بينما الأنظار متجهة إلي مصر تراقب وتتابع باهتمام بالغ وقلق عميق ما يحدث فيها، أكد البيت الأبيض 'دعمه 'لمصر' لحليف في الانتقال من سنوات الاستبداد إلي الديمقراطية'، وحذرت الخارجية الأمريكية يوم الأربعاء مواطنيها من السفر إلي مصر. وكانت الخارجية ذاتها في رد فعلها علي الأحداث الدموية الأخيرة أدانت بشدة أعمال العنف والاعتداءات الجنسية ضد النساء، وطالبت بالتحقيق فيها ومحاسبة المسؤولين عنها. وإذا كانت مصر تسلمت يوم الأحد الماضي 4 مقاتلات من طراز 'F16' من أمريكا، فإن ليون بانيتا، وزير الدفاع الأمريكي 'الذي سيترك منصبه قريبا' اتصل هاتفيا الثلاثاء بنظيره المصري عبد الفتاح السيسي 'ليطلع علي آخر التطورات السياسية في مصر، ودور القوات المسلحة المصرية خلال التظاهرات الأخيرة، ويعبر عن الالتزام الأمريكي تجاه العلاقة العسكرية بين البلدين'. وكما أشار بيان صادر من البنتاجون حول هذه المحادثة فإن السيسي أكد 'التزام القوات المسلحة المصرية بمعاهدة السلام مع إسرائيل، وبأن سيناء لن تستخدم كقاعدة لتهديد إسرائيل'. وأن 'بانيتا أثني لنظيره المصري علي جهوده المتعلقة بدعم الأهداف الدفاعية المشتركة بما فيها سيناء وأمن الحدود'. 'نحن لا نقوم بأي تغييرات في برنامجنا للمساعدات بناء علي زيارة لزعيم أجنبي'، هذا ما قاله جاي كارني، المتحدث باسم البيت الأبيض، ردا علي سؤال طرح عليه في البيت الأبيض بعد ظهر الأربعاء. وكان السؤال: بعد زيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للقاهرة هل الولاياتالمتحدة ما زالت ستعطي عدة مليارات من الدولارات كمساعدات لمصر؟ وقد أوضح كارني موقف واشنطن قائلا: 'موقفنا من دعم مصر هو دعم لحليف في عملية الانتقال من سنوات الحكم الاستبدادي إلي الديمقراطية. ونحن أوضحنا وجهة نظرنا بخصوص تلك القضايا مثلما فعلنا أخيرا خلال بعض المظاهرات والتوتر في مصر. ونحن نعتقد أن التزام مصر بواجباتها ومعاهداتها مهمة جدا، وأن العملية بحاجة إلي أن تستمر في مصر، بحيث يكون متاحا للمصريين أن يحققوا مستقبلا ديمقراطيا وأكثر رخاء'. وفي مساء اليوم نفسه 'الأربعاء' أصدرت الخارجية الأمريكية تحذيرا لمواطنيها من السفر إلي مصر. وهذا التحذير أو الإنذار ساري المفعول حتي يوم 4 مايو المقبل. وحسب ما جاء فيه فإن الخارجية الأمريكية تحذر المواطنين الأمريكيين المسافرين والمقيمين في مصر من الاحتمال الوارد لاضطراب سياسي واجتماعي وأحداث عنف. وتحث الخارجية المواطنين الأمريكيين علي أن يظلوا منتبهين للتطورات الأمنية المحلية ويكونوا حذرين في ما يخص أمنهم الشخصي. وقد علق ماكس فيشر، الكاتب ب'واشنطن بوست' علي هذا الأمر، قائلا بأنه 'خبر سيئ لمصر والسياحة بها'، وذكر أيضا 'علي الرغم من أن مثل هذه التحذيرات أمر معتاد، فإنه تذكرة بأن الخارجية الأمريكية لا تشجع بالتأكيد الأمريكيين علي زيارة مصر في أفواج، وهذا الأمر لم يحدث منذ 2011 علي كل حال'. بالنسبة إلي الصحف الأمريكية الكبري والشبكات التليفزيونية الشهيرة التي كانت