لقى الأمر الملكى الذى أصدره العاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيز الاثنين الماضى، الذى يقضى بتحويل رئاسة الحرس الوطنى إلى وزارة، وتعيين نجله الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز وزيرا لها، أصداء إيجابية واسعة داخل المملكة، ومتباينة خارجها، لما يمثله هذا القرار من أهمية بالغة، وتحول استراتيجى هائل ومفاجئ، وقفزة واسعة إلى المستقبل من فوق ركام الوضع الراهن العربى، خصوصا فى ظل الفوضى التى تمر بها المنطقة العربية التى خلفتها ثورات الخريف العربى وأودت فيما يبدو على ما كان يسمى حتى عهد قريب بالأمن القومى العربى، الذى تلاشى بعد تسلل الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم فى مصر الحليف الاستراتيجى للمملكة طوال العقود الماضية، وبعد أن اتخذ الإخوان المسلمين عدة مواقف ربما اعتقدت بعض الدوائر فى المملكة ودول مجلس التعاون الخليجى باستثناء قطر أنها ليست ودية خصوصا علاقة الإخوان المسلمين بإيران، التى طالما أعلنت عن أطماعها التوسعية فى منطقة الخليج العربى، وتدخلها السافر واللحوح فى الشئون الداخلية لمملكة البحرين التى تتعهد المملكة العربية السعودية بحمايتها والذود عنها ضد أية تدخلات خارجية أو قلاقل داخلية، واستمرار الاحتلال الإيرانى للجزر الإماراتية الثلاث طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى، ورفضها الاستجابة إلى المطالب الإماراتية بالذهاب إلى محكمة العدل الدولية. ويبدو أن الأوضاع التى تشهدها العراق وتفكيك الجيش العراق عام 2003 م والحرب الدائرة فى سوريا وانقسام الجيش السورى، وانغماس الجيش المصرى فى الواقع المحلى المتردى فى ظل نوايا ودعوات إخوانية وإن كانت لا تزال خافتة بإضعافه، أو ربما تفكيكه على شاكلة النموذج العراقى. ما أود قوله أن الوهن الذى تغلغل فى الجسد العربى، وخروج الجيوش العربية الحليفة من معادلة الأمن العربى، وانصراف الدول العربية إلى أوجاعها الداخلية، ومؤكد وجود أسباب كثيرة أخرى دفعت بالمملكة العربية السعودية التى تمتلك أقوى اقتصاد عربى، وأكبر احتياطى للنفط فى العالم إذ يمكنها من الإنتاج بالمعدل الحالى وهو 5,12 مليون برميل يوميا لمدة 140 سنة قادمة إلى تحويل رئاسة الحرس الوطنى التى أسسها الملك عبد العزيز آل سعود عام 1368ه وتولاها من بعده أبناؤه بالرعاية والتطوير والتحديث المستمر إلى وزارة تتمتع بالجاهزية والكفاءة والاستعداد لمواجهة أية تهديدات داخلية أو خارجية وتتمحور طبيعة عملها فى مساندة القوات المسلحة بوزارة الدفاع أثناء الحرب ضد عدو خارجى، ومساندة وزارة الداخلية عند اختلال الأمن الداخلى والسلم الأهلى ومكافحة الإرهاب والمنظمات الإرهابية.
الآن وقد دخل الحرس الوطنى السعودى طورا جديدا فى إطار منظومة عسكرية سعودية فائقة التدريب والجاهزية ليشكل قوة رادعة يعمل لها الطامعون والمتمردون سواء كانوا دولا أو جماعات أو أفرادا ألف حساب، فهو منوط جنبا إلى جنب مع وزارة الدفاع السعودية بالذود عن مكتسبات المملكة وحدودها الجغرافية المترامية التى تعادل مساحتها 70٪ من قارة أوروبا، كما أنه يقوم مع وزارة الداخلية فى حالة ما إذا استدعى الأمر التدخل لتأمين موسم الحج والعمرة ومواجهة من تسول له نفسه من بعض الدول فى استخدام شعيرة الحج فى أغراض سياسية أو طائفية. وللحقيقة فإن دور الحرس الوطنى السعودى لم يقف فى السابق عند حد الدفاع عن مكتسبات المملكة، بل نقله رئيسه السابق الملك عبدالله بن عبدالعزيز بفكره النير، وتخطيطه الاستراتيجى، ونظرته الثاقبة إلى أدوار تنموية متعددة، شملت جميع المجالات التعليمية والصحية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها، كما جمع الحرس الوطنى السعودى بين السيف والقلم من خلال تنظيمه مهرجان الجنادرية الثقافى الذى يقدم كل عام أبهى وأنقى الصفحات للإنسان العربى السعودى إضافة للمطبوعات من كتب ومجلات ومواقع إلكترونية تمثل رافدا أساسيا للثقافة العربية فى شتى المجالات العسكرية والصحية والأدبية لتكون شعاعا تنير جنبات المملكة وأرجاء الوطن. وأخيرا فإن المملكة التى أخذت على عاتقها دوما مجابهة كل الأطماع المحدقة بالعالم العربى والوقوف حائط صد منيعا فى وجه كل الأعداء تقدم اليوم أنموذجا على مواصلة العطاء العربى، فالحرس الوطنى السعودى بالقطع سيشكل إضافة للقوة العربية فى وقت تسعى فيه بعض القوى الدولية والإقليمية والجماعات المحلية إلى القضاء على مكونات القوة العربية، فالحرس الوطنى ذراع عسكرية عربية تستلهم قوتها من روح مؤسسها الملك العروبى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز