فكرت مرة تضحك وأنت بتعيط! حاول ولا تيأس .. لا تخض الحياة على أنك ضحية.. إذا أردت شيئاً قاتل لأجله .. وإياك أن تستسلم.. فقط صدق إحساسك.. ولا تتنازل أبداً عن حلمك.
يقول «نيلسون مانديلا»: إن أعظم مخاوفنا ليست حول عجزنا.. بل فى حقيقة الأمر.. هى إدراكنا لمدى قوتنا.. إنه «النور» وليس الظلام ما نخشاه.. لذا علينا أن نسأل أنفسنا.. من أنا.. لأكون مشعاً.. أو رائعاً.. أو موهوباً.. فقد خلقنا كلنا كى نشع نوراً.. ولدنا لنشهد عظمة الله.. التى تتحقق منا وبنا.. هذه منحة لنا جميعاً.. لا تخص أحدا.. وحين نمنح أنفسنا الفرصة الكاملة.. ونتحرر من كل مخاوفنا الشخصية.. فإننا بشكل غير مباشر.. نصنع وجودنا الحقيقى.. ونمنح الآخرين القدرة على اكتشاف ذواتهم الحقيقية.
هى فلسفة المقاومة والتلون والحركة والحياة.. التى تبعث فينا الحياة مرة أخرى.. لنصير قوة إيجابية .. ثائرة.. نشطة.. ولتدفعنا دوماً إلى اقتحام حواجز الهزيمة والإحباط واليأس وخيبة الأمل.. أملاً فى استرداد وتحرير «مساحات الفرح» فى حياتنا.. ربما لأنها طوق النجاة الوحيد الناجز فى هذه اللحظات التاريخية التى نمر بها.. واوعى تنسى.. اثبت مكانك.. هنا عنوانك، وتذكر أن «اليأس خيانة»!
روزاليوسف
سؤال: هو ليه الناس كلها مصابة بحالة من التشاؤم وبالبلدى كده: اسودت فى وشهم»؟! سؤال يبدو أنه ساذج يدفعك للقول بابتسامة ساخرة: هو ده سؤال يتسأل؟! أنت مش عايش معانا ولا إيه؟!
ولا أنت من كوكب تانى يا عم؟! مش شايف «المرار» و«الهم» اللى عايشين فيه ده؟! «دى أيام سودة»!
بالتأكيد التقطت أذنك تلك العبارة الأخيرة والتى تتردد على ألسنة المصريين صباحا ومساء فى الشارع فى الأوتوبيس.. فى المترو.. وحتى فى شغلك.. فى كل حتة.. تجد كلمة «أيام سودة» «حاضرة وجاهزة للتعبير عن أحوالنا وأوضاعنا.. تماما كما حدث مع صاحبها الذى أطلقها هو المواطن البسيط سيد حجاج سائق الميكروباص الذى يعيش فى مدينة بهتيم التابعة لمحافظة القليوبية.. أطلقها بعفوية شديدة حينما سأله أحد المراسلين التليفزيونيين عن رأيه فى أحوال البلد.. وكانت إجابته بسرعة بدون تردد: «دى أيام سودة»، وحينما كرر المراسل سؤاله أجابه بالقول الذى لم يختلف كثيرا عن الإجابة الأولى: «بقولك أيام سودة.. سودة»، ساعتها عبر الرجل عما بداخله ويعانى منه وهو الخارج للتو من الحبس نتيجة تحرير محضر حيازة سلاح له دون ترخيص، وهو الذى يعول عائلة من بينها زوجته وأبناؤه الأربعة أحدهم مريض ولا يستطيع نطق الكلام ويحتاج لعملية ليس فى مقدوره إجراءها.. وهو الذى كان يعمل موظفا حكوميا فى أحد الأحياء التابعة للمحافظة، لكن تم الاستغناء عنه وأصبح فى الشارع!
من هنا أصبح الرجل لسان حال كثيرين من الشعب ممن «فاض بهم» و«طفحوا» وانتشرت عبارته التى أصبحت أشهر كوميك ع الفيس بوك، وأشهر معبر عن حالة التشاؤم التى أصابت المصريين.
من فترة ليست بالبعيدة حدث أن عقدت الجمعية المصرية للطب النفسى مؤتمرها السنوى..فى الجلسة الافتتاحية جاء وزير الصحة الدكتور عادل العدوى وجاء نقيب الأطباء الدكتور خيرى عبدالدايم.. فى البداية قال الوزير: «المصريون حاليا فى قمة التفاؤل والأمل فى المستقبل»، راح النقيب رد وقال: «إن حالة الاكتئاب الشديد أصابت المصريين خلال الفترة الحالية والطريف أنه استشهد فى رده بمقولة الزعيم سعد زغلول: «مفيش فايدة»! الحقيقة أن المصريين بطبعهم يميلون إلى التشاؤم، قولا وفعلا، خد عندك مثلا معتقدات وأقاويل راسخة ومتوارثة، مثل اعتبارهم طائر «الغراب» بمثابة نذير شؤم،، لأنه قديما كان يحط على بيوتهم فى وقت كانوا يتركونها بالأيام بحثا عن طعامهم وطعام ذويهم.. فإذا نبش فى الأرض دل على الخراب.. فأصبحوا يخشونه.. بل يطلقون على سيئ التصرفات: بوزه نحس زى الغراب»، كذلك القطط السوداء التى كان قدماء المصريين يقومون بتحنيطها ويرونها مثالا للسحر فى شكل حيوان، فى حين يرون أن القطط البيضاء تؤدى إلى الموت.. وأن صوت مواء القطط بصوت عال نذير شؤم بأن الشخص الذى يموء حوله قد يحدث له مكروه.. أيضا يعتبرون الرقم «13» هو رقم النحس والتشاؤم وهى عادة قديمة لدى الرومان، حيث اعتبروا هذا الرقم بمثابة رمز للدماء، بالإضافة لارتباطه بيهوذا الذى خان المسيح فى الجمعة التى وافقت الثالث عشر من شهرها.
