رغم انتشار زواج المتعة فى إيران، والذى يبيح للرجال والنساء إقامة علاقات زوجية كاملة خلال فترة ما يتفق عليها الطرفان سواء بضعة أشهر أو أسبوع وربما ساعة، فإنه لم يمنع مولد ظاهرة انتشرت بين الشباب الإيرانى للمرة الأولى تسمى ب«الزواج الأبيض»، والتى تقوم على معاشرة الفتيات للشباب وإقامتهم فى مسكن واحد دون عقد زواج رسمى. مصطلح «الزواج الأبيض» فى إيران يختلف عن سائر مدن العالم، ففى الغالب يطلق هذا المصطلح على الزيجات التى تتم بين أجانب وسكان البلد الأصليين سواء فى أوروبا أو الدول الأجنبية بوجه عام من أجل الحصول على الإقامة، إلا أنه فى إيران يعنى التمتع ومعاشرة الشباب للفتيات جنسياً دون عقد دينى أو رباط اجتماعى. وتشير الإذاعة الألمانية فى تقرير خاص حول هذه الظاهرة نشرته عبر موقعها الإلكترونى فى قسمه الفارسى إلي أن السنوات الأخيرة شهدت ارتفاعاً كبيراً فى معدلات المقبلين على هذا النوع من الزواج فى إيران، وأن عدداً من الشباب الإيرانى يعيش مع الفتيات دون عقد أى ميثاق دينى أو اجتماعى، فلا يوجد بينهما خطبة رسمية أو عقد زواج دائم أو مؤقت أى «متعة». وأضافت أن هذا النوع من الزواج لاقى رواجاً كبيراً بين الشباب، إلا أنه حتى هذه اللحظة لا توجد إحصائيات توضح الأعداد الحقيقية لحالات الزواج الأبيض فى إيران. ويعتبر «الزواج الأبيض» مثل «البوى فريند» و«جريل فريند» فى المجتمعات الغربية، إلا أن هذه الظاهرة تعد غريبة فى إيران والتى يحكمها نظام الملالى الصارم والذى يفرض قيوداً على المواطنين والنساء على وجه التحديد، كما أنها تثير حفيظة البعض الذين يرون أن زواج المتعة يبيح لهم المعاشرة ولفترة مؤقتة، وبالتالى فإن لجوء بعض الشباب إلى «الزواج الأبيض» فإنه إباحة للزنى ونشر ثقافة دخيلة على المجتمع. ويروى مجكان وحامد، الزوجان عن تجربتهما أنهما يعيشان سويا فى مسكن واحد بأحد أحياء العاصمة «طهران» دون زواج رسمى، ويقولان: جاءت هذه الخطوة بعد أن قررنا أن نعيش سوياً فى منزل واحد ونختبر بعضنا البعض ونرى هل من الممكن أن ننجح كأزواج؟.. وبالفعل أقدمنا عليها وأخبر كل منا أسرته وتقبلوا الأمر بصدر رحب. وتقول «مجكان»: «بعد سنوات من معرفتى ب«حامد» واعترافه لى بأنه يحبنى.. قررنا سوياً أن نعيش معاً، فكلانا لايؤمن بفكرة الزواج الرسمى من الأساس ونرى أنها مجرد فكرة لإرضاء المجتمع وهو أمر لا يعنينا كثيراً». وعن قبول المجتمع لفكرة الإقامة والمعاشرة بدون زواج تضيف «مجكان»: «طبيعى أن الأمر يلقى رفضا فى ظل وجود مجتمع متحفظ يخشى من فعل أى شىء جديد خوفاً من البطش، فعندما أخبرت أسرتى فى البداية عارضوا بشدة، وبمرور الوقت تقبلوا الوضع ورحبوا به». ويضيف «حامد» قائلاً: «كل منا يدخل المنزل وهو يشعر بأنه منزل الزوجية فأنا ومجكان نتعامل كزوج وزوجة ولكن دون قيود». هؤلاء الشباب الإيرانيون كسروا وضربوا بعرض الحائط جميع التابوهات التى فرضها عليهم المجتمع، فهم لا يبالون بالعقوبات التى يفرضها المجتمع سواء بالحبس أو الجلد أو الرجم حتى الموت فى بعض حالات الزنى. ويرجع البعض سبب انتشار ظاهرة «الزواج الأبيض» فى إيران لتردى الأحوال الاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة وعدم قدرة الشباب على توفير المتطلبات الأساسية لتأسيس بيت للزوجية، كما أن زواج المتعة يتطلب بعض الأموال مقابل كتابة العقد ودفع رسوم للزوجة للتمتع بها، كما أنه يشترط مدة محددة، ومن ثم قرر بعض الشباب أن يتعايش مع الجنس الآخر بالتراضى وبدون زواج. وحول هذه الظاهرة يقول مصطفى إقليما، رئيس رابطة الأخصائيين