاثة من ثلاث مراكب صيد صغيرة «بلنصات» بوجود حالة طارئة عليها. قبل تحرك اللنش إلى مصدر استغاثة المراكب أرسل للقاعدة البحرية التابع لها رسالة تفيد بتوجهه لإغاثة الصيادين، وعند اقترابه منها لمعرفة حقيقتها فتحت المراكب «البلنصات» النار من أسلحة ثقيلة «هاون مطور» و«آر بى جى» على لنش البحرية بعد أن حاصرته من عدة اتجاهات. الأمر الذى حاول فيه رجال البحرية الرد على مصدر الهجوم وتمكنوا من التعامل والصمود بسبب القوة النيرانية الرهيبة واضطر بعضهم إلى استخدام قوارب النجاة الموجودة فى اللنش للخروج من الكمين الإرهابى فجاء رد الإرهابيين بمطاردة قوارب النجاة وفتحوا عليها النار حتى أغرقوها أيضا. فى هذه الأثناء ونظرا للرسالة التى سبق أن أرسلها اللنش البحرى للقوات المسلحة لقاعدته كانت أن تحركت فى نفس اللحظة مقاتلات جوية ودعم لوجيستى سريع من عناصر القوات البحرية لموقع الإشارة وكشف المخطط الدنىء فى حينه وتعاملت سريعا مع القوارب المسلحة التى يستخدمها الإرهابيون ونجحت فى تدميرها جميعا والقبض على 32 فردا منهم بعد أن قتلت مثلهم تقريبا ثم بدأت عملية البحث والإنقاذ ونجحت فى إخلاء عدد 5 مصابين من عناصر القوات البحرية ومازال هناك عدد 8 أفراد فى عداد المفقودين وجار البحث عنهم، ثم بدأت عملية مسح كامل لمنطقة الاشتباكات وقامت المخابرات الحربية بالتحقيق مع العناصر الإرهابية المضبوطة. حسب ما توصلت إليه «روزاليوسف» حتى توقيت النشر أن مراكب الصيد المستخدمة فى العملية الإرهابية هى «الجربى موسى» ويملكها كل من السيد مصطفى محمد موسى ومصطفى محمد سيد أحمد وعلاء مصطفى، ومركب «أبو مسلم» وهى ملك محمود السيد معروف والمركب الأخير وصل محترقا إلى بوغاز عزبة البرج. أما أبرز ما توصلت إليه التحقيقات الأولية أن المقبوض عليهم يتحدثون لهجة بدوية اقتربت من لهجة إحدى الدول المجاورة وتشير المعلومات الأولية لانتمائهم إلى فلسطين وإن كانت أغلب الترجيحات تشير إلى كونهم من العناصر الموجودة فى قطاع غزة وعلى صلة بحركة حماس التى دربتهم والجماعات التكفيرية هناك «أنصار بيت المقدس» وغيرها وأنهم تلقوا دعما استخباراتيا لوجيستيا على مستوى المعلومات فى القدرة على تحديد الهدف «لنش البحرية المصرية» عن طريق الأقمار الصناعية والاستشعار عن بعد وأن المجموعة الإرهابية كانت معها مناظير رؤية ليلية متطورة وتم مدهم بإحداثيات اللنش البحرى فضلا عن التسليح الثقيل المستخدم فى تلك العملية وهو ما نستطيع أن نقرأ منه عدة أمور فى هذا الأمر والهدف منه! مجمل تقدير الموقف الاستراتيجى لا يقف عند سبب واحد لهذه العملية النوعية، بل يأتى فى إعلان الحرب برا وبحرا على الدولة المصرية واستهداف إسقاطها وإحراجها داخليا وخارجيا.. فموقع الحادث أمام سواحل دمياط جاء بعد أن أعطى الرئيس السيسى إشارة البدء لمشروع تحويل مصر إلى مركز لوجيستى عالمى للغلال والسلع فى ميناء دمياط! فضلا عن الإشارات العدائية الواضحة من تركيا بعد ثورة 30 يونيو والمتصاعدة إلى أقصاها مع الوقت وما نشر عن تفويض مجلس الوزراء التركى القوات البحرية هناك