«33» مادة تضع خريطة المرحلة الانتقالية تضمنها الإعلان الدستورى الذى أصدره المستشار عدلى منصور،مواد تراصت فوق بعضها ولكنها فجرت العديد من الآراء والاعتراضات والتحفظات بصددها، لتذكرنا أن وحدة 30 يونيو وتلاحم الشعب المصرى كان يوما ما ومضى، والآن عادت الأصوات من جديد تدين هذا الإعلان الدستورى واتفق الجميع على أنه مخيب للآمال.
قد تكون كلمة السر التى فجرت هذه الموجة الحادة من الانتقاضات للإعلان الدستورى،لدرجة أن حملة تمرد لم يؤخذ رأيها حوله،هو «حزب النور السلفى» وتلك المواءمات السياسية التى يريد أن يصنعها القائمون على أمور البلاد مع التيارات الدينية وإيجاد بعض من التوزان بعد غياب الإخوان،وألا تصبح الاتهامات مباشرة أن الدولة أصبحت ضد الأحزاب الدينية، فكان البديل هو إقصاء 30 مليوناً نزلوا الشوارع ضد حكم جماعة الإخوان المسلمين الفاشية، والوصول إلى إعلان دستورى 80٪ منه من مواد دستور 2012 . وستظل التساؤلات حول خطورة الاستمرار بهذا الإعلان الدستورى ، وهل يمكن العودة به إلى نفس الأخطاء التى ارتكبت فى الموجة الأولى من ثورة يناير، هذا ما أوضحه الخبراء والفقهاء الدستوريوين وأهم التحفظات على الإعلان الدستورى. يقول الدكتور محمود كبيش عميد كلية حقوق جامعة القاهرة - إنه معترض على دستور 2012 شكلا وموضوعا،وأن هذا الدستور هو منعدم بالأساس،لعدة أسباب منها اللجنة التى وضعت هذا الدستور فهى باطلة، وذكرت آنذاك أنه حتى لو وافق على هذا الدستور 90٪ من المصريين، سيظل باطلا، وحتى ولو غابت إليه قضائية توقف تمرير هذا الدستوروقتها، فقلت أن التاريخ سوف يذكر إن مصر وضعت دستورا بقوة الأمر الواقع،وتوقعت أنه لم يسقط إلا بقيام ثورة وهذا ماحدث . وأضاف: إننا الآن بصدد إعلان دستورى يضع قواعد محددة تكفى بالكاد لكى نمر من هذه المرحلة الانتقالية، ومن ثم حياة هذا الإعلان قصيرة جدا وسوف تنتهى خلال 3 أشهر، وبالرغم من أن رئيس الدولة والقائمين على السلطة فى البلاد مضغوطون بالداخل والخارج لينتهوا من المرحلة الانتقالية، فمع ذلك لا يمنع من وجود تحفظات على هذا الإعلان الدستورى من الناحية الموضوعية . ويرى كبيش أن أولى هذه التحفظات هو التفصيل الذى جاء بالمادة 1 وكان من المفترض أن تقتصر على أن الشريعة الإسلامية المصدر الأساسى للتشريع فقط،ولكن كتابة المادة على النحو أن«مبادىء الشريعة الإسلامية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة» هو محاولة لإرضاء التيارات الدينية والسلفية،مؤكدا أنه سيعاد النظر فيها عند وضع الدستور الجديد،مشددا أن دستور 2012 سقط مع ثورة 30 يونيو،ولكن عندما قالت القوات المسلحة فى بيانها الأول أنها قامت بتعطيل الدستور فهو استخدام لتعبير مهذب حتى لا تفجر الموقف فى الشارع لدى التيارات الدينية الأخرى، وهو تعبير للموائمة السياسية، فلا يمكن أن يجرى تعديل على دستور باطل من الأساس، فالجمعية التى أنشاته باطلة، ونصوصه من الناحية الموضوعية وفى الصياغة والتفاصيل مليئة بالعوار،فضلا أن الدستور ضم مواداً متناقضة . وأضاف كبيش أنه كان يتمنى ألا يكون هناك لجنتان لتعديل المواد الدستورية كما نص الأعلان من لجنة خبراء ولجنة 50 لأن هذا النظام سوف يعيد مرة أخرى فكرة المحاصصة وسنقع فى متاهات الأغلبية الدينية والأقلية المدنية كما حدث فى تشكيل الجمعية التأسيسية السابقة، ومن ثم كان من المفترض أن تكون هناك لجنة واحدة تعتمد على الكفاءات