فى وقت تشتعل كواليس الرئاسة والساحة السياسية بالجدال حول أن تكون الانتخابات الرئاسية أولاً أو «البرلمانية» أولاً أو «الاثنان معًا»، استطاعت روزاليوسف أن تخترق هذه الكواليس التى سيطرت عليها أجواء التخبط والحدة فى النقاش، خاصة فى أعقاب التراجع عن الإعلان عن موقف مباشر فى هذا الجدال المحورى بعد أزمة تصريحات د. على عوض الأخيرة وغيره من قيادات الفريق الرئاسى حول أن هناك ميلا كبيرًا أن تكون «الرئاسية أولا»، وبالذات أن الظهير الدستورى يجيز أن تكون «البرلمانية أولاً» رغم أن هناك مطالبات بأن يكون «الاثنان معًا» لتوفير النفقات المليارية على الموازنة المصرية التى تعانى وتسهيلا على الأمن والجيش!
تتزايد الأقاويل التى تسربت حول آراء المقربين من صناع القرار المصرى بعد انتهاء اللقاء الأول للرئيس مع الرموز الشابة، حيث كان أهم محور للنقاش هذه المسألة أو «الفزورة المصيرية»! المؤيدون للانتخابات البرلمانية أولاً أكدوا على الالتزام ببنود ترتيبات خريطة المستقبل، وهذا ضرورى لوحدة القرار داخل الدولة المصرية كما أن الدستور الجديد وضع الانتخابات البرلمانية فى الصدارة لأن المرشح للرئاسة لابد أن يحصل على توقيع 20 عضوًا من البرلمان الجديد، بينما المؤيدون للانتخابات الرئاسية أولاً أكدوا أن مصر فى حاجة إلى رئيساً منتخب قبل إجراء الانتخابات البرلمانية فبعد أن عزلت ثورة 30 يونيو رئيسا لابد من وجود رئيس يحل محله، وحتى لا نكرر الخطأ الذى حدث بعد ثورة 25 يناير وتولى المجلس العسكرى إدارة شئون البلاد ولهذا لابد من وجود رئيس منتخب يتحدث للعالم ويوضح أن ما جرى فى مصر فى 30 يونيو ثورة شعبية وليست انقلابًا عسكريًا كما يزعم البعض. وإذا كان لكل طرف حجته المنطقية إلا أنه فى عالم السياسة لابد أن يتفق الطرفان على الأصلح لطبيعة مصر وشعبها ومرحلتها الحالية إلا أن هذا لا يحدث، فهذا ما لاحظناه داخل لجنة الخمسين والتى لم تستطع أن تصل إلى حسم الانتخابات الرئاسية أم البرلمانية أولاً ولم تحسم أيضًا الانتخابات بالقائمة أم فردى فى مجلس النواب وهو الأمر الذى أدى إلى ترك الأمر فى النهاية إلى قرار رئيس الجمهورية المستشار عدلى منصور حيث أعطى الدستور للرئيس سلطة تحديد أى الانتخابات أولاً وإجراء الانتخابات البرلمانية فردى أم قائمة. هذا الخلاف تصاعد بعد أن أعلن التيار الشعبى المصرى برئاسة المرشح الرئاسى فى الانتخابات السابقة حمدين صباحى عن تدشين حملة جمع توقيعات تدعو إلى إجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية . أعقب ذلك جدل واسع حول أى من الانتخابات أولاً، ف«عماد جاد» الخبير الاستراتيجى قال إن تعديل خارطة الطريق بإجراء الانتخابات الرئاسية أولا سيكون أفضل، فمصر فى ذلك الوقت تحتاج لرئيس مدنى قوى ومنتخب من الشعب يختار حكومة قوية طبقًا لما جاء فى الدستور الجديد. فيما أعلن الدكتور وحيد عبدالمجيد القيادى بجبهة الإنقاذ أن إجراء الانتخابات البرلمانية أولاً أصبح ضرورة يفرضها الدستور مشيرًا إلى وجود نص دستورى يمنع إجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية. وقد أعلن الدكتور شعبان عبدالعليم عضو المجلس الرئاسى لحزب النور أن الحزب متمسك بتنفيذ ما جاء بخارطة الطريق وإجراء الانتخابات البرلمانية أولاً. أما د. محمود كبيش عميد كلية الحقوق جامعة القاهرة فقد أكد أن الملائم إجراء الانتخابات البرلمانية أولا حتى تجرى بمعزل عن رئيس الجمهورية القادم وتقطع الألسن والشكوك حول تأثير الرئيس على سير العملية الانتخابية . فيما أيد منير فخرى عبدالنور وزير التجارة والصناعة إجراء الانتخابات الرئاسية أولاً معتبرًا أن ذلك سيساهم فى استقرار الأوضاع. المستشار على عوض المستشار الدستورى لرئيس الجمهورية قال لنا: بصراحة لا أستطيع أن أقول رأيى فى هذا الموضوع لأننى مستشار الرئيس ويمكن أن يكلفنى الرئيس بدراسة موضوع متعلق بهذا وبالتالى لا أستطيع التحدث حتى لا أضع نفسى فى حرج شديد. وعلى العموم كل شىء خير وكل شىء سيعمل لصالح البلد وعندما سألنا المستشار عوض: هل لجنة الخمسين وضعت حملا ثقيلا وشديدا على كتف رئيس