توفير الطاقة ودعمها فى مصر أصبح مشكلة كبيرة ويمثل دعم الطاقة ما تتحمله الدولة نتيجة لبيع المواد البترولية بأسعار تقل عن تكلفتها بالسوق المحلية، ويزداد من سنة لأخرى بصورة كبيرة تثقل كاهل الدولة وقد لا تستطيع تحمله فيما بعد.. ورغم أن دعم الطاقة يلتهم ما يقرب من خمس قيمة الموازنة العامة للدولة، إلا أن الفقراء ومحدودى الدخل المستحقين للدعم لا يشعرون به، لأنهم لا يحصلون عليه، إنما يحصل عليه الأغنياء وأصحاب الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة كمصانع الأسمنت والحديد والألومنيوم والزجاج، ويترجم دعم الطاقة للفقراء إلى أرباح خيالية تدخل خزائن أصحاب هذه الصناعات. فدعم الطاقة نشأ فى العهود السابقة لأن المنتجات الصناعية كانت تخضع لنوع من التسعير الجبرى، وكانت الدولة تتحمل الفرق بين تكاليف الإنتاج وإيرادات البيع، لذلك كان لدعم الطاقة ما يبرره وقتها، أما الآن فلم يعد هناك تسعير جبرى للمنتجات الصناعية وأصبح الربح هو المحدد الأساسى فى إدارة القطاع الصناعى، فأصحاب المصانع يحصلون على دعم الطاقة ولكنهم يقومون بتصدير معظم إنتاجهم للخارج، وبذلك الدولة تدعم المواطن الأجنبى لا المصرى، كما أنهم يبيعون بالسوق المحلية بالسعر العالمى، وبذلك حُرم المستهلك المصرى من حقه فى الدعم، لذلك أصبح لزاما على الدولة حاليا ضرورة إلغاء دعم الطاقة عن هذه المصانع وعدم قبول الحجج الواهية التى يطلقونها من أن إلغاء دعم الطاقة سوف يؤثر على الفقراء ويرفع الأسعار للأضعاف فهذه فزاعة حتى لا يتم إلغاء دعم الطاقة عن أصحاب هذه المصانع حتى يظلوا محتفظين بنسبة أرباحهم الطائلة ويحصلون عليها كما هى، فقد أكدت دراسات أن الطاقة لا تمثل سوى ما بين 3٪ إلى 5٪ من مدخلات الإنتاج، لذلك فإنه إذا تم إلغاء دعم الطاقة، فإن تكاليف الإنتاج سوف ترتفع بما لا يزيد على 3٪ إلى 5٪ وهى نسبة مساهماتها فى تكاليف الإنتاج، والدليل أن أصحاب المصانع لا يعنيهم سوى المحافظة على نسبة أرباحهم العالية كما هى.
والأهم أن لدينا أزمة شديدة جدا فى الطاقة الواردة لتشغيل محطات الكهرباء، فهى لا تكفى لتشغيلها مما أدى لتوقف عدد من محطات إنتاج الكهرباء، مما تسبب فى مشكلة انقطاع الكهرباء بصفة يومية بمختلف محافظات الجمهورية.
أكد الدكتور عبدالنبى عبدالمطلب الخبير الاقتصادى ومدير عام التحليل الاقتصادى بوزارة التجارة الخارجية أن توفير الطاقة فى مصر أصبح مشكلة مزمنة، وأزمة الطاقة أننا ننتج أقل من احتياجاتنا، وسبب تفاقم الأزمة هو غياب البيانات والمعلومات عن احتياجات المصريين الحقيقية من الطاقة، فليس لدى الدولة دراسات توضح الاحتياجات اليومية والسنوية، لذلك عندما تحدث مشكلة فى الطاقة تقوم الدولة بزيادة الكميات بأى طريقة، أى أن الدولة تتبع سياسة رد الفعل، فعندما تحدث مشكلة نبدأ فى محاولة البحث عن حل لها، ولكننا نجد أنه حتى بعد زيادة الكميات فإن المشكلة مازالت قائمة، وذلك لعدم وجود دراسات وبيانات دقيقة للاحتياجات الفعلية للسوق المصرية من الطاقة، وأيضا من أسباب تفاقمها عدم وجود الرقابة اللازمة، فمثلا يتم إنتاج «مليون و200 ألف» أسطوانة بوتاجاز فى اليوم للاستخدام المنزلى، وهذا الإنتاج أكثر من 20٪ من الاحتياج الفعلى، ورغم ذلك يشعر المواطن بأزمة، وسببها أن هذه الأسطوانات لم تذهب كلها للمنازل، حيث شارك فى استخدامها