الاجتماعيين: إن انتشار هذه الظاهرة يشكل خطراً على المجتمع الإيرانى، وأن تقليد الشباب للغرب أضر بالمرأة فى المقام الأول وسلبها جزءاً كبيراً من حقوقها. وأشار إلى أن أكثر من 90٪ من العلاقات بين الشباب والفتيات بدون زواج، مضيفاً أن هناك العديد من العلاقات بين الجنسين تتم فى غياب الأسرة نظراً لظروف الحياة الاقتصادية الصعبة التى تمنع الشباب من الزواج الرسمى. وتشير الإذاعة الألمانية فى تقريرها إلى وجود فارق كبير بين الإقامة بدون زواج عند الأوروبيين والإيرانيين، ففى أوروبا جاءت الفكرة من باب المساواة بين الرجل والمرأة والشراكة فى كل شىء، وفى إيران جاءت نتيجة كبت المجتمع والظروف الاقتصادية السيئة فأراد الشباب التعبير عن رفضهم لشتى أنواع القيود من خلال هذا الزواج الذى يعد رفضاً لكل الأعراف والتقاليد، على حد ما جاء فى التقرير. لم تشر هذه الظاهرة إلى وجود تغيرات فجة وصادمة فى المجتمع الإيرانى الذى يبدو بصورة متحفظة ومتشددة كما يروج المسئولون فى إيران دائماً باعتبار أنها دولة «إسلامية» فحسب، ولكن إلى تغير المفاهيم الاجتماعية أيضاً حيث تشير التقارير إلى أن الإيرانيات أصبحن أكثر انفتاحاً وأن فكرة «الرجل الأول» فى حياة المرأة أصبحت فكرة قديمة لا وجود لها على أرض الواقع إلا فى حالات ضئيلة جدا. لم يقتصر الأمر على وجود حالات للزواج الأبيض فحسب، بل إن أحمد تويسركانى، نائب رئيس السلطة القضائية ورئيس الشهر العقارى بإيران قال إن القانون الجديد لم يلزم بتسجيل حالات الزواج المؤقت، وأن عدداً من النساء أصبحن يمارسن زواج المتعة لبعض ساعات فحسب. وأوضح أن آراء البعض فى إيران سواء فى الشارع أو المرجعيات الدينية انقسمت بين مؤيد ومعارض، حيث إن زيادة معدلات الطلاق والغلاء والفقر والبطالة أدى إلى زيادة الإقبال على هذه النوعية من العلاقات كى يحافظ المجتمع ظاهرياً على شكله المتحفظ، حيث يرى البعض أن زواج المتعة نوع من تحصين النفس بدلاً من الزنى، مع العلم بأن بعض النساء احترفن هذه النوعية للحصول على المال لكونهن معيلات لأسرهن، ومن ثم أصبح نوعاً من الزنى المقنع، والفارق بينهن وبين النساء اللاتى يقبلن ب«الزواج الأبيض» هو تنازلهن عن المقابل المالى فحسب. وعن رغبة الشباب فى ممارسة الجنس من خلال قضاء ساعات محدودة عبر زواج المتعة بطريقة غير موثقة يقول محمد تقى حسن زاده، رئيس مركز الدراسات والبحوث بوزارة الشباب والرياضة أن حوالى 84٪ من الشباب يوافقون على هذه الفكرة، إلا أن 62٪ منهم يخشى من التجربة وعلى سمعته باعتبار أن الأمر يعد عملاً سيىء السمعة. وتشير التقارير إلى أن الأمر فى زيادة نسبة الإقبال على زواج المتعة نابع من الدعوات التى يطلقها بعض المسئولين فى إيران فى أعقاب الثورة الخومينة التى أطاحت بالشاه عام ,1979 بحجة الحفاظ على صورة المجتمع الإيرانى المتحفظ بعيدة عن أية ممارسات جنسية تسىء له كالتحرش والاغتصاب وغيرهما من الجرائم الأخلاقية، فعلى سبيل المثال فإن الرئيس الإيرانى الأسبق هاشمى رفسنجانى، فى عام 1991 دعا الشباب والفتيات للإقبال على زواج المتعة، مشيراً إلى أنه السبيل الوحيد أمام الطلاب لتنفيس رغباتهم الجنسية المكبوتة، واصفاً قراره بأنه «إنسانى». من ناحية أخرى فإن تشجيع المسئولين فى إيران للشباب للإقدام على مثل هذه الخطوة فتح الباب لما يسمى ب«الزواج الأبيض» ممارسة الجنس دون قيود، وهو ما أكده آمان قرايى، الباحث الإجتماعى الإيرانى الذى أشار إلى وجود نسبة كبيرة من الفتيات الإيرانيات يمارسن الجنس مع زملائهم قبل الزواج، وهو ما يتفق مع