بالتعامل فى المياه الإقليمية والدولية ضد أى نشاط فى شرق المتوسط والذى جاء ردا على اتفاق الترويكا المصرى اليونانى القبرصى الأسبوع الماضى فى القاهرة وما صدر عنه من بيان يوضح التفاهم على تقسيم الحدود والثروات فى شرق المتوسط ويخص حقول النفط والغاز فى شقه الاقتصادى ومحاربة الإرهاب ومحاصرة مصادر تمويله فى شقه الأمنى، وهو ما فسرته الصحف التركية بأن هذه التفاهمات والتحركات المصرية الهدف منها محاصرة تركيا نفسها، خاصة أنها جاءت كخطوة تالية بعد أن قامت مصر بعدم تجديد اتفاقية الرورو! كذا لا يمكن أن نسقط من حساباتنا المناورة البحرية الأكبر «ذات الصوارى» إحدى أكبر وأهم المناورات البحرية ضمن المشروع التعبوى الاستراتيجى «بدر 2014» والتى كانت تحمل دلالات مهمة على قدرة البحرية المصرية الأكبر فى الشرق الأوسط على حماية الحدود البحرية المصرية والمياه الإقليمية والدولية وفرض السيادة المصرية عليها! فكان الهدف من هذه العملية الرد على المناورات المصرية ومحاولة زعزعة الثقة فى أحد أهم أسلحة الجيش فجاء الرد المصرى كاسحا عبر جاهزية التحرك والتنفيذ وقدرته على دحض وإفشال العملية النوعية والقبض على مرتكبيها والتعامل معهم فى مكان الحادث وهو أمر يكشف كفاءة وقدرة قواتنا المسلحة وجاهزية تدريبها بشكل قياسى لم يتوقعه المخططون أو المنفذون! ∎∎ الربط هنا واجب بين ما يجرى فى سيناء من نجاحات على الأرض فى تطهيرها من دنس الجماعات التكفيرية وإغلاق الشريط الحدودى وهدم الأنفاق مع غزة فضلا عن الضربات اليومية للعناصر الإرهابية وسقوط العشرات منهم مع طلعة كل يوم، ورصد مهاتفات بين عناصرهم فى رفح المصرية والمتعاونين معهم فى قطاع غزة يطلبون منهم العون والمساعدة وأنهم عاجزون ومحاصرون وفى سبيلهم للوقوع فى أيدى السلطات المصرية وبين ما جرى فى ساحل دمياط، حيث لم تجد تلك الجماعات الممولة والمنظمة والموجهة من أجهزة استخباراتية فى المنطقة إلا البحر كمعبر آخر لعملياتهم الخسيسة بالتزامن مع عمليات أخرى داخل الأراضى المصرية بهدف إشاعة الفوضى وتكدير السلم والأمن! ∎∎ ربما من الضرورى الإشارة هنا إلى أن التهديدات الإرهابية البحرية انصبت فى الفترة الأخيرة ومازالت على المجرى الملاحى لقناة السويس حيث تم إحباط عدة عمليات تستهدف السفن المارة فى مجرى المياه من بعد 25 يناير 2011 بهدف إحراج مصر دوليا باعتبارها دولة الممر وهى المسئولة عن تأمين السفن العابرة مما يهيئ التدخل الأجنبى بقوات عسكرية بحجة فشل مصر فى تأمين المجرى ورغبتها فى تأمين حركة التجارة العالمية فى الممر المائى الأهم فى العالم وهو أمر مازالت تحلم به وتسعى إليه قوى معادية لمصر والتى بدورها تشدد المراقبة والتأمين برا وبحرا وجوا لهذا الشريان الحيوى المهم! ∎∎ واقعة الأربعاء وما سبقها وما سيليها من عمليات متوقعة هى ضريبة يدفعها الشعب الذى وقف ضد مخطط تقسيم وإسقاط البلاد من بعد 25 يناير وإن كانت ثورة 30 يونيو أحبطت المخطط إلى حين فالاستراتيجية قائمة والحرب أصبحت معلنة واللعب على المكشوف بين كل الأطراف.. حمى الله مصر وشعبها وجيشها!∎