مسابك صهر المعادن، ومزارع تربية الدواجن والمحلات وغيرها، وبذلك استولى مستهلكون آخرون على معظم الحصة المخصصة للاستخدام المنزلى، لذلك مهما تزيد الدولة من إنتاج سيظل المواطن يشعر بأزمة.. مشيرا إلى أنه من أهم الأسباب لأزمة الطاقة هو دعم الطاقة الذى يلتهم ما يقرب من خمس الموازنة العامة للدولة، ومن منحنى دعم المواد البترولية فى مصر نلاحظ تزايده بصورة كبيرة من سنة لأخرى، فقد كان عام 2010-2011 نحو 7,76 مليار جنيه، وفى عام 2011-2012 نحو 5,95 مليار جنيه وفى عام 2012-2013 نحو 115 مليار جنيه، وفى العام الحالى 2013-2014 يتوقع أن يصل بنهاية العام فى يونيو القادم نحو 140 مليار جنيه، وإذا استمرت نفس السياسات والاحتياجات فإن دعم الطاقة فى موازنة العام القادم 2014-2015 متوقع أن يرتفع إلى 200 مليار جنيه، وهذا يعطى مؤشرا أننا فى طريقنا إلى كارثة فى مجال الطاقة، وقد كان مقبولا فى عهود سابقة أن يتم دعم الطاقة أو توفيرها بأسعار منخفضة للأغراض الصناعية، لأن المنتجات الصناعية كانت تخضع لنوع من التسعير الجبرى، وكانت الموازنة العامة للدولة تتحمل الفرق بين تكاليف الإنتاج وإيرادات البيع، ومن هنا كان الدعم للطاقة له ما يبرره، ولكن فى ظل العولمة حاليا أصبح الربح المحدد الأساسى فى إدارة القطاع الصناعى لذا أصبح من الواجب حاليا إعادة النظر فى دعم الطاقة خصوصا أن التقارير تشير إلى أن الجزء الأكبر من دعم الطاقة لا يذهب إلى المواطنين الفقراء ومحدودى الدخل المستحقين له بل يذهب إلى الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة كالأسمنت والحديد والألومنيوم والزجاج، ويترجم دعم الطاقة لهذه الصناعات فى صورة
أرباح خيالية تدخل خزائن أصحاب هذه الصناعات، حيث يقومون بتصدير معظم إنتاجهم للخارج وبذلك كأن الدولة تدعم المواطن الأجنبى، كما أن ما يبيعونه من منتجاتهم بالسوق المحلية يبيعونه بالسعر العالمى، وبذلك تم حرمان المستهلم المصرى من حقه فى الدعم.
وأضاف عبدالمطلب أنه أصبح من الضرورة حاليا اتخاذ الإجراءات اللازمة لترشيد دعم الطاقة، ومنها أولا : إلغاء دعم الطاقة للمصانع التى تبيع منتجاتها بنفس أسعار السوق العالمية، وعدم قبول الحجج القائلة بحماية صناعة وطنية أو تأثر الطبقات الفقيرة أو ارتفاع الأسعار، لأن رجال الأعمال يستخدمون فزاعة ارتفاع الأسعار إذا تم إلغاء دعم الطاقة وتحرير أسعار الطاقة حتى لا يلغى الدعم عنهم ليظلوا محافظين على مستوى أرباحهم العالية كما هى، فإلغاء دعم الطاقة لن يؤثر على الطبقات الفقيرة كما يروجون، كما أن إلغاء دعم الطاقة لن يرفع الأسعار للأضعاف نتيجة ارتفاع تكاليف الإنتاج كما يصورون، وهذا ما خلصت إليه دراسات من أن الطاقة تمثل ما بين 3٪ إلى 5٪ فقط من مدخلات الإنتاج، ممثلا فى صناعة الأسمنت تمثل الطاقة جزءا من تكاليف الإنتاج حيث يوجد تكاليف أخرى تمثل النسبة الأكبر فى تكاليف الإنتاج مثل المواد الخام والعمالة والآلات والتخزين والتسويق والإدارة، لذلك فإنه فى أسوأ الأحوال إذا تم إلغاء دعم الطاقة فإن تكاليف الإنتاج سوف ترتفع بما لا يزيد على 3٪ إلى 5٪ فقط وهى نسبة مساهماتها تكاليف الإنتاج.
ثانيا : التوسع فى استخدام الغاز الطبيعى فى الصناعة والمنشآت السياحية ووسائل النقل، وإحلاله مكان الطاقة التقليدية، وهذا يوفر نحو 20٪ من قيمة الدعم المقدم للطاقة.
