كانت عقارب الساعة تشير إلى الثالثة عصرًا، على مرمى البصر يظهر منزل صغير يتوسط مجموعة من الفيلات؛ يحتضنها حمام سباحة، ومساحات خضراء مترامية الأطراف، في إحدى الزوايا المضيئة بأنوار شمس صافية يقف عمرو فهمي، انتظارًا لغيمة مطر طال انتظارها، من أجل لقاء تأجل كثيرًا ليس بفعل الظروف وإنما بفعل التردد. لم يكن عمرو فهمي، الفنان التشكيلي صاحب الموهبة التي ولدت كبيرة، يعلم أن هذا اللقاء سيصنع فارقًا في نفسه، عبر لحظة شديدة الذكاء والخصوصية، خصه بها الزعيم عادل إمام في فيلته بالمنصورية. كان اللقاء أشبه بفكرة من المستحيل أن تتكرر بالإيقاع ذاته أو بالتفاصيل نفسها، فانطباع المرة الأولى تغلفه الاستثنائية والتفرد، وعادل إمام، يعرف جيدًا كيف يخطف الضوء إلى حيث يتخذ موضعًا، فيظل دومًا نصب العيون، بإيماءة أو نظرة، أو تعبير جسدي أو لزمة (كلمة) لا يخطئها أحد. قبل اللقاء كان فهمي، يعكف على الانتهاء من تجهيزات معرض عن المشاهير، والتقي العالم أحمد زويل، والسيدة جيهان السادات، والفنان العالمي عمر الشريف، ورسمهم في لوحات فنية تحمل طابعًا استثنائيًا وإبداعيًا في الوقت ذاته، كانت صورة عادل إمام، تراوده كثيرًا، فأراد أن يحدثه عن فكرة المعرض، ورغبته في رسم «بورتريه» له، لكن التردد غلف الموقف، فاستعان بالكاتب يوسف معاطي، الصديق المشترك لهما. معاطي، الذي احتفل مع الزعيم، بطرح فيلم «حسن ومرقص» في دور العرض السينمائي في العام 2008، لم يفوت الفرصة على فهمي، وهاتف الزعيم، لعرض الأمر عليه. مرت ساعة وهاتف معاطي، فهمي، ليبلغه: "الأستاذ موافق ترسمه، كلمه"، وجرت مكالمة ودية تم خلالها الاتفاق على اللقاء المنتظر في فيلته بالمنصورية. بالفرس والألوان وحامل الريم، ذهب فهمي، رفقة الابنة شروق، حاملا معه بقايا حلم راوده كثيرا بأن يجلس أمام الزعيم. استقبله حراس الفيلا، قبل أن يصطحبه أحدهم إلى حيث المنزل الصغير الكائن وسط الفيلات، تحيطه الأشجار العالية، وفلاحة تجوب المكان، محملة بروائح الريف الجميل، هنا يحب أن يجلس الزعيم، رفقة أصدقاء الرحلة والطريق الطويل في عالم الفن، مزدحما بذكريات صنعت مجد فنان من طراز رفيع. أثاث بسيط، وديكور يتناغم معه، لوحات فنية تملأ أرجاء المكان الذي اكتست حوائطه بدرجات الكافيه على نحو يبعث على الهدوء والرغبة في التأمل. حائل زجاجي يطل على حمام سباحة، إلى جواره كرسي يقابله آخر؛ جلس فهمي، ينتظر قدوم الزعيم. الباب يفتح ويظهر عادل إمام، في كامل أناقته؛ بدلة سوداء، كرافت محكم الربط، جلس على الكرسي المقابل لفهمي، قبل أن يهم مرة أخرى تساءل كيف ينسى ساعته المفضلة، ذهب لارتدائها، وعاد على مهل، إلى جواره جدار يحمل ذكريات صور معلقة تخفي حكايات قديم. يأبى الزمن أن يبوح بها. تنفس فهمي، وتقدم لتحية إمام، بخطى بطيئة، أراد أن يمعن النظر إليه طويلا، ابتسم له ابتسامة يحفظها محبوه عن ظهر قلب، تبروزها غمازتان مرسومتان على وجهه، عيناه لا تعرفان الراحة، جيئة وذهابا كأنهما يؤرخان لكل شيء بلمعة لا تعرف معنى الانطفاء. فهمي، الذي توقف كتمثال من الدهشة والامتنان، شرع في رسم بورتريه الزعيم، وطلب منه أن ينظر إليه مباشرة، قبل أن تتحول عيناه إلى ما يشبه مشهدا عابرا من فيلم "احترس من الخط"، ليمهد لحديث تجاوز الساعتين، تخللته حكايات عن فترة أوجعت قلب الزعيم، بسبب ما وصفه بهجوم البعض عليه رغبة منهم في اتخاذه قرارا باعتزال الفن، أن أو يتناول أدوارا تناسب عمره، قال بتأثر: "عاوزيني أطلع زي الفنان القديم اللي بيطلع مع أنور وجدي يوصيه على بنته في أول الفيلم ويموت". ثم انتقل بخفة دمه المعهودة إلى موقف طريف، بعيد عن هذا الشجن الذي شعر به يتسلل إلى داخله، حيث روى أنه في بداية مشواره الفني كانت له صديقة أجنبية، وكان في طريقهما لاحتساء كوب من الشاي، مشروبه المفضل، والتقيا شابين حاولا معاكستها؛ فعنفهما وأوهمهما بأنه يخرج شيئا من جيبه؛ اعتقدا أنه سلاح ففرا هاربين، وما كان الشيء سوى فرشاة شعر، أخرجها ليهذب بها شعره. الموقف الطريف، الذي حدث بالفعل مع الزعيم، وظفه بذكاء في أحد أعماله السينمائية. انتهت الجلسة قبل أن يذهب فهمي، بصورة فوتوغرافية وذكرى سوف تتجدد مع كل عيد ميلاد لعادل إمام، المتربع دائما في قلوب محبيه.