لنتذكر ماكتبه المؤرخ السورى عدنان ممدوح عن «حيونة الإنسان»، وتحول سلوكه السلمى إلى العنف والدموية، لنبحث عن نهاية واحدة للمأساة الأسوانية التى فيها الجميع مصريون ويعيشون على أرض واحدة، كيف يمكن أن نتعلم من الحادث حتى لا نصطدم باحتراق جديد، والوقوف على الأسباب التى أدت إلى النتائج المرعبة، من أجل اجتثاث الخطر من الآن وعدم الانسياق وراء نزيف دم آخر، من خلال شهادات حية من موقع المذبحة! المستشار محمد عدلان - رئيس النادى النوبى العام - قال لنا إن المجزرة نتيجة طبيعية لغياب قبضة الدولة وسيطرتها على المنطقة، معربا عن أنه لايستبعد استغلال طرف ثالث للقضية فى إشعال مزيد نيران الفتنة ومضاعفة أعداد القتلى والمصابين.
وأكد عدلان أن الضمانة الحقيقية حتى لا تتكرر هذه المأساة من جديد أن تفرض الدولة هيبتها من جديد، وتضبط الأسلحة المنتشرة فى المحافظة بالكامل، وإلقاء القبض على المتورطين بالقتل من الجانبين، والقضاء على تجار المخدرات الذين أضاعوا الشباب، وتفويت الفرصة على المطالبين بتدويل القضية والأطراف الذى تقوم باستغلالهم من خلال تفعيل المادة 236 من الدستور الجديد والتى تنص على «أن تعمل الدولة على إعادة تسكين النوبيين».
ومن جانبه لفت أحمد سعد - أمين حزب الكرامة بكوم إمبو - أن المشكلة أعمق مما ظهرت على السطح من اشتباكات بين قبليتين فى ظل مباركة وتواطؤ الأمن وعدم تدخله لإنقاذ الطرفين ووقف نزيف الدم، بل نرى موقف محافظ أسوان متخاذلا أيضًا حيث طالب وزير الدفاع بالتدخل، غافلا عن رئيس المنطقة العسكرية الجنوبية الذى يبعد عنه كيلومترات .
وأضاف سعد أن الأزمة تكمن فى أن الحكومات المتعاقبة كانت تهيئ للرأى العام بأن النوبة هى أسوان والعكس وأصبحت النوبة «الفتى المدلل» مع إهمال تام لباقى القبائل الأخرى ولحقوقهم فى شكل صارخ للتميز العنصرى بين الدولة والمواطن غير النوبى، بالرغم أن النوبيين لايمثلوا أكثر من 5٪ من أسوان، وهذا لايعنى إهدار حقوقهم ومطالبهم، ولكن عليهم أن يعلموا أنهم بعد التهجير حصلوا على أراض وبيوت لم يحصل مثلها غيرهم من القبائل العربية الأخرى من العبابدة والبشارية والجعافرة التى مازال بعضها يعيش فى خيام على حدود البحر الأحمر بحلايب وشلاتين.
وأوضح أن هناك أطرافًا قد تكون محلية وأخرى دولية تريد استغلال أزمة النوبة وقضية التهجير وتصوير الأمر على ان النوبة مضطهدة وأنه يتم قتلهم، بل تصاعدت بعض الاصوات التى تطالب باستقلال النوبة وتحقيق مطالبهم فى حق العودة، مع الاحتفاظ بمنازلهم وأراضيهم فى كومبو وكلابشة وإدفو.
أضاف بجانب تمشيط المحافظة من السلاح، عليهم حماية الشرط الحدود الجنوبى الطويل بين مصر والسودان، وهو طريق ممهد لتداول جميع الأسلحة منه، خاصة فى ظل موقف البشير من مصر بعد 30 يونيو، ودعمه لأثيوبيا ضد مصر.
وقال إن الحدود مفتوحة بين السودان وأسوان حيث 380 كم من الخزان السياحى لأبو سمبل، 65 كم من المدينة لنصل إلى معبر السودان، وبين هذه المسافات الطويلة شريط طويل يوجد به عدد من نقاط الجيش على استحياء.
وأضاف: الدولة والأطراف المشتركة فى المفاوضات بين القبيلتين الدابودية والهلايل ان تسمى الأشياء بمسمياتها الصحيحة، فلا يوجد شىء اسمه «هدنة» فهى تتم بين مصر وإسرائيل ولكن يوجد مايسمى محاسبة وإلقاء القبض على المتهمين فى القتل والحرق والخطف وفرض دولة القانون وهيبة الدولة التى غابت كثيرا عن الصعيد، بالإضافة إلى عدم تنفيذ المواءمات من الإفراج على متهمى القبليتين للتهدئة، فهذا سوف يشعل أسوان ويحرقها من جديد..!!!
