اجتماع لمجلس النقابة العامة للمحامين والنقباء الفرعيين غدًا    محافظ قنا يبحث الفرص الاستثمارية بقنا ونجع حمادي    الأمم المتحدة ترحب بتصريحات ترامب بشأن رفع العقوبات عن سوريا    طبيب الزمالك يكشف طبيعة إصابة ثلاثي الفريق في مباراة بيراميدز    رئيس مجلس الشيوخ يلتقي المشاركين في منحة ناصر للقيادة الدولية    رياح ترابية وأمطار.. الأرصاد تكشف طقس الساعات المقبلة وتعلن موعد ارتفاع جديد لدرجات الحرارة    مسلسل آسر الحلقة 32، وفاة فيصل واتفاق ثلاثي بين راغب وغازي وعزت للنصب على آسر    وربيرج: نسعى لنكون شريكًا أساسيًا وندرك حرية دول المنطقة    فتحى عبد الوهاب: العلاقة تاريخيا ملتبسة بين الإخراج والإنتاج ويشبهان الأب والأم    هل تعليق الصور في البيوت يمنع دخول الملائكة؟.. أمين الفتوى يحسم    من بين 80 غزوة.. علي جمعة يكشف عدد الغزوات التي شارك فيها النبي؟    فى بيان حاسم.. الأوقاف: امتهان حرمة المساجد جريمة ومخالفة شرعية    قرار بتعديل تكليف خريجي دفعة 2023 بالمعهد الفني الصحي بقنا إلى المستشفيات الجامعية    احذر- علامات تدل على نقص فيتامين ه بجسمك    وزير التعليم يستقبل الممثل المقيم لصندوق الأمم المتحدة للسكان لبحث سبل تعزيز التعاون    محافظ جنوب سيناء خلال لقاؤه «الجبهة»: المواطن السيناوي في قلب الأولويات    بأعين كبيرة وأسنان بارزة.. دمية لابوبو تثير هوس عالمي    الصين صدرت 242 ألف سيارة تجارية في الربع الأول من 2025    وكيل الصحة بالمنوفية يتفقد القومسيون الطبي لبحث تطوير الخدمات    وزير خارجية سوريا: رفع ترامب العقوبات عن بلادنا نقطة تحول محورية    التقنية الحيوية ومستقبل مصر.. رؤية من جامعة القاهرة الأهلية    د. أسامة السعيد يكتب: ساعات فى رحاب المجد    محافظ الدقهلية: 1457 مواطن استفادوا من القافلة الطبية المجانية بقرية الخليج مركز المنصورة    الصحة العالمية تحذر من عجز أعداد الممرضين في إقليم شرق المتوسط    إلهام شاهين تشارك جمهورها صورًا من على شاطئ البحر في لبنان    وكيل وزارة الصحة يعقد اجتماعًا مع لجنة المعايشة بمستشفى سفاجا المركزي    رئيس الاتحاد الدولي للشطرنج يشكر مصر على استضافة البطولة الإفريقية    المرأة الوحيدة في استقبال ترامب.. من هي الأميرة السعودية ريما بنت بندر؟    "فخور بك".. كريستيانو يحتفل بأول ظهور لنجله مع منتخب البرتغال (صور)    جامعة برج العرب التكنولوجية تنظم الملتقى الثاني لكليات العلوم الصحية التطبيقية    رئيس الوزراء يستعرض جهود تعزيز استدامة جهاز تنمية المشروعات المتوسطة والصغيرة    سن الأضحية من الخروف والماعز والبقر.. يكشف عنها الأزهر للفتوى    انطلاق مسيرة دعم وتمكين فتيات «ريحانة» بمركز شباب أبنوب بأسيوط    ننشر الصورة الأولى لشاب ألقى بنفسه في ترعة الإسماعيلية    «كان يا ما كان في غزة» ينطلق في عرضه العالمي الأول من مهرجان كان السينمائي    "نيويورك تايمز": قبول ترامب للطائرة الفاخرة يتجاوز حدود اللياقة.. ومعلومات عن اطلاق عملة مشفرة لتمويل مؤسسته    النقل: وسائل دفع متنوعة بالمترو والقطار الكهربائي للتيسير على الركاب    انطلاق المسابقة العالمية للقرآن الكريم بمديرية أوقاف كفر الشيخ    قرار عاجل من المحكمة في إعادة إجراءات محاكمة متهمين بأحداث شغب السلام    الصحة العالمية: نصف مليون شخص فى غزة يعانون من المجاعة    فرص عمل بالإمارات برواتب تصل ل 4 آلاف درهم - التخصصات وطريقة التقديم    براتب 87 ألف جنيه.. تعرف على آخر موعد لوظائف للمقاولات بالسعودية    كشف ملابسات فيديو يتضمن تعدى شخصين على سيدة بالضرب في الدقهلية    بالصور- مصادرة مكبرات صوت الباعة الجائلين في بورسعيد    مصدر ليلا كورة: لا توجد أزمة في خروج حسام عبد المجيد لأداء امتحان ثم عودته    وزير الثقافة يزور الكاتب صنع الله إبراهيم ويطمئن محبيه على حالته الصحية    المشدد سنة ل3 أشخاص بتهمة حيازة المخدرات في المنيا    «بتهمة تزوير معاينة بناء».. السجن سنتين لمهندس تنظيم بمركز مغاغة في المنيا    تحديد موعد مشاركة الجفالي في تدريبات الزمالك    الأكاديمية الطبية