فى شأن وضع الدساتير،وتكون محايدة ليس لها انتماء سياسى معين،بل تهتم بمصلحة الوطن . وأكد كبيش أن لجنة وضع الدستور لا تشترط هذا العدد الكبير من أساتذة القانون الدستورى أو القضاة كما حددها الإعلان ب 10 شخصيات، كما لا يفهم لماذا اشترط أن يتم الاختيار لهم من خلال المجلس الأعلى للجامعات،فهذا غير مقبول أيضا لأن المسألة ليست بالأقدمية فى السن، بل بالخبرة والكفاءة واقتراح الجديد. وأشار إلى ضرورة أن تضم اللجنة كفاءات متنوعة من كتاب ومفكرين وإعلاميين واقتصاديين، وعلماء اجتماع ومتخصصين فى التنمية البشرية،وشئون المرأة . ويختلف معه الدكتور رمضان بطيخ أستاذ القانون الدستورى، وعضو اللجنة التأسيسية للدستور سابقا ان دستور 2012 لم يسقط لأن ماحدث ليس ثورة،بل هو استكمال 25 يناير،ومن ثم بيان القوات المسلحة الأول أقر تعطيل العمل بالدستور وليس إسقاطه،واللجنتان اللتان أقرتا الإعلان لا تستطيعان أن تضع دستورا جديدا، بل ستقومان بإجراء بعض التعديلات على دستور .2012 وتساءل عن كيفية إسقاط الدستور،وأن 80٪ من الإعلان الدستورى الذى صدر عن رئاسة الجمهورية مستمد من دستور 2012مشيرا إلى أن تعطيل الدستور هو إجراء طبيعى فى ظل الظروف الاستثنائية التى تمر بها البلاد، حتى يمكن تعيين رئيس المحكمة الدستورية العليا رئيسا للبلاد . وأشار بطيخ أن مدة 6 أشهر كافية لاجراء انتخابات رئاسية مبكرة،خاصة أن هناك ضمانة لنزاهتها وعدم انحيازها لأن الانتخابات البرلمانية ستكون قبلها، ولكن الملاحظة الوحيدة على الإعلان الدستورى هى وجود لجنتين لتعديل الدستور،لأنه فى حال اختلاف لجنة 50 مع لجنة الخبراء وتصميم كل لجنة على رأيها، فكيفية الخروج من هذه الأزمة . وأضاف أن المادة 1 من الإعلان الدستورى والتى جمعت بين المادة 2 و 219 من دستور 2012 ماهى إلا محاولة من القائمين على شئون البلاد حاليا لإرضاء السلفيين،ولتحقيق توافقات سياسية. ويقول الفقيه الدستورى عصام الإسلامبولى: توقعنا أن يتضمن الإعلان الدستورى نصا لتغيير الدستور وليس تعديلاً لمواد دستور إخوانى فرض على الشعب المصرى،وقام بإقصاء كل القوى الوطنية،وتتم صياغته على هوى فصيل واحد،وبدلا من أن نتعامل مع دستور 2012 على أنه سقط وأنه مجرد مسودة تحتاج التغيير من الألف للياء،نتعامل معه على أنه وثيقة تحتاج إلى التعديل،من أجل فصيل سياسى اليوم يمثله حزب النور يريد أن يعرقل مسيرة 30 يوينو فى بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة . وأضاف الإسلامبولى: نحن أمام إشكالية حقيقية تخص هذا التعديل،لأن المحكمة الدستورية العليا أصدرت حكمها بعدم دستورية القانون الذى تم بناء عليه تشكيل الجمعية التأسيسية،ثم إحالته للقضاء الإدارى،وإذا أصدرت حكمها ببطلان القانون أيضا،سنكون أمام وثيقة دستورية تصبح وكاُنها لم تكن،متسائلا لماذا نقع فى هذه المتاهة القانونية من البداية ولم ينص على تغيير الدستورمن الأساس . ويستنكر الإسلامبولى المادة 1 من الاعلان الدستورى والإصرار عليها بالرغم أنها أثارت عاصفة عند وضع الدستور،خاصة المادة المفسرة لها ,219 والتى قيدت مبادىء الشريعة بمصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة،وربطها بالقواعد الفقهية والأصولية،وهذا يتعارض مع تعريف المحكمة الدستورية العليا والتى كانت موجودة فى دستور 1971 وهى أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع،فيما يتعلق بنصوص قطعية