لكن إذا جئنا للواقع وابتعدنا عن تلك الاعتقادات أو - إذا جاز التعبير - الخرافات والخزعبلات، فقد أصبح التشاؤم هو سمة حال المصريين حاليا.. بينما اختفى التفاؤل إلا قليلا، من بعضهم .. فمنذ زمن طويل.. طرح هذا السؤال: ما الفرق بين المتشائم والمتفائل؟ وجاءت الإجابة: أن المتفائلين يقولون إننا نعيش فى أحسن العصور.. والمتشائمين يخافون أن تكون هذه الحقيقة.. فالتعريف العلمى للتفاؤل «optimism» هو النظرة الإيجابية والإقبال على الحياة والاعتماد باحتمال حدوث خير ويرتبط هذا بعدد من المتغيرات السوية مثل الصحة النفسية والصحة الجسمانية، والرضا عن الحياة والسعادة والمواجهة الفعالة للضغوط وحل المشكلات بنجاح.. فى حين التعريف العلمى للتشاؤم «pessimism» هو النظرة السلبية للأحداث القادمة والاعتقاد باحتمال حدوث الأسوأ وخيبة الأمل ويرتبط هذا بعدد من المتغيرات غير السوية وغير المرغوب فيها مثل اليأس والميل إلى الانتحار والفشل فى حل المشكلات والقلق والعقاب.. فدرجة التفاؤل المرتفعة تعنى درجة تشاؤم منخفضة.
ما قصدته من ذكر التعريف السابق.. هو تطبيق ذلك عمليًا على المصريين فى حالة التشاؤم تحديدًا، وتوضيح الأسباب التى أدت به إلى مثل تلك الحالة التى «عكننت عليه عيشته»، وجعلته يرى أنه «مفيش فايدة».. لقد عرفت من الدكتور أحمد عكاشة الطبيب النفسى المعروف أن مرضاه أصبحوا يعانون خلال الفترة الأخيرة من إحساس انعدام الأمل، واليأس بسبب الوضع العام للبلاد وليس بسبب حياتهم الخاصة.
وبالتالى.. فإن الاتهامات كلها تشير إلى ثورة 25 يناير.. وما تلاها من أحداث أثرت بالسلب على معنويات المصريين.. بعد أن تمنوا فيها الخير للشعار الذى رفعته: «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية».. لكنهم على العكس وجدوا ما هو أسوأ حيث تردت الأوضاع الأمنية وفشل تحقيق الاستقرار.. واستشهد بدراسة أجرتها وزارة الصحة بالتعاون مع قسم علم النفس الاجتماعى بالجامعة الأمريكية.. وأظهرت أن 60٪ ممن شملتهم الرسالة مصابون بحالة ما بعد الصدمة الناتجة عن تعرض الشخص لصدمة قوية بعد أحداث يناير من بينها استعادة الذكريات المؤلمة للحدث الصادم والنظرة التشاؤمية للمستقبل واضطرابات الكلام.. وتم تقسيم الدراسة إلى ثلاث فئات.. الأولى: بنسبة 60٪ وهم من يشاهدون ليلاً مشاهد العنف فى نشرة الأخبار وبرامج «التوك شو».. الثانية: بنسبة 47٪ وهم ممن يرون العنف فى الشارع.. والثالثة: بنسبة 27٪ وهم من تدهورت أوضاعهم المالية.
يجب أن نعترف.. بأن المصريين أصيبوا ب«تشوش الأنا» وهو التفسير العلمى لحالة التعكير التى تعرضوا لها جعلتهم بلا ملامح.. وبالتالى لديهم «اعتلال مزاجى».. فما تمنوه مع الثورة لم يتحقق.. بالعكس ارتفعت معدلات البطالة بعد فقدان العديد لوظائفهم.. تأخر سن الزواج والإنجاب.. مشاهد العنف والدماء التى تزداد يوميًا وكلها من الظروف الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. أكدت أن المصريين ينظرون للمستقبل بنوع من الخوف والترقب لأنه بالنسبة لهم «ضبابى» وغير واضح المعالم.. لكن.. لو تحسنت الظروف سيتحسن مزاجهم.. أما إذا استمرت فستحدث اضطرابات سلوكية جماعية.
المصيبة.. أن حالة التشاؤم التى عليها المصريون.. جعلتهم مستسلمين لمجموعة من الأمراض النفسية مثل: الاكتئاب، القلق.. وهو ما أظهره استطلاع رأى على عينة عشوائية أجريت على 15 ألف شخص فى محافظات: الإسكندرية والجيزة والقليوبية والفيوم والإسماعيلية.. تبين من خلالها.. أن نسبة 17٪ من العينة من سن 18 سنة وحتى سن 64 سنة يعانون القلق والاكتئاب والاضطرابات الجسدية والنفسية.. الأمر الذى أدى إلى ارتفاع استهلاك مضادات القلق والاكتئاب «أو مفرحات النفوس كما يصفها الدكتور عكاشة» والتى احتلت المرتبة الثانية بعد أدوية القلب والسكر.