العسكرية تفتح باب التسجيل ببرامج الدراسات العليا    استلام 145 ألف طن من القمح المحلى بمواقع التخزين بالصوامع والشون فى بنى سويف    رئيس «اقتصادية قناة السويس»: توطين الصناعة ونقل التكنولوجيا هدف رئيسي باستراتيجية الهيئة    جدول مواعيد امتحانات الترم الثاني 2025 في محافظة أسيوط جميع الصفوف    كييف تعلن إسقاط 10 طائرات مسيرة روسية خلال الليل    مصرع شاب غرقا فى حوض مياه بالشرقية    موعد مباراة الأهلي والترجي التونسي في نهائي كأس السوبر الافريقي لكرة اليد    ولي العهد السعودي في مقدمة مستقبلي ترامب لدى وصوله إلى الرياض    وزير الخارجية الباكستاني: "المفاوضات مع الهند طويلة الأمد وضرباتنا كانت دفاعًا عن النفس"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتنة أسوان.. الدم فى خدمة السياسة
نشر في أكتوبر يوم 13 - 04 - 2014

لم يكن مشهد اجتماع المشير السيسى مع مشايخ العبابدة فى الصحراء الشرقية والقيادات النوبية التاريخية وعواقل القبائل.. يمر بسهولة فى ظل معطيات المشهد السياسى الحالى.. وقد حدث، فبعد أيام من ذلك المشهد تحركت أصابع خفية لتشعل صراع الدم والنار على بلاد "طيبة" تلك الأرض الطيبة التى سجل التاريخ سماحة ووداعة أهلها.. الذين سقط بعضهم فى مشهد مروع ومخيف جسدته صورة العربة الكارو وعليها جثامين أبرياء تحاول نقلهم بعدما عجزت سيارات الإسعاف عن اختراق الصراع المشتعل.. بات الموت يفوح برائحته فى كل مكان عندما غابت الدولة وظهرت رسالة واضحة للجميع بأن "الدم فى خدمة السياسة".
حكماء القبائل يضعون (( روشتة )) محاصرة الفتنة
فى ظل المرحلة المصيرية التى تمر بها به مصر، تحتاج البلاد إلى الالتفاف حول هدف واحد بإقامة دولة ديمقراطية حديثة تحترم الحقوق والحريات العامة والخاصة، وهذا لن يأتى إلا بالسعى للصلح ووحدة الصف بين أفراد المجتمع من خلال الإصلاح بين الناس وتحكيم صوت العقل والتفرغ إلى العمل المثمر فقط، وخاصة فى هذه المرحلة الحرجة التى تحتاج من الجميع إلى الحكمة وتدعيم أسس السلام الاجتماعى.
وبعد الحادث المروع الذى أغرق أرض أسوان بدماء شبابها فى أكبر معركة أهلية اتجهت "أكتوبر" إلى الحكماء والعقلاء من المشايخ وزعماء القبائل والعشائر الذين هرعوا إلى أرض المعركة فى محاولة جادة منهم لنزع فتيل الفتنة وحاولت رصد وجهة نظر هؤلاء الحكماء فيما يحدث الآن بين القبيلتين.. وهل يمكن حل هذا النزاع بالصلح؟ أم أنها فتنة الهدف منها انفصال جزء من الدولة؟ أم أن هناك أسبابا أخرى ودوافع تقف وراء ما حدث؟
فى البداية استنكر المستشار أبو المجد أحمد على رئيس لجنة المصالحة بسوهاج المذبحة التى راح ضحيتها العشرات فى محافظة أسوان واصفا إياها بالفتنة، مؤكدًا أن حل هذه المشكلة يحتاج لمعرفة أسبابها ومعرفة من له دوافع وراءها ثم تبدأ عمليات المعالجة من الجذور وطالب أبو المجد لجان المصالحة بمحافظة أسوان بضرورة الجلوس مع الطرفين لتنظيف الجرح الذى أحدثته هذه الفتنة.
وقال المستشار أحمد أبو المجد الذى نجح فى حل ما يقرب من 236 خصومة ثأرية بمحافظة سوهاج وحدها: لا بد من تدخل العقلاء والمصلحين ومن لهم خبرة فى علاج مثل هذه المشكلات بكل صدق وإخلاص لبحث القضية من كل جوانبها، مشيرًا إلى أن أهل أسوان معروف عنهم الأخلاق الطيبة وأن يد خفية اندست لإشعال نيران الفتنة.
وطالب المستشار أبو المجد بضرورة أن يكون الصلح بكل نفس راضية، محذرًا من الحلول الوقتية لأنها لا تفيد ودائما ما يحدث فيها انتكاسة تكون عواقبها أخطر لأنها حلول مسكنة سرعان ما ينفجر مفعولها خاصة فى مثل هذه الفتنة التى يتطلب فورا قطع دابرها بالحكمة والكياسة.
وأشار المستشار أبو المجد احمد على إلى وقائع مماثلة من حيث عدد القتلى ومن أشهرها مذبحة بيت أولاد علام التى أوقعت 22 قتيلا واستطعنا بفضل الله وبحكمة العقلاء من أعضاء لجان المصالحة بحل المشكلة من جذورها كما أشار إلى المجزرة الأليمة التى أسفرت عن 200 قتيلا أيضا فى قرية الكشح بمحافظة أسيوط وأن لجان المصالحة نجحت فى اقتلاع الخصومة من جذورها ونجح الحكماء والعقلاء ممن سعوا للصلح بإخلاص فى وأد الفتنة فى مهدها.
وواصل المستشار أبو المجد أحمد على رئيس لجنة المصالحات بسوهاج والخبير فى حل الخصومات الثأرية بالإشارة إلى مزيد من نماذج المصالحة التى شارك فيها ومنها إنهاء خصومة ثأرية فى البدارى بمحافظة أسيوط والتى يعود تاريخها لعام 1952والتى راح ضحيتها ما يقرب من 35 قتيلا و80 مصابا، مشيرًا إلى أن لجنة المصالحة عالجت القضية بحكمة بعد تقدير الخسائر وعلاج العاهات المستديمة التى لحقت بالمصابين.
وينصح المستشار أبو المجد لحل مشكلة أسوان أن يتم تقديم الجناة للعدالة لأن ذلك يريح النفوس، مشيرًا إلى أن بنفوس طرفى القضية شحنة من الغل والرغبة فى الانتقام وأن أعصاب كلا الطرفين هائجة وقلقة وأن كل ذلك يهدأ فورا عند تقديم كل من حرض وشارك وقتل وعندما يتم ذلك تبدأ لجان المصالحة الكبرى عملها فى رد الحقوق المهدرة ورد الاعتبار كاملا غير منقوص وحذر من الانسياق وراء مطالب التغريب والتهجير لأطراف القضية لأن بعد الصلح دائما ما يعود الحب والوئام.
وطالب المستشار أبو المجد أحمد على الدولة بضرورة تفعيلها لعمل لجان المصالحة فى كل محافظة وإعطائها اختصاصاتها كاملة وجعل قراراتها قرارات ملزمة.
أياد خفية
ومن جانبه استغرب د. سالم أبو غزالة نائب رئيس المجلس الأعلى للقبائل العربية أن تحدث هذه الفتنة فى محافظة أسوان وقال إنه كان يمكن أن يصدق أن يحدث هذا فى أى مكان بخلاف هذه المحافظة وقال: عندما تبحث وراء الأسباب والدوافع فإن الأمر جلل، مشيرًا إلى أنه ذهب إلى أسوان ضمن وفد اللجنة المحايدة التى تطوعت للمشاركة فى حل القضية وأكد أنهم عندما جلسوا مع أعضاء من القبيلتين المتنازعتين فوجئنا باستغرابهم مما حدث وقالوا إنهم فوجئوا بالحادثة ولم يكن لها أى أسباب أو رواسب ولم يكن بينهما أى مشاحنات أو خلافات قديمة وقال أبو غزالة: أعتقد أن وراء الأمر شيئا غير طبيعى وأياد خفية تلعب من أجل إشعال الفتنة بين الطرفين وحتى نتأكد من ذلك قمنا بعمل خطوة أولية حيث اتفقنا أن تظل الهدنة بين الطرفين لمدة شهر كامل وأن يكون طرفا النزاع فى سكينة كاملة دون أى مناوشات أو نية فى الانتقام وأضاف نائب رئيس المجلس الأعلى للقبائل العربية : تقوم خلال هذه الهدنة أو المهلة لجان المصالحة بتقصى الحقائق والبحث عن معرفة الأسباب والدوافع واحتساب الخسائر فى الأرواح والممتلكات وبعدها نضع الحلول.
وأشاد د. سالم بدور الأجهزة التنفيذية ومنها المحافظ ومدير الأمن لتفهمهم وقناعتهم بدور عمل لجان المصالحة فضلا عن تفاهم طرفى النزاع للدور الذى أتينا من أجله والتزموا أمامنا بضبط النفس والتعهد بعدم اختراق فترة الهدنة.
تهيئة الأجواء للصلح
ويرى أحمد عمر الدنقى النائب السابق بمجلس الشورى وعضو لجنة المصالحة عن قبيلة الجعافرة بأسوان أن ما حدث من معارك طاحنة فى هذه البلدة الطيب أهلها يعد مفاجأة للجميع خاصة أبناء أسوان أنفسهم، مشيرًا إلى أنه يستبعد وجود أى نية مبيتة لدى الطرفين أو حتى تسييس القضية وأن المثير فيما وصفه "بالمشكلة العادية" والتى تطورت أحداثها بدون سبب هو توقيتها الذى جاء فى الوقت الذى يحاول فيه كل شعب مصر لملمة جراح الوطن وقال الدنقى أن قبيلة الجعافرة بأسوان قامت بالمشاركة مع اللجان المحايدة للتدخل فى الصلح بين القبيلتين وأن كل ما يسعون إليه فى الوقت الحالى هو الهدنة طويلة الأمد، مشيرًا إلى أن حلول هذه القضية والسيطرة على توابعها قد يستغرق وقتا طويلا ولذلك كان من الضرورى تهيئة الأجواء والوصول لصيغ تفاهم لامتصاص غضب أبناء القبيلتين تمهيدا للصلح العام وأشار عضو لجنة المصالحة إلى استجابة كلا القبيلتين للتوسط وترحيبهم بالمساعى القبلية فى الوقت الذى تسير فيه أيضا التحركات الأمنية لتقديم الجناة للمحاكمة واحترامهم لدولة القانون.
شهود (( الدم )) يروون تفاصيل (( فتنة الجنوب ))
***
بعد أيام قليلة من ظهور زعماء القبائل بأسوان ومشايخ العبابدة والصحراء الشرقية والقيادات الطبيعية بالنوبة وإعلان تأييدهم للمشير عبد الفتاح السيسى لرئاسة الجمهورية وتحميله الأمانة نيابة عن جموع أهالى أسوان الذين أيدوا ظهور قياداتهم مع المشير السيسى حاول المخطط الخبيث إشعال فتنة قبلية الهدف منها منع توحد القبائل العربية والنوبية
وكان المشهد الأبرز فى أعنف اشتباكات مسلحة شهدتها أسوان فى تاريخها هو صور جثث قتلى بنى هلال حيث كان الشيطان الخبيث يحرك خيوط جريمته من وراء ستار ويلعب بمصير الطرفين بهدف إثارة غضب الهلايل لأقصى درجة ليشتبكوا مع النوبيين "الدابودية" وقد كان.