الجمهورية بأن تركت إصدار القرار الذى يراه فى انتخابات رئاسية أولا أم البرلمانية فقال: معلش أيضًا لا أستطيع التكلم فى هذا لأننى قلت رأيى من قبل وحدث جدل عليه وحرف كلامى واضطرت الرئاسة أن تكذب معلش ممكن تنسونى هذه الأيام. الفقيه الدستورى عصام الاسلامبولى قال لنا: هذا الخلاف بين مؤيد الانتخابات الرئاسية أولاً ومؤيد الانتخابات البرلمانية أولاً لا يعنى أن هناك بلبلة فى المجتمع. ولهذا - والكلام للاسلامبولى - أرى أنه يجب أن تكون الانتخابات الرئاسية مع الانتخابات البرلمانية فى نفس التوقيت حيث ينتخب الناخب أعضاء البرلمان وفى نفس الوقت ينتخب الرئيس، وهذا أفضل لعدة أسباب منها الإنجاز وتوفير المال الذى يصرف على كل انتخابات وعدم إرهاق الناخب الذى سيضطر للنزول أكثر من مرة. أما إذا كان لابد أن نبدأ بأنى انتخابات فأنا أرى أن نبدأ بالانتخابات البرلمانية أولا وفقًا لخارطة الطريق. بينما قال لنا المستشار على عبدالواحد رئيس محكمة الاستئناف أن خريطة الطريق تنص على أن الانتخابات البرلمانية أولا ولكن بإقرار الدستور بعد استفتاء الشعب عليه يسقط الإعلان الدستورى وخارطة الطريق ويتم الرجوع إلى الدستور الذى أعطى السلطة لرئيس الجمهورية فى اتخاذ القرار المناسب فى أى من الانتخابات أولا. أساليب ترشح رئيس الجمهورية أن يكون حاصلا على نسبة موافقة على ترشحه من أعضاء البرلمان وأن إجراء الانتخابات الرئاسية أولا ستحرم المرشحين للرئاسة من هذا الحق، وهذا مردود عليه لأنه لا يمكن الاعتداد بهذا الحق دون أن يتوفر، كما لن لم يتوفر لجميع المرشحين للرئاسة. وأكد عبدالواحد أن المصلحة الآن تقتضى أن تكون الانتخابات الرئاسية أولا لأنه لا يتصور أن التجربة السابقة علمتنا فى غياب السلطة التشريعية كانت السلطة التشريعية والتنفيذية وكل السلطات فى يد رئيس الجمهورية، وهذا القول مردود عليه لأن الدستور الجديد حدد اختصاصات رئيس الجمهورية بدقة وأن الفترة بين الانتخابات الرئاسية والبرلمانية قصيرة، كما أن ما قد يصدره رئيس الجمهورية من قوانين ستكون محل مراجعة بعد تكوين مجلس النواب. أما المستشار غبريال عبدالملاك رئيس مجلس الدولة السابق فقال لنا: إذا كانت المصلحة العامة تقتضى أن تكون الانتخابات الرئاسية أولا، فخارطة الطريق لا تعنى الالتزام بالنص وأنا عن نفسى أرى ضرورة أن تكون الانتخابات الرئاسية أولا، لأنه لابد أن يكون فى البلد رئيس منتخب يحكمها للحد من الاضطرابات التى نشهدها الآن. أما بالنسبة لما يقال أن الانتخابات الرئاسية يجب أن تكون مع البرلمانية فأنا عن نفسى غير مؤيد لهذا الآن، فى الانتخابات البرلمانية يقوم الناخب باختيار مرشح من بين عشرات المرشحين، وكذلك فى الانتخابات الرئاسية وهذا يحدث نوعا من البلبلة للمواطن. وسألنا عبدالملاك: هل تتوقع أن ترفع دعاوى قضائية أمام مجلس الدولة ضد رئيس الجمهورية فى حالة ما إذا اتخذ قرارا بإعادة الانتخابات أولا.. فرد بالتأكيد، فالمواطن على طول الخط يقيمون العديد من القضايا سواء كانت صحيحة أو كاذبة. أما الدكتور مجدى حجازى أستاذ الاجتماع السياسى بجامعة القاهرة فقال لنا: نحن نعانى الآن من عدم اتفاق القوى السياسية المختلفة على الآراء المتعلقة بمصير البلاد لأن الكثير منها ينظر إلى مصالحها الشخصية فقط، ونفس الشىء بالنسبة للأحزاب الكرتونية التى ظهرت بعد ثورة 25 يناير و30 يونيو، فكل واحد من هذه القوى وهذه الأحزاب يبحث عن ذاته ومصالحه، ويريد أن يأخذ دورا فى المرحلة القادمة ولا تستطيع أن نفعل شيئًا فنجدها تعارض الآن لمجرد الاعتراض حتى ولو كان الاعتراض ضد قناعتها.. كل هذا من أجل البحث عن دور. وفى النهاية قال لنا الدكتور حجازى أنا مع إجراء الانتخابات الرئاسية أولا لأن الانتخابات البرلمانية ونحن شعب غير متقدم ستفرز لنا بعض القوى ذات مصالح خاصة وبعض قوى ليس لديها القدرة على التفكير السليم والعقلانى والبناء وهؤلاء قد يؤثرون فى الانتخابات الرئاسية ولهذا يجب أن يتم انتخاب الرئيس أولا لأنه سيأتى بالتأكيد ببرنامج وتصور منطقى وفى جميع الأحوال لن يكون ديكتاتوريا بأى شكل من الأشكال.∎