الدلالة وقطعية الثبوت . واستطرد قائلا: فيما يتعلق بجمع الرئيس للسلطة التشريعية والتنفيذية معا فى المادة 24 جاء من اختصاصاته أنه له التشريع بعد أخذ رأى مجلس الوزراء وتنتقل سلطة التشريع لمجلس النواب فور انتخابه،مشيرا أنه كان من الأفضل أن أعطى الإعلان الدستورى السلطة التشريعية لمجلس الدولة، وهذا من اختصاصها وفقا للقانون،ومن ثم لم يجمع الرئيس بين سلطتين فضلا عن انه مخرج قانونى ودستورى محترم. وقال الإسلامبولى إن أحد التحفظات على الإعلان الدستورى لم يتضمن اى حظر للأحزاب الدينية وهذا ما يؤدى إلى تكرار نفس أخطاء المرحلة القادمة،من توظيف الدين فى الخلافات السياسية،وهو نفس السبب الذى قامت عليه ثورة يونيو . يقول الدكتور أحمد دراج وكيل مؤسسى حزب الدستور والقيادى بجبهة الإنقاذ الوطنى: هناك ملاحظات على الإعلان الدستورى تبدأ بأنه جاء تطبيقه دون أى مشاورات مع تشاور بين القوى السياسية أو حتى إجراء حوار مجتمعى مع القوى الوطنية المشاركة فى ثورة 30 يونيو، فنحن نريد تغيير للدستور وليس تعديلاً، فالدساتير لا توضع بشكل ترقيع،من خلال حذف وإضافة مواد جديدة، فلابد عند وضع دستور مراعاة أن يكون حاملا لفلسفة الدولة ورؤيتها المستقبلية وهويتها،وكل ذلك بالتأكيد كان غائباً فى دستور جماعة الإخوان المسلمين الإقصائى وأضاف دراج: هناك مواد محددة توجد عليها الكثير من الاعتراضات فى الإعلان الدستورى منها المادة 1 و10 و19 و27 . فالمادة العاشرة لم تحظر إنشاء أحزاب دينية، التى كان من المفترض أن ينص الإعلان على حلها وأن تؤول أموالها للدولة، ولابد أن تكون هناك قواعد تفصل بين الحزب السياسى والعمل الدعوى تحت مظلة القانون،حتى لا يفتح الباب ثانية بأن يجرى الالتفاف كما فعلت جماعة الإخوان المسلمين وقامت بإنشاء جمعية، ومع ذلك لم نتعرف على مصادر تمويلها ونفقاتها . أما عن وجهة النظر الحقوقية فيقول محمد زارع، عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان، مستنكرا الاستمرار فى اتباع نفس ألاخطاء التى وقعت فى الموجة الأولى من ثورة 25 يناير،وإصدار إعلانات دستورية دون أية مشاورات مع شباب الثورة والمجتمع المدنى والقوى السياسية، فنحن مع هذا الإعلان الدستورى الذى أصدرته رئاسة الجمهورية فى اتجاة الدولة الدينية التى حاربنا إقامتها طوال العام الماضى،والدليل على ذلك أول مادة فى الإعلان الدستورى . ويسجل زارع اعتراضه على المادة 1 مشيرا إلى أنها أقصت كل ما هو لاينتمى لأهل السنة أو الجماعة، فإذا كان مصريا شيعيا أو بهائيا فلا حماية له فى ظل هذا الدستور،متسائلا: لماذا الإصرار على نفس الصياغة المتعصبة طائفيا ومذهبيا الموجودة فى الدستور المشوه والتى ستضع مصر فى مأزق التناقضات بين مذاهب أهل السنة والجماعة أنفسهم، وكان دستور 1971 ينص فقط على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع وهو نص أكثر رحابة . وأشار زارع إلى أن هناك مواد أخرى كان يجب ألا توجد فى هذا الإعلان الدستورى ومنها المادة (9 ) « العمل حق وواجب وشرف لكل مواطن، تكفله الدولة على أساس مبادئ المساواة والعدالة. ولا يجوز فرض أى عمل جبراً إلا بمقتضى قانون»،لأنه يوجد فى أى دولة بالعالم إجبار شخص على العمل بمقتضى القانون لأنه شىء أصبح للسخرة . وأضاف المادة (10) تفتح الباب لوضع قيود على حق التظاهر السلمى مثلما كان يريد المستشار أحمد مكى فرضها على المتظاهرين فى عهد الرئيس محمد مرسى،مشيرا