بداية الفتنة وتفاصيل المجزرة البشرية كما جاءت على لسان شهود عيان أدلوا بتفاصيلها كاملة ل "أكتوبر" منها شاهدة لا تنتمى لأى من القبيلتين إلا أنها تقيم فى نفس المنطقة قالت: الأحداث بدأت من يوم الأربعاء عندما توجه أبناء القبيلتين كعادتهم كل يوم إلى مدرستهم "مدرسة محمد صالح حرب الثانوية الصناعية " بوسط مدينة أسوان وعند أسوار المدرسة توقف الطرفان أمام عبارتين مسيئتين لكلا الطرفين تحمل ألفاظا وعبارات خادشة للحياء، وسرعان ما وصل صدى هاتين الرسالتين إلى أسر أولياء الطلبة وعلى الفور تحرك عدد من أبناء بنى هلال تجاه المدرسة لتلقين أبناء "الدابودية" درسا وحدثت اشتباكات وعمليات كر وفر بين الطرفين لم تسفر عن أى إصابات وأضافت الشاهدة: وفى مساء نفس اليوم نصب أبناء بنى هلال كمينا عند مدخل "السيل" وهو المنطقة التى يعيش فيها كلا القبيلتين وقام أبناء بنى هلال "بتثبيت" المارة من الشباب وسؤالهم عن قبيلتهم وكان الشباب بحسن نية يجيبون عن أسئلتهم وكان الويل كل الويل لمن يتضح أنه "دابودى" فكان يتم التنكيل بهم بالعصى والأسلحة البيضاء والصواعق الكهربائية وأكدت الشاهدة أن موقعة كمين الهلايلة أسفرت عن إصابة عدد من شباب الدابودية بجروح وطعنات نافذة بالمطاوى وإلقاء أحد الشباب بعد صعقه بالكهرباء فى ترعة كيما التى تمر بمنطقة السيل انتهت هذه الواقعة وسط ذهول ورعب المارة حسب تأكيد الشاهدة.
جلسة صلح
واصل شاهد عيان آخر حديثه عن الواقعة قائلا : فى مساء يوم الخميس حاول الأهالى والجيران عقد جلسة صلح بين الطرفين وحدث خلافات ومناوشات فشلت على إثرها محاولة الصلح بين القبيلتين، وأضاف الشاهد: وفى صباح يوم الجمعة اعترض الهلايلة طريق ثلاثة شباب من أبناء دابود بأسلحة بيضاء وأصابوهم بجروح وزادت حدة المناوشات بين الطرفين عقب صلاة الجمعة حيث خرج الهلالية ببكرة أبيهم نساء ورجال وشباب وأطفال تجاه أحد المساجد ودار للضيافة وهجموا بالطوب، ومنهم من اعتلى أسطح المنازل بزجاجات الملوتوف لتصويبها على منازل الدابودية ولكن شاءت إرادة الله - والكلام على لسان شاهد العيان - أن تسقط إحدى زجاجات الملوتوف على منزل حاملها وهو من الهلايله وفى أثناء ذلك انطلقت أعيرة نارية من قبل الهلايلة تجاه الدابودية وحدثت عمليات كر وفر وأسفرت هذه المعركة عن مقتل سيدة من دابود أثناء خروجها للبحث عن شقيقها وحسب تأكيد شاهد العيان أن الرصاصة اخترقت رأس السيدة التى لم تكمل عامها الثلاثين وهى فى الشهور الأولى لحملها وتطايرت أجزاء من "مخها" وفى مشهد محزن حاولت شقيقتها إنقاذها وحاولت لملمت أجزاء جمجمتها المتطاير على الأرض فى كيس ظنا منها أنها على قيد الحياة وعندما تجمع الناس انطلق ضرب النار من جديد وأسفر ذلك عن مقتل شابين أثناء محاولتهم إنقاذ السيدة وقال شاهد العيان أنه والأهالى قاموا بالاتصال بالشرطة والإسعاف ولكن دون جدوى ولم تصل للمنطقة سوى سيارة شرطة مصفحة وذلك بعد آذان العصر أى بعد ما يقرب من ثلاث ساعات وخراب مالطة على حد قول الشاهد وأضاف: توقف إطلاق النار وسط شائعات اختطاف لعدد من الشباب من كلا القبيلتين.
شاهد عيان آخر ممن التقتهم "أكتوبر" قال: على الرغم من سخونة الأوضاع والحاجة الماسة لتدخل الأمن انسحبت سيارة الشرطة المدرعة من المنطقة وسط تمسك الأهالى ببقائهم لضمان تأمينهم والحد من تفاقم الأزمة خاصة بعد وقوع قتلى من قبيلة الدابودية.
