لا تحتاج جهدا كبيرا لتدرك أن هناك تراجعاً أخلاقياً حدث بين أفراد وفئات المجتمع المصرى أدى إلى انتشار حالات التحرش. ومن المؤسف أن هذا هو نفس المجتمع الذى يتسم بالمروءة والنخوة والشهامة. وعلي الرغم من وجود آراء موضوعية تجزم بعدم شيوع الأمر وعدم ارتقائه لحد الظاهرة: استناداً إلى أن عدد السكان الذى فاق 90 مليون نسمة، وقياساً على نسب التحرش فى الدول الأخرى، إلا أن ما نراه ونسمعه من صور مختلفة للتحرش ما بين تحرش مادى ومعنوى (جسدى ولفظى)، يمارسه أفراد ضد المرأة المصرية وهذا ما يجعلنا نتساءل هل التحرش عرض أم مرض ساهم فى ترسيخه مسببات ومتغيرات عدة اقتصادية وسياسية واجتماعية إلى آخره..؟ ولاشك أن ثمة علاقة طردية بين التحرش والوضع الاقتصادى والضغوط التى يمر بها المجتمع منذ اندلاع ثورة 25 يناير، بالإضافة إلى عدم وجود قوانين رادعة تجبر المتحرش على عدم الإقدام على فعل التحرش بالإضافة إلى المشكلات الاجتماعية التى أدت إلى ارتفاع سن الزواج وعدم القدرة المادية على الزواج مع توافر أفلام إباحية عبر شبكة الإنترنت يخرج فيها الشباب طاقته المكبوتة، وقد أثر ذلك فى سلوكه الشاذ مجتمعياً بإقدامه على التحرش بالفتيات فى الشوارع وقد ساعدت التجمعات الجماهيرية أثناء الثورات والمظاهرات والاحتفالات التى تحدث فى الميادين العامة على زيادة نسب التحرش بسبب التحام الشباب مع الفتيات لكثرة الأعداد المشاركة فيها.
ولا نستطيع أن نرجع كل ما يحدث من تحرش إلى جماعة الإخوان المسلمين لأنه إذا رجعنا إلى الوراء وتذكرنا بعض الحفلات التى كانت تحدث على شواطئ مارينا وغيرها كان يحدث فيها أيضاً تحرش فالموضوع ليس بالجديد، ولكن هناك اهتماما إعلاميا زائدا لمثل هذه الأفعال الآن مما يصعد بالظاهرة إلى الأمام فى ترتيب المشكلات الاجتماعية التى يمر بها المجتمع المصرى.
ويؤكد بعض الخبراء على أن مشكلة التحرش أصبحت مشكلة أمن قومى تهدد استقرار البلد ما لم تتخذ السلطات خطوات حاسمة للوقوف دون انتشار الظاهرة. وكشفت عدة دراسات أجراها المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية عن أن نسبة ما يتم الإبلاغ عنه من حالات التحرش لا يتجاوز 5٪ فقط مما يعنى وجود فتيات وسيدات كثيرات يخشين الإفصاح عما جرى لهن خوفاً من «العار» أو الفضيحة المترتبة عليها.
ويصاب المرء بالهلع حين يطالع صفحات الحوادث التى تأتى محملة بجرائم التحرش غير المألوف وتتسم بالوتيرة المتصاعدة وامتداد أذاها لحد المحارم. وقد مررنا مؤخراً بعدة حالات من التحرش المختلفة وكان منها الحدث الذى هز مدينة بورسعيد بلد الطفلة زينة ذات الخمس سنوات، والتى قام باغتصابها طفلان وألقياها من فوق العقار ليطويا صفحة حياتها، وعلي الرغم من قساوة المشهد إلا أننا لم نر عقاباً رادعاً لهؤلاء الذئاب، وبالإضافة إلى ذلك حالات التحرش التى حدثت مؤخراً للنساء والفتيات فى ميدان التحرير فى احتفالات تنصيب رئيس الجمهورية السيد عبدالفتاح السيسى.
وعلي الرغم من خطورة الأمر وانتشاره فى الآونة الأخيرة إلا أن المشرع المصرى لم يضع إطاراً محدداً للتحرش وكما هو الحال فى كثير من القضايا المتعلقة بالمرأة والطفل. وقد تعرض القانون فى المادتين 268،269 فى قانون العقوبات إلى مسألة هتك العرض وعقوبتها السجن المشدد (3-7 سنوات) ويتم التشديد فى حالة إذا كانت المجنى عليها أو عليه أقل من 18 سنة، أو إذا كان الجانى من أصول المجنى عليها أو أحد القائمين على رعايتها وتربيتها، وهنا قد ترتفع العقوبة إلى 15 سنة وقد تصل إلى المؤبد. وفى المادة 306 مكرر (أ) جنحة التى ذكرت أن ''التعرض لأنثى على وجه يخدش حياءها فى طريق عام أو متروك يعاقب بالحبس حد أقصى عاماً وغرامة (200-500 جنيه) وإذا عاود نفس الجانى ارتكاب الجريمة مرة أخرى، يعاقب بالسجن 3 سنوات وغرامة (500- 3000 جنيه).
نحن بحاجة إلى قانون رادع لمن يقوم بهذا الفعل حتى يفكر مائة مرة قبل أن يقدم على مثل هذا السلوك المهين للمرأة والذى يختزلها فى جسد فقط مما يقلل من مكانتها وقيمتها فى المجتمع.