فى عالم المحاماة الآن انتشرت ظاهرة «الفهلوى» الذى يسعى إلى إقامة العديد من القضايا التى تخص أحداثا جارية للشهرة، ومنهم من يهتم بعلاقات مع رجال الشرطة والمحليات ليستغلها فى تنفيذ الأحكام لصالح موكليه ويتحدث فى الهاتف أمام البسطاء من موكليه وكأنه يتحدث مع وزير أو أحد المهمين ويطلب منه مبالغ طائلة فى قضاياه. هؤلاء المحامون ما أكثرهم وللأسف لهم شهرة واسعة على المستويين الشعبى والسياسى، وبعضهم من الكبار يستخدم صغار المحامين من ذوى الكفاءة لكتابة قضاياهم وحضور الجلسات وفى بعض الأحيان بودى جارد خاص.
والحقيقة أن مهنة المحاماة ليست هى الوحيدة التى بها الفهلوى، فهى موجودة فى كل مهنة، وهو ما أدى إلى اختفاء مصطلح الكفاءة والمهنية وصعود الفهلوة، وقد قال المؤرخ محمد سعيد الصحاف من سنوات عديدة إن الانفتاح فى عهد الرئيس السادات أحدث انقلابا فى منظومة القيم فى مصر، فتحول المصرى من الإنتاج إلى الاستهلاك وحدثت خلخلة لطبقات المجتمع وقيمه وتآكلت الطبقة الوسطى كما أصبحت الخطوط الفاصلة بين الخطأ والصواب غير واضحة.
نصر الدين حامد مؤسس تيار مصر المستقلة وأحد شباب المحامين قال: المحامى الفهلوى هو الذى يلعب بالبيضة والحجر ويكون علاقات مع الشرطة لكى يكون مرشدا على موكليه ويسعى أيضا لإقامة علاقات فى المحليات لإنهاء مصالح موكليه فيها بالفلوس، ويضيف حامد.. أن هؤلاء المحامين يسعون إلى أن يكون مظهرهم جيدا مع السيارة التى تكمل المظهر وذلك لأن المجتمع المصرى ينظر إلى المظهر دون الجوهر لا ينظر إلى إذا كان المحامى فاهم قانون أم لا.
حامد أكد لنا أن 90٪ من المحامين الشباب يعتمدون فى عملهم على الفهلوة، والسبب فى ذلك كثرة عددهم وأن المجتمع لم يعد يهتم بالعلم بل بالسطحية، كما أن بعض القضاة ينظر إلى مظهر المحامى ويربط قناعته بالقضية بمظهر المحامى.
أضاف حامد.. إن كثيرين من كبار المحامين الفهلوية يعتمدون على شباب المحامين ليكتبوا لهم القضايا ويتفرغ هو للمظهر والبرستيج فقط، كما أنهم يستخدمون شباب المحامين فى العمل كبودى جارد، وللأسف كثير من شباب المحامين يضطر للقيام بمهام المحامى والبودى جارد بسبب احتياجه إلى المال.
فيما أكد لنا إبراهيم فكرى المحامى أنه كما أن هناك محامين فهلوية هناك أيضا قضاة فهلوية وهو ما يظهر عندما يرفع محام قضية للشهرة والفهلوة ونفاجأ أن القاضى يحكم فيها وهى التى كان يجب عليه رفضها لعدم الاختصاص.
المحامى الفهلوى كما يقول فكرى هو المحامى الذى يرفع دعوى ليس لها أى أساس قانونى، ولذلك نحن فى حاجة إلى تعديل منظومة العدالة، خاصة أننى أرى أن 70٪ من المحامين فهلوية وسبب ذلك يرجع إلى تخلى نقابة المحامين عن دورها فى إعداد المحامين وإغلاق معهد المحاماة الذى كان يجب على المحامى دخوله لمدة عامين قبل قيده فى جدول النقابة، وخلال هذين العامين يتعلم المحامي كيف يكون محاميا جيدا يبحث فى القضية التى يكتبها ويدافع فيها أمام القاضى بكلام قانونى ومبادئ قانونية جديدة لكن هذا المعهد أغلق منذ عام 1994 لهذا نجد الآن المحامى الفهلوى.
المستشار غبريال عبدالملاك رئيس مجلس الدولة السابق أكد أن بعض المحامين يرفعون قضايا أمام مجلس الدولة وهم يعلمون أنهم سيخسرونها لأنها تكون رُفعت بعد الميعاد القانونى ولكن يرفعها من أجل أن يحصل على أتعاب المحاماة وهو يعلم أنه سيخسرها لأنه يطعن على قرار من قرارات رئيس الجمهورية السيادية التى لا يجوز الطعن عليها، ويكون ذلك من أجل الشهرة كالذى يرفع قضايا لتعطيل الانتخابات أو الاستفتاء وهو يعلم أنه سيخسرها لأن الانتخابات والاستفتاء تأتى طبقا للدستور أو إعلان دستورى.
