لن تهدأ مصر، يجب أن نكون واقعيين، «قانون التظاهر» أثار هوجة فى الساحة المصرية كانت تترقبها «المحظورة» منذ فترة طويلة، وقسمت المجتمع إلى 3 قوى «سيساوية»، و«ربعاوية»، وتيار ثالث، فكيف نتجاوز هذه الأزمة؟! الكثيرون يرون الحل فى تخفيف العقوبات الحادة فى القانون، «روزاليوسف» من جانبها تكشف المسئول الذى لا يعرفه أحد عن تغليظ العقوبات فى القانون! السبب وراء عدم اعتراض الإخوان على قانون التظاهر، أنهم يعلمون أن الكثير من أفعالهم ومظاهراتهم تقع تحت طائلة قانون العقوبات، وفق تصور البعض، وقال آخرون إنها تعارض بعض القوى والحركات السياسية والثورية على هذا القانون لأن تطبيق القانون سيكشف حجم هذه القوى والحركات التى لم يكن لها رصيد، وأنها تجد نفسها فى مظاهرات الشارع التى ينزل الكثيرون ممن لا ينتمون إلى هذه القوى والحركات ثم ينسب المتظاهرون إليها. الغريب أن كثيرًا من المعارضين والمؤيدين لهذا القانون لم يقرأوا تفاصيله، فالكثيرون يقولون أن قانون التظاهر الصادر من رئيس الجمهورية المستشار عدلى منصور والذى حمل رقم 107 لسنة 2013 لم يأخذ برأى قسم الفتوى والتشريع بمجلس الدولة الذى قام بمراجعته وتعديله من الناحية القانونية مع الأخذ فى الاعتبار قوانين التظاهر فى دول العالم المتقدم، والحقيقة أن 80٪ من التعديلات قام بها قسم التشريع على القانون، هذا ما قاله المستشار أحمد شحاتة نائب رئيس مجلس الدولة.
فتعديلات قسم التشريع تركت لرئيس مجلس الوزراء عدد المتظاهرين والمجتمعين الذين يجب أخذ ترخيص أو تصريح بالمظاهرة من وزارة الداخلية، فتحدد الوزارة العدد بأكثر من عشرة أشخاص كما ترك مجلس الدولة العديد من العقوبات للوزارة، ففى المادة 17 من القانون حددت الوزارة عقوبة السجن المشددة مدة لا تقل عن سبع سنوات وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز 300 ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من حاز أو أحرز سلاحًا أو مفرقعات أو ذخائر أو مواد حارقة أو مواد نارية أثناء مشاركته فى الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة.
والمادة 18 عاقبت بالسجن وبالغرامة التى لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تجاوز مائتى ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من عرض أو حصل على مبالغ نقدية أو أى منفعة لتنظيم اجتماعات عامة أو موكب أو تظاهرات، ويعاقب بالعقوبة ذاتها كل من حرض على ارتكاب الجريمة حتى ولو لم تقع!
والمادة 19 عاقبت بالحبس مدة لا تقل عن سنتين ولا تجاوز خمس سنين، وبالغرامة التى لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تجاوز مائة ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من يقوم بتعطيل مصالح المواطنين أو إيذائهم أو تعريضهم للخطر أو قطع الطريق أو المواصلات أو تعطيل حركة المرور أو الاعتداء على الأرواح والممتلكات العامة أو الخاصة أثناء الاشتراك فى الاجتماع العام أو الموكب أو المظاهرة.
والمادة 20 عاقبت بالحبس مدة لا تزيد على سنة والغرامة التى لا تقل عن ثلاثين ألف جنيه ولا تجاوز خمسين ألف جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من ارتدى أقنعة أو أغطية لإخفاء ملامح الوجه بقصد ارتكاب جريمة أثناء الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة.
والمادة 21 عاقبت بالغرامة التى لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تجاوز ثلاثين ألف جنيه كل من قام بتنظيم اجتماع عام أو موكب أو تظاهر دون إخطار قسم أو مركز الشرطة التابع له مكان الاجتماع أو الموكب أو التظاهرة.
والقارئ للتعديلات التى أدخلها قسم التشريع بمجلس الدولة على قانون التظاهر، ونص هذا القانون هو الاختلاف الحقيقى فى المادة ال,13 وجعلها «قسم التشريع» «فى حالة عدم جدوى الوسائل المستخدمة فى المادة 12 من مياه للغاز والهروات لفض وتفريق المشاركين فى الاجتماع أو الموكب أو التظاهرة أو قيامهم بأعمال العنف أو التخريب أو إتلاف للمتلكات العامة أو الخاصة أو التعدى على الأشخاص أو القوات يكون لقوات الأمن استخدام القوة بالوسائل المناسبة وبالقدر اللازم للتصدى لتلك الأفعال والحفاظ على الأمن العام».
أما المادة 13 فى القانون الذى صدق عليه رئيس الجمهورية فكانت كالتالى فى حالة عدم جدوى الوسائل المبينة فى المادة 12 فى فض وتفريق المشاركين فى الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة أو قيامهم بأعمال العنف أو التخريب أو اتلاف للمتلكات العامة أو الخاصة أو التعدى على الأشخاص أو القوات تقوم قوات الأمن بالتدرج فى استخدام القوة على النحو التالى:
1- استخدام الطلقات التحذيرية.
2- استخدام قنابل الصوت أو قنابل الدخان.
3- استخدام طلقات الخرطوش المطاطى.
4- استخدام طلقات الخرطوش غير المطاطى.
وفى حالة لجوء المشاركين فى الاجتماع العام أو الموكب أو التظاهرة لاستعمال الأسلحة النارية بما ينشأ معه توافر حق الدفاع الشرعى يتم التعامل معهم لرد الاعتداء بوسائل تتناسب مع قدر الخطر المحدق بالنفس أو المال أو الممتلكات.
المستشار أحمد الخطيب رئيس محكمة استئناف القاهرة قال لنا: أى سلوك اجتماعى أو نشاط بشرى يلزمه قانون لتنظيم قواعده وأحكامه وانعدام القانون هو الفوضى والمظاهرات هى أحد المظاهر السياسية والسلوكيات الاجتماعية التى ظهرت حديثا على الساحة، ويساء استخدام هذه الوسيلة السياسية فى الأزمة للتعبير عن مطالب الشعب والمواطنين اتجاه الحاكم والمسئولين، وأكد المستشار الخطيب أن القانون مطلوب فى كل الأحوال ويحظى بقبول شعبى من حيث المبدأ ولكن هناك بعض الإشكاليات التى يلزم تفاديها حتى لا يتحول قانون تنظيم التظاهر إلى قانون تقييد التظاهر.
وأهم هذه الأمور هو الاكتفاء بالإخطار وإلغاؤه حتى لوزارة الداخلية فى الاعتراض إذ يتعين أن نلجأ للقضاء للمطالبة بإلغاء التظاهر حتى لا تكون الداخلية خصمًا وحكمًا فى آن واحد، وتمكن من إبعادها عن الصراعات السياسية حتى تتفرغ لتحقيق الأمن العام والجنائى بدلا من استنزافها بالتصدى للمطالب الفئوية والقضايا السياسية.
وقال الخطيب: إن العقوبات فى قانون التظاهر شديدة إلى حد كبير ويلزم إعادة النظر فيها حتى تحقق أهم المبادئ التشريعية وهى التناسب بين العقوبة والجريمة.
فترك هذه الثغرات يفتح الباب للمزايدة السياسية وإدعاء الوطنية على حساب الإدارة الحاكمة متجاهلين حجم الضغوط والتحديات التى تواجه البلاد فى هذه المرحلة.
المستشار غبريال عبدالملاك رئيس مجلس الدولة السابق قال لنا: أرى أن قانون التظاهر به بعض التشديد فى بعض مواده مثل الإخطار لتنظيم المظاهرة قبلها بثلاثة أيام، وأرى أن يكون الإخطار قبل المظاهرة ب 24 ساعة فقط.
ولكن - والكلام مازال للمستشار غبريال - فى الحقيقة نحن الآن فى أمس الحاجة إلى التشديد إلى أن تقف الدولة على رجليها كما يقول المثل المصرى، ولا أعرف ماذا يريد المعارضون على قانون التظاهر فهؤلاء مثل باقى المواطنين يقولون الحكومة رخوة وأين هيبة الدولة من المظاهرات التى تعطل الطرق ومصالح المواطنين، وإذا أصدرت الدولة القانون اعترضوا!.
فيجب علينا أن نتحمل قانون التظاهر لفترة حتى الانتهاء من الدستور وانتخابات مجلس الشعب الذى يقوم بتعديله إذا كان هناك بعض مواد قانون التظاهر تحتاج لتعديل.
وأكد المستشار غبريال أنه فى كل دول العالم المتقدم يتم إخطار الأجهزة قبل التظاهر ويحدد مكانها، ولابد أن تكون سلمية ويحدد المدة الزمنية للتظاهر والكل ملتزم بها أما نحن فى مصر نعيش الآن فترة كل اللى فى نفسه حاجة يعملها بغض النظر عن الإرادة الشعبية وهيبة وإرادة الدولة، وهنا أقول لابد أن نطبق القانون بكل حزم ومن أول يوم دون أن نستثنى أحدًا منه لأن جميع المواطنين متساون فى الحقوق والواجبات ولا تميز أحد المواطنين على الآخر، وإذا لم نطبق القانون سيكون هناك فوضى.
