واشنطن لم تخفِ قلقها تجاه ما يحدث فى مصر هذه الأيام، وإن كانت تحفظت فى إبداء هذا القلق، وتعاملت معه ب«دبلوماسية» وابتعدت عن المواجهة و«توجيه اللوم» لطرف دون الآخر. كما أنها وبعد أن لزمت الصمت لأكثر من 48 ساعة اكتفت بإدانة العنف الدائر بشدة وقدمت التعازى لأسر الضحايا ورحبت بالدعوة للحوار الوطنى وأكدت ضرورة استخدام الطرق السلمية فى التعبير والاعتراض، وأعلنت أنها تتابع وتراقب باهتمام وقلق الموقف عن كثب.. فى ما يخص قانون الطوارئ وإدارة الحكومة المصرية للأزمة. وقد جاء الحديث علنا عن هذه المواقف بينما صدر من البيت الأبيض والخارجية الأمريكية يوم الإثنين أول من أمس. خصوصا أن الوضع المتوتر أو المتفجر فى مصر كان قد تصدر نشرات الأخبار التليفزيونية فى الشبكات الأمريكية واحتل الصفحات الأولى للصحف الأمريكية بالصور والتقارير لكى تخلق أجواء ترقب وانتباه وقلقًا وتوجسًا وتخوفًا من تداعيات تفاقم الموقف المتردى! إلا أنه يبقى السؤال الأهم: كيف سيكون رد فعل واشنطن فى الأيام القليلة المقبلة؟ وهل ستكون كلمتها أوضح عبارة وأعلى صوتا؟! فى الإيجاز اليومى للبيت الأبيض (الإثنين) قال جاى كارنى المتحدث باسم البيت الأبيض: «نحن ندين بشدة العنف الذى جرى حديثا فى العديد من المدن المصرية. ونحن نبعث بالتعازى إلى أسر هؤلاء الذين قتلوا وهؤلاء الذين جُرحوا. ونأمل أن يقوم كل المصريين بالتعبير عن أنفسهم سلميا، ومن كل القيادات المصرية أن توضح بأن العنف غير مقبول». وقال كارنى أيضا: «نحن نرحب بالدعوات الجادة لحوار وطنى من أجل تفادى عنف أكثر وإيجاد طرق سلمية للتحرك قدما بالعملية السياسية وبناء الوحدة الوطنية». ثم أضاف: «أن المصريين شاركوا فى ثورتهم من أجل تحقيق الديمقراطية والحرية وليس للسعى إلى أهدافهم من خلال العنف. ونحن نحث كل المصريين أن يستفيدوا من العملية الديمقراطية سلميا بينما يواصلون انخراطهم مع حكومتهم.. ونحن انخرطنا مباشرة مع الحكومة المصرية بينما يتحركون قدما على الطريق الصعب نحو ديمقراطية أكبر وسيادة القانون. ونحن سنواصل عمل ذلك». أما فيكتوريا نولاند المتحدثة باسم الخارجية بعد تكرار ذكر بعض ما ورد فى البيت الأبيض قالت أيضا: «من الواضح أنها كانت أياما عصيبة وعنيفة جدا بالنسبة إلى المصريين. وأننا مثل المصريين بكل التأكيد نأمل من الحكومة المصرية أن تقدم للعدالة هؤلاء المسؤولين عن حالات الموت والإصابات، سواء حدثت تلك من جانب المتظاهرين أو من جانب الأمن». وأضافت: «ومن الواضح أننا نأمل أن يتحقق ذلك فى إطار القانون. كما أنه من الواضح أننا نتابع كيف سيسير الأمر بهذا الخصوص. ونحن نتابع كيف أن قانون الطوارئ الذى تم تفعيله سيتم تطبيقه آخذين فى الاعتبار تاريخ هذا القانون فى مصر.. ما هو الأمر الأهم هو أن تحترم الحكومة المصرية حقوق كل المصريين فى أن يأخذ القانون مجراه». وقد تدفقت الأسئلة، وأسئلة المتابعة لنولاند لكى يصل عددها إلى نحو 20 سؤالا حاول الصحفيون من خلالها كشف ومعرفة موقف واشنطن المحدد والواضح من الأحداث الجارية فى مصر، وموقف الإدارة من الرئيس محمد مرسى وإدارته للأزمة الراهنة. ملاحظة عابرة: نولاند وهى تعلن «موقف الإدارة الأمريكية» قالت إن الإدارة «تدين بشدة» العنف ولم تقل أبدا إنها «ترحب بشدة» بالحوار الوطنى. أذكرها لأن بعض الصحف المصرية يبدو أنه «أخذتهم العزة» ففخمت الترحيب وخسفت التنديد.. وكل هذا بالطبع فى إطار «المهنية الصحفية» و«تحقيق الاستقرار» ربما! والمتحدثة باسم الخارجية صرحت: «أننا نأمل من كل المصريين أن يعبروا عن أنفسهم سلميا ومن كل القيادات المصرية فى أن تعمل إيجابيا من أجل منع عنف أكثر» وقالت أيضا «إن الشعب المصرى يريد أن يرى أن الثورة والتغيير التى حاربوا من أجلها تنجح بطريقة سلمية وديمقراطية. وهذا هو ما نتطلع إليه نحن جميعا». وعندما سُئلت هل ترين أن هذا القانون للطوارئ يختلف عن ما تم تطبيقه من قبل؟ وعما إذا كان الوضع مختلفًا هذه المرة؟ قالت نولاند: «أعتقد أن الأسباب المؤدية لإعلانه مختلفة بكل وضوح. والوضع فى مصر مختلف بكل تأكيد». وحرصت نولاند مع ردها على أغلب الأسئلة أن تكرر القول «إننا نتابع الموقف عن كثب». ومع طرح السؤال هل أنتم راضون بالطريقة التى تتعامل بها الحكومة المصرية مع المظاهرات والمتظاهرين أجابت نولاند: «مرة أخرى، علينا أن نرى كيف ستسير الأمور.. وتوجد مجموعة أمور نحن نتابعها ومنها طريقة تحرك المتظاهرين وطريقة تعامل الشرطة معهم ثم مسألة كيف سيتم تطبيق قانون الطوارئ». وفى معرض ردها على أسئلة الصحفيين قالت نولاند: «إن السفارة (فى القاهرة) أُغلقت (الإثنين) مبكرا وتم انصراف الموظفين بها لأن كانت لدينا تقارير تقول إن أعدادًا كبيرة من البشر ستكون فى الشوارع. ونحن كما هو واضح قمنا بتقييم هذا كما نفعل دائما على أساس يوم بيوم». وذكرت أيضا «أن الرئيس مرسى اتخذ الإجراءات الأمنية وقدم عرضًا بحوار وطنى فبالتالى علينا أن ننظر كيف ستسير الأمور قدما». وتفادت نولاند الحديث تفصيلا وتحديدا عن الغضب السائد فى الشوارع والمشهد السياسى بوجه عام مشيرة إلى «أننى لن أضع نفسى فى رؤوس هؤلاء البشر المختلفين» وقولها المتكرر «بأننا نريد أن نرى هذه الأشياء يتم حلها سلميا». وعندما سُئلت نولاند هل أنتم على اتصال مع القوى السياسية الأخرى بجانب السلطات فى مصر قالت نولاند «نحن دائما فى اتصال دائم مع كل القوى فى مصر وعندما طرح السؤال من جديد هل هذا كان فى القريب العاجل أم كان ما جرى من قِبل؟ «هذا حوار دائم مع كل الأطراف فى مصر خصوصا عندما تشتعل الأمور». كما أن نولاند ردا على سؤال حول التوتر فى مدن القناة والملاحة عبر قناة السويس قالت «ليس لدى شىء محدد فى هذا الأمر. ومن الواضح أن حرية الملاحة عبر القناة لهى أمر أساسى لنا جميعا فى التجارة العالمية». وإجابة لسؤال حول إرسال صفقة القاذفات «إف 16» أشارت إلى أن الصفقة تأتى فى إطار التعاون العسكرى القائم والمستمر بين البلدين. وأن الخارجية تحدثت من قبل فى هذا الأمر عندما طالبت وزيرة الخارجية باستمرار المعونة. وأن الصفقة كما قالت نولاند «جزء لا ينفصل ليس فقط من قدرة مصر فى الدفاع عن نفسها بل قدرتها لتحقيق مسؤولياتها الأمنية فى المنطقة». أما عن مصير ال450 مليون دولار كدعم اقتصادى والمقرر منذ أشهر قالت نولاند «إنها ما زالت معلقة.. ونحن مستمرون بالعمل مع الكونجرس لصرفها». ولا شك أن الوضع المتأزم فى مصر سيكون موضع تساؤل فى اللقاءات العامة والحوارات الإعلامية التى ستجريها هيلارى كلينتون خلال الساعات والأيام المقبلة، وهى تودع الخارجية مع نهاية هذا الأسبوع. ومن المتوقع أن مصر سيتم «التطرق لأمرها وأمنها» وغالبا «أمن سيناء» فى جلسة الاستماع المخصصة لاعتماد تشاك هيجل وزيرا للدفاع غدا الخميس فى مجلس الشيوخ. ومن المرجح أنها ستكون جلسة ساخنة ومطولة للحديث عن أمن إسرائيل والتهديد النووى الإيرانى وتداعيات ما يحدث فى سوريا وأيضا مواجهة أخطار الإرهاب الجهادى وبالطبع كل هذه الأمور معا وتحديدا فى عصر الثورات العربية. كما أن مع بداية الأسبوع المقبل يوم الإثنين القادم يبدأ عهد جون كيرى فى الخارجية الأمريكية. ولم يكن بالأمر المفاجئ ما تردد الحديث عنه فى الأيام الأخيرة بأن كيرى قد «يحزم حقائبه» قريبا ويبدأ جولته الدبلوماسية الأولى، والتى قد تكون إلى الشرق الأوسط بما فيها مصر فى جولة تعارف واطلاع وتبادل لوجهات النظر وطرح للأفكار والتصورات. خصوصا أن المنطقة وربما أكثر من أى وقت مضى تزداد غليانا وتوترا وفى حاجة إلى تدخل دبلوماسى أمريكى لاحتواء الأزمات ودرء مخاطر إهمالها وتجاهلها.. أو ترك مصيرها لدورة الأيام.