عشية الانتقام
وأضاف الشاهد: وبعد منتصف الليل بقليل وبينما يخيم الصمت والظلام على المنطقة اتخذ النوبيون قرارا بالانتقام قبل مطلع الشمس وهجموا على منازل الهلالية وحرقوا منها ما حرقوا وقتلوا من أعترض طريقهم وذبحوا منهم الكثيرين وتحولت الشوارع لبرك من الدم ورغم استغاثات الأهالى بالأمن إلا أن الشرطة لم تتدخل إلا بعد الساعة الثامنة صباحا وقام الهلايلة بالرد من خلال حرق أحد منازل الدابودية وقتل 4 من أسرة واحدة سيدتين ورجلين، كما أشار شاهد العيان إلى تردد العديد من الشائعات عن عمليات خطف واحتجاز فى كلا الطرفيين وقال شاهد العيان: تعيش منطقة السيل والشعبية حالة من الحذر الرعب المخيف خشية وقوع كارثة لإصرار الطرفين على الرد السريع، إلا أن الهدنة التى تم الاتفاق عليها جعلت الشوارع خالية من الأهالى، بل وتحولت شوارع المحافظة ومناطقها المزدحمة إلى هدوء وكأن قرارا بحظر التجول قد صدر، وأضافت شاهدة عيان أخرى واصفة الأوضاع فى منطقة الأحداث بساحة حرب وقالت على الرغم من وجود هدنة بين الطرفين إلا أن سكان المنطقة أصبحوا فى وضع الإقامة الجبرية داخل منازلهم كما أغلقت كافة المحال والمخابز أبوابها، كما نفذت الأغذية وبعض الأدوية من الأهالى وهو ما دفع القناة الثامنة بأسوان لإذاعة تنويهات للأهالى تؤكد لهم قرب وصول سيارات خدمات لتوفير ما يحتاجونه من خبز وخضراوات إلا أن ذلك لم يتحقق، وأضافت الشاهدة مؤكدة أن عددا من الأهالى اضطروا لهجر منازلهم وذهبوا إلى ذويهم فى مناطق أخرى وهو ما زاد من عمليات السلب والنهب وحرق لعدد من المنازل فى المنطقة. وأضافت الشاهدة قائلة: وكشفت الشاهدة عن الارتياح الكبير للأهالى عقب وصول رئيس الوزراء ووزيرى الداخلية والتنمية المحلية ولكن سرعان ما تحول هذا الارتياح لموجة غضب حيث لم يشعر الأهالى بأى دور ملموس لهم فى هذه القضية وتساءل الأهالى إذا لماذا كلف الوزراء أنفسهم طالما لم يتحقق الأمن على أيديهم.
وعلى الرغم من وجود هدنة بين الطرفين إلا أن حريقا اندلع فى منزل مواطن يدعى إمبابى أبو شاذلى "نوبى"، فى منطقة "الأمبركاب" بخور عواضة، ويعد ذلك مؤشرا خطيرا لخرق الهدنة التى توصل إليها محافظ أسوان بين قبلتى "بنى هلال" و"الدابودية" وقالت الشاهدة إن الجهات الأمنية بالمحافظة اضطرت لعزل جثث القبيلتين فى مستشفيات مختلفة لمنع حدوث أى اشتباكات بين الطرفين وكان د. سيد إبراهيم، مفتش الصحة فى أسوان، قد قام بتوزيع أوراق تشير إلى أماكن أسماء القتلى وعددهم فى كل مستشفى، حيث استقبلت مشرحة أسوان العمومية يوم الجمعة ثلاثة جثامين، كما استقبلت المشرحة يوم السبت 15 جثمانا، فضلا عن جثمانين اثنين يوم الأحد.أما المستشفى العسكرى فقد استقبلت جثمانين اثنين ومثلهما فى مستشفى التأمين، علاوة على جثة أخيرة نقلت إلى مشرحة أسوان العمومية.
استقطاب
من ناحية أخرى حظر رؤساء القبائل أبنائهم من وقوعهم فى مصيدة الاستقطاب القبلى مؤكدين أن ذلك سيجر القضية لمنعطف خطير وقد تؤدى لاشتعال نيران ولهيب هذه المعركة الدامية فى حالة استقطاب قوميات وعائلات أخرى من باقى المحافظات بخلاف المقيمين بأسوان ،مثل قبيلتى الجعافرة والعبابدة أحد أكبر قبائل أسوان، وهى قبائل مسالمة تماما وأقل القبائل فى الصعيد ميلا نحو العنف والسلاح وتربطها علاقات صهر ونسب وتجارة وجوار مع النوبيين ومع الهلايل أيضا، لكن فى الانتخابات تتجه أغلب أصوات الهلايل نحو مرشحى الجعافرة، بينما النوبيون يكنون احتراما وتقديرا للجعافرة لمساندتهم لقضيتهم فى حق العودة كذلك عدم وجود سجل خلافات يمكن أن يذكر بين الجعافرة والنوبيين.
وفى هذه المشكلة نبذت قيادات الجعافرة والقبائل العربية العنف وقادت زمام المصالحة ومبادرة الهدنة وتجولت قيادات الجعافرة بمنازل الدابودية النوبيين والهلايل فى أحلك ظروف المشاجرة لوضع حل لها مما أكد على مكانتهم ونقاء سريرتهم. كما قطع الشريف أحمد الادريسى أحد قيادات التصوف بالصعيد زيارته للكويت وتوجه لمكان الأحداث بدون أية حراسات لإخماد نيران الفتنة.
حرب الفيس بوك
وخوفا من السيناريو المرعب الذى قد يؤدى لحدوث حرب أهلية وجرجرة بقية العائلات للصراع مما يسبب الاقتتال الحقيقى.
من جانبهم حظر عدد من شباب أسوان من خطورة ما وصفوه بحرب "الفيس بوك" مشيرين إلى أن شباب القبيلتين دشنوا صفحات على مواقع التواصل الاجتماعى بعناوين "ايد واحده ضد الهلايلة" وأخرى بعنوان " أنا الهلالي" ويتم من خلالها التراشق بالألفاظ الجارحة والاستعانة بصور مسيئة ينسبها كلا الطرفين للآخر وهو ما يؤدى لمعارك ربما تفوق ما حدث وقال شباب أسوان المثير فى الأمر أن شباب كلا القبيلتين يستخدمون " الهاش تاج " فى كل ما ينشرونه وهو ما يوصف بالشرشحة والفضيحة.