أن أخطر أجزاء هذه المادة أنها لم تحذر إنشاء أحزاب دينية،ونتفهم أنه تم الإبقاء عليها كنوع من كسب الأرضية مع السلفيين،حتى لا يصبح هناك اتهام بأن الدولة تعادى الدين، والقائمون على إدارة البلاد يريدون إحداث نوع من التوازن مع السلفيين فى غياب إلاخوان،ولكن هذا للأسف سيأتى على حساب الدولة المدنية وعلى حساب مبادىء الثورة التى تستهدف بناء دولة ديمقراطية تقوم على الحرية والعدالة الاجتماعية. وأكد زارع أن الحياة السياسية فى مصر لن تستقيم إلا مع الأحزاب المدنية، والتخلص من تلك الأحزاب التى تقوم على الحلال والحرام والتكفير للآخرين،والدليل على ذلك الأخطاء الدرامية التى مارستها الأحزاب الدينية والكوارث الاقتصادية والأمنية وقضايا التعذيب والاعتقال وكلها كان يتم التبرير لها تحت مظلة الدين والتكفير والتحريض على المعارضة . وأشار زارع أن الإعلان الدستورى ضم فى مجمله كل المواد الخلافية التى خاضت ضدها المنظمات الحقوقية والقوى السياسية معارك طوال فترة وضع الدستور، فهذا الإعلان الدستورى غير الملائم هو يؤكد دستور الدولة المذهبية الطائفية الدينية التى زرع بذورها الإخوان المسلمون . بينما يتحفظ الدكتور ربيع فتح الباب - أستاذ القانون العام بجامعة عين شمس-على الظروف غير المستقرة التى صدر فيها الإعلان الدستورى،نظرا لأن هناك اقصاء لبعض الطوائف والتيارات والأحزاب، فضلا عن وجود مؤيدين مازالوا معتصمين فى الشوراع ورئيس مسجون ولأوضاع ملتهبة ويشتبك المؤيدون مع المعارضين فى أى وقت،فضلا عن الأحداث الدموية التى تشهدها البلاد يوماً عن آخر من هجوم لأنصار مرسى على أماكن حيوية كالحرس الجمهورى. وأضاف فتح الباب أن الإعلان الدستورى أو حتى بعد إقرار الدستور فالأمر ليس مجرد نصوص ومواد قانونته، بل هو الإمكانية على تطبيق ذلك على أرض الواقع، وهذا لن يحدث إلا فى بيئة توافقية يشارك من خلالها الجميع بعد أن تلتئم جميع الشروخ والانقسامات التى زرعها النظام السابق فى المجتمع المصرى . أما عن رأى حملة تمرد فيقول إسلام همام عضو اللجنة المركزية للحملة أن بعد اجتماع أعضاء تمرد مع رئيس الجمهورية وتسجيل اعتراضها على إصدار إعلان دستورى دون التشاور معها،تم تقديم اقتراحاتنا وتحفظاتنا على عدد من المواد،أهمها عدم حظر تأسيس الأحزاب على أساس دينى، ووعد الرئيس بإضافة هذه المادة،أما فيما يتعلق بالمادة (10) والتى تنص على للمواطنين حق تنظيم الاجتماعات العامة والمواكب والتظاهرات السلمية غير حاملين سلاحا وذلك بناء على إخطار ينظمه القانون وحق الاجتماع الخاص مكفول ودون الحاجة لإخطار سابق، ولا يجوز لرجال الأمن حضور الاجتماعات الخاصة أو التنصت عليها. طلبت حملة تمرد تعديل هذه المادة وأن يكون التظاهر بالإخطار دون قيود على أن يحدد المتظاهرون الأماكن أو عدد المشاركين أو التوقيت . وأضاف همام أن الحملة أكدت على ضرورة تعديل المادة (1) ورفض ضغوط تيارات الإسلام السياسى،والإبقاء على النص كما جاء فى دستور 1971 والذى ينص فقط على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع،وحذف هذه التفاصيل التى تفتح الباب لآراء عدة منها المتشدد . وأكد همام أن المرأة سيكون لها نصيب فى التعديلات التى سيجريها الرئيس على الإعلان الدستورى، وأن تضاف مواد خاصة بمنع جميع أشكال التمييز، مشيرا أن الرئيس وعد بإصدار هذه التعديلات بعد التشاور مع القوى الوطنية والسياسية الأخرى فى خلال أيام.