فى مقال لإيريك تراجر بمعهد واشنطن نشرته مجلة «GP أتلانتك» الأمريكية قال تراجر: لاشك أن الصعوبات السياسية والاقتصادية المتزايدة التى تواجهها مصر ستشكل العديد من مصادر الصداع السياسى لإدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما خلال السنوات الأربع القادمة، حيث إنه يجب على الإدارة الأمريكية مواجهة خطر أكثر إلحاحا على المدى القصير، يتمثل فى الخوف من أن اندلاع أى هجوم إرهابى كبير فى سيناء، سيعجل بحدوث أزمة أمنية بين إسرائيل ومصر، قد تستغلها جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة ذريعة لتخفيض العلاقات المصرية - الإسرائيلية، وربما إلغاء معاهدة «كامب ديفيد» للسلام بين مصر وإسرائيل.
ولمنع هذه النتيجة يجب على واشنطن أن تمارس ضغوطا فورية على الرئيس المصرى محمد مرسى، لفتح قنوات اتصال مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية، لضمان إدارة أى أزمة من هذا القبيل بشكل مسئول. ويقول تراجر: إن وقوع هجوم إرهابى انطلاقا من سيناء سوف يهدد العلاقات المصرية - الإسرائيلية ليس مجرد فرضية نظرية، لكنه أمر حتمى، نظرا لعدم الاستقرار الجاد فى سيناء. فانهيار قوات الشرطة المصرية منذ الانتفاضة المناهضة للرئيس المصرى السابق حسنى مبارك، فى يناير 2011 أوجد فراغا أمنيا فى الإقليم الصحراوى البالغ مساحته 23 ألف ميل مربع، ويزعم تراجر أن تلك المنظمات الإرهابية الجهادية أسرعت بملء هذا الفراغ والتى من المحتمل أن تشمل تنظيم «القاعدة». وزعم أيضا فى مقاله أن لبعض هذه المنظمات خلايا فى كل من سيناء وقطاع غزة، وأصبح شمال سيناء ملاذا آمنا شنت منه هذه المنظمات 15 هجوما على خط أنابيب الغاز الواصل إلى إسرائيل والأردن خلال العامين الماضيين، منذ الإطاحة بمبارك. وفى غضون ذلك، حاول الجهاديون مرارا وتكرارا استغلال سيناء كقاعدة لشن هجمات ضد إسرائيل، هادفين من وراء ذلك إلى تحقيق هدفين هما قتل الإسرائيليين، وإثارة مواجهة دبلوماسية بين إسرائيل ومصر. وفى 18 أغسطس 2011 نجح الإرهابيون فى إنجاز هذين الهدفين إلى حد ما. فقد قام 12 مسلحا يرتدون زى جنود مصريين بشن هجوم عابر للحدود على حافلة بالقرب من مدينة إيلات الإسرائيلية، أدى إلى مقتل ثمانية إسرائيليين، وإصابة 30 آخرين بجراح، وأثناء هجوم مضاد قتلت القوات الإسرائيلية عن طريق الخطأ خمسة جنود مصريين. ولم يكترث الشارع المصرى على ما يبدو لحقيقة أن الإرهابيين العاملين من بلادهم هم الذين تسببوا فى وقوع هذا الحادث، فردوا بتظاهرات طالبت بإغلاق السفارة الإسرائيلية فى القاهرة، وإنهاء اتفاقات كامب ديفيد. وقد وصلت ذروة الهياج فى التاسع من سبتمبر 2011 بالهجوم على السفارة الإسرائيلية، وصل فيه المهاجمون المصريون على بعد غرفة واحدة مغلقة من مواجهة كان يحتمل أن تكون قاتلة مع الدبلوماسيين الإسرائيليين. واستجاب المجلس العسكرى الذى كان يحكم مصر فى ذلك الوقت على الفور بتخفيف حدة التوترات وبعث إشارات تؤكد التزام مصر بالعلاقات مع إسرائيل. كما يزعم الكاتب أن التهديد الذى يمثله تكرار مثل هذا النوع من الهجوم لايزال مرتفعا جدا، وفقا لما أسفر عنه هجوم الخامس من أغسطس 2012 الذى قتل فيه الإرهابيون 16 جنديا مصريا على طول الحدود بين سيناء وإسرائيل، ويضيف فى مقاله: لكن ظهور جماعة «الإخوان» باعتبارها الحزب الحاكم الجديد فى مصر، سيجعل إدارة أزمة كهذه أمرا محفوفا بالمخاطر، فعلى عكس المجلس العسكرى السابق، ترفض الجماعة إقامة علاقات سياسية مع إسرائيل، وبعثت مرارا وتكرارا بمؤشرات حول نيتها تعديل معاهدة السلام المبرمة فى عام 