من ناحية أخرى دفع أهالى أسوان فاتورة هذه الأحداث المؤسفة التى خطط لها شيطان خبيث بعد أن فشل فى سيناء لينقل مرتع إجرامه من ضرب كمائن الأمن إلى مخطط أكثر إجراما وهو إشعال نيران الحرب الاهلية بأقصى الصعيد، حيث انخفض بشكل كبير تدفق الدواء لأسوان، وخلت الشوارع من المارة واختفت عمليات البيع والشراء.
وأغلقت محال تجارة الخضروات والفاكهة التى يسطر على عصبها أبناء الهلايل، فضلًا عن خوف شاحنات الخضراوات والفاكهة من الوصول لأسوان وأصبحت شوادر وأسواق المحافظة الهادئة شبه خاوية. كما منعت أحداث العنف الدموية سريحة البوتاجاز وأغلبهم من بنى هلال من العمل.
"أكتوبر" ترصد صراع القبائل فى السنوات الثلاث الماضية
سلسال الدم فى أسوان
لم تكن الخلافات القبلية التى وقعت بين الهلايلة والدابودية هى الأولى فى محافظة أسوان وعلى الرغم من تفاهة سببها إلا أن معارك أخرى كثيرة وقعت بين القبائل ولأسباب أخطر بكثير إلا أنها لم تصل لخطورة المذبحة القبلية التى راح ضحيتها أكثر من 25 مواطنا من كلا القبيلتين.. "أكتوبر" ومن خلال هذه السطور تستعرض تاريخ وأسباب المعارك القبلية التى وقعت على أرض محافظة أسوان خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.
فى يوليو 2011 وقعت مشاجرة كبرى فى قرية "الطويسة" التابعة لمركز دراو بأسوان، استخدمت فيها الأسلحة النارية والعصى والشوم بين قبيلتى "الشيخ" و"الحربياب" بسبب الخلاف على قطعة أرض زراعية، أسفرت عن إصابة 10 أشخاص بإصابات متفرقة.
وكان اللواء حسن محمد حسن مدير أمن أسوان وقتها قد تلقى إخطارًا من العميد الحسن عباس مدير المباحث الجنائية يفيد بوقوع الاشتباكات، وعلى الفور انتقلت الأجهزة الأمنية وقامت بتطويق المنطقة والسيطرة على أعمال العنف بعد أن قامت بنشر قواتها داخل القرية وتمكنت من إعادة الهدوء وتم تحرير محضر بالواقعة وأخطرت النيابة للتحقيق.
العبس والكلاحين
وفى أغسطس من نفس العام وقع خلاف بين قبيلتى العبس بقرية الضما والكلاحين بقرية عزب العرب بكوم أمبو بسبب الخلاف على قطعة أرض بمشروع وادى النقرة وتطور الخلاف إلى مشاجرة بدأت بالشوم ووصلت للأسلحة النارية التى أسفرت عن إصابة شاب عمره 25 سنة من قبيلة الكلاحين، وتم القبض على طرفى النزاع واحتجازهم بقسم شرطة كوم أمبو ونصر النوبة.
الهلايل و3 قبائل
وفى نوفمبر من نفس العام اندلعت اشتباكات بالعصى والأسلحة النارية بين قبائل بنى هلال "الهلايلة" وقبائل "نقادة" و"الخطارة" و"القوصية"،وعلى إثرها قام المئات من أبناء قبيلة بنى هلال، بإضرام النيران فى العقارات والمحلات الخاصة بأبناء نقادة المقيمين فى أسوان وجمعية أهلية تابعة لأبناء خطارة بمنطقة خور عواضة بأسوان بعد نهبها بالكامل ثم قاموا بخطف ثلاثة من أبناء نقادة كرهائن ردا على اقتحامهم أحد البيوت وسرقته. وعلى الفور قامت الشرطة بالتدخل لوقف الاشتباكات.
وبعد السيطرة على الأوضاع تبين أن السبب الحقيقى للفتنة أن أحد تجار المخدرات من منطقة "حكروب الجبل" ذهب ليبيع فى منطقة "الشادر القديم " الخاضعة لنفوذ تاجر أخر وتطور الوضع الى شجار واستعان وقتها كل تاجر بفريق الى أن أصبحت مشاجرة بين قريتين استخدمت فيها "البنادق الخرطوش" و"الرشاش الآلى" و"السنج" و"السيوف" و"الشوم".
وعلى الرغم من ذلك لم تسفر هذه المعركة سوى عن إصابة عدد من أبناء قبائل "نقادة" "ودشنا" على أيدى بنى هلال.
وكعادة أهل القبائل دعا شيوخها إلى عقد جلسة صلح عاجلة فى نفس اليوم بين طرفى النزاع واستمرت الجلسة وقتها حتى الساعات الأولى من اليوم التالى واتفق الجميع وقتهاعلى وقف الاشتباكات والمصالحة، ولكن بعد ساعات قليلة من الاتفاق تجددت الاشتباكات بسبب شائعات بثت بين الطرفين بوقوع اعتداءات من الطرف الآخر ووقوع قتلى.
