مر المجتمع بتحولات كبيرة على عدة مستويات «المحلى - الإقليمى - الدولى» وانعكست فى شتى مجالات الحياة، وبالأخص التغير الذى طال خطابنا الدينى، فأصبحنا نطالع يومياً على صفحات الجرائد والمجلات عناوين موضوعات حول الخطاب الدينى ولغته وكيفية تجديده، ومواصفات الداعية الذى يصلح لتناول موضوعات الدين ومن ثم فوضى الإفتاء التى ثار عليها الكثير من الجدل فيمن هو الشخص المؤهل للقيام بالإفتاء، وقد تناول العديد من الباحثين فى عدة ميادين منذ فترة موضوع الخطاب الدينى بالبحث من عدة جوانب لأنه كان وقتها ميدانا جديدا وجديرا بالبحث وبالأخص بعد انتشار ظاهرة الدعاة الجدد بموجاتها، ولكن السؤال الذى يدور فى ذهنى الآن هل اختفى الدعاة الجدد بخطابهم الحداثى أم ماذا حدث لهذه الظاهرة التى انتشرت ووصلت إلى أوجها قبل ثورة 25 يناير .2011 وبداية لكى نرصد التحول الذى حدث فى الخطاب الدينى علينا أن نعرف من هم الدعاة الأوائل الذين التف حول خطابهم الفقراء قبل الأغنياء لطريقتهم الجذابة وأسلوبهم المبسط، وجاء على قمتهم الشيخ الشعراوى بالتأكيد وخطب الشيخ الغزالى والشيخ جاد الحق على جاد الحق المدافع عن دور الأزهر، ومن بعدهم فشلت كل محاولات سد الفراغ الذى تركه هؤلاء الشيوخ الكبار حتى مرت الأيام، ولعبت بنا التغيرات ليظهر لنا جيل من الدعاة مغاير تماماً لمن قبله ويطلق عليهم ظاهرة «الدعاة الجدد» ليخرج علينا د.عمرو خالد بخطاب دينى إصلاحى، وزى عصرى يختلف عن مظهر شيوخ الأزهر الذى اعتدنا عليه ومن ثم توالت الأسماء تحت مسمى الدعاة الجدد فظهر صفوت حجازى ومن ثم مصطفى حسنى ومن بعدهم معز مسعود، ولكننا نلحظ الآن أن هناك اقتصارا على برنامج دينى لبعضٍ منهم يعرض فى رمضان وبدون جماهيرية واسعة مثلما كان من قبل.
ومع قيام ثورة يناير بدأت تظهر خريطة جديدة للخطاب الدينى وهو صعود موجة الإسلام السياسى، لأن الكل يريد أن يشارك فى السياسة والوضع الجديد للبلاد، ومع ظهور عقليات مختلفة للشباب اتضحت بعمق خلال الثورة كان من الضرورى أن يفرز خطاب دينى مختلف، ولذلك ظهر خطاب سياسى ذو طابع دينى لا نقدر على أن نصفه بأنه خطاب دينى خالص، وانعكس ذلك فى عدة ممارسات فمثلاً عمرو خالد ظهر ليكون حزباً أياً كان مسمى الحزب أو فكره الإصلاحى الاجتماعى فهو فى النهاية يدخل ضمن المنظومة السياسية.
وأطل علينا الشيخ مظهر شاهين وهو شيخ أزهرى وإمام مسجد عمر مكرم الذى كان فى قلب أحداث ميدان التحرير، لكننى أرى أن حديثه كله سياسى ولكنه يأتى فى ظل عباءة وعمامة رجل الدين، ولم يمر وقتٍ طويل على ذلك حتى ظهرت علينا جماعة الإخوان المسلمين التى أرادت أن تستولى على الحكم رافعة شعاراتها الدينية ومقدمة خطاباً مغايراً تماماً من قبل رجالهم صفوت حجازى - وجدى غنيم - عبدالله بدر - محمود شعبان.. وغيرهم كثيرين وهو خطاب يتسم بالعنف والشدة والسخرية الفاجة من الآخرين، خطاب طائفى يقسم المسلمين من داخله والمسيحيين عن المسلمين وهو ما لم يكن يعتاده المجتمع من قبل.
ومن هنا نجد أن السبب الرئيسى فى اختفاء الخطاب الدينى هو موجات التخبط الشديدة التى مر بها المجتمع فى الفترة الأخيرة والتغيرات فى موازين القوى الإسلامية الدعوية، وفقدان الثقة فى شيوخه ودعاته، بالإضافة إلى انقسام المجتمع حول هؤلاء، بالإضافة إلى ظهور موجة رافضة لتوظيف الدين فى الخطاب العام وبالأخص الربط بين الدين والسياسة بعد أن مر المجتمع بتجربة خطاب جماعة الإخوان، ومن ناحية أخرى أصبح الناس منشغلين بالسياسة أكثر من انشغالهم بالشأن الدينى.
ولكنى أتنبأ أن الفترة القادمة سوف تشهد صعودا لشيوخ الأزهر وتصاعد تيار الإسلام المعتدل الذى يفضله دائماً الشعب المصرى ويجتمع عليه، وبدأت بالفعل مظاهر هذا التنبؤ تظهر على إذاعة القرآن الكريم بعد أن خطفت لمدة عام كامل طوال حكم الإخوان لصالح خطابهم المتطرف.