باغتنى صديق مثقف يعانى من وساوس قهرية متسلطة متسائلا: هل ينتمى الشعراء الكبار «أحمد عبد المعطى حجازى» و«فاروق شوشة».. و«محمد إبراهيم أبوسنة».. والأديب المبدع «بهاء طاهر» والموسيقى الرائع «عمر خيرت» والمطرب المتألق «هانى شاكر».. هل ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين؟! وحزب الحرية والعدالة؟! قلت له بحسم: لا طبعاً.. يبدو أنك تمزح.. لماذا؟! قال: لقد استقال «حجازى» من رئاسة تحرير مجلة «إبداع» كما استقال من رئاسة بيت الشعر التابع لصندوق التنمية الثقافية.. كما استقال «شوشة» تضامناً مع «حجازى» وكذلك «أبوسنة» تعضيداً لهما.. وقدم «بهاء طاهر» استقالته من المجلس الأعلى للثقافة.. أما عمر خيرت فقد ألغى حفلاً كان مقرراً أن يقام الأسبوع الماضى.. وحفلين فى برنامج الشهر القادم.. كما قرر عدم تقديم حفلاته بالأوبرا حتى يتم إقالة الوزير.. أما «هانى شاكر» فقد أعلن اعتزال الغناء فى الأوبرا نهائياً. واضح أنهم من أنصار الوزير وقد استقالوا احتجاجاً على احتجاجات المشاغبين من المثقفين الليبراليين الذين يتأففون من وجود وزير مونتير «إخوانى» يقود وزارة الثقافة.وإذا كان الموقف هكذا.. فلماذا فات الوزير أن يقيم لهم حفل تكريم ويوزع عليهم الأوسمة والنياشين والميداليات الذهبية والفضية وشهادات التقدير لتضامنهم العظيم معه فى القضاء على الثقافة المصرية .. وأخونة وزارة الثقافة وإظلام الأوبرا.
ما هذا التخريف ؟!. لقد استقالوا اعتراضاً وشجباً وتنديداً بأخونة الدولة ممثلة فى الوزير الذى استهل عهده بالمنصب بالإطاحة بقيادات وزارة الثقافة مقرراً إنهاء انتداب د.«أحمد مجاهد» رئيس الهيئة العامة للكتاب.. ود. إيناس عبدالدايم» رئيس الأوبرا.. ود.«صلاح المليجى» رئيس قطاع الفنون التشكيلية.. وما يعنيه ذلك- كما صرح حجازى- من معاداته للإبداع.. والتنكيل بالمعارضين.. وتكميم الأفواه.. والانفراد بالسلطة ومحاولة تزوير التاريخ وتزييف الحقائق.. وبالتالى تدمير وتخريب الثقافة المصرية الوطنية لصالح مشروع الأخونة المعادى للدولة المدنية وذلك لتحقيق الهدف الأسمى والأبقى وهو إقامة دولة الخلافة الدينية. أنا مازلت مصراً أنهم تضامنوا مع الوزير.. فقد قدموا له ما يريده بالضبط.. وفى أسرع وقت أعفوه من مغبة أن يبادر هو إلى إقالتهم أو إلغاء نشاطهم.. والغريب فى الأمر أن هؤلاء المثقفين هم الذين ظلوا يضغطون على الوزير السابق د.صابر عرب ليبقى فى منصبه ويتراجع عن الاستقالة، حيث أقنعوه أن وجوده على رأس وزارة الثقافة فى هذا التوقيت هام جداً لحماية الدور التنويرى المنوط به وحذروه من الإصرار على الاستقالة حتى لا تأتى حكومة الإخوان بوزير إخوانى.. إن هؤلاء هم أنفسهم الذين يقدمون استقالاتهم- أو يشجعون الذين يقدمون استقالاتهم الآن من مواقعهم فى الوزارة.. ويفسحون الطريق بالتالى لتحقيق أجندة الإخوان على خير وجه من خلال إطلاق يد الوزير فى تعيين قيادات إخوانية تحقق التكليفات المطلوبة لأخونة الوزارة بسهولة ودون عناء أو مقاومة من أحد ثم ما لبث أن استدرك ساخراً: أم يا ترى أنهم أقدموا على تقديم تلك الاستقالات ليتفرغوا للنضال فى المظاهرات الاحتجاجية.. والمسيرات الغاضبة.. والبيانات الصارخة.. والهتافات النارية على غرار «اللهم ارفع البلاء.. والوباء.. والغباء.. والدكتور علاء».. و «مش هانمشى.. هو يمشى» أو بمعنى أصح «إحنا مشينا.. وهو كمان لازم يمشى» ثم استطرد موضحاً: إذا كانت الحكومة الإخوانية - بناء على تصور الغاضبين - قد اختارت هذا الوزير ليقود سفينة الثقافة على شرف انتمائه للجماعة متسقاً مع توجهاتها ومنفذاً لها- فلماذا يركزون هدفهم الرئيسى فى ضرورة إقالته.. وليس إقالة الحكومة ؟!.. بل إنهم أعطوا د.«هشام قنديل» مهلة (27) ساعة لإقالة الوزير.. وإلا صعدوا الأمر تصعيداً خطيراً.. وهل هم يتصورون مثلاً أنهم إذا نجحوا فى إقالة الوزير سوف يتمكنون من الإتيان ب «ثروت عكاشة» وزيراً للثقافة؟!. وإذا كان التعديل الوزارى الأخير قد استكمل الأخونة ورسخ هدف «التمكين» فإن ذلك يعنى- بوضوح لا مواربة فيه- أنهم ماضون لتحقيق رسالتهم المقدسة دون مبالاة بصراخ المتشنجين.. والقافلة تسير لأنها تمثل من وجهة نظرهم- الحق وجوهر اليقين.. وإذا كان أرباب « التمكين» وهم يعبثون بالوطن إنما هم يدافعون عن وجودهم حتى الرمق الأخير.. حتى لو احترقت الأرض وغابت الشمس واسودت الحياة.. وبالتالى فإنه من العبث أن نتساءل عن معايير اختيار الوزراء.. فإذا عرف السبب بطل العجب..احمل «قيثارتك» يا خيرت واعزف فى الشارع أمام الأوبرا.. وفى الميادين.. وغنى يا ''شاكر'' فى الجماهير المحتشدة.. واصدح يا «حجازى» بقصائدك فى الطرقات.. فالفنون لا تستقيل.