علي مدار سنوات طويلة ظل الأزهر الشريف هو المرجعية الوحيدة في ساحة الفكر الديني.. وكان قادرا علي ضبط أمور هذه الساحة، فكان صوته هو الأعلي وكلمته هي حكما نافذا بلا نقض أو مراجعة.. ولم يعد الأمر كذلك اليوم.. لماذا؟ هل هناك أسباب لا دخل للأزهر فيها؟ أم أن هناك أسبابا أخري لرجال الأزهر فيها دخل كبير! كان الفكر الديني يتمتع بالحيوية والقبول من الأزهر الشريف.. فأصبحنا الآن نعيش في حالة من الركود تسمح لكل من يريد ان يجلس علي مقعد الإفتاء يفعل ذلك دون حرج، وتعددت الجماعات الإسلامية والسلفية والإخوان المسلمين وتيارات سياسية ترتدي ثوب الإسلام وتفسيرات وفتاوي من هذه الجماعات، ومشايخ يفتون في كل شيء من السياسة إلي الاقتصاد والوضوء والاختلاف علي كيفية دخول بيت الراحة ليصبح المسلم في حيرة من أمره! والأزهر غائب عن الساحة علما بأن له تواجدا مكثفا شكلا في المعاهد الأزهرية المنتشرة في ربوع مصر وجامعة الأزهر التي تعددت وتنوعت كلياتها في كل مجالات العلم والمعرفة وعلوم الدين الإسلامي! ومع ذلك كان خريج الأزهر الشريف مهيئا لابداء الرأي والفتوي بصحيح الدين والآن لم يعد كل المتخرجين من الأزهر يصلحون للفتوي ودخل مجال الفتوي من لم ينهل من علوم الازهر الشريف ومن غير المؤهلين دراسيا باعداد يصعب حصرها!. ومع كل هذا فان هناك فراغا في مجال الدعوي أدي إلي ظهور قيادات دينية أصبح لها التأثير الأكبر علي الشباب والشيوخ بعد انتشار وتعدد القنوات الفضائية والبرامج الدينية، وأصبحت الدعوة مستباحة لكل من اراد ان ينصب نفسه داعية وفقيها ومفتيا، وبعضهم يردد من كتب قديمة مليئة بأفكار متطرفة نشأت في ظروف سياسية خاصة في عصرها. لم يقم الأزهر بدوره في مراجعة هذه الكتب والأفكار وتنقية التراث من الأفكار الدخيلة والاحاديث الموضوعة والمغلوطة والدخيلة علي الإسلام! ليس غريبا أن تعلن وزارة الأوقاف عن ان 09٪ من المتقدمين لوظائف خطباء المساجد رسبوا في الاختبارات، ولو تم اختيار الدعاة الحاليين لرسب عدد كبير منهم! عمليات الفتوي المستمرة من الجماعات الإسلامية والسلفيين والإخوان جعلت المسلمين وغير المسلمين في حيرة من أمرهم. فيما أعلنه المتحدث باسم تيار الدعوة السلفية مؤكدا ان قيام الدعوة السلفية بدأ بالفعل في ممارسة الحياة السياسية في مصر والمشاركة في الانتخابات، مؤكدا علي ان الانتخابات التي تجري في مصر هي وسيلة غير شرعية اصلا!! موضحا ان مخالفة الانتخابات للشريعة تأتي بسبب انها تجري علي أساس نظام ديمقراطي يخالف نظام الحكم الإسلامي!! ولو ان الدعوة السلفية ممكنة في الأرض -حسب قوله- فلن تتبني سوي النموذج الإسلامي، مشيرا إلي ان إحدي مشكلات الإخوان المسلمين هي اضطرارها إلي الثناء علي النموذج الديمقراطي بل انها وصلت إلي درجة أن أسمي أمانيها هو تطبيق هذا النموذج الذي يخالف الإسلام!! وأضاف المتحدث باسم السلفيين! ان الديمقراطية تقييد يحكم الشعب وهذا ما يخالف الحكم الإسلامي الذي لا يقيد إلا بالشرع. وأضاف ان معارضة الحاكم ليس من الإسلام، وهناك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون تحزيب الناس، كما اننا لا نعرف تداول السلطة، لان عقد الإمامة »مدة حكم الرئيس« أبدي مدي الحياة إلي إن يموت الإمام أو يطرأ عليه ما يوجب خلعه، مؤكدا أن تقييد مدة