بينما قال محمد عمر - فنان الكاركاتير من دابود - أنه حذر من عمليات التصعيد فى التعامل مع الأزمة ومحاولة تصوير الأمر على أنه صراع وجود بين النوبيين والقبائل العربية، ومن ثم تخرج دعوات فى غير موضعها كتدويل القضية أو المطالبة بتدخل مجلس حكماء أفريقيا أو مجلس التعاون الخليجى فى لجنة تقصى حقائق المجزرة.
وأضاف أن هناك من يستفيدوا من استمرار المشهد الدموى الممزق المنقسم، وإدخال مصر فى مربع أن بها حرب أهلية وصراعات قبلية، ومن ثم علاج الفتنة يحتاج إلى حلول جذرية وليس سطحية، لأن هذه الجريمة البشعة من حرق المنازل وسرقة بيوت وقتل أرواح والتى تورط فيها كلا الطرفين تحتاج إلى دراسة عميقة تحلل ما الذى حدث للسلوك المصرى فى بقعة مثل أسوان معهود عنها الأمن والهدوء والسلمية، ونضع إجابات حول التساؤل عن أسباب توحش هذا السلوك الإنسانى والذى لم تعهده مصر ولا المصريون.
وبسؤاله عن صحة تصريحات العقيد على المتحدث الإعلامى باسم القوات المسلحة وإعلانه عن تورط عناصر إخوانية فى المجزرة خاصة فى ضوء تأييد أهالى النوبة للسيسى منذ أيام قليلة، قال إنه يصدق الجيش لأنه يعتمد فى معلوماته بجهات أخرى وهيئات متعددة، وبيانات مستقاة من أكثر من جهة أمنية، ولكن حديث الداخلية وتسفيه الحادث بأنه نتيجة معاكسة فتاة من إحدى القبيليتين كلام غير موضوعى.
وقال حجاج أدول - عضو لجنة الخمسين والناشط النوبى - إن قراءته لكارثة أسوان لا تنفصل عن قراءته للوطن بأكمله الذى أصبح فى حالة عصبية غير عادية، والسلاح الذى انتشر بطريقة مرعبة مضيفًا «صرنا فى غابة، والأشرار سواء كانوا أفرادًا أو جماعات، بغوا وأفرطوا فى الشر، فالأمن كلما ابتعدنا عن المركز القاهرى، كلما كان أضعف واستعلت العصابات والبلطجة أكثر، وهذا ما حدث ويحدث فى أسوان التى كانت مدينة فاضلة حتى بناء السد العالى، وقبل وصول الوفود الجديدة، والتى لم يتآلف بعضها مع السلمية المتواجدة ,فأحدثت خللا فى التركيبة المتجانسة التى كانت تُسمَى (الأسواللية) وأنه أن خلال التصادم مع عصابات الإخوان، تم زيادة تسليح تلك العصابات لتكون مع وضد حسب الأموال التى يتلقونها، ولهذا كانت نسبة الدماء المهدرة عالية بدرجة لا تصدق».
وبسؤاله عن هدنة التهدئة بين الطرفين، قال «الدولة عليها أعباء جسام، أداؤها ضعيف فهل تتدخل الدولة لتضع هدنة بين أطراف متقاتلة؟!!».
أشار أدول إلى أن الإخوان ليسوا بعيدين عن تلك الفتنة، لكن على المسئولين أن يعرضوا إثباتاتهم .
ومن جانبه أكد أن الدولة عليها اتخاذ مجموعة آليات حتى لاتشتعل الأمور من جديد؛ أولها العدالة الناجزة الحاسمة على الجميع، ليس بالنسبة للحادث الأخير فقط، بل العدالة التى تضرب أعناق تجار المخدرات والسلاح الذين علوا فى البنيان وطغوا على أهالى أسوان كافة بمن فيهم النوبيون.
