ما نشاهده من أزمات فى شاشة العرض السينمائى، آخرها الأزمة التى فجرها فيلم «حلاوة روح»، وما سبقها من استغلال جنسى للأطفال فى أفلام الكرتون وتسلل بعض المشاهد المبتذلة فى الأعمال التى من المفترض أنها توجه لطيور الجنة يمثل خطرا داهما على الطفل وبالتالى على مستقبل هذا الوطن. فقد كانت ثقافة الطفل مشروعا مصريا لطه حسين فى سبيل تحقيق الديمقراطية، إذ لا فهم لمعنى الحرية والكرامة الإنسانية ولا تحقق للعدل الاجتماعى بعيدا عن تعليم وثقافة الأطفال، وواحد من أبناء تلك الحقبة الليبرالية فى نخبتها المستنيرة المصرية فيما قبل يوليو 1952، كان زكى طليمات الذى أسس المسرح المدرسى والمعهد العالى للفنون المسرحية.
ظلت مصر ما بعد 1952 تدعم هذا الاتجاه فى إطار مشروعها الوطنى وكان التعليم المجانى ومراكز الأطفال فى الثقافة الجماهيرية والمكتبات العامة الممثلة فى مكتبات البلديات تدعم هذا الاتجاه، كانت الجارة أما لطفل جارتها، وأهل الشارع المصرى الحضارى آباء للجميع، كان المجتمع كله يسعى لتعليم وتثقيف الأطفال، إلى أن بدأت شرعية يوليو 1952 تتراجع مع الانقلاب الاجتماعى فى السبعينيات الذى عادى معظم القيم المصرية الجميلة ومنها الأهمية الجوهرية لثقافة الطفل المصرى.. منذ الثمانينيات حاول شوقى خميس وصلاح السقا وهناء سعد الدين استكمال مشروع صلاح جاهين فى مسرح وأغنية الطفل.. تبع ذلك محاولات جادة، لكن دخول قرينتى رئيسى الجمهورية جيهان السادات ثم سوزان مبارك على ما فى دورهما العام من دفع لثقافة الطفل وجذب الاهتمام له، إلا أن ذلك كان سحبا لهذا المجال لقمة.. السلطة فى مصر، وهو الأمر الذى صاحبه إنشاء كيانات كبيرة مثل المركز القومى لثقافة الطفل، المجلس القومى للطفولة والأمومة، والمسرح القومى للطفل، ومهرجان سينما الأطفال الدولى وغيرها من الكيانات والفعاليات التى حاول القائمون عليها البقاء فى دائرة اهتمام السيدة الأولى.. أما الأعلام فقد نسى الطفل تماما سواء فى التليفزيون الرسمى أو القنوات الخاصة أما الثقافة الجماهيرية فقد حددت مسرحيات الأطفال بخمسة أعمال فقط على النطاق الجغرافى الإقليمى لمصر كلها.
مهرجان سينما الأطفال توقف بعد ثورة 52 يناير.. معهد فنون الطفل بأكاديمية الفنون لايزال معهدا افتراضيا على الورق وله كوادر من الموظفين يحصلون على رواتب شهرية ولم يتم افتتاحه بأكاديمية الفنون حتى الآن، لا تسمع شيئا عن أنشطة الطلائع بوزارة الشباب.. قطاع الفنون الشعبية يقدم مسرحية واحدة للأطفال منذ 52 يناير حتى الآن، تعتمد على الطفلة النجمة (منة) فى مخالفة لقواعد التربية النفسية التى تجرم تحويل الطفل لنجم يكسب المال لأن فى ذلك حرقا لجهازه النفسى واعتداء على موهبته التى تتآكل كما حدث مع الموهوبة التى إكلتها السينما المصرية فيروز وعندما كبرت ذهبت لعالم الصمت.. ثم ترك الطفولة لقنوات تقدم أفلاما وفواصل إعلانية دون المستوى.. لشارع سياسى صاخب وعنيف.. دون شرح أو مساندة نفسية لهم، توضح للأطفال ماذا يحدث فى مصر الآن؟ إن المشروع الاستيعادى للتعليم عبر محو الأمية والذى طرحه الرئيس المؤقت عدلى منصور اختيار صائب للمستقبل، فهل ننسى ثقافة الطفل المصرى لنعود لنمحو أميته وهو كبير مرة أخرى، نود فقط أن نذكر فى ظل الانتقال السياسى نحو الديمقراطية أن لدينا فى مصر أطفالا لا يجب أن نتركهم فريسة للإهمال والابتذال الإنسانى المفرط.. أن ثقافة وفنون الطفل المصرى غائبة، ويجب أن تكون على أولويات الحكومة والمجتمع المدنى فى ظل ثورتين عظيمتين هما 25 يناير و30 يونيو، حيث الطفل هو المستقبل الذى ننشده لمصر.