السمطا والعباسيين
وفى يونيو من عام 2012 لقى 5 أشخاص مصرعهم وأصيب 4 آخرون على إثر مشاجرة استخدمت فيها الأسلحة النارية بين قبيلتى السمطا والعباسيين بقرية الحكمة بمنطقة وادى النقرة بنصر النوبة بسبب الخلاف على قطعة أرض زراعية.
وعلى الفور انتقلت قوة من مركز شرطة نصر النوبة بسيارة مدرعة من أجل فض الاشتباك بين الطرفين وسط أنباء بارتفاع أعداد المتوفين فى المشاجرة.. وتم تحرير محضر بالواقعة، وأخطرت النيابة العامة للتحقيق.
بنى هلال ونقادة
وفى عام 2012 شهدت منطقة الطابية بوسط مدينة أسوان، مشاجرة بالأسلحة النارية والبيضاء، بين عدد من شباب قبيلة بنى هلال، وبعض شباب نقادة، وأصيب خمسة أشخاص من الطرفين.
بسبب مصادمة بين عربة كارو تابعة لأحد أبناء الهلايل، بمنطقه الطابية بسيارة أجرة قيادة أحد أبناء "نقادة"، ويدعى علاء، وحدثت مشادة كلامية، تطورت إلى اشتباك بالأسلحة.. وتم تحرير محضر بالواقعة برقم 568 جنح أسوان، وتم إخطار النيابة وقتها.
الهلايل والسوهاجية
وفى مارس من عام 2013 شهدت منطقة السوق بمدينة أسوان مشاجرة كبرى بين أفراد قبيلتى بنى هلال، والسوهاجية، أسفرت عن إصابة اثنين من الطرفين، وقام الأمن وقتها بالسيطرة على الموقف وإعادة الهدوء للمنطقة، وبعد يومين لقى أحد المصابين من قبيلة بنى هلال مصرعه وهو ما دفع أبناء قبيلته بالحشد والتوجه إلى منطقة برك الدماس، وأطلقوا وابلًا من الرصاص على مساكن السوهاجية، وهو ما دفع أبناء سوهاج المقيمين بأسوان إلى تبادل إطلاق النار معهم.
وفى يوليو من عام 2013 كثفت قوات الأمن بأسوان من تواجدها بمنطقة خور المحمودية تحسبا لتجدد الاشتباكات بين قبيلتى بنى هلال والمناعية، على إثر المشاجرة التى وقعت بينهما فى فجر أحد الأيام وأسفرت عن مقتل شخص وإصابة عشرة آخرين من القبلتين. وقامت قوات الأمن بفرض كردونا أمنى للتصدى لطرفى النزاع المحملين بالشوم والأسلحة النارية. وفى أكتوبر من عام 2013 نجحت الأجهزة الأمنية بأسوان فى إنهاء خصومة ثأرية بين عائلتى "الدكة" و"الشلالية" والتى أدت إلى مقتل شخص وإصابة 14 آخرين.
القبلية.. التحدى الأكبر فى الصعيد
لم تكن مذبحة أسوان التى راح ضحيتها عشرات المواطنين سوى حلقة أكثر دموية من حلقات الصراع المكتوم بين العرقيات فى جنوب مصر والذى يبرز فى حوادث الثأر على فترات متباعدة وفى مواسم الانتخابات البرلمانية.
يعيش فى محافظة أسوان عدة شرائح اجتماعية وعرقية منها النوبيون وينقسمون داخليا إلى "الفاجيكا" و"الكنوز" وهى قبائل تتسم بالانغلاق على ذاتها اجتماعيًا وتحافظ على عدم اختلاط نسبها بالمجتمع برفض تزويج فتياتها من العائلات والقبائل الأخرى إلا فى حالات معدودة ولأهل النوبة خصوصيتهم الثقافية والاجتماعية ومنها العادات والتقاليد اليومية والتى يحافظون عليها حتى الآن.
ويعيش فى مدينة أسوان قبيلة الهلايل "بنى هلال" ويطلق عليهم " الجمص" ويعملون فى مهن مختلفة بالإضافة إلى الأسوانيين وهم أقدم من سكنوا المدينة بعد أهل النوبة والوافدين من المحافظات المصرية المختلفة.
قبل اليوم لم تكن أسوان فى مرمى البصر فيما يتعلق بإشكالية العرقية، إذ تتسم المدينة بالهدوء الشديد وتظهر كمدينة تحتوى الكثير من الأعراق والقبائل والشرائح الاجتماعية دون تعارض مع بعضها البعض وربما أسهمت السياحة التى تعتبر عماد المحافظة اقتصاديًا فى تنحية العرقية جانبًا فى الحياة اليومية عند السكان مع الأخذ فى الاعتبار بعضًا من العنصرية تجاه الغرباء من المحافظات الأخرى من قبل السكان الأصليين.
مذبحة "بنى هلال" بين الهلالية و"الدابود" وهم من أهل النوبة على اختلاف أسبابها التى تنوعت وفق عدة روايات من الأهالى تنوعت بين الازدراء الاجتماعى والخلاف السياسى بين الطرفين.
هذه المذبحة تصدر صورة سوداء حال بقاء العرقيات على حالها دون محاولة جدية لإذابتها فى المجتمع المصرى فعلى طول الوادى تعيش القبائل العربية التى وفدت من شبه الجزيرة العربية، إلى مصر بعد الفتح الإسلامى لها وهى عرقيات مختلفة الأنساب والأصول المكانية وكانت تلك القبائل جزءا من المعادلة السياسية فى مصر على مر التاريخ منذ عصر المماليك وحسب وثائق تعود لعام 1159 الهجرى فإن الأمير همام بن يوسف المعروف ب"شيخ العرب همام" صاحب أول مشروع لاستقلال الصعيد عن دولة المماليك عقد حلفًا مع 26 قبيلة تسكن الصعيد لتحارب معه ضد على بك ومن عصر المماليك حتى عصر الرئيس الأسبق "مبارك" فإن الحزب الوطنى المنحل استثمر العرقيات لتمديد احتكاره للسلطة.