وعن استغلال الأزمة وتحريك نار فتنة جديدة حول انفصال النوبة وتدويل القضية إنه اليأس ودخان النار التى تشتعل فينا من أواخر القرن التاسع عشر، أنه توالى الوعود من المسئولين فى مصر من عهد الملكية وحتى الآن، ولا وعد ينفذ. حتى أن النوبيين حاليا لم يعودوا يثقون أن المادة 236 فى الدستور التى تقر بعودة النوبيين سوف تنفذ! النوبيون من أهم بنائى مصر؟ أما بالنسبة للتدويل، فنحن لا نطالب بتدخل دول، بل نطالب تطبيق مواثيق حقوق الإنسان الموثقة فى الأممالمتحدة، والتى شاركت مصر فى كتابتها بمندوبها د. محمود عزمى، أنا أول المطالبين به، لأنه مادام هناك ميثاق حقوق إنسان، وقعت عليها مصر، وصدق عليها البرلمان المصرى، يعتبر قانونا داخلياً. أما التشويش على هذا الأمر بأن التدويل هو تشجيع دولة أجنبية على التدخل فى شئون مصر، فحاشا وكلا، ليس هذا من أغراض النوبة.
أشار أدوول أن النوبة عانت كثيرا ومطالبها أصيلة بعيدا عن أى استغلال وهى ببساطة تنفيذ حق العودة النوبية، مثلما نفذ حق العودة لأهالى مدن قناة السويس، وحماية النوبيين من عصابات السلاح.
ونفى الشيخ محمد عبده أحد قيادات الهلايل الاتهامات التى توجه بأنهم مشهورين بتجارة المخدرات والأسلحة.
وشدد على ضرورة وجود محاسبة حقيقية وتقديم الجناة للعدالة ومحاسبة من مثلوا بجثث الهلايل وألقوا بها على عربات الكارو، وحرقوا المنازل واعتدوا على النساء والأطفال.
هلال الدندراوى عضو مجلس الشعب سابقا عن أسوان ونائب رئيس حزب التجمع - قال هناك محاولة خبيثة ومتعمدة لتفتيت المجتمع الأسوانى، وتصويره على انه انقسام بين اطراف وقبائل عربية ونوبية وجعفرية وهكذا يشير إلى أن أن الدابودية والهلايل يعيشون مع بعضهم منذ عشرات السنين، ولا يمكن إنكار أنه كانت تحدث شجارات بين الجيران فى أى مكان، ولكن اشتعال الواقعة بهذا الشكل ووقوع هذا العدد من القتلى لاينفى ولا يستبعد عمل أجهزة الفتنة الداخلية التى تخدم الخارج.
أضاف أنه لامانع من تحليل وجهات النظر التى كانت تحذر من وقوع مشكلات متناثرة فى الأطراف مع اقتراب الانتخابات الرئاسية كجزء من مخطط استنزاف الوطن، وإظهار الدولة بأنها غير مستقرة وأن أنصار الشرعية ومرسى مستمرون فى مواجهة السلطة الجديدة والدليل ماحدث من قناة الجزيرة فى التو واللحظة التى نقلت مشاهد الجثث على عربات الكارو وأسفلها تعليق بأن الجيش يقتل المؤيدين لمرسى ولشرعية الإخوان المسلمين!!! أشار إلى أنه لاينبغى فى نفس الوقت تحميل الأمن المسئولية فى عدم احتواء الأزمة من البداية، التى كانت بكل سهولة يمكن أن تنتهى فى مدرسة الصنايع عندما وقعت الاشتباكات بين الطلاب ومنع وصولها إلى القرية.
أوضح دندراوى أن هذه الكارثة الإنسانية التى وقعت فى أجمل محافظات مصر وأكثرها أمنا وهدوءا تدق ناقوس الخطر وإنذار شديد اللهجة للتهميش والإقصاء الذى يعانى منه أهل الصعيد كافة، وحتى لاتحترق أسوان من جديد أو غيرها من أى محافظات جنوبية ،على الدولة ان تهتم بالتنمية الشاملة، والقضاء على البطالة وتوفير فرص عمل حقيقية للشباب، والتعليم والقضاء على الأمية، وتوفير الخدمات الصحية والثقافية للمواطنين، فهذا الشباب المنفلت الذى تسبب فى هذه الكارثة.. الدولة تتحمل مسئولية تركه بلا عمل فأصبح فريسة للمخدرات والسلاح والعنف.
وبسؤاله أين دور المجتمع المدنى والأحزاب إذا كانت الدولة غائبة، قال إن أزمة الصعيد تحتاج الى مشروع قومى لاتقوى عليه الاحزاب والمجتمع المدنى، فقد بح صوت الأحزاب وأنا كنت عضو مجلس الشعب بعد الثورة، وصرخت مرارا أنقذوا الصعيد من الاحتراق ، فالفقر والجهل والمرض والعشوائيات والسلاح ينخرون فى عصب المجتمع المسالم ويحوله عن آدميته وهدوئه وسلميته، طالبت ببناء المصانع الاستثمارية، ووجهنا دعوات لرجال الأعمال المخلصين الا يتركوا الصعيد ولم يتحرك احد، السياحة ماتت بعد الثورة والمحافظة فى الاصل تعتمد على السياحة.