وأكد عبدالملاك أن القاضى يفهم ذلك جيدا لذلك كل قضايا الانتخابات والاستفتاءات غالبا يحكم فيها بعد إجرائها ولا يمكن أن نطالب بالحد من مثل هذه القضايا لأن حق التقاضى مكفول للجميع طبقا لجميع الدساتير المصرية المتعاقبة، ولكننا نعتمد على ضمير المحامى وحرصه على سير العدالة لأن كثرة مثل هذه القضايا تأخذ جهدا من القاضى والمحكمة وقد تؤثر على سرعة الفصل فى قضايا أخرى لضيق الوقت.
المستشار أحمد لطفى نائب رئيس هيئة قضايا الدولة قال لنا إن عمل المحاماة ليس عملا حسابيا بمعنى أنه يعتمد على الإبداع والتأصيل القانونى اللذين يعتمد عليهما المحامى فى الدعوى التى يقيمها أمام المحكمة مشيرا إلى أن العمل الإبداعى يختلف من محام إلى آخر ويختلف حسب فهم المحامى للنص القانونى ومدى تمتع المحامى بالإبداع والتأصيل يجعله يستمر فى الترافع فى دعواه وفى حالة رفضها فى أول درجة من درجات التقاضى يذهب بها إلى الدرجة الثانية، وأكد لطفى أيضا أن هناك محامين يرفعون القضايا التى يرفعونها وهم يعلمون أنه سيتم رفضها لأنهم ليسوا أصحاب مصلحة فيها ولكنهم يرفعونها للشهرة وإثارة الرأى العام وهى القضايا التى يصل عددها كل عام إلى أكثر من 4 آلاف قضية وهى التى تسمى فى هيئة قضايا الدولة بالقضايا الموسمية التى تقام ضد الحكومة والوزارات والهيئات فى مواسم الانتخابات والاستفتاءات، فالقضايا التى أقيمت ضد لجنة الخمسين والاستفتاء على الدستور والقضايا الخاصة بقطع العلاقات مع الدول الأخرى وطرد سفراء دول من مصر وصلت إلى 60 دعوى، منبها على ضرورة الحد من ظاهرة إقامة هذه القضايا لأنها تعطل المحاكم عن عملها وضرورة دفع رسوم التقاضى لأى شخص أو محام يقيم مثل هذه القضايا لأن الرسوم الكبيرة ستجعله يفكر كثيرا قبل رفعها.
بينما يرى المستشار أحمد الخطيب رئيس محكمة استئناف القاهرة أن هناك محامين يلجأون لتأخير الفصل فى القضايا ومد التقاضى ليس بالفهلوة ولكن بالقانون، لأن القانون منح للمحامى حق الدفاع عن موكله طالما التزم الإطار القانونى وهناك مواد تستخدم لأغراض مؤقتة كالمواد الخاصة برد القضاة والتى يهدف من خلالها المحامى إلى الاستفادة من تأخير الفصل فى الدعوى للتصالح مع المجنى عليه أو لإبعاد نظر الدعوة عن دائرة بعينها خشية أحكامها.
وهناك محامون يطيلون الدعوى بسبب طلب سماع عدد أكبر من الشهود مثل القضايا التى تهم الرأى العام لأنه يكون هناك ضغوط إعلامية وشعبية، ويرى المحامى أن يبعد المحكمة عن تلك التأثيرات الخارجية، وهناك من المحامين من يطعن بالتزوير على إيصالات الأمانة والشيكات للحصول على المزيد من الوقت حتى يتمكن المتهم من إتمام التصالح مع المجنى عليه ويؤكد المستشار الخطيب على أن كل ذلك يعتبر إجراءات قانونية عادية يحاول المتهم الاستفادة لأنها درجة من نصوص القانون.
أما المستشار على عبدالواحد رئيس محكمة الاستئناف فيقول: لابد أن نعترف أولا أن المحاماة رسالة سامية منها الوزراء وأصحاب الفكر والمناصب العليا فى جميع بلدان العالم وفى مصر نجد خريجى كليات حقوق ولكنهم ليسوا محامين لأنهم لم يحصلوا على تدريب أو تأهيل للبحث فى القضايا وقضايا الترافع أمام المحاكم.
النخبة ترى أن 5٪ فقط من خريجى كليات الحقوق ينجحون فى مهنة المحاماة من 100 ألف خريج وال 5٪ هم من لديهم الكفاءة والباقى نجدهم يعملون أى حاجة من أجل الحصول على أى شىء وهؤلاء يعرفون ب محامى «بير السلم» والباقون يفتقرون إلى المهنية والتأهيل الجيد وذلك بسبب تخلى كليات الحقوق عن دورها فى تأهيل وإعداد المحامى الجيد ولهذا يؤكد المستشار عبدالواحد على ضرورة إنشاء معهد لإعداد المحامى بنقابة المحامين لتدريبه على المهنة وعلى كيفية أداء عمله باحتراف ولابد من إنشاء شركات للمحاماة كما فى كل دول العالم المتقدم ويقول المستشار عبدالواحد على أن هناك كثيرا من كبار المحامين صحيفة دعواهم ضعيفة وهؤلاء صعدوا بالصوت العالى والفهلوة مشيرا إلى أن القاضى يقوم بجهد كبير فى حالة وقوف محام ضعيف مهنيا أو فهلوى أمامه ويحاول بعقيدته وخبرته ويقينه الوصول إلى الحقيقة.