تلهث خلال الأسبوع الماضي لمتابعة ورصد الأوضاع المتأزمة.. والدموية في مصر، فإن الأمور هدأت بعض الشيء بالنسبة لها، إلا أنها لم تنسحب من الساحة، فما زالت تتابع وتتأمل المشهد المصري والشباب الرافض للهيمنة الإخوانية والنساء المتحديات للتحرش والاعتداء الجنسي. وبالمناسبة هذه القضية الأخيرة تحديدا 'وتحية لكل نساء مصر' لن تموت أبدا علي الساحة الأمريكية والعالمية وفي دوائر المهتمين والمهتمات بقضايا حقوق الإنسان والمرأة. أما الشيء اللافت للانتباه 'وجدير بالإشارة' أن أغلب التصريحات المنسوبة إلي مسؤولين في مناصب حكومية أو إلي قيادات إخوانية أو من حزب الحرية والعدالة، التي تنشر أو تبث في الإعلام الأمريكي، تشير إلي 'أن وسائل الإعلام تبالغ في نقل الواقع'، وأيضا إلي 'أن القيادات السياسية الحالية تحاول جاهدة إصلاح الأمر، إلا أن ما تبقي من الماضي يعرقل الجهد المبذول والنية الحسنة من جانبهم'. واذا كان البعض مر مرور الكرام أمام ما قالته الخارجية عن المشهد الدموي والعنف الأمني وسحل 'حمادة صابر'، فإن لهجة التناول واختيار الكلمات والتشديد علي القضايا كانت بلا شك مختلفة عما سبق 'أنها أدانت هذه المرة وبشدة وطالبت بمحاسبة المسؤولين، وهذا لمن يعنيه الأمر وتهمه المسألة'. فالسؤال كما طرحته 'التحرير' كان يخص 'السحل'، إذ بفيكتوريا نولاند، المتحدثة باسم الخارجية، تتناول أيضا قضية الاعتداءات الجنسية علي النساء. وهنا أيضا يجب الإشارة، إلا أن نولاند لم تستخدم تعبير 'التحرش' بل ذكرت وكررت تعبير 'الاعتداء الجنسي'. وبالطبع لمن يعرف الأمر يعرف الفارق، ومن يعرف أو تعرف الفارق تعرف كيف تتعامل مع هذه القضية المؤلمة والمهينة للمرأة وللمجتمع الإنساني. وقالت نولاند: 'نحن ندين بشدة أعمال العنف والاعتداءات التي حدثت أخيرا في مصر، ونحن منزعجون للغاية من تلك الأحداث بما فيها الاعتداءات الجنسية ضد النساء وضرب رجل أعزل الأسبوع الماضي. ونحن علمنا أن الحكومة في مصر قد اعتذرت الآن بخصوص ضرب الشخص'، وأضافت: 'ونحن قلقون أيضا بأن هذا العنف ضد النساء يمنع النساء من ممارسة حقهن في التجمع السلمي وحرية تكوين الجماعات وحرية التعبير'. ثم قالت 'ونحن نحث حكومة مصر علي أن تقوم بالتحقيق الشامل والموثوق فيه والمستقل لكل دعوات العنف والانتهاكات من جانب مسؤولي الأمن والمتظاهرين، وأن تقدم الجناة للعدالة. إن المحاسبة أفضل وسيلة لمنع تكرار مثل هذه الحوادث'. وردا علي سؤال آخر في ما بعد كررت نولاند المعني ذاته 'لهذا السبب نحن نطالب بشدة اليوم بإجراء تحقيقات لكل هذه الحوادث، لأنه يجب أن توجد محاسبة. وهذه هي أفضل طريقة لضمان أن المناخ يتحسن سواء في ما يخص الأمن العام لمواطنين يمارسون حقوقهم سلميا وضمان منع العنف من جانب المتظاهرين'. ويبدو أن سؤال محاسبة التعامل الأمني سيتكرر طرحه في الأيام المقبلة. ومما قالته نولاند أيضا: 'إن المصريين شاركوا في ثورتهم من أجل جلب الديمقراطية، ومن أجل سيادة القانون والحرية للجميع، وليس من أجل