1979 إن لم يكن إنهاؤها، بشكل أحادى. ومن خلال التركيز فى صميم الموضوع، يقول تراجر: نرى أن جماعة الإخوان قد استغلت هجمات سيناء مرتين كذريعة للمطالبة بإنهاء العلاقات المصرية - الإسرائيلية. وشاركت فى المظاهرات ضد الوجود الدبلوماسى الإسرائيلى داخل مصر، عقب حادث أغسطس 2011 وألقت باللائمة على الموساد الإسرائيلى فى هجوم أغسطس 2012حيث زعمت الجماعة وفقا للكاتب أنه كان جزءا من مخطط يهدف إلى تقويض حكومة مرسى. أضف إلى ذلك التصريحات الأخيرة المعادية من قبل الإخوان، ومن بينها دعوات المرشد الأعلى محمد بديع إلى الجهاد من أجل استرداد القدس، والإعلان الصادر عن المسئول فى الجماعة عصام العريان، الذى قال فيه إن إسرائيل ستدمر خلال 10 سنوات، وأصبح يصعب على المرء تصور قيام الإخوان باحتواء الاحتجاج عقب حادث إرهابى آخر فى سيناء تشترك فيه إسرائيل بشكل مباشر. لكن فى ضوء المصاعب السياسية والمالية المتزايدة التى تواجهها مصر، فقد تستغرق صياغة هذه الاستراتيجية سنوات، ولذا فإن الضرورى الآن هو إقامة قنوات اتصال يمكن من خلالها إدارة الأزمة التالية بين مصر وإسرائيل، والتى قد تقع فى أى لحظة. ويجب على إدارة أوباما على وجه التحديد أن تركز على ضمان قيام الرئيس مرسى بفتح قنوات اتصال مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية، ويجب عليها أن تبلغ الرئيس مرسى بأن غياب هذه القنوات سيعقد جهود احتواء الأزمات المستقبلية بين مصر وإسرائيل الناجمة عن سيناء، وهو ما سيهدد الاستقرار الإقليمى ويضر بشكل أكبر بقدرة الحكومة على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية التى تحتاجها بشدة، وكذلك يجب على الإدارة الأمريكية أيضا أن تبلغ مرسى صراحة أن المساعدات الاقتصادية والعسكرية المصرية هى استثمارات فى مصر التى تحافظ على العلاقات السلمية مع جيرانها، وأنه لا يمكن تجنب الوضع الراهن، الذى يؤدى فيه اندلاع أى شرارة فى سيناء إلى المخاطرة بتمزيق العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإسرائيل. وأخيرا يقول إيريك تراجر إنه يجب على إدارة أوباما أن تقترح التعاون المصرى - الإسرائيلى لوقف تدفق الأسلحة بين سيناءوغزة، قد يمثل نقطة انطلاق للاتصال المباشر بين مرسى وإسرائيل، ويجب على واشنطن أن تخبر مرسى أن مشاركته فى هذا الجهد ستكون بمثابة اختبار مهم حول ما إذا كان سيضع المصالح الوطنية أو المساعى الأيديولوجية فى سلم الأولويات. ويقينا فإن الإصرار على أن يفتح رئيس جماعة الإخوان المسلمين فى مصر قنوات اتصال مع الحكومة الإسرائيلية لا يرجح أن يترتب عليه الحد من أيديولوجيته المناهضة لإسرائيل، مثلما لم يسفر تعامل الولاياتالمتحدة مع الإخوان المسلمين عن تغيير رؤية «الجماعة» المناهضة للغرب بشكل جوهرى. والواقع أن القيام بذلك هو ضرورة لو كانت الإدارة الأمريكية تأمل فى حماية السلام الإقليمى فى عهد ما بعد مبارك. إريك تراجر هو زميل الجيل التالى فى معهد واشنطن ومرشح لنيل شهادة الدكتوراه فى العلوم السياسية من جامعة بنسلفانيا، حيث يكتب أطروحته عن أحزاب المعارضة المصرية. كان فى مصر خلال ثورة الغضب عام 2011نشر مقالات فى فورين بوليسى، وذا آتلانتيك، ونيو ريپبليك وغيرها. من 2006-2007 عاش تراجر فى مصر كزميل فولبرايت فى برنامج الحضارات الإسلامية ودرس فى الجامعة الأمريكية فى القاهرة، حيث حصل على الماجستير فى الدراسات العربية مع التركيز على الدراسات الإسلامية، وشغل منصب مساعد باحث فى معهد واشنطن 2005-2006 بعد التخرج فى جامعة هارفارد فى دراسات الحكومة واللغات العربية والعبرية.