ثالثا : اتباع إجراءات فورية تحقق توفير فى المبالغ المنصرفة على دعم الطاقة، مثل تطبيق منظومة توزيع السولار بالبطاقات الذكية على القطاعات المختلفة والذى يحقق وفرا (24 مليار) جنيه، وتطبيق منظومة توزيع البنزين بالبطاقات الذكية والذى يحقق وفرا 7,9 مليار جنيه، وتطبيق منظومة توزيع البوتاجاز بالكوبونات على الأسر المستحقة والذى يحقق وفرا يقدر ب 6,2 مليار جنيه، أى أن إجمالى الوفر فى المبالغ المنصرفة على دعم الطاقة إذا تم اتباع هذه الإجراءات سوف يصبح 3,36 مليار جنيه، بما يمثل حوالى 30٪ من مبلغ دعم الطاقة، مما يعنى أن هذه الإجراءات سوف توفر ما يقرب من ثلث قيمة الدعم الذى تنفقه الدولة وتتحمله الموازنة العامة ويمنع تسريب المواد البترولية فى غير قنواتها الشرعية.
ومن ناحيته أوضح محمود عبدالعزيز رئيس قطاع الرقابة والتوزيع بوزارة التموين أنه لم يتم تفعيل إلا المرحلة الأولى من الكروت حاليا، للرقابة على المواد البترولية، عن طريق كارت يعطى للسيارة الخارجة من المستودعات الرئيسية ومحملة بالوقود أثناء ذهابها إلى المحطات، فإذا تم تسجيل هذا الكارت بمحطة الوقود فإنه يتم التأكد بذلك من وصول الكمية لمكانها، أما إذا لم يتم تسجيل الكارت بمحطة الوقود فإنه بذلك يكون قد تم تهريب هذه الكمية، وبذلك يتم إحكام الرقابة والسيطرة على الكميات الخارجة من المستودعات الرئيسية إلى محطات الوقود، أما المرحلة الثانية فمازالت وزارة البترول تستكمل طباعة وتفعيل منظومة الكروت الخاصة بها، وفى هذه المرحلة يحصل كل مواطن مصرى يمتلك سيارة مسجلة فى المرور على كارت يصرف من خلاله البنزين لسيارته، وبذلك سيتم الترشيد كما أن السائح والمواطن الأجنبى المقيم بمصر سيحصل على الوقود بالسعر الحر ولن يأخذ من الوقود المدعم، وأما المرحلة الثالثة فستكون «كروت» لمن يستحق الدعم.
ومن جانبه أكد أحمد الزينى رئيس شعبة مواد البناء بغرفة القاهرة أن أصحاب مصانع الأسمنت اتفقوا على افتعال أزمة بالنسبة للطاقة الواردة لمصانعهم، حيث رفعوا أسعار الأسمنت بطريقة جنونية وأرجعوا هذه الزيادة فى الأسعار إلى نقص معدلات الطاقة التى ترد لمصانعهم، والحقيقة أنه لا توجد أزمة كما يدعون، والدليل أن إنتاج العام الحالى يصل إلى 50 مليون طن وهو نفس إنتاج العام الماضى، والسبب الحقيقى لرفعهم الأسعار بهذه الطريقة الجنونية أنهم محتكرون، فإنهم ما إن شعروا أن الدولة قد تتجه لإلغاء دعم الطاقة وتحرير أسعار الطاقة حتى قاموا برفع الأسعار حتى يظلوا محتفظين بأرباحهم الطائلة كما هى، وأكبر دليل على أنه يوجد احتكار، هو أن عدد الشركات المنتجة للأسمنت عام 2010 كان 16 شركة، إنتاجها 43 مليون طن، ثم ارتفع عدد شركات الأسمنت عام 2012 إلى 21 شركة تنتج نحو 51 مليون طن، وبالتالى فإن زيادة عدد الشركات وزيادة كمية الإنتاج طبقا لقاعدة التنافسية أن تنخفض الأسعار، ولكن ما حدث حاليا هو أن الأسعار ارتفعت بالاتفاق فيما بينهم.. متعجبا من عدم انخفاض الأسعار فقد كان سعر طن الأسمنت 550 جنيها فى ديسمبر الماضى، وحاليا ارتفع سعر الطن إلى 800 جنيه، مما يؤكد أن هناك احتكارا، حيث تستغل هذه الشركات الظروف السياسية والأمنية التى تمر بها البلاد وعدم وجود رقابة عليها وتتجه لرفع أسعار منتجاتها لتحقيق أرباح طائلة.. مستنكرا عدم تدخل جهاز منع الاحتكار للتحقيق فى ذلك.. قائلا إذا كان جهاز منع الاحتكار لم يستطع أن يؤدى دوره فليتم إلغاؤه ونوفر الميزانية التى يأخذها من الدولة.. مستطردا: إن رئيس جهاز حماية المستهلك عندما دعاهم للاجتماع بسبب رفعهم أسعار الأسمنت بطريقة مبالغ فيها، ذهبوا ولكنهم رفضوا استكمال الاجتماع حتى لا يكون عليهم التزامات فى شىء.