صرخ الدندراوى غاضبا «نحن نلعن اليوم الذى وحد فيه مينا القطرين »، حتى تصبح أسوان والجنوب كافة من المحافظات المهمشة التى تبعد عنها القرارات المركزية التى تحظى بها محافظات الوجه البحرى وتغيب عن الأقاليم، إلى من نصرخ ونقول أن الصعيد قضية دولة وليس حزبًا ولا جمعية اهلية، هل نذهب للأمم المتحدة.
وأضاف الدندراوى أن الكارثة من المتوقع تكرارها إذا لم تبسط الدولة هيبتها وألقت المتهمين فى السجن على الفور، وإظهار نتائج لجنة تقصى الحقائق التى تم تشكيلها بشفافية وأولاً بأول، حتى تطمئن النفوس أن هناك عدلاً ساريًا على الأرض، وأن هناك دولة تريد الحفاظ على كل مواطنيها بغض النظر عن انتماء طرف لقبيلة أو أخرى، وألا تنسحب الشرطة لمدة عشر ساعات وتبرر ذلك بأن مايحدث اشتباكات قبلية ليس لها علاقة بها، ومحاسبة المقصرين من الداخلية.
رفض الحاج وحيد محمد عمد أحد قيادات القبائل العربية بأسوان إلقاء الاتهامات فى هذه القضية على أن الهلايل إخوان ويؤدبوا النوبيين لدعمهم للسيسى، مشيرا أن ماحدث هو صراعات مجتمعية قبلية تحملها النعرات المشتعلة، لعدم تجانس العناصر البشرية المتواجدة فى المنطقة، وهى أحد أشكال الثمن الذى دفعه النوبيون، نتيجة لبناء خزان أسوان والسد العالى وتهجيرهم الى مناطق لا يجدوا فيها التوافق.
أوضح أن من أشاع أن الإخوان وراء هذا الاحتقان يعود إلى أن اغلب المشاركين فى جلسة التصالح الذى حضرها وزير الداخلية ورئيس الوزراء هم من فلول الحزب الوطنى، ولا يريدوا علاج المشكلة بشكل صحيح وجذرى بل يسطحوا القضية الى ان تنفجر من جديد، فهم يريدوا ان يغلقوا الملف.
بينما قال الشيخ محمد عبدالعزيز - وكيل وزارة الأوقاف بأسوان - إن الفتنة التى وقعت بين القبيلتين ساعد على تأجيجها عدم تقدير فهم الشباب لخطورة الموقف الذى يمر به الوطن من مكافحة للإرهاب والتطرف والقتل فى كل مكان، فضلا عن هذ الشباب المتهور لدى الطرفين، ساهم الانفلات الأمنى من بعد ثورة يناير على انتشار الاسلحة بين قبيلتى الدابودية والهلايل، المخدرات التى أفسدت عقول الشباب.
أضاف أنه من المؤسف أن يقول إن ثورة يناير أظهرت أسوأ مافى الناس، من عدم الالتزام بالقانون، وكثرة أعداد المتعاطين، مشيرًا أنه يرى السبب الحقيقى فى وقوع الحادث الأليم هو كثرة المتعاطين للمخدرات من بين الشباب والتى جعلتهم لا يحترمون حقوق الجيرة ولا الأعراف ولا التقاليد ويشتبكوا ويقتلون بعضهم البعض.
أكد وكيل وزارة الأوقاف أن الطرفان التزما بالهدنة التى تم مدها إلى شهر ولديهم التزام عرفى وأخلاقى وبوادر حقيقية لتجاوز الحادث وتنفيذ الصلح بين الجانبين، مشيرا أن كلا القبيلتين يدركان خطورة الموقف، وأن أسوان تعتبر البوابة الجنوبية لمصر، وأن استمرار الخلاف بهذا الشكل سوف يؤثر على مصر كلها، حيث تنهار السياحة بالمحافظة ونظهر أمام العالم بأننا دولة غير مستقرة وهو ما ينتظره الأعداء المحيطون بالوطن، بل وتتحقق مصالح بعض التيارات المتطرفة الداخلية التى تريد تصعيد الأزمة واستغلالها فى المحافل الدولية لتقزيم مصر ودورها. ونفى عبد العزيز تصريحاته السابقة بأن الحادث وراءه عناصر إخوانية مشيرا أن التحقيقات سوف تؤكد أو تنفى صحة ذلك، معربا ان كل القبائل فى أسوان يوجد بينها من يؤيد الإخوان ومن يلفظهم.