أجمل وأروع ما فى «الحب».. أنه حالة غير مبررة.. وغير مشروطة.. وغير خاضعة لقوانين العقل.. وحسابات المنطق.. وتقاليد المجتمع الصارمة.. إلا أن كيان الشباب والفتيات عادة ما يضطرب.. ويهتز.. ويختل توازنه.. لأنه غير مهيأ تماماً .. لهذه التجربة غير العادية. إلا أن ارتجاجات «الحب» العنيفة .. تؤثر فى أقدارنا.. وخياراتنا.. طوال الوقت.. وحتى بعد أن ينهزم.. بمجرد الدخول فى تجربة «الزواج».. ربما لأن مشاعره الحية والمتحررة.. لا تتحمل عبودية قيود الزواج.. الصارمة والمتحجرة. انطلاقاً من كل هذه التداعيات المؤرقة.. نقدم مختلف الآراء المتخصصة فى الفلسفة والطب والاجتماع وعلم النفس.. التى تكشف العديد من المشكلات الاجتماعية والنفسية والفكرية .. التى تتعرض لها العديد من الأسر المصرية.. بسبب هموم ومتاعب أبنائها فى تجربة «الحب والزواج».
فى البداية تعرفت على «الحب» بمعناه الواسع من «د. وفاء إبراهيم» - أستاذة علم الجمال - بكلية البنات - جامعة عين شمس .. التى تقول فى بداية أحد مقالاتها البارزة بجريدة الأهرام: أعتقد أن لا أحد ينسى مشهد الأراجوز الفارق .. فى حياة بطلة فيلم «الزوجة الثانية» للمبدعة سعاد حسنى.. فقد حرك خيال البطلة.. لتبدع وجوداً.. يحل لها قيد وجودها الحاضر .. ربما جاءت هذه العبارة فى سياق مختلف.. لكنها جعلتنى أتساءل: هل الشباب الآن فى حاجة إلى ملهم يحرك خياله.. كى يبدع وجوداً جديداً.. يحل له قيود الحاضر.. ولم لا يكون هذا الملهم هو «الحب» .. الذى لم يعد له وجود.
و«الحب» فى تصورها طاقة إبداع.. ودافع للخلق.. وإضافة شىء جديد للحياة.. فهو العلاقة التى تؤكد الحكمة الإلهية من وراء خلق هذا الإنسان.. وإيجاد هذا الكون.. إنها العلاقة التى تعيد بعث وخلق الحياة فى كل لحظة.. فقد كان الحب والجمال بدء الخلق.. قال الله عز وجل فى حديث قدسى: «أحببت أن يعرفنى الناس فخلقت الكون».. فكان حب الخالق للبشر.. إرادة للخلق.. أما العبادة فهى علاقة حب بين البشر والله عز وجل.
وتضيف أن عمق التجربة الحسية لدى الأفراد.. ليس تدنياً بل ترقٍ.. لأنها تجعل المشاعر والأحاسيس .. أكثر كثافة وعمقا وتوهجا .. فلا نتعجب أن الفرد الذى تعرّض لتجربة الاكتواء بلهيب النار.. هو أقدر فرد يمكنه أن يشعر بمدى قسوة عذاب الإحساس بالحب الصادق.. الذى يجعل صاحبه يكتوى بلهيب نار متأججة.. كما عبرت عنها كلمات أغنية عبدالحليم حافظ «حبك نار».. أو يشعر بمدى لهفة الشاعر واحتياجه .. حين يعبر بأبياته الشعرية الرائعة .. عن إحساسه بدفء القرب من الحبيبة.. وبرودة البعد عنها.. ولاشك أن الكاتب الذى يحيا تجربة «الحب» كاملة يكون هو الأبرع والأصدق والأعمق فى التعبير عنها.
وحول فكرة الزواج الآن فى أذهان الشباب تقول د. منال زكريا أستاذة علم النفس بكلية الآداب .. جامعة القاهرة: إن المجتمع المصرى لا يفهم العلاقة الزوجية أو مفهوم الاستقرار الأسرى .. التى كان يدركها فى الماضى كعلاقة استقرار .. يتخللها توزيع واضح للأدوار داخل الأسرة.. لأن خروج المرأة بكثافة إلى مجال العمل.. واستقلال الذمة المالية لها .. أحدث تغييراً كبيراً فى العلاقة الزوجية.