وحسب باحثون فان المشكلة الحقيقة فى التعصب القبلى عندما لا يكون هناك انتماء آخر يتعصب له المرء فلا يجد أمامه إلا انتماءه لأسرته أو قبيلته ويكون نتاج ذلك سلبيًا إذ يهدد السلام الاجتماعى ويقف حائلا دون التعاون اللازم للخروج بالمجتمع من مرحلة الفقر والتخلف إلى التنمية والرخاء.
ويرى سياسيون أن غياب الوعى السياسى ساهم بنصيب كبير فى تعميق التعصب القبلى ذلك أن الحماس للانتماء السياسى يمكن أن يجمع بين القبائل المختلفة فى إطار واحد لتحقيق برنامج معين فى سبيل الصالح العام لآن الحماس بل وحتى التعصب الحزبى لا يهدد السلام لأنه فى آخر الأمر لم يخرج عن كونه مناقشات ومساجلات كلامية فحين أن المواطن مستعد للتعصب لقبيلته بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة وقد يدفعه هذا التعصب القبلى إلى بذل دمه.
وبعد ثورة 25 يناير 2011 زادت النعرات القبلية وزاد نفوذ القبائل فى محافظات الصعيد تزامنًا مع الانفلات الأمنى والتى لعبت فيه القبائل دورًا إيجابيا فى حفظ الأمن بعد انهيار وزارة الداخلية وحرس أفرادها السجون والمنشآت الحكومية والطرق بالتزامن عززت تلك القبائل من نفوذها بشراء أسلحة من ليبيا بكميات كبيرة ومتنوعة ما بين الخفيفة والثقيلة وانتبه نظام الإخوان إلى ذلك فغازل القبائل وعقد الرئيس المعزول محمد مرسى اجتماعًا مع ممثلى القبائل فى قصر الاتحادية وتراجع الإخوان وقتها عن تطبيق قانون العزل السياسى الذى كان سيطبق على القيادات القبلية من أعضاء المجالس النيابية.
ووفق مراقبون فإن بقاء العرقيات القبلية على حالها يشكل قنبلة موقوتة تهدد محافظات الصعيد خاصة مع امتلاك القبائل ذات النفوذ لترسانات أسلحة موزعة على أفرادها.
الداخلية..لا تتدخل
كتب : سعيد صلاح
على طريقة التصريحات الصادمة التى تعودنا عليها من الحكومات المتعاقبة، خرج علينا اللواء حسن السوهاجى مدير أمن أسوان من جوف الأحداث المشتعلة فى أرض النوبة بتصريح بارد يقول فيه: (الأمن لا يتدخل فى النزاعات القبلية)، محاولا تبرير فشلة التاريخى فى اختبار الدم الذى خاضه الوطن كله على أرض النوبة.. الأمن لا يتدخل.. فمن يتدخل إذن؟ التصريح «السوهاجى» الغريب يكشف حقيقة مرة عن الواقع فىالصعيد وليس فى أسوان فقط .. سلاح فى يد الجميع وخروقات أمنية كارثية على الحدود الجنوبية والغربية فيأتى السلاح متدفقا من السودان وليبيا، ليدخل مضمار السباق بين الاغنياء الذين يتبارون ويتفاخرون بحمل أحدث أنواع الأسلحة كنوع من الوجاهة والنعرة القبلية، ولا يقتصر الأمر على ذلك بل ينضم إليهم الفقير ولكن ليس تفاخرا بل بحثا عن توفير الحماية الذاتية لنفسه ولأفراد عائلتة فيفضل شراء سلاح حتى وإن كان لا يملك قوت يومه، وبين ثقافة متأصلة فى مجتمع الجنوب تقضى بضرورة حمل السلاح وثقافة أخرى لا تقل تأصيلا عنها فى عقول الضباط بأن خدمته فى الصعيد "تكدير" أو فترة عقوبة لابد وأن يقضيها بالطول والعرض ليعود إلى الشمال مرة أخرى أو القاهرة الكبرى فيكون أداؤه الأمنى محاطًا بكثير من التحفظ بل والتردد، بالإضافة إلى النقص العددى والنوعى الواضح فى عدد رجال الشرطة وتسليحهم، وبين هذا وذالك يظهر التفسير المنطقى لتصريح اللواء حسن السوهاجى بأن الأمن لا يتدخل.. هو فعلا لا يتدخل لأنه لا حول له ولا قوة أمام هذه الكمية الرهيبة من الأسلحة، بالاضافة إلى العصبية القبلية التى ستستمر فىالجنوب لفترات طويلة قادمة بسبب هجرة النخبة المثقفة والمتعلمة إلى الشمال بحثا عن فرص العمل والحياة المتطورة سيظل الخلل الأمنى موجودًا فى مثل هذه الأزمات لأن دوره كان وما يزال مؤقتا، يتدخل ليطفىء النار أو يمنع تأججها دون تحقيق أى تقدم لأن دوره الاستباقى أو الوقائى الذى يقون به الأمن الوقائى فى البلدان الأخرى غائب تماما، لأن هذه هى طبيعة «حروب الدم».. تبدأ فجأة وتخمد فجاة , وتظل النار تحت الرماد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.