الدكتور شوقى السيد الفقيه الدستورى قال لنا: ما حدث من هوجة على قانون التظاهر يدل وبنسبة مائة فى المائة أن هناك أصابع خفية تلعب فى المجتمع ويجب ألا تكون الحكومة ضعيفة ومتراخية بهذه الطريقة غير المسبوقة.
والغريب كما قال السيد أن بعض أعضاء لجنة الخمسين متعاطف مع معارضى قانون التظاهر، ويؤيدونهم والسؤال ما هى علاقة لجنة الخمسين بالقانون فهذه اللجنة لها دور محدد وهو إعداد الدستور وعليها أن تؤدى هذا الدور فقط، ولكن للأسف كل ما حدث ويحدث يدل على أن هناك أصابع خفية والبعض مغرر بهم يعملون لخدمة وأهداف الإخوان ومصالحهم وخططهم.
وأضاف السيد لأول مرة ترسل الحكومة قانون لقسم التشريع بمجلس الدولة وراجع القسم القانون طبقا للاتفاقيات الدولية والدستورية وحقوق الإنسان والقوانين وقوانين الدول الديمقراطية وعدلت القانون ثم قامت الحكومة بإقراره، وبالتالى على الحكومة أن تطبقه وعليها أن تعلم إما أن تكون أولا تكون، خاصة أن الإخوان أيام محمد مرسى طالبوا بإصدار قانون للتظاهر وكان قانونهم أشد قسوة من هذا القانون.
قال شوقى: على المعترض على القانون أن يتخذوا الطرق القانونية للاعتراض وعلى الحكومة أن تطبق القانون ولو استسلمت ستكون مأساة.
الدكتور مجدى أحمد حجازى أستاذ علم الاجتماع السياسى بجامعة القاهرة قال لنا: الحقيقة أن 80٪ من العاملين بالسياسة الآن لا يصلحون فنحن الآن نرى ارتباك فى المجتمع المصرى، خاصة فى الجانب السياسى، فهناك عدم ثقة بين كل الطوائف فى المجتمع بين الأحزاب وبين القوى المتنافسة وهذا جعل كل المجتمع أصبح فى حالة استنفار، فالعالم كله يتجه إلى إعادة تنظيم التظاهر بشكل أساسى وكل دول العالم يضع حدودًا لحرية التعبير والتظاهر من أجل صالح المجتمع وعدم الإضرار بالمجتمع والحفاظ على حقوق الآخرين، فلا يجوز أن تكون الحرية هى تعطيل المرور أو تشجيع البلطجية للخروج للدفاع عن مصالح فئة معينة.
وللأسف الشديد كما يقول حجازى كل فئة فى مصر الآن لا تحب إلا نفسها، لم تحب المجتمع والوطن ولا مؤسسات الدولة حتى من ضمن هذه الفئات بعض الثوار، ولا يمكن أن أتصور فى العالم كله يحدد أشكال معينة للتظاهر واحترام القانون وتأتى فئات معترضة، فهؤلاء ليس لديهم ثقة فى الحكومة ولا الشعب ويسعون فقط إلى تحقيق مصالحهم.
وأتصور كما يقول حجازى أن هناك اختلافًا فى الآراء فى كل مؤسسات الدولة وهناك معارضين ولكن لا أتصور أن يكون هناك من يتعمد السعى لإرباك الاقتصاد والسياسة ولارتباك المجتمع من أجل إحداث انفلات فى الشارع حتى لا يطبق القانون ونصبح فى حالة فوضى.
وللأسف الشديد أن الغالبية العظمى من السياسيين الآن انشغلوا بالكرسى والسعى للعلاقات الخارجية وتركوا المجتمع والشعب وتركوا الانفلات، بل أيدوا الانفلات الأمنى والقانونى، فكلنا كنا نعانى من التظاهرات غير المسئولة فى الشوارع وطالبنا بتنظيم التظاهر وإصدار القانون.
وهنا لابد أن نطبق القانون وإذا تراجعت الدولة عن تطبيقه سنصبح دولة فاشلة، بل إن هناك فئات ستستغل هذا الفشل لكسر كل القوانين وزيادة الانفلات.
وأعتقد كما يقول حجازى أن كل سياسى يؤيد الانفلات وعدم احترام القانون سيخسر الكثير.. قد يكسب على المدى القريب ولكنه على المدى البعيد سيخسر نفسه وكرامته وهويته.