إلي هؤلاء الذين تصوروا أن هناك قلقا أمريكياً تجاة التقارب المصري الإيراني وتوهموا ردة فعل أمريكية غاضبة تجاه ماوصف بالتحالف الإيراني المصري، أو الذين ربطوا بين زيارة نجاد للقاهرة وبين تصريحات أمريكية تندد بممارسات العنف ضد المتظاهرين في أنحاء مصر.. إلي هؤلاء عليهم أن يصححوا تصورهم هذا، فالعكس هو الصحيح، فعلاقة الولايات بنظام الحكم الحالي في مصر تسير وحتي لحظة كتابة هذه السطور متوافقة علي درجة كبيرة، وهذا هو التعبير الذي استخدمه مسئول في الإدارة الأمريكية قبل أسبوع، ومسألة زيارة أحمدي نجاد جري استخدامها لصالح سياسة أمريكية تستهدف الضغط علي طهران في موضوعين أساسيين أولهما سوريا وثانيهما ملف إيران النووي.
وإذا نظرنا إلي تصريحات المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند قبل عدة أيام وهي التصريحات التي تجاهلتها وسائل إعلام عدة، عندما سئلت عما إذا كانت واشنطن قلقة من التقارب المصري الإيراني أو بمعني آخر زيارة أحمدي نجاد للقاهرة والتي تعد الزيارة الأولي لمسئول إيراني كبير - علي نفس المستوي - للقاهرة منذ العام 1979 وذلك بعد زيارة رئيس مصر لطهران قبل بضعة أشهر، سارعت نولاند بطمأنة الجميع بقولها «إنها فرصة للحكومة المصرية لأن تبلغه وبقوة، نفس الرسالة، رسالة المجتمع الدولي حول سلوكهم النووي، وسلوكهم الإرهابي، وهلم جرا». وعندما سئلت عما اذا كانت واشنطن راضية ولديها ثقة في قيام مصر بالالتزام بهذا الدور سارعت نولاند بالدفاع عن التزام الرئيس محمد مرسي بالأمر وقالت إن مرسي كان دوما قويا في التعبير عن مخاوفه فيما يتعلق بسلوك إيران النووي، وأضافت شارحة النهج الأمريكي هذا بالنسبة لإيران: «نهجنا هو تشجيع إيران علي تبرئة نفسها حول ما يجري في برنامجها النووي، وسنتخذ خطوات ردا علي ذلك - أي تصرف إيران - علينا أن نعود إلي طاولة إذا ونحن في طريقنا لاختبار هذا النهج». أما فيما يتعلق بردة الفعل الأمريكية حول الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان وعمليات التعذيب والسحل واغتصاب النساء ضد المتظاهرين وضلوع الفصيل الحاكم في مصر ومن ثم السلطة في هذه الانتهاكات، فنولاند تحدثت عن حث مصر علي تطبيق القانون وكيف أن الولاياتالمتحدة تتابع الأمر، قبل أن تنبري مرة أخري في الدفاع عن الموقف الأمريكي، قالت إن مصر حاليا لديها رئيس منتخب ديمقراطيا ويجب أن يكون رئيسا لكل المصريين ويجب أن يعمل مع مسئولي الأمن لضمان وجود بيئة سليمة وآمنة لجميع المواطنين في البلاد للتعبير عن أنفسهم بشكل سلمي - مادامت سلمية. يجري ذلك بينما يحادث وزير الدفاع الأمريكي نظيره المصري هاتفيا بعد أن أرسل للقاهرة رئيس الأركان وقبلها دفعة طائرات «إف 16 » - وللعلم هذه الطائرات جزء من دفعة كان متفقا علي تسليمها في هذا الموعد قبل سنوات - هذه المعطيات تفسر كيف أن الإدارة الأمريكية ومنذ تفاقم الوضع في مصر قبل أسبوعين وعينها علي الشارع المصري، لذا نجد المتحدثين باسم البيت الأبيض والخارجية يطالبون جميع الأطراف الفاعلة بالهدوء وتجنب العنف تارة ثم ما يلبثون أن يعدلوا قليلا من تصريحاتهم وذلك بفعل مؤشر رئيسي يحركهم وهو توجه الرأي العام في الشارع المصري، وذلك بالتوازي مع محاولات مرسومة للسفيرة الأمريكية في القاهرة للتهدئة بين السلطة الحاكمة وبين أطراف بعينها في المعارضة بمصر. يأتي ذلك بينما يعلن أمريكيا عن زيارة وزير الخارجية الجديد جون كيري لمصر ودول المنطقة الأسبوع المقبل، ونجد كيري نفسه يشدد علي أن عملية السلام ستكون ضمن أچندته وكذلك الاضطراب السياسي الحادث بمصر، ثم نجد بعدها البيت الأبيض يعلن عن زيارة أوباما الأولي كرئيس لإسرائيل والضفة الغربية والأردن وهو إعلان أتبعه إعلان آخر بأن إطلاق مبادرة سلام جديدة للشرق الأوسط لن تكون ضمن أولويات زيارة أوباما!!، فما الذي يحدث حقيقة ولماذا لم تدرج القاهرة التي خصها أوباما بزيارته الأولي بعد فوزه بالرئاسة عام 2008 الواضح أن واشنطن حتي الآن لم تدرج القاهرة لأن ثمة ترتيبات تجري لزيارة محمد مرسي للولايات المتحدة، وأن أفكار إدراج القاهرة علي جدول الزيارة لم تناقش بعد وينظر لها بحذر، ولكنها موجودة، وأن عملية السلام بند موجود، لكن لاتريد واشنطن استباق أمر غير مضمون نجاحه بسبب الحليف الإسرائيلي وبانتظار نتائج جولة جون كيري الذي حرص علي إعلان اعتزامه زيارة مصر وإسرائيل في إطار جولة في الشرق الأوسط، في أول رحلة له في وظيفته الجديدة وذلك فور قيامه بأداء اليمين أمام قاضية من المحكمة الدستورية العليا الجمعة قبل الماضية، ودون أن يضيف أية تفاصيل. وحيث سيناقش مع القاهرة موضوع لقاء مرسي بأوباما. وحسب ما فهمت من متنفذين في واشنطن فإن كيري لديه توقعات في الحصول علي المزيد من القاهرة ولصالح المصالح الأمريكية قريبة وبعيدة المدي فهو كان أول من التقي رسميا بجماعة الإخوان المسلمين في مصر في ديسمبر 2011 مدشنا شكلا تفاعلا جديدا للعلاقة بين الولاياتالمتحدة والإخوان، وأستعير هنا قول هؤلاء بأن «المهمة في القاهرة لن تقتصر علي إحياء عملية السلام، بل بالأساس ستركز علي الاضطراب السياسي والاحتجاجات العنيفة في جميع أنحاء البلاد وستشمل مناقشة الموقف الصعب الذي تمر به مصر اقتصاديا وسياسيا مع تصاعد العنف ضد المتظاهرين، وهو بند آخر سيتعين علي الحكومة المصرية شرح ملابساته.. إن مصر مهمة للولايات المتحدة وبينما ستستمر واشنطن في دعم العملية الديمقراطية وخيار الناخب المصري، فإن خطورة الوضعين الاقتصادي والسياسي بدرجة قد تهدد بسقوط وانهيار الدولة وقد أخذت واشنطن تحذيرات وزير الدفاع المصري السيسي بهذا الشأن بجدية مطلقة فآخر ما نرغب في رؤيته يحدث في دولة مهمة لنا كمصر حدوث ثورة عارمة قد تستمر طويلاً وتهدد بمواجهات أهلية أو حدوث انقلاب عسكري.