وأكدت أن غياب الأب والأم .. وعدم الاستماع إلى أبنائهم جعل الأبناء يلجأون إلى الأصحاب وأجهزة الإعلام.. سعياً وراء الحصول على المعلومات.. وهى بالطبع نماذج ليست سليمة.. مما تسبب فى شرخ عميق فى التنشئة الاجتماعية للأبناء.. لتركهم للمصادفة والقدر.. دون أسس تحقق لهم الحماية.
وأضافت أن الطفرة التكنولوجية ووسائل الإعلام جعلتنا أكثر استهلاكاً للصور الذهنية المغلوطة .. التى غيرت تطلعاتنا وثقافتنا ومفهومنا حول الرجل والمرأة «النموذج» .. لأننا رضينا بالنماذج الخيالية وليست الواقعية.. وأصبحنا أكثر احتياجاً لها وبحثاً عنها .. ورفضنا علاقاتنا فى الواقع، مما أدى إلى الصمت الزواجى أو الفتور العاطفى. وأوصت بإجراء فحوصات نفسية واجتماعية وفكرية للمقبلين على الزواج فى مكاتب الإرشاد الزواجى .. بحيث يمنح من يجتازها شهادة صلاحية تربية أولاده .. ومن لا يجتازها .. يتم تهيئته بدورات تثقيفية فى مجال «التنمية البشرية».
وحول تجربة «الزواج» بين الماضى والحاضر يرى «د. وسيم السيسى» أستاذ جراحات المسالك البولية وعالم المصريات والمفكر والباحث وصاحب كتاب «نظرة فاحصة فى الحب والجنس» .. أن تلك العوامل السلبية فى مجتمعاتنا .. هى المسئولة عن مشكلات «الحب والزواج»:
∎ «الفقر» يتحدى كل فضيلة .. مما جعل نظرة الشباب إلى الزواج .. لمصلحة اقتصادية وليست نفسية.
∎ غياب «العمق الفكرى المجتمعى».. نتيجة تسطيح «العقل الجمعى» بشكل عام .. فالكل يحصل على المعلومات السطحية من مختلف وسائل الاتصالات .. وتلاشت متعة القراءة والمعرفة.. إلا فيما ندر.
∎ عدم تأنى الشباب فى اتخاذ قرار الزواج .. والمصرى القديم قال «إياك والمرأة الغريبة.. إنك لا تعرفها كالبحر.. لا تعرف ما تخفيه فى أعماقها من أسرار» .. ونفس الحال للفتاة التى لا تعرف الرجل.
∎ يغيب عن البعض أن الزواج .. أسرة من أسرة .. قبل أن يكون فردا من فرد .. لأن المشاكل بين الأسرتين تنعكس على الزوجين.
∎ اختفاء مفهوم كبير العائلة.. الذى يستمع الزوجين لنصحه وإرشاده.. حيث أصبحت ذات كل منهما هى الأكبر.
∎ تطبيق تجربة «السويد» فى إجراء «رسم كهربائى» للمخ على المقبلين على الزواج .. والتى أكدت دراساتها.. أن 95٪ من الزيجات الناجحة تتفق فى نوع الرسم الكهربائى .. و95٪ من الزيجات الفاشلة تختلف فى نوع الرسم الكهربى.
∎ غياب القدرة على الإحساس بالمسئولية لدى الأب والأم من أجل الأبناء.
∎ الاستفادة من تجربة «السويد» فى تطبيق قانون «تطليق الأبناء».. الذى يمنح الدولة حق تطليق الأبناء من الآباء.. إذا ثبت عدم صلاحيتهما للتربية.. ويعتبر القانون أن تربية الطفل تبدأ منذ 25 سنة.. أى قبل ميلاده.. بمعنى خضوع والديهما للتربية السليمة أولاً.
كما أشار أن موضوع «الحب والجنس» أمر مشوش لدى العديد من الشباب .. فحينما سئل «عباس العقاد»: ما هى فلسفتك فى الحب؟.. قال: تعريف الشىء بالنفى .. أسهل من الإيجاب.. فمن السهل أن أقول هذا الشخص ليس «العقاد».. ولكن إذا قلت هو العقاد فينبغى أن أضيف من هو «العقاد».
ويرى «العقاد» أن الحب ليس غريزة، لكن الغريزة أحد عناصره.. لأن إذا كان الحب غريزة.. كان سيشتهى الرجل كل نساء العالم.. وتشتهى المرأة كل رجال العالم.. فالغريزة فى الحب.. هى اشتهاء إنسان بعينه.. كما أن الحب ليس صداقة.. وإن كانت «الصداقة» أحد عناصره التى تنمو بنموه، إلا أن الصداقة بمعنى أن تفكر بصوت مسموع لا تأتى فى مراحل الحب الأولى.. ولكن بعد أن يشتد ويتوهج.
ويضيف أن الصداقة فى أقوى صورها.. تكون بين شخصين من نفس الجنس.. أما الحب فى أقوى صوره.. فيكون بين رجل وامرأة.. كما أن الحب ليس اختيارا بل قدر.. لأن المرأة قد تختار رجلاً.. وتحاول أن تحبه.. فلا تستطيع.. والعكس صحيح.. لكن الإنسان قد يجد نفسه فجأة.. واقعاً فى الحب.. دون أن يدرى.. ويحاول تخليص نفسه.. فلا يستطيع.. فالحب يكتنفه الغرور.. لأنه اختص اثنين.. يفضل كلاهما الآخر بعينه.. دون سواه.
ويرد «العقاد» حين سُئِل : هل الحب أمنية نبتغيها.. أم مصيبة نتقيها؟!.. فيقول: الحب مصيبة.. واجبة الاتقاء.. إذا كنت تحمل به نفساً تريدها.. وهى لا تريدك.. لكنه أمنية عزيزة المنال .. إذا كان الروحان متجاوبتين .. وفى تلك الحالة يكون الحبيبان فى سهوة من سهوات العمر والأيام.
ويضيف «د. وسيم» أنه يوجد 3 أشياء تملك الإنسان ولا يملكها.. هى لحظات «ميلاده .. وحبه .. وموته» لأن منح الحياة فى «لحظة الميلاد» وسلبها فى «لحظة الموت».. وتجديدها فى «لحظة الحب».. ليست بيده.. بل بيد خالقه.
كما أكد أن الطفرة التكنولوجية غير المسبوقة.. لها ثمار رائعة.. وعيوب كارثية .. إذا أسىء استخدامها .. لأننا نجد العديد من الشباب معقداً نفسياً.. بسبب حصوله على معلومات غير صحيحة تماماً.. فى ظل سهولة التواصل الاجتماعى .. وطغيان إتاحة الحياة الجنسية، مما أفسد كل شىء .. والأمل الوحيد فى تطوير منظومة «التعليم».
أما الكاتبة الصحفية إقبال بركة فترى أنه حدثت هزة اجتماعية عنيفة فى العلاقات بين الشباب من الجنسين.. بعد الدخول فى تجربة ثورتى 25 يناير و30 يونية .. وتواتر الأحداث بكثافة، مما جعل المسافة بينهما قصيرة جداً.. فالمسافات الطويلة تخلق العلاقة الرومانسية.. أما المسافات القصيرة فتخلق العلاقة الواقعية .. وهذا ما نحن فيه الآن.. بعد أن أذابت قوة الاختلاط المسافات البعيدة بين الجنسين .. وهذا يختلف تماماً عن شكل العلاقات فى الماضى.
وتضيف أنه يصل التطور إلى حد غير محتمل من المظهريات الاجتماعية .. مثل إصرار الطبقات المتوسطة على اكتمال الشقة أولاً.. كشرط لإتمام الزواج .. رغم أنه من الممكن أن يتم الزواج.. ثم يستكمل الطرفان معاً تأسيس الشقة.. إضافة إلى المبالغة فى طلب المهور.
وأشارت إلى الأفراح فى الدول الغربية.. التى تقام وتنتهى فى عز الظهر.. رغم قسوة الطقس البارد .. وفى حضور تجمع عائلى.. بحيث لا يكلف الدولة مزيداً من أزمات استهلاك الكهرباء والطاقة.. ومن ثم يجب تغيير سلوكياتنا التى نعيشها منذ 30 سنة .. ومنها تحويل كل احتفالاتنا الليلية إلى احتفالات نهارية فى الحدائق والنوادى.
وترى أن العامل الأساسى فى الزواج هو كيمياء الانسجام والقبول .. وهذا ما نبه إليه الإسلام مبكراً .. لكى يعفى الزوجين من الانحراف .. فلابد من الاستعداد الكامل للعلاقة الاجتماعية قبل العلاقة الجنسية .. لكن الأمور المادية طغت على الفكر الاجتماعى بشكل عام .. فأصبحت الفتاة ذاتها تبحث عن مصلحتها المادية قبل التأكد من مشاعرها.. ثم تكتشف الكارثة بعد الزواج.