فإن سلوك الشعب المصرى العظيم فى ثورة 30 يونيو التى استردت مسار الثورة الأم ثورة 25 يناير، كان سلوكا شديد التحضر شديد الاحترام، ولم تحدث بالميدان إلا مظاهر الثبات الشجاع أمام تهديدات بالقتل وإصرار مذهل من جموع المصريين على استرداد هوية مصر الثقافية المؤمنة بالتنوع والحرية والتعدد والاختلاف، وبالتالى فيبقى رهان المستقبل القادم من لحظة عبقرية، الثقة فى ثقافة هذا الشعب رغم موجات التضليل والتجريف للعقل المصرى، ونخبوية وانغلاق معظم إنتاج الفن والثقافة على نفسه، ورغم حرمان عموم أهل مصر من التعليم الجيد، ومن تداول أفكار الثقافة الوطنية إلا أن أفراد هذا الشعب بكل طوائفه وأطيافه خاصة البسطاء منهم قد أكدوا أن الثقافة الشعبية المصرية عبر تراثنا الحضارى الطويل مازالت متصلة وتليق بالفعل بمصر التى عرفأهلها أول دولة مركزية فى التاريخ تؤمن بالحرية والفن وترعى الأخلاق.
إن الأخلاق القائمة على الشجاعة والنبل وتغليب مصلحة الوطن على المصلحة الشخصية والتسامح، والتمسك بالسلام الشخصى والاجتماعى لهى أكبر دليل على أن التنمية المتكاملة وبناء المستقبل هو رهن الإيمان بأهمية الثقافة فى هذا البناء، إن القوى الشعبية المحبة للحياة لابد لها من أن تلقى دعما حقيقيا فى الأيام القادمة لتأكيد العلاقة المنقطعة بين الإنتاج الثقافى والفنى وبين ثقافة الدولة الحديثة والمجتمع المدنى، والدور المهم المنتظر هو الحوار مع أعداد كبيرة من المصريين لإزاحة أفكار الخرافة من عقولهم، ولتأكيد الثقافة الإسلامية والمسيحية الصحيحة، حيث لا انفصال بين التدين ومظاهر المجتمع الحديث، ولاشك أن أفكار خلط الدين بالسياسة وهى أفكار من العصور الوسطى لابد من إزاحتها من العقل المصرى العام، مما يستدعى دعم دورالإعلام المصرى الوطنى عبر الاستعانة بكافة الرموز الثقافية والفنية، والبحث عن فعاليات ثقافية مبتكرة تخاطب نسبة الأميين الكبيرة فى مصر، وهى فى بعض التقديرات 34٪ من عموم أهل مصر.
يضعون ثقافتهم ووعيهم ويكونون رأيهم العام عبر الثقافة المسموعة والمرئية، وبالتالى فهم ينتظرون استحقاقهم المشروع فى تلقى الثقافة والفنون.
إن الوعى العام والإطار المرجعى للشعب المصرى أكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه مثالى الطابع زاهد فى المصالح الضيقة، ويتجاوز نخبته بكثير من المحبة والتسامح وإنكار الذات، ولذلك فدعم هذا الإطار المرجعى بأفكار الحرية، وبالمشروع الوطنى الحديث هو ضرورة للمستقبل وحماية لمصر ولثورتها.
ولا شك أن المتابع لوكالات الأنباء العالمية قبل انتهاء مهلة الجيش المصرى العظيم، يتيقن من التقاء المصالح الأمريكيةالغربية مع نظام الرئيس السابق د. محمد مرسى وعليه فإن الرأى العام العالمى يتم تزويده بمحاولة مدهشة من B.B.C العالمية على سبيل المثال، لإقناع الخارج بأن ما حدث فى مصر انقلاب لا ثورة تصحح مسارها بالإرادة الشعبية، ولذلك فخطاب الثقافة المصرية للغرب وللعالم كله لإيضاح الحقائق هو ضرورة وجود، لقد فشلت عملية سرقة عقل مصر وإرادتها واستردت مصر حيويتها الثقافية التى تؤمن بأن أهل مصر سبيكة واحدة، وأن الأبناء الضالين لا يتم قتلهم، بل استعادة إرادتهم المستلبة لصالح مشروعات تقسيم الوطن، وإلحاقه بالتبعية والاستبداد ولعل أخطر ما يواجهنا الآن هو إزالة الاستقطاب المجتمعى الحاد، وهو فى جوهره استقطاب ثقافى قام على تزوير الوعى العام للمصريين مصحوبا بتزوير للرأى العام الخارجى، مهمة ضرورية لأهل الثقافة والفنون فى مصر الآن، وهى فى عصر سفر الصور والمعلومات والفضاء العالمى المفتوح لا يمكن صناعتها بمعزل عن صناعة الإعلام، إن الأفكار والصور وثقافة التسامح المسئولة التى لا تخلو من المحاسبة، وتأكيد وحدة النسيج الوطنى وكثافة الخطاب الحضارى للداخل والخارج ضرورة لا غنى لنا عنها لبناء مصر الجديدة القوية التى تؤمن بأهمية قوتها الناعمة كما تؤمن بأهمية قوتها الصلبة سواء بسواء.