ما نشرته صحيفة «ديلى ميل» البريطانية بأن 80٪ من النساء فى إيران يمارسن الجنس قبل الزواج، وأن الأمر لم يقتصر على معاشرة الرجال فحسب، بل إن نحو 17٪ منهن مثليات جنسياً. وأشارت الصحيفة إلى أن عددا كبيرا من الفتيات الإيرانيات يمارسن الجنس فى مرحلة مبكرة من عمرهن تبدأ من المرحلة الإعدادية، وهو ما ينذر بكارثة مستترة وراء هذا المظهر المتحفظ الذى يفرضه الملالى على المجتمع. ومن ثم فإن «قرايى» يرى أن ارتفاع معدل الإقامة بين الفتيات والشباب بدون زواج جاء نتيجة تشجيع المسئولين على الإقبال على الزواج المؤقت لإشباع رغباتهم الجنسية المكبوتة. فى السياق نفسه أشارت صحيفة «جام جم» الإيرانية إلى ارتفاع نسبة ممارسة الطالبات للجنس قبل الزواج، مشيرة إلى تقرير صادر من وزارة التربية والتعليم، ففى تحقيق أجرته الوزارة على 141 ألفا و555 طالبا وطالبة تبين أن نحو 105 آلاف و64 طالبا أى ما يعادل 3,74٪ يمارسن الجنس، علاوة على ممارسة بعضهم للشذوذ. تأتى ارتفاع نسبة ممارسة النساء للجنس قبل الزواج، وانتشار ظاهرة «الزواج الأبيض» فى الوقت الذى يسعى فيه النظام الإيرانى وعلى رأسه على خامنئى القائد الأعلى للثورة لفرض مزيد من القيود والقوانين الصارمة للحفاظ على المظهر المحافظ باعتبار أن نظامها «إسلامى»، حيث يعتبر المسئولون الإيرانيون أن المرأة كائن مثير للفتنة والغرائز، ومن ثم عليها أن تتشح بالسواد وأن تبقى بعيداً عن الرجال، كى لا تثير الغرائز ولعل هذا الأمر هو ما دفعهم مؤخراً لإصدار قرار بالفصل بين الجنسين فى المؤسسات الحكومية، بعد أن طالب الحرسى قاليباف رئيس بلدية طهران، بضرورة الفصل بين الجنسين فى العمل، وبناء عليه تمت الموافقة على القرار من قبل أعضاء البرلمان الإيرانى، والعمل على فصل الموظفين عن الموظفات فى المؤسسات الحكومية بالعاصمة «طهران». من ناحية أخرى فإن محمد رضا نقدى، قائد ميليشيات الباسيج «التعبئة الشعبية» التابعة للحرس الثورى الإيرانى أعلن مؤخراً عن زيادة أفراد عناصر من جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر المتواجدة فى عدد من الأماكن العامة بالمحافظات المختلفة فى إيران، وأن تواجدهم سيكون حتى فى المساجد من أجل مزيد من الرقابة على الشعب وإلزامه بأداء العبادات وإبعاده عن المنكرات والفواحش. وأضاف أن جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ستعمل جنباً إلى جنب مع جماعة «أنصار حزب الله» وأن دورها سيكون مراقبة مدى التزام النساء على وجه التحديد بالزى الشرعى والحجاب التقليدى، حيث إن القانون الإيرانى يفرض غرامات مالية على غير المحجبات أو النساء اللاتى يرتدين ملابس تصف أجسادهن، حتى إن العقوبات تصل إلى الاعتقال والحبس. تأتى هذه القيود فى ظل نظام الرئيس الإيرانى حسن روحانى، الذى ينتمى للتيار الإصلاحى، والذى وعد منذ بداية حملته الانتخابية بمزيد من الحريات للشعب الإيرانى والإفراج عن المتهمين والاهتمام بقضايا المرأة، إلا أن سياسته لم تختلف عن غيره ممن سبقوه من أنصار التيار المحافظ كما تقول المعارضة. وتقول منظمة «هيومن رايتس ووتش» فى موقعها الإلكترونى: إن عقوبة الزنى فى الدستور الإيرانى 100 جلدة لغير المحصنين «المتزوجين»، وتصل إلى الرجم حتى الموت فى بعض الأحيان. وعلى الرغم من تغليظ العقوبات على المخالفين والخارجين عن القانون، إلا أن الأمر لم يمنع البعض من السقوط فى فخ «الزنى» أو «الزواج الأبيض» الذى يرفضه الشرع والعرف والقانون، فالعقوبات وحالة التخويف والإرهاب الدينى والفكرى لم يمنع المجتمع من السقوط فى الرذيلة.