المزيد من العنف والمزيد من الاعتداءات الجنسية وأعمال السلب. وأن كل المصريين بصرف النظر عن الجنس والانتماء السياسي أو الدين يحق لهم التجمع الآمن في الأماكن العامة دون الخوف من العنف. ونحن ندعو الحكومة المصرية إلي أن تجعل هذا ممكنا'، وقالت أيضا: 'نحن الآن في مصر يوجد بها رئيس منتخب ديمقراطيا، الذي يجب أن يكون الرئيس لكل المصريين، وعليه أن يعمل مع مسؤولي الأمن، من أجل ضمان أن هناك مناخا سليما وآمنا لكل مواطني الدولة، لكي يعبروا عن أنفسهم سلميا.. ما دام أنهم سلميون'. وبما أن جون كيري، وزير الخارجية الجديد، تسلم مهام منصبه هذا الأسبوع، فإنه في اتصالاته الهاتفية المتواصلة تحدث يوم الثلاثاء مع كاترين آشتون، مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي، ومن ضمن ما تحدث، تناول أهمية دعم العملية الانتقالية في مصر. كما أن كيري اجتمع في اليوم ذاته مع فريق مكتب الشرق الأدني بالخارجية. وهو الفريق المتابع والمراقب والمحلل للأوضاع في المنطقة وفي مصر بالطبع. كيري من جهته يواصل اتصالاته ولم يعلن بعد عن زيارته الخارجية الأولي، التي قد تشمل مصر أيضا. لا أحد يريد أن يؤكد أو ينفي ذلك. وبالطبع كان الحديث مساء الثلاثاء الماضي عن زيارة أوباما لإسرائيل خلال فصل الربيع. بعض الصحف الإسرائيلية حددت الموعد، وقالت إن الزيارة ستكون في 20 مارس، إلا أن البيت الأبيض لم يكشف بعد عن موعد الزيارة والرحلة. وهذه الزيارة ستكون أول زيارة لأوباما كرئيس لإسرائيل. وذكر أن ما سيحاول الرئيس أوباما تحقيقه هو 'تجاوز الصدام أو الاحتكاك السياسي الذي ظل مهيمنا علي الأجواء خلال السنوات الأربع الماضية بينه وبين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي تحديدا'. ومما نقل عن جاي كارني المتحدث باسم البيت الأبيض: 'إن بداية الولاية الثانية للرئيس وتكوين حكومة إسرائيلية جديدة يوفران الفرصة لإعادة تأكيد الروابط العميقة والمديدة بين الولاياتالمتحدة وإسرائيل، وأيضا لمناقشة التحرك إلي الإمام في عديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك، ومنها بالطبع إيران وسوريا'. وقال كارني: الزيارة ستشمل أيضا الأردن والضفة الغربية. ولم يتردد المراقبون في التساؤل عما إذا كان من المتوقع أن يكشف أوباما اقتراحات محددة من أجل جمع الإسرائيليين والفلسطينيين معا من جديد أو المبادرة بعملية سلام جديدة. وكان أوباما قد زار إسرائيل، وهو مرشح للانتخابات الرئاسية عام 2008. إلا أنه لم يزرها كرئيس، ولهذا تم انتقاده من أنصار إسرائيل، علي أساس أنه لم يذهب إلي الدولة العبرية الصديقة، في حين زار دول أخري في المنطقة ومنها مصر في يونيو 2009. ويذكر أن من الرؤساء الأمريكيين الذين زاروا إسرائيل في أثناء وجودهم في البيت الأبيض، زارها كل من ريتشارد نيكسون وجيمي كارتر مرة واحدة وجورج بوش الابن مرتين وبيل كلينتون 4 مرات. وكما يبدو هنا في واشنطن، فإن ملف عملية السلام يحظي باهتمام لإعادة إحيائه من جديد وعلي أرفع المستويات.