وأضاف الزينى: إن الطاقة شماعة يعلقون عليها زيادة أسعار الأسمنت، فحتى إن أعطيناهم الطاقة بالمجان فإنهم لن يخفضوا الأسعار، بل سيرفعونها بقدر ما يستطيعون لتضخيم أرباحهم، حيث إن أسعار بيعهم للأسمنت لا علاقة لها بالتكلفة الفعلية وتحديد هامش ربح معقول، فمثلا شركة أسمنت العريش حققت أرباحا نحو 450 مليون جنيه، وكانت الأرباح فى السنة التى قبلها والتى كانت أول سنة عمل لها نحو 445 مليون جنيه، وكان الأسمنت وقتها يباع بسعر 400 جنيه للطن، وإنتاجه لا يتعدى 5,3 مليون طن، مما يعنى أن ربحية الطن الواحد تقترب من 130 جنيها (450 مليون جنيه ارباح السنة، 5,3 مليون طن إنتاج السنة)، أى أن تكلفة الطن الواحد لا تتعدى 270 جنيها (400 جنيه سعر البيع للطن - 130 جنيها ربحية الطن)، ورغم أن تكلفة الطن كما هى ولا تتعدى 270 جنيها، إلا أنه يتم بيع طن الأسمنت حاليا بمبلغ 800 جنيه، أى أن أرباحهم أضعاف أضعاف التكلفة، لذلك فإنه من الغريب بعد كل ذلك أن أدعم هذه الصناعات.
وعن إمكانية مساهمة العلماء المصريين فى حل مشكلة الطاقة التقليدية فى مصر للتخفيف عن كاهل الدولة عبء توفيره ودعمها يؤكد الدكتور ماجد سيد أحمد -وكيل كلية العلوم لشئون خدمة الجتمع وتنمية البيئة بجامعة بنى سويف - أنه يمكن أن يساهم العلم والعلماء المصريون فى حل مشكلة الطاقة التقليدية للبترول ومشتقاته من خلال تفعيل البحوث، وليس من خلال استخدام الفحم كبديل للطاقة كما يقترح المسئولون فى مصر، فمجرد عرض هذا الاقتراح هو إفلاس، لأنهم بذلك تناسوا أنه إذا كان سعر الفحم رخيصا كوقود بالنسبة للمصانع، إلا أن تأثيراته السلبية على صحة المصريين والبيئة والاقتصاد والالتزامات الدولية تكون كلفته أكبر، حيث يؤدى الفحم عند استخدامه كوقود إلى انبعاث غازات ومواد شديدة الخطورة تسبب المرض للمصريين، وبذلك تزيد فاتورة علاج المواطنين والتى ستتحملها الدولة، وستقل الإنتاجية فى الإنتاج والتنمية، وبزيادة التلوث سينصرف السائحون عن القدوم لمصر، وستزيد نسبة تلوث البيئة فى مصر، مما سيلحق بمصر خسائر صحية واقتصادية وبيئية سوف يتحملها كل أفراد المجتمع حاليا ومستقبلا، فاستخدام الفحم يبدو رخيصا لمستخدميه بالمصنع، لكنه باهظ التكلفة للمجتمع ككل.. مضيفا أن الحل فى الاتجاه للطاقة الجديدة والمتجددة، مثل استخدام الطاقة الشمسية وطاقة الريح.
متعجبا من عدم تفعيل المسئولين فى مصر للبحوث والمشروعات الموجودة فى مجال الطاقة الجديدة والمتجددة، فمثلا يوجد مشروع كوم أوشيم للطاقة المتجددة بالفيوم والذى تم عمله فى أوائل التسعينيات، أى منذ أكثر من 20 سنة، وكان المشروع مبنيا على تحويل الطاقة بشكل متكامل، عن طريق أخذ طاقة الرياح ويعملها طاقة حركة، وطاقة الحركة يشغل بها مخمرات، بتطلع من الميكروبات البيوجاز، وهذا البيوجاز يجمع وتملأ به أسطوانات، ويشغلوا به الأفران، وقد أظهر هذا المشروع كفاءة ونتائج جيدة، لأنه كان ينتج طاقة بكميات يمكن استخدامها فعلا فى تدابير الحياة، وتم صرف مبالغ كبيرة عليه، لأنه كان مشروعا قوميا، ورغم ذلك لم يطبق حتى الآن.