الحاكم هو تأثر بالديمقراطية الغربية! أضاف: مؤكدا ان المجالس النيابية ليست من الإسلام والمجالس تخصص فقط للمجتهدين في العلم الذين تعرض عليهم كل الأمور التي تتعلق بنواحي الحياة للافتاء فيها.. وقال لقد استبشر السلفيون خيرا بصعود التيار المحافظ علي حساب التيار الإصلاحي لكننا فوجئنا بمرشد الاخوان يقول ان الانتخابات سوف تفرز الاصلح سواء كان مسيحيا أو مسلما وهذا يخالف الإسلام »علي حد قول المتحدث باسم السلفية« لاننا نشترط في أصل الشوري الاجتهاد وليس فقط الإسلام فكيف يكون الاصلح غير مسلم؟! وهذا كلام المتحدث باسم السلفيين! لقد استباح التيار الديني لنفسه ان يستخدم الدين في السياسة وأفتي بأن من يقول »نعم« للتعديلات الدستورية سيدخل الجنة ومن يقول »لا« فمآله جهنم وبئس المصير!! أين الأزهر من هذه الأفكار والآراء التي تمس جوهر الإسلام؟ لقد امتلأت الساحة بكل التيارات الدينية المسلمة وغير المسلمة وغاب الأزهر! من يصحح هذه الأفكار والعقائد، من يحافظ علي الدولة المدنية والمرجعية الإسلامية، من يبعد السياسة عن الدين وينأي بالدين بعيدا عن السياسة! ان القنوات الفضائية تعمل ليل نهار ماكينة في اصدار الفتاوي والتفسير للأحاديث القدسية، والنبوية الصحيحة وغير الصحيحة والمغلوطة، إلي فتاوي في أشياء أصبحت ثابتة ومستقرة لكننا نعيدها اليوم ونسمع العجب العجاب وفي أشياء لاتحتاج إلي فتوي من أصله! منذ سنوات طويلة ونحن نسمع عن تطوير الخطاب الديني لكن ظل كما هو، بل يزداد تشددا مع كل حادث يلبسونه ثوب الطائفية زورا وبهتانا! حتي الأمور الشخصية والحياتية للمسلمين تنازعتها الفتاوي والتفاسير التي تتعارض مع صحيح الدين وليس أدل علي ذلك من الآباء الذين يتضررون من قانون الرؤية الذي يتعارض مع صحيح الإسلام وينتج عنه مآس وخلافات أخري بالنشء وبالاسرة المصرية.. أين الأزهر من كل ذلك! هل هذه الامور تنتظر عقد لجان وانشاء هيئات واجتماعات؟! ملف العلاقات المسيحية الإسلامية وما يتبعها من حدوث تواترات طائفية بالكامل ترك للحلول الأمنية، من جهاز أمن الدولة قبل 52 يناير وبعدها ترك الملف لعدد من المشايخ الذين أصبحوا يتصدرون المشهد السياسي من أمثال الشيخين محمد حسان وصفوت حجازي وعدد من مشايخ السلفيين. إذا وقع حادث طائفي فعلي الفور يطلب توجيه المشايخ لإطفاء النار وتهدئة النفوس ونسأل أين الأزهر وفضيلة الإمام ورجاله أبناء الأزهر الشريف في مثل هذه المواقف فلا نري لهم أثرا سوي في الصورة التقليدية التي مللنا من تكرارها..! فضيلة الإمام الأكبر إن وجود مستشارين إعلاميين أو متحدثين باسم فضيلتك لا يغني عن تواجدك وسط أبناء الشعب يسألونك فتجيبهم ويستفتونك فتفتيهم، هناك الملايين من المسلمين في مصر وخارجها يترقبون وينتظرون رأي فضيلتكم فيما يجري من أحداث في مصر والمنطقة العربية والاسلامية. الأزهر يحتاج إلي تطوير شامل وفي كل مجالات العلم والدعوة الإسلامية، الأزهر ليس زيا فقط.. ويجب ان يتطور ليساير تطور المجتمع مع الحفاظ علي جوهر الدين الإسلامي حتي لا نتجمد في مواقعنا والعالم ينطلق من حولنا بسرعة الصاروخ! أخيرا: لماذا يصر المسئولون عن الأزهر علي عدم الاعتراف بوجود الفراغ الديني وبتراجع دور الأزهر وتأثيره وبانتشار العشوائيات في الفكر والافتاء.. مع أن ذلك أول طريق الإصلاح.